أصناف الناس في تلقي الذكرى (الموعظة)

بقلم : وفاء سامي ( استشاري وعلاج نفسي -محفظة وداعية اسلامية )

إنَّ الذكرى والموعظة هما غذاء القلوب، وسبب حياة النفوس، ولكن استجابة الناس لها تختلف، فقد جعل الله الناس أصنافًا في تلقي الذكر. والقرآن الكريم يقدم لنا هذا التفصيل، مبينًا أسباب القبول أو الإعراض، ومفسرًا تأثير الذكرى في القلوب.

الأصناف الأربعة للناس في تلقي الذكرى

المعرضون الفارّون من الذكر

هؤلاء لا يحتملون سماع الموعظة، بل يهربون منها كأنها خطر يُهددهم، لأن نفوسهم قد أُشربت الهوى والغفلة. وصفهم الله بقوله: فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة .هذه الفئة لا تقبل الحق مهما وُجِّه إليها، وتعيش في ظلمات الجهل.

من يسمعون بآذانهم ولكن قلوبهم مغلقة

الصنف الثاني هم الذين يستمعون للموعظة بآذانهم ، ولكن أصوات الذكرى لا تصل إلى قلوبهم، لأن الله قد ختم عليها، فهم يسمعون بلا انتباه أو تدبر

قال الله عنهم: ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا ماذا قال آنفًا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم.

إنهم المنافقون الذين تظهر عليهم مظاهر الاستماع، لكنهم في الحقيقة معرضون، فلا أثر للموعظة في حياتهم.

من يقبل الموعظة من بعض الأشخاص فقط

هؤلاء يقيدون الحق بالأشخاص، فهم يقبلون الذكرى والموعظة من أهل المال والجاه فقط، أما إذا جاءتهم من غيرهم رفضوها، وهو مرض قلبي خطير.

لقد أظهر أهل مكة والطائف هذا المرض عندما قالوا عن نزول القرآن: لولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم, أي الوليد بن المغيرة أو غيره ممن يرونه عظيمًا بماله وجاهه ، غابت عنهم عظمة الرسالة وعظمة الرسول، وعلقوا عقولهم بالمظاهر الزائفة.

من ينتفعون بالذكرى من الجميع ويتبعون الخير

أما الفئة الأخيرة فهم أهل القلوب الحية، الذين ينتفعون بالذكرى والموعظة بغض النظر عن قائلها، فالحكمة ضالتهم، يتبعون أحسن القول ويعملون به.

وصفهم الله بقوله: “فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب
هؤلاء ينصتون للحق ويخشعون عند سماعه، كما قال تعالى: والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًا وعميانًا.

مصادر الذكرى: الكتاب المسطور والكتاب المنظور

الله سبحانه وتعالى لم يترك الناس بلا دليل يهتدون به، بل منحهم مصدرين للذكرى

1. الكتاب المسطور: وهو القرآن الكريم، كلام الله الذي يخرج من الظلمات إلى النور، ويهدي القلوب إذا أقبلت عليه بتدبر وخشوع.

2. الكتاب المنظور: وهو الكون ومخلوقات الله التي تدل على عظمته وقدرته. قال الله تعالى

سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق

في الآفاق: الكون مليء بالآيات ؛ السماء بنجومها، الأرض بتضاريسها، والمحيطات بعظمتها، كلها شواهد على عظمة الخالق.

في أنفسنا: يكفي تأمل خلق الإنسان ؛ هذا الجسد الذي يحوي أجهزة معقدة يعجز العلم عن الإحاطة بسرها، وتوازن الماء الذي يشكل أكثر من 60% من الجسم، والتربة التي منها خُلق الإنسان.

الذكرى قوة للقلوب ، وبُعد عنها يقسي النفوس ويجعلها تغرق في الغفلة. فمن تأمل آيات الله المسطورة في القرآن والمنظورة في الكون، واستفاد من الموعظة، كان من الناجين.

قال الله تعالى: فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى. فاجعل الذكرى سبيلك، واعتبر بآيات الله كي تلين قلبك، وتكون من أهل الهداية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *