اعداد الاستاذ : على حسين
المقال الأول من سلسلة ( التصوف بمنهج السلف )
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين , المبعوث رحمه للعالمين , وعلى آله وصحبه أجمعين , وبعد
فالتصوف الإسلامى هو الأخلاق والأدب الذى لا يباع ولا يشترى بل هو مذاق لمن ذاق وعرف , هو الحب والصفاء , هو الأدب والنقاء , ليس الزهد فحسب , بل هو السمو بالروح وأدب النفوس , هو الألفة بين الناس والمؤاخاة بينهم بدون أرحام .
والحمد لله الذى سيرنى في هذا الطريق , وأكرمنى بشيخى ومعلمى من علمنا الحب والإخلاص ومكارم الأخلاق فلولاه ما شربت وذقت منهج التصوف الصحيح وما عرفت دقائق الأمور , فالتصوف اكتساب الخلق الحسن والبعد عن كل خلق مذموم .
وما دعانى لهذه السلسلة إلا وجود بعض مما لا علم لهم ينكرون على أهل التصوف وينسبون لكل من سلك هذا الطريق بأبشع الألفاظ حتى وصلوا لتكفيرهم وتكفير من تصوف , ولذلك أردت أن أبين شئ ولو قليل عن سيرة هؤلاء القوم ومنهجهم في اتباع الكتاب والسنة اختصرته على قدر المستطاع , فمهما كتبت فلا استطيع انى اصف التصوف وعلومه فلا تسعنا المجلدات ولا الأحبار في وصفه , راجياً المولى عزو جل أن ينفع به المسلمين , ويهدى به المتشددين .
وأرجو الله أن ينفعنا بما بفع به عباده الصالحين , ويفتح علينا وعليكم فتوح العارفين .
بَدْءُ التصوفِ وظهوره
إن الناس اختلفوا في بدء ظهور هذه الكلمة واستعمالها كاختلافهم في أصله وتعريفه , فذكر ابن خلدون في هذا أن لفظ الصوفية لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة الأولى , وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك , وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل , وأبي سليمان الداراني وغيرهما .
وقد روى عن سفيان الثوري أنه تكلم به , وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري
وأما قول القائل : إنه اسم محدث أحدثه البغداديون , فمحال , لأن في وقت الحسن البصري رحمه الله كان يعرف هذا الاسم , وكان الحسن قد أدرك جماعة من أصحاب رسول الله ﷺورضي عنهم , وقد رُوي عنه أنه قال: رأيت صوفيا في الطواف فأعطيته شيئا فلم يأخذه وقال : معي أربعة دوانيق يكفيني ما معي.
وروي عن سفيان الثوري رحمه الله أنه قال : لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء وقد ذكر الكتاب الذي جُمع فيه أخبار مكة عن محمد بن إسحاق بن يسار , وعن غيره يذكر فيه حديثاً : أنه قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من الأوقات , حتى كان لا يطوف بالبيت أحد , وكان يجيء من بلد بعيد رجل صوفي فيطوف بالبيت وينصرف , فإن صح ذلك فإنه يدل على أنه قبل الإسلام كان يعرف هذا الاسم , وكان يُنسب إليه أهل الفضل والصلاح والله أعلم.
وبمثل ذلك قال السهروردي : ( وهذا الاسم لم يكن في زمن رسول الله ﷺ, وقيل : كان في زمن التابعين – ثم نقل عن الحسن البصري وما نقلناه عن الطوسي أيضا – ثم قال : وقيل : لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة العربية .
وصرح عبد الرحمن الجامي: أن أبا هاشم الكوفي أول من دعي بالصوفي , ولم يسم أحد قبله بهذا الاسم , كما أن أول خانقاه بني للصوفية هو ذلك الذي في رملة الشام .
وأما القشيري فقال: اشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة ) وجدناهم كلهم كانوا ممن يخرجوا في سبيل الله تعالى.