شظايا القلوب.. جروح خفية تقتل ببطء

بقلم : وفاء سامي ( استشاري وعلاج نفسي -محفظة وداعية اسلامية )

 

كان هناك رجل يُدعى يوسف، يعيش في قرية صغيرة قرب الجبال. اشتهر يوسف بصناعة السلال ، وكان يُبدع في تشكيلها حتى أصبحت تُعرف باسم (سلال يوسف). لم تكن السلال مجرد أدوات تُستخدم، بل كانت قطعًا من روحه، ينسجها بحب ودقة، وكل خيط فيها يحمل جزءًا من قصته.

ذات يوم، جاء إلى يوسف تاجر غريب يطلب منه سلة فاخرة بحجم كبير، ليضع فيها أثمن مقتنياته. صنع يوسف السلة بأمانة وتأنٍّ، لكنها كانت آخر ما صنع في حياته. فبينما كان يعمل، دخلت شظية صغيرة في يده ، لم يشعر يوسف بالكثير من الألم حينها، فتابع عمله.

لكن بعد أيام، بدأت يده تتورم، والشظية التي ظنها بلا قيمة أصبحت مصدر عذاب كبير ، التهابت يده، وسرعان ما انتشر الألم في جسده. حاولوا علاجه، لكن السم كان قد تسلل إلى دمه. في النهاية، توفي يوسف، تاركًا خلفه إرثًا من السلال التي كان يصنعها، لكن لا أحد عرف قصة موته.

السلة التي صنعها يوسف بآخر أنفاسه أصبحت رمزًا في القرية. التاجر الذي اشتراها لم يعرف أنها حملت حياة صانعها. بالنسبة له، كانت مجرد سلة جميلة تحفظ كنوزه، لكنه لم يدرك أنها كانت تحفظ أيضًا قصة جرح بسيط أهملناه جميعًا.

الحياة أشبه بتلك السلة ، كم من الناس دخلوا حياتنا وتركوا شظاياهم الصغيرة في أرواحنا؟ كلمة قيلت باستخفاف، وعد لم يُوفَ به، خيانة بدت عابرة… كلها شظايا. لكنها لا تظل صغيرة.

أحيانًا، تكبر تلك الشظايا داخلنا، تتحول إلى جروح تلتهمنا من الداخل، وتجعلنا نظلّ نصنع “سلالنا” بينما نحن نموت ببطء.

يا ترى، هل فكرنا يومًا: كم شظية تركناها في قلب أحدهم؟ وكم روح أطفأناها ونحن نظن أننا لم نفعل شيئًا يُذكر؟

يقول المولى عز وجل ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ )

فالآية تذكّرنا أن الظلم، مهما بدا صغيرًا أو خفيًا، لا يغيب عن علم الله. مثل شظايا القش الصغيرة أو الكلمات الجارحة التي نظنها بلا أثر، لكنها قد تحمل في طياتها دمارًا عظيمًا لقلوب الآخرين أو حياتهم.

بحكمة وبصيرة
وفاء سامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *