خطبةُ الجمعةِ القادمةِ: الوطنُ ليس حفنةً منْ ترابٍ
لفضيلة الدكتور : محمد حرز
بتاريخ: 17من ذي الحجة 1446هــ – 13 يونيو2025م
لتحميل الخطبة pdf اضغط أدناه
alwatan les hefna men torab
الحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَينَا بِوَطَنٍ مِنْ خِيرَةِ الأَوطَانِ، وَنشَرَ عَلَينا فِيهِ مَظَلَّةَ الأَمَانِ و الاستِقْرَارِ، الحَمْدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ يوسف: 99، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفُيهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ(عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله) رواه الترمذي، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ على مسكِ الختامِ، وخيرِ مَن صلَّى وصام، وتابَ وأنابَ، ووقفَ بالمشعرِ ،وطافَ بالبيتِ الحرامِ، ، وعلى آلهِ وصحبهِ الأعلامِ، مصابيحِ الظلامِ، خيرِ هذه الأمةِ على الدوامِ، وعلى التابعينَ لهم بإحسانٍ والتزام.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
عبادَ اللهِ: ((الوطنُ ليس حفنةً منْ ترابٍ ))عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصر اللقاء :
أولًا: الوَطَنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟
ثانيًا: الفكرٌ المتطرفٌ يدمرٌ الأوطانَ.
ثالثــــًاوأخيرًا :حبُّ الوطنِ ليس كلامًا ..
أيُّها السادةُ :ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن الوطنِ ليس حفنةً منْ ترابٍ ، وخاصةًومِن أولَى الواجباتِ والحقوقِ في هذه الأيامِ: إدراكُ قيمةِ الوطنِ والشعورُ بمكانتهِ، خاصةً في ظلِّ الظروفِ والتحدياتِ التي تمرُّ بها منطقتُنَا العربيةُ وخاصةً مصرُ الغاليةُ، لذا يجبُ علينَا أنْ ننشرَ ثقافةَ الولاءِ والعطاءِ والفداءِ بينَ الشبابِ مِن خلالِ المناهجِ الدراسيةِ، والندواتِ والبرامجِ الإعلاميةِ، فالوطنُ هو السفينةُ التي يجبُ على الجميعِ الحفاظَ عليها حتى تنجُو وننجُوا معها. فإذا هلكتْ السفينةُ هلكَ الجميعُ وإذا نجتْ السفينةُ نجا الجميعُ,وخاصةً ووطنُنَا في حاجةٍ إلى سواعدِ الجميعِ في البناءِ والاستقرارِ والتنميةِ والتقدمِ والرقيِّ والازدهارِ كلُّ في مجالِهِ وتخصصهِ، وخاصةً وأنَّ مصرنَا الغاليةَ مستهدفةٌ مِن الداخلِ والخارجِ مِمَّن يريدونَ النيلَ منها ومِن أمنِهَا واستقرارِهَا؛ لتعمَّ الفوضَى والخرابُ والهلاكُ والدمارُ، ولا حولَ ولا قوةَ إِلّا باللهِ. وخاصةً والحديثُ عن الأوطانِ شيقٌ وممتعٌ وجميلٌ وسألُوا مَن تغربَ في بلادِ الغربةِ عن اشتياقهِ وحبهِ لوطنه .
أولًا: الوَطَنُ وما أدراكَ ما الوطنُ ؟
أيُّها السادةُ: بدايةً لن نملَّ مِن الحديثِ عن وطنِنَا؛ لأنّنا مِن غيرهِ لا قيمةَ ولا وزنَ لنَا، وحقُ الوطنِ والدفاعِ عنه دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ نقولُهَا بملءِ الأفواهِ، وكيف لا؟ وحبُّ الوطنِ مِن هدىِّ النبيِ العدنانِ صلى الله عليه وسبلم والنبيين الأخيارِ، والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌ، وواجبٌ وطنيٌ، ومَسْؤولـيَّةٌ ووَفَاءٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ، والموتُ في سبيلِه عِزةٌ وكرامةٌ وشهامةٌ وشجاعةٌ ورجولةٌ وشهادةْ. وكيف لا؟
الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟
الوطنُ عطرٌ يفوحُ شذَاهُ وعبيرٌ يسمُو في علاه،
الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟
الوطنُ نِعْمَةٌ عظيمةٌ ومنةٌ كبيرةٌ مِنْ نعمِ اللهِ العَظِيمَةِ الَّتِي لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ وَلا تُسَاوَمُ بِالأَمْوَالِ وَالأَرْوَاحِ، بَلْ تُبْـذَلُ الأَمْوَالُ لأَجْـلِهَا وَتُرْخَصُ الأَرْوَاحُ فِي سَبِيلِ وَحْدَتِهَا وَالدِّفَاعِ عَنْهَا. الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟ الوَطَنُ كَلِمَةٌ صَغِيرَةٌ فِي مَبْـنَاهَا، عَظِيمَةٌ فِي مَعْـنَاهَا، كَلِمَةٌ مَا إِنْ تُذْكَرُ حَتَّى تَتَحَرَّكَ لَهَا المَشَاعِرُ وَتَتَفَاعَلَ مَعَهَا الأَحَاسِيسُ،
الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟
الوَطَنُ أغلَى ما يملكُ المرءُ بعدَ دينِه، وما مِن إنسانٍ إلَّا ويعتزُّ بوطنِه؛ لأنَّهُ نشأَ فيه وترعرعَ وتربَّى وشبَّ على أرضهِ وعاشَ حياتَهُ وذكرياتهِ بحلوِهَا ومرِّهَا، الوطنُ
وما أدراكَ ما الوطنُ؟
الوَطَنُ موطنُ الآباءِ والأجدادِ، ومأوَى الأبناءِ والأحفادِ، وهو مسقطُ الرأسِ، ومستقرُ الحياةِ، ومِن أجلِهِ نُضحِّي بكلِّ غالٍ ونفيسٍ، وسلُوا مَن تغربَ في بلادِ الغربةِ عن اشتياقِه وحبِّه لوطنِه وكيف أنَّ الوطنَ حياةٌ ما بعدَهَا حياة، والمحافظةُ على الوطنِ من الكلياتِ الستِ التي أمرنَا الإسلامُ بالمحافظةِ عليها.
الوطنُ وما أدراكَ ما الوطنُ؟
الوطنُ هو الأمنُ الأمانُ والاستقرارُ والطمأنينة، وهو رمزُ الكرامةِ والعزةِ وهو الكيانّ لكلِّ إنسانٍ، وهو الحضنُ الدافئُ الذي نلجأُ إليهِ في أيِّ وقتٍ وحينٍ، لذا حثَّنَا الدينُ على حبِّ الوطنِ والدفاعِ عنهُ ضدَّ الأعداءِ، حيث ضرب لنا أروع الأمثلة في حبه لوطنه ودفاعه عنه مكة المكرمةـ زادَها اللهُ تكريمًا وتشريفًا إلى يومِ الدينِ مودعًا إياها وهي وطنُه الذي أُخرجَ منه، بكلماتٍ تُؤلمُ القلبَ وتُبكي العينَ بدل الدموعِ دمًا، بكلماتٍ كلّهَا حنينٌ ومحبةٌ وألمٌ وحسرةٌ على الفراقِ، بكلماتٍ كلّهَا انتماءٌ وتضحيةٌ ووفاءٌ فقد روي عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ -رضي اللهُ عنهما- أنَّهُ قال: قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلم- لمكة: َ“ما أطيبكِ من بلدٍ، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أنّ قومي أخرجونِي منكِ ما سكنتُ غيركِ وفي رواية((وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ))رواه الترمذي وتعلنُ السماءُ حالةَ الطوارئِ ليهبطَ أمينُ السماءِ جبريلُ عليهِ السلامُ بقرآنٍ يُتلى إلى يومِ الدينِ ليجففَ للبنيِّ العدنانِ صلَّى اللهُ عليه وسلم دموعَهُ، وليخففَ عنهُ آلامَهُ فقال جلَّ وعلا: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ))القصص: 85)، أي وبحقِّ القرآنِ ليأتي اليومُ ويردُك اللهُ إلى وطنِك وإلى مكةَ التي أخرجوكَ منها فاتحًا منتصرًا. فحبُّ الوطنِ والأرض والدفاعُ عنهما دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ
وكيفَ لا؟
وحبُّ الوطنِ مِن هدى النبيِّ العدنانِ صلَّى اللهُ عليه وسلم والنبيين الأخيارِ، والدفاعُ عن الوطنِ مطلبٌ شرعيٌّ، وواجبٌ وطنيٌّ، ومَسْؤولـيَّةٌ ووَفَاءٌ تقعُ على عاتقِ الجميعِ ،والموتُ في سبيلِه عِزةٌوكرامةٌ وشهامةٌ وشجاعةٌ ورجولةٌ وشهادةْ فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيه وسَلم يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دَونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دَونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دَونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ((
وكيف لا؟
فالأمنُ والأمانُ مِن أجلِّ النعمِ التي أنعمَ اللهُ بها علينا خاصة في مصرنا الغالية وانظروا إلى البلاد من حولنا؛ لقولِ النبيِ صلَّى اللهُ عليه وسلم كما في حديثِ أبي الدرداءِ رضى اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله:” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها” رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن.
فما بَالكُم إذا كانَ الوطنُ هو مصرُ الغاليةُ صَخرةُ الإسلامِ العاتية. مصرُ التي نحبُّهَا ونعشقُهَا، مصرُ التي ذَكَرهاَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- في القرآنِ مِرارًا وتكرارًا قالَ ربُّنا: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾) يوسف: 99) مصرُ التي قال عنها نبيُّنا العدنانُ صلَّى اللهُ عليه وسلم: “إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا” رواه مسلم. وعن أبي ذرٍ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةً وَرَحِمًا». أَخْرَجَهُ الطبرانيُّ والحَاكِمُ. وعن كَعْبِ بنِ مَالِك يَرْفَعُهُ: «إِذَا فُتِحَت مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا».
مصرُ التي طلبَ يوسفُ عليه السلامُ أنْ يكونَ على خزائِنِهًا فهي خزائنُ الأرضِ بشهادةِ العزيزِ الغفارِ )قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ))يوسف5(( مصرُ التي افتخَر فرعونُ بأنه يملكُها دونً غيرِها، فقال كما حكى اللهُ -جلَّ وعلا- عنه: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)؟!
مصرُ قال عنها سيدنُا عمرو بن العاص رضى الله عنه وأرضاه ولايةَ مصر جامعةً تعدلُ الخلافةَ، يعني: ولايةُ كلِّ بلادِ الإسلامِ في كفةٍ، وولايةُ مصرَ في كفةٍ، وقال الجاحظُ: إنّ أهلَ مصرَ يستغنون بما فيها من خيراتٍ عن كلِّ بلدٍ، حتى لو ضُرِبَ بينها وبين بلادِ الدنيا بسورٍ ما ضرَّها. اللهُ أكبر…. فمصرُ هي أمُّ البلادِ، وهي موطنُ المجاهدين والعُبادِ، قهرتْ قاهرتُها الأممَ، ووصلتْ بركاتُها إلى العربِ والعجمِ سكنَها الأنبياءُ والصحابةُ والعلماءُ.
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها
ندعوكَ يا رب أن تحمى مرابعَها *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا
ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلها *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ
ثانيًا: الفكرٌ المتطرفٌ يدمرٌ الأوطانَ.
أيُّها السادةُ: الإنسانُ هو الكائنُ الوحيدُ الذي يطمحُ بشغَفٍ إلى الأمنِ والسلامِ، والسعادةِ والرفاهيةِ، ويسعى بقوةٍ إلى الثروةِ والسُّلطةِ، وأهمُّ من ذلك، حرصُه على الحياةِ التي ترتبطه بكلِّ هذه المعاني. بيدَ أن في داخل هذا الإنسان طاقاتٍ عُدوانيةً تدفعه إلى استخدامِ القوةِ في إيذاءِ الآخرين، كشأن الكائناتِ الأخرى. ولعلَّ هذا مما يُفضي إلى النزاعِ والصِّراعِ بين البشرِ، وهذا هو الفكرُ المتطرفُ
عبادَ اللهِ
وكيف لا؟
وشخصيةُ المتطرفِ الإرهابي وعَلاقُته بالدِّينِ تجعلُه يرى نفسَه أكثرَ فهمًا، وأنضجَ عقلًا، وأكثرَ وعيًا؛ بل إنه يمثل مشروعًا دينيًّا متكاملًا، ويرى أن الآخرين قد استهوتهم الشياطين، وهم في طريقِهم إلى الجحيمِ، ولذا يمكن أن يضحِّيَ بحياتِه في محاربةِ هؤلاءِ الكفَرةِ في زعمه! موقنًا أنه ذاهبٌ إلى جنَّات النعيمِ؛ لأنه يعملُ في سبيلِ إرضاء ِ ربِّ العالمين. ولا شكَّ إن هذا الإرهابي يعيشُ أزمةَ وعيٍ وفكرٍ، تجعلُه إنسانًا غيرَ سوي، يعيشُ في عالمٍ خاص، بعيدًا عن واقعِه، منغلقًا على نفسِه، لا يؤمنُ بالقِيَمِ القائمةِ على الحريةِ، والتعايشِ، والمساواةِ، والحقوقِ.
وكيف لا؟