جمع وترتيب فضيلة الشيخ : ثروت علي حسن سويف
الحمد لله ذي العظمة والكبرياء, ذلَّت لعظمته أنوفُ العظماء, ودانت لجبروته الْمُلوكُ والرؤساء
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, مَن نازعه الكبرياء صيَّره من الأذلاء, ومن تواضع لأجله رفعه الي منازل السعداء
وأشهد أن نبينا محمدا عبدُ الله ورسوله, بطل الانبياء وسيدُ المتواضعين, الأتقياء يكره ويبغض الجَبَابِرَةَ المتكبرين, الجهلاء
صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين , الانقياء
والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم أن تمور السماء
وسلم تسليما كثيرا الي يوم البعث والقضاء
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ لِله تعالى صفاتٍ تفرَّد بها عن خلقه, لا يجوز لأحدٍ الاتصاف بها, ومن هذه الصفات: الكبرياء .
قال الله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)الحشر
والكبر مختص بالله وحده, فويلٌ لمن أراد أن يكون شريْكًا لله بصافته, قَالَ الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ).
والكبر معناه استعظام الإنسان لنفسه أنا كذا وكذا والإستهانة بالناس واستصغارهم… وهو سبب للحرمان من الجنة.
والعُجْب كما يعرفه الإمام الغزالي -رحمه الله- هو: “استعظام النفس وخصالها التي هي من النعم، والركون إليها (إلى هذه النفس وإلى خصالها) مع نسيان إضافتها إلى المنعم والأمن من زوالها”. والكبر: هو أن يرى الإنسان نفسه فوق غيره في صفات الكمال، فيحصل فيه نفخة وهزة من اعتقاده بهذه الفوقية
وكان بشر بن منصور من الذين إذا رءُوا ذُكِرَ الله تعالى والدار الآخرة، لمواظبته على العبادة، فأطال الصلاة يوماً، ورجل خلفه ينتظر، ففطن له بشر، فلما انصرف عن الصلاة قال له: “لا يعجبنك ما رأيت مني؛ فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله مع الملائكة مدة طويلة، ثم صار إلى ما صار إليه”.
واعلم أن الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل وحسبك من رذيله تمنع من سماع النصح وقبول التأديب ( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقره
والكبر يكسب المقت ويمنع من التألف عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ :” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ . قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ؛ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ”( مسلم )
فتذكر يا ابن آدم أنك: تنتنك عرقة، وتؤذيك بقَّةٌ، وتقتلك شرقة، وتخيفك برقه فكيف تتكبر وهذا حالك؟!
وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رَسُ
ول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِن مِنْ أَحَبِّكُم إِليَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجلساً يَومَ القِيَامَةِ، أَحَاسِنَكُم أَخلاقاً . وإِنَّ أَبَغَضَكُم إِليَّ وَأَبْعَدكُم مِنِّي يومَ الْقِيامةِ، الثَّرْثَارُونَ والمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ” قالوا: يَا رسول اللَّه قَدْ عَلِمْنَا الثَرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفيْهِقُونَ؟ قَالَ:”المُتَكَبِّروُنَ” . ( أحمد والترمذي وحسنه ).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: ” مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا فِي رَأْسِهِ حِكْمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ , فَإِذَا تَوَاضَعَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ارْفَعْ حِكْمَتَهُ , وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ضَعْ حِكْمَتَهُ “. ( الطبراني والبيهقي وقال الهيثمي: إسناده حسن
ولله در القائل
يَا مُظْـــــــهِرَ الْكِبْرِ إعْجَابًا بِصُورَتـِهِ — اُنْظُرْ خَلَاكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْـــــــــــــــــرِيبُ
لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِـمْ — مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلَا شِيــــــبُ
هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةً — وَهُوَ بِخَمْسٍ مِنْ الْأَقْذَارِ مَضْـرُوبُ
أَنْفٌ يَسِيلُ وَأُذْنٌ رِيحُهَا سَهِــكٌ — وَالْعَيْنُ مُرمَصَةٌ وَالثَّغْرُ مَلْعُــــــــــــــــــــــــــوبُ
يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا — أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْــــــــــــرُوبُ
مرمصة: الرَّمَص: وسخ جامد في العين، فإن سال فهو غَمَص. والسَّهَكُ: ريح كريهة تجدها من الإنسان إذا عَرِقَ .
أربع كلمات مهلكات: أنا – لي – عندي – نحن ” أنا خير منه” ” أليس لي ملك مصر” ” قال إنما أوتيته على علم عندي”
” نحن أولوا قوة
انظر علي عاقبة الكبر عند إبليس وكيف طرده الله من رحمته لأن الكبر يجلب المعصية ثم القياس الفاسد،فإبليس استكبر فعصى ولم يسجد ﻵدم،ففسد تفضيله النار على الطين
فقال “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” سورة الأعراف آية:12
كلمة إبليس التي بسببها هلك ، يكررها بعضنا في نفسه كل يوم
قالها إبليس وظن أنه من الأخيار
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)، (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) ، (أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) اختلاف العبارات عند الحكاية؛ يدل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاث معاص: مخالفة الأمر، ومفارقة الجماعة، والاستكبار مع تحقير آدم
إن إبليس عندما جاءه الأمر بالسجود لآدم كان نظره مقتصراً على السجود لآدم .. ولم يلتفت للقضية الأهم وهي قضية أكبر من آدم ومن السجود له ، إنها قضية أمر_الله ! { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}
مرت عقود .. وظهر خريج آخر من هذه المدرسة ، إنه ابن نوح عليه السلام !. فقد نظر إلى الطوفان نظرة سطحية ساذجة ، وتعامل معه كأنه قضية مناخ صعب أو ماء في حالة فيضان فقال :
{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} ،
نعم العصمة والنجاة في نظره هي فقط من الماء .. وكان نظر والده أعمق ، إذ بين له أن القضية أكبر من مجرد ماء غامر بل هي قضية أمر_إلهي بالإغراق قاهر ..
{قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ولم ينتظر الموج انتهاء الحوار بل { وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } . للأسف ما زالت تلك المدرسة يؤمها ويتخرج منها الكثيرون
• الصلاة مجرد حركات ..
• الحجاب مجرد غطاء للرأس ..
• الحج مجرد طقوس ..
• رمضان ريجيم جيد ..
ونسوا أن القضية أكبر من ذلك ، إنها : قضية أمر ممن خلق … قضية امتحان … قضية عبودية لله ..
وحتى لا تتلوث بظلال تلك المدرسة انظر أولاً إلى الآمر ..ثم الأمر … الأمر هو اختبار من الخالق .. اختبار بالتسليم .. والخالق لا يأمر خلقه إلا بما ينفعهم ، وبما هو خير لهم وهو العليم الحكيم
﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي ﴾ : –
ما أجمل الاعتراف بفضائل ومزايا الآخرين فهذه هي صفاتُ الأنبياء وإنكارُها من صفاتِ الشَّيطان .
﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾ : –
– فالأوَّل : أُكرِم واستجاب الله لدعواته ونصره .
– والثَّاني : طرده الله من الجنَّة وأعدَّ له عذاباً عسيراً
وانظر كيف كان عاقبة المتكبرين من الأمم السابقة كما ذكرت في القرآن الكريم كمثل قارون ( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ )
( فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ( 81 ) وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ( 82 ) )
فجاءه الرد ( فلما آسفونا انتقمنا منهم ) فلما أغضبونا- بعصياننا، وتكذيب موسى وما جاء به من الآيات- انتقمنا منهم بعاجل العذاب الذي عَجَّلناه لهم، فأغرقناهم أجمعين في البحر
وانظر – أيضاً – إلى هذا الرجل الذي منعه الكبر أن يأكل بيمينه ؛ فقد روي أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ بِشِمَالِهِ فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ». قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «لا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ». قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.”. ( مسلم ) .
قال فتعسا ونكسا لمن لم يعرف القمر