آيات الحج (11)

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

يقول الله تعالى: {وَالْبُدْنَ} جمع بدنة، وتطلق على الإبل، وسميت كذلك لبدانتها وضخامتها، وتعطى البقرة حكمها، فتجزئ عن سبعة كما تجزئ البدنة؛ لأنهما متقاربان في الحجم {جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} دينا ظاهرا ومعلما لعبادة الله {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} للمهدِي وغيره من الأكل والصدقة، والانتفاع والثواب {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} فتقولوا عند ذبحها “بسم الله الله أكبر” {صَوَافَّ} أي: واقفات على قوائمها الأربع، ثم تعقل يدها اليسرى؛ لئلا تضطرب وتنفر؛ فتؤذي أحداً، ثم تنحر{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} سقطت في الأرض جنوبها، حين تسلخ {فَكُلُوا مِنْهَا} وهذا خطاب للمهدي، فيجوز له الأكل من هديه {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ} الفقير ذو القناعة الذي لا يسأل أحداً لتعففه؛ لأن القانع: من القناعة، وهو الفقير الراضي الذي لا يسأل الناس إلحافا {وَالْمُعْتَرَّ} من عَرَّ، وهو الذي يكشف فقره ولا يستره، ويطلب من الناس، ولا يمتنع من السؤال، والإعطاء لهؤلاء صدقة مبرورة، وقُدم الأكل على الإطعام حتى لا يظن الناس أنه من الأكل منها {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ} سخر لكم البدن تقضون عليها حوائجكم، وتنقلكم في الصحراء المحرقة، فهي سفينة الصحراء التي قال الله تعالى فيها: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7] {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على تسخيرها، فلولا تسخيره لها، ما كان لكم بها طاقة على إمساكها أو الانتفاع بها.

{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} أي لن يرفع إليه لحم ولا دم, ولن ينتفع بلحم ولا دم؛ لأنه الغني الحميد، فإنما يحتاج إلى اللحم الإنسان الفقير، ولكن يرفع لله التقوى وإخلاص النية والاحتساب، وفعل الواجب والمندوب وترك الحرام والمكروه، ولهذا قال {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} وفي هذا حث وترغيب على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخرا ولا رياء، ولا سمعة فيها وسائر العبادات، وهذه إشارة إلى أن الدم المهراق مطلوب بذاته في الحج تذكيراً بفداء إسماعيل، وأن اللَّه تعالى ما طلب شعيرة البدن إلا لتكون مظهرة لتقوى القلوب، وشعار مناسك الحج.

{كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} أي: تعظموه وتجلوه {عَلَى مَا هَدَاكُمْ} لشرعه وعالم دينه وعبادته، فإنه يستحق أكمل الثناء وأجل الحمد، وأعلى التعظيم {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} في عبادة الله ، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والمحسنين لعباد الله، بجميع وجوه الإحسان من نفع مال أو علم أو جاه أو نصح أو كلمة طيبة وغير ذلك، فلهم البشارة من الله، بسعادة الدنيا والآخرة وإحسان الله إليهم، كما أحسنوا في عبادته ولعباده {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ}، والفعل المضعَّف(وبشِّر)، ومصدره التبشير يدل على الأمر بتكرار التبشير مرة بعد مرة

اترك تعليقاً