
إعداد فضيلة الشيخ : السيد محمد السيد البلبوشى ( إمام وخطيب بوزارة غرب الإسكندرية )
قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ ﴾.
( نَفْحَةٌ ) نَظَرَتْ عَيْنُ العِنَايَةِ لِعَبْدٍ سَبَقَتْ لَهُ عَوَاطِفُ الحَنَانِ مِنَ الحَنَّانِ ، فَدَخَلَ حَضْرَةَ الإِمْتِنَانِ بِالأَمَانِ .
( لَمْحَةٌ ) لَوَامِعُ حَضْرَةِ السَّنَا ، بَرَقَتْ بِالأَسْمَاءِ الحُسْنَى فَهَل رَأَيْتَ ذَلِكَ الجَمَالَ ؟ وَهَلْ هِمْتَ بِالوَجْدِ بَيْنَ الرِّجَالِ ؟
( نَفْحَةٌ ) حَقِيقَةُ المَحَبَّةِ نَارُ تَحْرِقُ الأَكْبَادَ ، وَلَوْعَةٌ تَنْمُو وَتَزْدَادُ .
وَفِى فُؤَادِ المُحِبِّ نَارُ جَوَىً أَحَرُّ نَارِ الجَحِيمِ أَبْرَدُهَا
( لَمْحَةٌ ) يَامَنْ نَظَرَ حُسْنَ الغِيدِ بِحَيِّهَا وَالبِطَاحِ ، فَغَدَا مَفْتُونَاً بِدَلَالِ تِلْكَ المِلَاحِ .
جَمَالُ لَيْلَى تَجَلَّى فَاشْهَدْ وَطِبْ وَتَمَلَّى
( نَفْحَةٌ ) حَقِيقَةُ المَحَبَّةِ كِتْمَانُ سِرِّ المَحْبُوبِ فِيمَا تَجَلَّى عَلَى المُحِبِّ مِنْ مُشَاهَدَةِ الغُيُوبِ .
بِالسِّرِ إِنْ بَاحُوا تُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَا دِمَاءُ البَائِحِينَ تُبَاحُ
( لَمْحَةٌ ) سَرَتْ نَسْمَةُ المَحْبُوبِ لِلْمُحِبِّ فَطَارَ فَرَحَاً وَشَوْقَاً ، فَكَيْفَ بِهِ لَوْ رَأَّى جَمَالَهُ عِيَانَاً ، كَانَ يَمُوتُ حَقَاً .
يَانَسْمَةً قَدْ سَرَتْ سِرّاً لَنَا سَحَراً مِنَ الحَبِيْبِ لَنَا قَدْ أَنْعَشَتْ نَفْسَا
كَيْفَ العَقِيقُ وَأْبْيَاتٌ بِذِى سَلَمِ وَكَيْفَ خَلَّفْتِ ذَاكَ المَنْزِلَ القُدْسَا
( نَفْحَةٌ ) حَقِيقَةُ المَحَبَّةِ خَلَاصُ جَوْهَرِ الرُّوحِ مِنَ الأَعْرَاضِ وَفَنَاءُ النَّفْسِ مِنَ الحُظُوظِ وَالأَعْرَاضِ .
هُمُ العُرَيْبُ بِنَجْدٍ مَذْ عَرَفْتُهُمُ لَمْ يَبْقَ لِى مَعَهُم مَالٌ وَلَا نَشَبُ
( لَمْحَةٌ ) إِنْ شِئْتَ أَنْ تَلْتَذَّ بِلَمْحَةِ شُهُودِ العِيَانِ فَتَذَلُّلْ لِمَحْبُوبِكَ فِى كُلِّ الأَمَاكِنِ وَالأَزْمَانِ .
تَذَلُّلْ لِمَنْ تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزَّةً فَكَمْ عِزَّةٍ قَدْ نَالَهَا المَرْءُ بِالذُّلِ
( نَفْحَةٌ ) أَعْظَمُ المَحَبَّةِ مَايَسْكُنُ القَلْبَ أَوَّلَ وَهْلَةٍ ، وَتَنْزَعِجُ مِنْهُ جَمِيعُ الخَوَاطِرِ بِلَاْ مُهْلَةٍ .
أَتَانِى هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الهَوَى فَصَادَفَ قَلْبَاً خَالِيَاً فَتَمَكَّنَا
( لَمْحَةٌ ) المُحِبُّ مَنْ لَا يُغَيِّرُهُ عَذْلُ الرَّقِيِبِ ، بَلْ يَزِيدُهُ ذَلِكَ حُبَّاً فِى الحَبِيِبِ .
أُحِبُّكِ يَاشَمْسَ الزَّمَانِ وَبَدْرَهُ وَإِنْ لَاقَنِى فِيكِ السُّهَا وَالفَرَاقِدُ
( نَفْحَةٌ ) المَحَبَّةُ الحَقِيقِيَّةُ جَذْبَةٌ اضْطِرارِيَّةٌ غَيْرُ اخْتِيَارِيَّةٍ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ .
وَأَصْرِفُ طَرْفِى نَحْوَ غَيْرِكَ عَامِدَاً عَلَى أَنَّهُ بِالرَّغْمِ نَحْوَكَ رَاجِعُ
( لَمْحَةٌ ) سَوْقُ الشَّوْقِ بِهِ تَطِيبُ المَحَبَّةُ وَالذَّوْقُ لِهَذَا تَرَى الأَشْبَاحَ تَابِعَةً لِلأَرْوَاحِ .
وَمَازَالَ بِى شَوْقٌ إِلَيْكَ يَقُودُنِى يُذَلِّلُ مِنِّى كُلَّ مُمْتَنِعٍ صَعْبٍ
إِذَا كَانَ قَلْبِى سَائِرَاً بِزِمَامِهِ فَكَيْفَ لِجِسْمِى بِالمُقَامِ بِلَا قَلْبِ
( نَفْحَةٌ ) إِذَا قَوِى عَلَى المُحِبِّ الشَّوْقُ اسْتَعَرَتْ فِيهِ النِّيرَانُ ، فَتَرَادَفَتْ عَلَيْهِ الهُمُومُ وَالأَحْزَانُ فَاسْتَمِعْ قِصَصَ أَخْبَارِهِمْ ، عَنْ أَحْبَارِهِم .
قُصُوا عَلَىَّ حَدِيثَ مَنْ قَتَلَ الهَوَى إِنَّ التَّأَسِّى رُوحُ كُلِّ حَزِينِ
( لَمْحَةٌ ) رُوحُ المُحِبِّ المُشَوَّقِ ، كَالغُصْنِ المَمْشُوقِ ، كُلَّمَا مَرَّتْ بِهِ نَسْمَةٌ لَطِيفَةٌ ، أَوْجَبَتْ لَهُ حَرَكَةً طَرِيفَةً .
اهْتَزُّ عِنْدَ تَمَنَّى وَصْلِهَا طَرَبَاً وَرُبَّ أُمْنِيَةٍ أَحْلَى مِنَ الظَّفَرِ
( نَفْحَةٌ ) المُحِبُّ أَبَدَاً يَخَافُ فَوَاتَ الوِصَالِ ، وَيُنْشِدُ لِسَانُ حَالِهِ قَوْلَ مَنْ قَالَ :
وَكَمْ فُرْصَةٍ فَاتَتْ فَأَصْبَحَتَ نَادِمَاً تَعَضُّ عَلَيْهَا الكَفَّ أَوْ تَقْرَعُ السِّنَّا
( لَمْحَةٌ ) سَمِعَ المُحِبُّ فِى لَيْلَةٍ شِبْهَ صَوْتِ مَحْبُوبِهِ فِى المَنَامِ فَنَهَضَ وَبَادَرَ لِلْقِيَامِ ، فَإِذَا هُوَ مِنَ الهُيَامِ وَغَلَبَةِ الأَوْهَامِ .
مَنْ لَمْ يَبِتْ وَالبَيْنُ يَقْرَعُ قَلْبَهُ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الأَ كْبَادُ
( نَفْحَةٌ ) تَفَاوَتَتْ أَحْوَالُ أَهْلِ الغَرَامِ ، وَتَبَايَنَتْ فِى الحَالِ وَالمَقَامِ ، فَالمُرِيدُ صَحَا بَعْدَ سُكْرِهِ ، وَانْطَوَى فِى نَشْرِهِ ، وَالمُرَادُ كُلَّمَا صَحَا ازْدَادَ سُكْراً فَلِذَلِكَ طَابَ عَرْفُهُ نَشْرَاً .
صَحَا المُرِيدُونَ مِنْهَا بَعْدَ مَاسَكِرُوا وَلِلْمُرَادِينَ سُكْرٌ عِنْدَهَا بَاقِى
( لَمْحَةٌ ) إِذَا تَرَاءَى جَمَالُ المَحْبُوبِ مِنْ عَالَمِ الغُيُوبِ ، زَادَ الهُيَامُ ، وَامْتَنَعَ الكَلاَمُ إِلَّا عِنْدَ الشَّكْوَى مِنْ أَلَمِ البَلْوَى .
الحُبُّ مَا مَنَعَ الكَلَامَ الأَلْسُنَا وَأَلَذُّ شَكْوَى عَاشِقٍ مَا أَعْلَنَا
( نَفْحَةٌ ) حَضَرَ المُحِبُّ مَعَ المَحْبُوبِ فِى المَقَامِ ، فَسَكِرَ سُكْرَ الهَوَى وَالمُدَامِ ، فَلَاْ عَجَبَ إِنْ غَابَ وَاسْتَمَعَ وِطَابَ .
سُكْرَانِ سُكْرُ هَوَىً وَسُكْرُ مُدَامَةٍ أَنَّى يَفِيقُ فَتًى بِهِ سُكْرَانِ
( لَمْحَةٌ ) دَخَلَ المُحِبُّ لَيْلَةً حِمَى الحَبِيبِ عِنْدَ غَفْلَةِ الوَاشِى وَالرَّقِيبِ ، فَالْتَذَّ بِسَمَاعِ الخِطَابِ فِى حَضْرَةِ الأَحْبَابِ .
يَالَيْلَةً بِالحِمَى مَا كَانَ أَطْيَبَهَا مِنْ طِيبِهَا رَقَصَتْ مِنْ تَحْتِنَا النُّجُبُ
( نَفْحَةٌ ) إِذَا سَمِحَ الحَبيبُ بِالوِصَالِ ، وَآنَسَ مُحِبَّهُ بِشُهُودِ الجَمَالِ ، فَذَلِكَ إِذْنٌ لَهُ بِالخِطَابِ ، يَامَنْ رُفِعَ لَهُ الحِجَابُ .
وَعِنْدَ اجْتِمَاعِى بِالحَبِيبِ أَبُثُّهُ أَحَادِيثَ لَا تُطْوَى عَلَيْهَا الصَّحَائِفُ
( لَمْحَةٌ ) مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنَ المَحَبَّةِ ذَرَّةٌ أَوْ حَبَّةٌ فَقَدْ حُجِبَ مِنَ النَّعِيمِ بِالياس ، وَلَيْسَ فِى شَئٍ مِنَ النَّاسِ .
وَمَا النَّاسُ إِلّا العَاشِقُونَ ذَوُو الهَوَى وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ وَيَعْشَقُ
( نَفْحَةٌ ) تَاللهِ لَا يُطِيقُ الكِتْمَانَ مَنْ قَلْبُهُ بِالمَحَبَّةِ مَلآنٌ .
