الأزهر صاحب الرسالة النورانية السامية

بقلم أ.د/ عصام محمد عبد القادر
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر

الأزهر الشريف جامعًا وجامعةً يقصده أصحاب المتعطشون للعلم والمعرفة الأصيلة ويرغب في الالتحاق به أصحاب المنهج الوسطي المعتدل من كل حدب وصوب من شتى بقاع المعمورة؛ بغية التزود من فيض العلم ومجالسة علمائه ذوي الألباب والفكر المستنير في سائر العلوم الشرعية والعربية والثقافية، ومن ثم تتشكل الأفهام الواعية وتصبح سفراء في بلدان ودول العالم؛ لتنشر الفكر القويم وتحارب منحرفيه ومتطرفي الرؤى؛ فتزداد الأرض ضياءً وتنتشر قيم السماحة والسلم والسلام والمحبة والأمان في عالم ملء بالظلم والظلام والضلال والانحراف عن مسار الإعمار.

وللأزهر عظيم المكانة والمكون أدوار مشرفة على مر التاريخ في محاربة الفكر غير المعتدل؛ حيث إنها المؤسسة الوحيدة التي تمتلك الأدوات والتي بها تواجه كل إنحراف ومحاولات تشويه أو طمس للهوية الوطنية أو الإسلامية على السواء؛ فحب الأوطان وتماسك نسيجه وبناء أركانه وإعماره والحفاظ على مقدراته المادية منها والبشرية من أولويات رسالة الأزهر صاحب شعاع النور والضياء في العالم قاطبة.

وتتوالي الأدوار الرائدة للأزهر صاحب الرسالة السامية في مواجهة ومحاربة الفكر الضال، بل والعمل على حل قضايا المتناقضات في العالم بأسره؛ حيث إنه المرجعية الرئيسة التي تتوقف عندها مرجعيات العالم مهما شاع ذيوعها وامتلكت من المقومات؛ فللمؤسسة الأزهرية تفرد يقوم على مبدأ راسخ لا تزحزح عنه ولا تشوبه شائبة على مر الأزمان وتعاقب أجياله؛ ألا وهو حفاظه على الوسطية وأصوله وثوابته المستمدة من كتاب الله العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومنهجية أصحابه ووسطية مذاهبه التي راعت تغيرات الزمان والمكان.

وكل من ينهل من فيض علم ونبغ علماء الأزهر يتمتع بالأمن والاستقرار النفسي ويمتلك مقومات الحفاظ على الطبيعية الإنسانية التي تحمل الخير بين جنابتها؛ إذ يعي مقاصد الشريعة السمحاء ويعمل بمقتضاها لصبح أداة للإعمار لا معول للهدم والتخريب في ميقات تعالت أصوات أصحاب الفكر المتشدد ومن على شاكلتهم ممن يرغبون النيل من وسطية العقيدة ومؤسساتها الشريفة عبر عالم مفتوح غير منضبط.

سيظل الأزهر الشريف شامخًا عظيمًا ذات المكانة والقدر والمقدار على مر التاريخ عامرًا برجاله ومنتسبيه ممن يحملون على عاتقهم بث رسالتهم المنسدلة من منهجه القويم النقي الذي يفوح منه طيب الكلم ويتمخض عنه نبل القيم ويشيع منه ما يجعل الوجدان في مستقر ومأمن يوجه السلوك للطريق المستقيم، ويقي الناس بغيض شرور الفكر من أصحاب الأجندات والغايات غير الحميدة؛ فيحافظ على صحة وسلامة ماهية الفكر والعقيدة، ويزيد من اللحمة الاجتماعية، ويرفع من قدر ومقدار الأخلاق لدى العامة والخاصة، ويوعي المجتمع بدوره تجاه وطنه والاصطفاف من خلفه وقيادته السياسية، ويحفز الجميع على العمل والإخلاص فيه بغية الوصول لحد الإتقان لتحدث النهضة الاقتصادية ببلادنا العزيزة.

ونقول بلسان مبين إن أزهرنا شريف المقصد والغاية سيظل مدافعًا عن منظومة القيم الحميدة التي تحافظ على النسيج المجتمعي من التفكك وضياع وطمس الهوية مهما بلغت التحديات وتعالت أصوات الغي والفساد والانحراف؛ فالرسالة جلية وهي العمل بقصد على خلق جيل تلو جيل يمتلك المقدرة على الإعمار والعطاء ليبني ويعمر وينهض بوطنه ويستطيع أن يخرج ما بين جنباته من أفكار مبتكرة تفيد البشرية جمعاء؛ فقد غدى غرس البني الفكرية القويمة لدى أبنائنا والتي تعد سياج الأمن والأمان والاستقرار؛ ومن ثم تشكل مقومات الإعمار والنهضة على السواء.

ونوقن أن الأزهر سيظل منارةً متقدةً ملهمة مضيئةً للبشرية جمعاء لا تنقطع جهودها حيال تجديد الفكر وتصويب المغلوط منه في ضوء استراتيجيات وطرائق سمحة ومنهج قويم راسخ الأصل والأصول يستهدف دومًا إخماد أو إطفاء نار الغلو والفتن التي تبغي التفرقة؛ فالحق والثابت أن الرسائل السماوية لا تفرق بين البشر، وتدعو للوحدة والرباط ليحيا العالم في سِلْم وسلام؛ لتتمكن الأجيال تلو الأجيال من مواصلة التقدم والإعمار، بما يحقق الغاية من الاستخلاف في الأرض.

ونثق بأن منهج منارة الأزهر تجعل الإنسان معتزًا بذاته، لا يقبل الخنوع والاستسلام والذل والخضوع، ومن ثم يحافظ على هويته وقوميته وكينونته التي خلقه الله عليها؛ فمن أهدافه العليا تعضيد ماهية العزة والكرامة والحرية المسئولة ونبذ القبيح وحب الفضيلة والسماحة، والأخذ بسبل الحكمة والموعظة الحسنة التي يتقبلها العقل ويخفق لها القلب.

حفظ الله الأزهر شعاع النور، صاحب الرسالة النورانية السامية، ووطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *