بقلم : د. أحمد سليمان أبوشعيشع ( عضو هيئة التدريس بجامعة كفر الشيخ – وخادم الساحة المنهلية )
في كثير من الأحيان، تجدنا في لحظات الحزن والفقد، نبحث عن كلمات تواسي قلوبنا وتخفف من وقع الصدمة، خاصة عندما نفقد أحبائنا.
وفي مثل هذه اللحظات، يتسلل إلى أفواهنا تعبيرات محملة بالعاطفة، مثل “إلى جوار ربها”، التي قد تُستخدم في تعبير عن الرحيل والانتقال إلى الله.
لكن، هل من المفيد أو الدقيق استخدام هذه العبارة؟ وما هو التأثير الذي قد تتركه على تصوراتنا الإيمانية حول الله تعالى؟
في هذا المقال، نتناول تلك العبارة وتفسيرها، ونوضح التصحيح الواجب لتعبيراتنا التي قد تحمل في طياتها خطأً في المفهوم.
إلى جوار ربها: ماذا تعني؟
عندما نقول إن المتوفى “إلى جوار ربها”، يبدو في الظاهر أننا نعبّر عن الرحمة الإلهية والتقرب إلى الله تعالى. لكن في الحقيقة، هذا التعبير قد يحتوي على معنى مجازي يمكن أن يؤدي إلى تجسيم غير مقبول لله تعالى. فمفهوم “الجوار” في هذا السياق يوحي بتحديد مكان بالقرب من الله، وهو ما لا يتوافق مع المعتقدات الصحيحة في الإسلام. الله سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم، نفى عن ذاته كل ما يخص الحدود والأماكن، فهو ليس محصورًا في مكان، بل هو القائل: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” [الشورى: 11].
التجسيم في التصور الإلهي: فهم أعمق
في التصوف والفكر الإسلامي، يُعتبر الله سبحانه وتعالى لا يُحاط به مكان أو زمان. من أهم الأسس التي نؤمن بها هي أن الله ليس محصورًا في شيء من مخلوقاته، كما أكد القرآن الكريم والسنة النبوية. أي تصور أو تعبير يشير إلى تجسيم الله أو تحديد مكانه هو خطأ في المفهوم الديني ويحتاج إلى تصحيح. الله عز وجل لا يُختزل في مكان، وهو أكبر من أن يُوصف بتعابير قد تُشعر بتحديد له. هو القائل في كتابه العزيز: “وهو معكم أينما كنتم” [الحديد: 4]، وهو موجود بلا حدود.
التأثير السلبي لاستخدام التعبير المجازي
على الرغم من أن استخدام تعبير مثل “إلى جوار ربها” قد يبدو محاطًا بالنية الطيبة من المواساة والتخفيف، إلا أنه في النهاية قد يؤثر في تصورنا لله سبحانه وتعالى، ويفتح المجال لفهم خاطئ يتعلق بتحديد مكانه. ويجب أن نكون حذرين في اختيار كلماتنا، خاصة عندما نكون في حالات حزن وفقد، لأن تلك الكلمات تؤثر في عقيدتنا وقد تساهم في فهم مغلوط عن عظمة الله وسموه.
التعبير الصحيح: “إلى رحمة الله الواسعة”
بدلاً من استخدام تعبير “إلى جوار ربها”، يمكننا أن نقول “إلى رحمة الله الواسعة” أو “أسكنها فسيح جناته”. هاتان العبارتان أكثر دقة في التعبير عن القرب من الله بطريقة لا تتضمن التجسيم أو تحديد مكان له. الرحمة الإلهية لا تُقاس ولا تُحد في مكان، بل هي ممتدة وشاملة لجميع خلقه. إن استخدام مثل هذه العبارات يعكس التوحيد الحقيقي لله، ويُظهر احترامًا لعظمته وجلاله.
الخاتمة:
في النهاية، يجب أن نكون واعين للكلمات التي نستخدمها في لحظات الحزن والفقد. فهمنا لله تعالى يجب أن يكون خاليًا من كل تجسيم أو تحديد. الله هو خالق الكون وأكبر من أن نُحصره في مكان أو زمان. لذلك، من الأفضل أن نستخدم تعبيرات تتماشى مع فهمنا الصحيح لعظمة الله ورحمته، مثل “إلى رحمة الله” أو “أسكنها فسيح جناته”، لنُظهر احترامنا لعظمة الذات الإلهية.
نسأل الله أن يغفر لجميع أمواتنا، وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يجعلنا من أهل الفهم الصحيح لعظمته ورحمته.