أعمالٌ تقوم مقام الحج والعمرة

بقلم الشيخ: أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية

بداية نود أن نذكر كلمة جميلة لابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف حيث يقول -رحمه الله :

“إن الله عز و جل لم يفرض على الأمة أعمالًا يقوم بها البعض ويعحز عنها البعض إلا وقد عوّض هذا البعض -العاجز- بعملٍ مماثل يوازن فى الأجر أجر البعض الآخر، حتى تتساوى الأمة كلها فى الفضل والثواب”

ومعنى هذا الكلام: أن الله تعالى حينما يفرض فرائض وأعمال لا يستطيعها كل الناس فإنه يعوضهم بأعمالٍ أخرى تساويها

مثل حديث أهل الدثور -الأغنياء- الفقراء الذين جاءوا يشكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم قلة أعمالهم بجوار الأغنياء الذين ذهبوا وأخذوا الأجر كله فهم يصلون ويصومون كما الفقراء ولكنهم يتصدقون بفائض أموالهم ويحجون ويجاهدون، دلهم النبى صلى الله عليه وسلم على الذكر الذى يساوى كل ذلك وهو أن يسبّحوا الله ، ويحمدوه، ويكبروه ٣٣ مرة بعد كل صلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ألا أحدثكم بما إن أخذتم به لَحِقْتُم من سبقكم ولم يُدرككم أحدٌ بعدكم ، وكنتم خيرٌ من أنتم بين ظهرانيه ، إلا من عمل مثله: تُسبّحون وتحمدون وتكبّرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين” البخاري

* المال لمن استعان به على طاعة الله وأنفقه في سبيل الخيرات المقربة إلى الله سبيلٌ موصل إلى الله ، ولمن أنفقه في المعاصي واستعان به على الأغراض المحرمة سبيلٌ قاطع عن الله ، فسبحان من جعل شيئًا واحدًا سببًا للاتصال به والانقطاع عنه
والآيات والأحاديث الأمثلة على ذلك كثيرة

ثم يقول رحمه الله:
واعلم أن من عجز عن عمل الخير وتمنى حصوله كان شريكًا في الأجر والثواب لفاعله لحديث: لو كان لي مال لعملتُ فيه ما عمل فلان فأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في محاسن العمل وسيئه

ولما كان الحج من أفضل الأعمال والنفوس تتوق إليه وكان كثيرٌ من الناس يعجز عنه شرع الله لعباده أعمالًا تقوم مقام الحج والعمرة فيتعوض بذلك العاجزون عن التطوع بالحج والعمرة، ومن ذلك:

العمرة في رمضان
جعل النبي صلى الله عليه وسلم العمرة فى رمضان تعدل حجة معه لمن لم يستطع الحج معه، فقال لمن فاته الحج معه لبعض النساء: اعتمري في رمضان، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة معى”ّ رواه البخاري
* وقال لعائشة حينما سألته عن الجهاد في سبيل الله: جهادكنّ الحج والعمرة

الذكر بعد صلاة الفجر
ففي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم ” من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كُتبت له حجة وعمرة تامة “
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تامة تامة تامة

وشهود الجمعة يعدل حجة تطوع
قال سعيد بن المسيب: هو أحب إلى ّمن حجة نافلة

العطف على اليتيم والمسكين وإغاثة اللهفان وكشف الضر وإعانة الضعيف
* قال الحسن: مشيك فى حاجة أخيك المسلم خيرٌ لك من حجة بعد حجة

بر الوالدين
ففي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وصّى رجلًا ببر أمه وقال له: أنت حاج ومعتمر ومجاهد ، يعني إذا برها

الخروج للصلاة المفروضة
ففي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
” من تطهر في بيته ثم خرج إلى المسجد لأداء صلاة مكتوبة فأجره مثل أجر الحاج المحرم ، ومن خرج لصلاة الضحى كان له مثل أجر المعتمر ” 
– وقال أبو هريرة رضي الله عنه لرجلٍ: بكورك إلى المسجد يعني حضورك مبكرًا أحب إلى من من غزوتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

أداء الواجبات كلها أفضل من التطوع بالحج والعمرة، فإنه ما تقرّب العباد إلى الله بأحب إليه من أداء ما افترضه عليهم
فهناك من يسهل عليه التنفل بالحج ولا يسهل عليه أداء الوجبات ورد المظالم، وكثير من الناس يثقل عليه التنزه عن كسب الحرام والشبهات ويسهل عليه إنفاق ذلك في الحج والصدقة

كف الجوارح عن المحرمات أفضل من التطوع بالحج وهو أشق على النفوس ، قال الفضيل بن عياض: ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان ، ولو أصبحت يهمك أمر لسانك أصبحت في هم شديد
* ليس الاعتبار ببر الجوارح إنما الاعتبار ببر القلوب وتطهيرها من الآثام فسفر الدنيا يُقطع بالأبدان وسفر الآخرة يُقطع بسير القلوب

إخواني إن حُبستم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس فهو الجهاد الأكبر أو أحصرتم عن أداء النسك فأريقوا على تخلفكم من الدموع ما تيسر فإن إراقة الدماء لازمة للمحصر ولا تحلقوا رؤوس أديانكم بالذنوب فإن الذنوب حالقة الدين ليست حالقة الشعر وقوموا لله باستشعار الرجاء والخوف مقام القيام بأرجاء الخيف والمشعر ومن كان قد بعد عن حرم الله فلا يبعد نفسه بالذنوب عن رحمة الله فإن رحمة الله قريب ممن تاب إليه واستغفر ومن عجز عن حج البيت أو البيت منه بعد فليقصد رب البيت فإنه ممن دعاه ورجاه أقرب من حبل الوريد

* إليك قصدى رب البيت والحجر
فأنت سؤلى من حجى وعمرى
وفيك سعى وتطوافى ومزدلفى
والهدى جسمى الذى يُغنى عن الجزر
ومسجد الخيف خوفى من تباعدكم
ومشعرى ومُقامى دونكم خطرى
زادى رجائى لكم والشوق راحلتى
والماء من عبراتى والهوى سفرى