وَمَنْ قَلْبُهُ مَعَ غَيْرِهِ كَيْفَ حَالُهُ وَمَنْ سِرُّهُ فِى جَفْنِهِ كَيْفَ يَكْتُمُ
(لَمْحَةٌ ) صَاحِبُ مَقَامِ الصَّبْرِ دُونَ التَّصَبُّرِ فِى المَحَبَّةِ مَلُومٌ ، فَإِذَا عُوقِبَ فَلَيْسَ بِمَظْلُومٍ .
وَالصَّبْرُ يُحْمَدُ فِى المَوَاطِنِ كُلِّهَا إِلَّا عَلَيْكَ فَإِنَّهُ مَذْمُومُ
( نَفْحَةٌ ) قَلْبُ المُحِبِّ لَا يَرْعَوِى عَنِ المَحْبُوبِ ، وَإذَا قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ كَذُوبٌ .
أَلَسْتَ وَعَدْتَنِى يَاقَلْبُ أَنِّى إِذَا مَا تُبْتُ عَنْ لَيْلَى تَتُوبُ
فَهَا أَنَا تَائِبٌ عَنْ حُبِّ لَيْلَى فَمَالَكَ كُلَّمَا ذُ كِرَتْ تَدُوبُ
( لَمْحَةٌ ) مَنْ لَمْ يَفْنَ وَيَمُوتُ فِى هَوى الحَبِيبِ ، لَمْ يَحْصُلْ فِى وَصْلِهِ عَلَى أَوْفَرِ نَصِيبٍ .
فَلَا يَنَالُ حَيَاةَ القُرْبِ عَاشِقُنَا إِلَّا إِذَا صَارَ فِى أَعْدَادِ قَتْلَانَا
( نَفْحَةٌ ) عَلامَةُ المَحَبَّةِ قِيَامُ المُحِبِّ بِأَوَامِرِ مَحْبُوبِهِ ، وَاسْتِجْلاَءُ مَامَرَّ مِنْ شُئُونِهِ وَخُطُوبِهِ .
تَعْصِى الإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ هَذَا لَعَمْرِى فِى القِيَاسِ بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقَاً لَأَطَعْتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
( لَمْحَةٌ ) حَالُ الحُبِّ الصَّادِقِ يَنْتَقِلُ وَيَتَرَقَّى ، حَتَّى يَكُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ أَرْقَى .
أَرَاكَ تَزِيدُ فِى عَيْنِى جَمَالَاً وَأَعْشَقُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْكَ حَالَا
تَزِيدُ مَلَاحَةً وَأَزِيدُ حُبّاً وَحَالِى فِيكِ يَنْتَقِلُ انْتِقَالَا
( نَفْحَةٌ ) قَلْبُ المُحِبِّ عَنْ مَحْبُوبِهِ لَا يَنْقَلِبُ انْقِلَابَ الحَبِيبِ، وَهَذَا هُوَ الشَّأْنُ وَضِدُّهُ الأَمْرُ العَجِيبُ .
وَأَقُولُ لِلْقَلْبِ الَّذِى لَا يَنْتَهِى عَنْ حُبِّكُم أَبَداً وَلَا يَتَجَنَّبُ
قَدْ كِدْتُ أَنَّكَ لَايُسَمِّيكَ الوَرَى قَلْبَاً لِكَوْنِكَ عَنْهُ لَا تَتَقَلَّبُ
وَلَوِ اسْتَطَعْتُ تَرَكْتُهُ وَأَدَرْتُهُ عَنْكَ وَلَكِنْ مَا لِقَلْبِىَ لَوْلَبُ
( لَمْحَةٌ ) غَلَبَةُ نَارِ الجَوى هَاجَتْ بِالهَوَى ، فَأَخْرَقَتْ رُوحَ المُحِبِّ فَذَابَتْ ، وَتَدَفَّقَتْ مِنْ آمَاقِهِ وَسَالَتْ .
وَلَيْسَ الَّذِى يَجْرِى مِنَ العَيْنِ مَاؤُهَا وَلَكِنَّهَا رُوحِى تَذُوبُ فَتَقْطُرُ