الصراع الخفي بين جند الأنوار وجند الأغيار: معركة القلب المصيرية
17 مايو، 2025
منهج الصوفية

بقلم الدكتور : فارس أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
في أعماق الإنسان، حيث لا تراه العيون، ولا تبلغه الحواس، يدور صراع أزلي بين جندين:
جند الأنوار وجند الأغيار.
إنها ليست معركة في أرض، ولا نزاعًا على متاع، لكنها صراع في القلب، بين الروح التوّاقة إلى حضرة الأسرار، وبين النفس المأسورة في سجن الشهوات.
جند الأنوار هو جند القلب، يحمله الحنين إلى مولاه، ويسعى ليرتقي بالعبد إلى مقامات القرب، حيث الشهود، وحيث الأنس برب ودود.
وجند الأغيار هو جند النفس، يغريه الحظ العاجل، ويغويه الهوى الهابط، ويريد أن يُسقط الإنسان في ظلمة الأكوان.
وفي لحظة التوجه إلى الله، تشتعل شرارة الصراع.
تبدأ الملحمة:
جند الأنوار يشد القلب إلى عليين،
وجند الأغيار يجذبه إلى سجين.
فيا أيها السائر إلى ربك:
إذا أراد الله بك خيرًا، قوى جند الأنوار فيك، فينهزم جند الأغيار، وتنجلي عن قلبك الغشاوة، وتشرق فيه أنوار المواجهة، حتى تُفتح لك أبواب حضرة الأسرار، وتدخل مقام الشهود، فتحيا بجوار الملك الودود.
وهنا تسمع نداء الهواتف الروحية، تهمس لك:
“ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد”
– نداء موجَّه لجند الأغيار، الذين أرادوا حجبك عن ربك.
أما إن أراد الله بعدله خذلان عبد، فإنه يقطع عنه مدد الأنوار، ويقوّي فيه جند الأغيار، فتغلبه ظلمة النفس، ويحُبس القلب في سجن الأكوان، وتُطفأ فيه شموع الروح، ويغيب عن شهود الحق.
يا عبد الله!
انظر في قلبك، من المنتصر؟
أتشرق عليك أنوار الذكر، أم تغشاك ظلمات الغفلة؟
أتسكنك السكينة، أم تضطربك الشهوة؟
تأمل صراع القلب، فهو عبرة لأولي الأبصار.
رموز معبّرة لهذا الصراع:
* القلب: ساحة الصراع.
* الروح: الطائر المهاجر نحو وطن النور.
* النفس: الثقل الذي يجذبه إلى الأسفل.
* الأنوار: السيوف الروحية التي تفتح الطريق إلى الله.
* الأغيار: الجيوش التي تريدك أن تظل في أسر الطين.
* حضرة الأسرار: قلعة العارفين، وموطن المقربين.
* الهواتف: رسائل من عالم الغيب لمن أخلص وجهه للحق.
* سجن الأكوان: الغفلة عن الله والانشغال بسواه.
* هيكل الإنسان: الجسد حين يتحكم، لا حين يخدم.
وأخيرًا: (والله يؤيد بنصره من يشاء)…
فلا تسأل النصر من جندك، بل اسأله من الله.
وكن دائمًا في صف الأنوار، تنهزم عنك كل أغيار.