احوال الطريق فى القبض والبسط

بقلم الشيخ: عوض مصطفى

 

الحمد لله الذي أنعم علينا بتبدُّل الأحوال وتقلُّبِ القلوب،
لو ابتلانا بدوام الرخاء لاسترسلنا في الشهوات،
ولو ابتلانا بدوام الشدّة لأحاط بنا العجز واليأس،
بل هو يُقلِّبنا بين القبض والبسط في كل وقت وحين..

الحمد لله أن حظوظنا من الدنيا ناقصة، أفراحنا على وجل، وقلوبنا لا تأمن انتكاسات الأيام، سبحانه يُرَبِّينا بلُطفه فلولا الرخاء لما رُزِقنا نعمة الشكر على الرخاء، ولولا الشدائد لما رُزِقنا الافتقار إليه، الحمد لله القابض الباسط اللطيف الخبيرالحمد لله بعدد ما تقلَّبت أحوال العباد وبعد :

القبض والبسط عند محققي الصوفيه يقبض القلوب بالفقد والوحشة، ويبسطها بالإيناس والبهجة أو يقبض الأرواح بالوفاة، ويبسطها بالحياة.

والقبض والبسط عند أهل التصوف حالتان تتعاقبان على القلوب تعاقب الليل والنهار فإذا غلب حال الخوف كان مقبوضا وإذا غلب حال الرجاء كان مبسوطاً .

فالواصلون اعتدل خوفهم ورجاؤهم فلا يؤثر فيهم قبض ولا بسط

قال القشيري: فإذا كاشف العبدَ بنعت جماله بسطَه وإذا كاشفه بنعت جلاله قَبضه ، فالقبض يوجب إيحاشَه ،والبسط يُوجب إيناسه !!

ومن عرف أن الله هو القابض الباسط لم يَعتِب أحداً من الخلق، ولا يسكن إليه في إقبال ولا إدبار ولم ييأس منه في البلاء، ولا يسكن إليه في عطاء، فلا يكون له تدبير أبداً.

ولكلٍّ من القبض والبسط آداب
فآداب القبض: السكون تحت مجاري الأقدار، وانتظار الفرج من الكريم الغفار
وآداب البسط: كف اللسان وقبض العنان، والحياء من الكريم المنان.

والقبض والبسط: حالاتان يتعاقبان علي الإنسان كتعاقب الليل والنهار
القبض : لا حظ فيه للنفس
البسط : تأخذ النفس حظها منها.
الكريم : أقتضي الأعطاء والأحسان ظاهر في خلقه
المانع : أقتضي ظهور المنع فظهر في عباده
المنتقم : أقتضي ظهوره في قوم وجههم لمخالفته

أعرف منته عليك في الجمال والجلال وأقبل عليه بكليتك .. واستسلم لقهره بروحك و بشريتك تكون عبده حقا وهو ربك حقا وصدقا

فلا يكون المحب صادقا في محبته ولا العارف صادقا في معرفته حتى يستوي عنده المنع والعطاء والقبض والبسط ..والفقر والغناء ..والعز والذل والفقد والوجد .. والحزن والفرح .. فيعرف محبوبه في الجميع

كما قال القائل ( حبيبي ومحبوبي على كل حاله )

قيل: قف على البساط وإياك والانبساطَ

واعلم أن القبض والبسط فوق الخوف والرجاء
وفوق القبض والبسط: الهيبة والأنس
فالخوف والرجاء للمؤمنين
والقبض والبسط للسائرين
والهيبة والأنس للعارفين
ثم المحو في وجود العين للمتمكنين

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل