أسرار الروح (1)


بقلم الشيخ : أبو بكر الجندي

الروح آية من آيات الله وعجيبة من عجائب خلقه، تحدي الله تعالي بها البشرية كلها أن تخلق روحا ولو روح ذبابة، كما قال تعالي: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}[الحج: 73] فهذه البشرية التي صنعت إنسانا آليا وحيوانا آليا وطيرا آليا، حتى لا يستطيع الكثير التفرقة بين الإنسان الحقيقي والآلي، ومع ذلك ما استطاعت أن تخلق روحاً، ولو روح ذبابة رغم كل ما توصلوا إليه من العلم؛ ولهذا قال الله تعالى عن الروح: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء: 85]، فعلم الأولين والآخرين قليل وأقل من القليل بجانب علم رب العالمين.

ولما كانت الروح من أمر الله وسر من أسرار الإله كان ينبغي علينا أن نعظم ما عظمه الله تعالي، وأن نكرم ولا نهين ما كرمه الله فلا تكون الروح حقلا للتجارب أو الأبحاث أو اللعب؛ ولهذا لما مر ابن عمر رضي الله عنهما بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه بنبلهم فقال ابن عمر لعن الله من فعل هذا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا، فلعن صلي الله عليه وسلم من اتخذ روحا للعب أو القنص والرماية حتي ولو كانت روح طير أو حيوان.

هذا جزاء من يعذب طيراً أو حيواناً فما ظنك وما بالك بمن يقتل طيراً أو حيواناً فيه روح، وما ظنك وما بالك بمن يعذب إنسانا أو يقتل مَن كرمه الله، وفي وعيد جريمة القتل يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: 93]، وفي جريمة قتل غير المسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “مَن قتل مُعاهدا لم يشم رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيره كذا وكذا”.

وإذا كانت الروح من أمر الله وسر من أسرار الإله فلا ينبغي البحث عن حقيقتها أو ماهيتها أو وصفها أو شكلها، أو محاولة رؤيتها، فكل هذا علم لا ينفع وجهل لا يضر، فالله تعالى وحده قد استأثر بحقائق الأرواح، والأولى أن ننشغل بالانتفاع بها فلا يضرنا أن لا نرها كما لا نري الكهرباء المهم الانتفاع بها والابتعاد عن شرها، وليس شرطا أن تعرف مكونات الدواء إنما الشرط أن تثق فيمن كتبه لك، فهل نثق في ربنا وخالقنا والكتب التي انزلها الله والرسل الذين بعثهم الله لتزكيه هذه الروح وتصفيتها وتخليتها وتحليتها؟

وإذا اندمجت الروح في الجسد سمي الاثنان النفس وهي التي أقسم الله عز وجل عليها في أطول قسم في القران الكريم في سورة الشمس، وقال تعالى عن المفلحين والخائبين: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 – 10].

اترك تعليقاً