خطبة بعنوان «الكبر طريق الهلاك» لفضيلة الشيخ أحمد عزت حسن

خطبة بعنوان «الكبر طريق الهلاك»
لفضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة ١٢ من شوال ١٤٤٦هـ الموافق ١١ من إبريل ٢٠٢٥م

الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد.

فإن الكبر خلق ذميم في باطن الإنسان، وآفته عظيمة، لا يقدر على قبول النصيحة، ولا يعطي حقوق الناس، وشر المتكبرين المتكبر على الله، هذا أفحش الكبر والتكبر هو: إظهار العامل إعجابه بنفسه بصورة تجعله يحتقر الآخرين في أنفسهم، وينال من ذواتهم، ويترفع عن قبول الحق منهم.
جاء في الحديث عَنْ النبي ﷺ قَالَ: “لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ: إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ. رواه مسلم والترمذي وأحمد.
ولا يخرج إلا من قلبٍ قد امتلأ بالجهل والظلم ترحلت منه العبودية، ونزل عليه المقت فنظره إلى الناس شذر ومشيه بينهم تبختر ومعاملته لهم معاملة الاستئثار لا الإيثار ولا الإنصاف ولا يرى لأحد عليه حقا ويرى حقوقه على الناس ولا يرى فضلهم عليه.

أسباب التكبر
قال الغزالي في الإحياء : الكِبْر الظاهر أسبابه ثلاثة: ١- سبب في المتكبر: وهو العجب، فهو يورث الكِبْر الباطن، والكِبْر يثمر التكبر الظاهر في الأعمال، والأقوال، والأحوال. ٢- وسبب في المتكبر عليه: وهو الحقد والحسد، فأما الحقد فإنه يحمل على التكبر من غير عجب، كالذي يتكبر على من يرى أنه مثله، أو فوقه، ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه، فأورثه الغضب حقدًا، ورسخ في قلبه بغضه فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له، وإن كان عنده مستحقًّا للتواضع، ٣- وسبب فيما يتعلق بغيرهما: وهو الرياء، فهو أيضًا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى إن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه، وليس بينه وبينه معرفة، ولا محاسدة، ولا حقد، ولكن يمتنع من قبول الحق منه، ولا يتواضع له في الاستفادة، خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه، فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد، ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبر عليه. ولما كان التكبر إعجابا بالنفس، المؤدية إلى احتقار الناس والترفع عليهم، فإن أسبابه التي تؤدي إليه، وبواعثه التي ينشأ منها،

** العلم:
ولا تتعجب أخي الكريم من ذلك؛ فما أسرع التكبّر إلى بعض العلماء أو المثقفين فلا يلبث أن يستشعر الواحد منهم في نفسه كمال العلم فيستعظم نفسه ويستحقر الناس ويستجهلهم، وسواء أكان العلم شرعياً أو علماً مادياً.

** التكبر بالحسب والنسب فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له نسب حتى وإن كان أرفع منه علماً وعملاً، وهذا من أفعال الجاهلية التي نهى الشرع عنها.

ومن الناس من يتكبر بنسبه ويأنف من مخالطة من ذلك، وقال عمر رضي الله عنه: “أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا” يعني بلالًا، فانظر إلى تواضع عمر القرشي لبلال الحبشي العبد الأسود، ولذلك لما قام أحد الصحابة أخذه شيء من حمية الجاهلية، فقال لذاك: يا ابن السوداء! قال النبي ﷺ له: إنك امرؤ فيك جاهلية فقال: على حين ساعتي هذه من كبر السن؟ يعني: يا رسول الله العجب كيف خفي عليّ هذا وأنا على هذا الحال؟ من كبر السن، أخطأت في هذا؟ قال: نعم، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يدهأي صار عبدًا عنده أو خادمًا ملكه إيّاه فمن جعل الله أخاه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه.

** التكبر بالمال:
فهذا يحصل بين كثير من الأغنياء المترفين، في لباسهم ومراكبهم ومساكنهم، فيحتقر الغني الفقير ويتكبّر عليه، أو يحصل من بعض الزوجات التي قد تتكبّر على زوجها بسبب أنها موظفة مثله أو أعلى منه، أو أنها غنية بمالها أو مال أبيها.

** التكبّر بالمنصب:
وهذا يحصل من بعض من يتولّون مراكز مهمة ورفيعة في الدولة، فيرى أنه أفضل ممن دونه فيحتقره، وربما رأى أن الواجب ألا يتصل به الناس مباشرةً بل لابد من وسيط بينهما، أو ينظر إلى من تحته من الموظفين نظرة احتقار، ويعاملهم كعبيد عنده، وقد يجرّه التكبر إلى أن يركب رأسه أحياناً فيرتكب أخطاء كبيرة في عمله، وإذا نصح أعرض وسخط على من نصحه، ولم يمنعه من قبول النصيحة والتوجيه إلا التكبر .
** ومن الناس من يتفاخر بشكله، وكثيرًا ما يكون عند النساء التفاخر بالجمال، فلو أن الله أعطاها مسحة منه، لرأت أنها فوق كثير من الخلق، شامخة بأنفها، مستعرضة بشكلها، والجمال يذهب مع الوقت، وهؤلاء الممثلات عندما يبلغن السن المتقدم من ذا الذي ينظر في وجوههن؟ وهنّ اللاتي كن يملأن الشاشات، فهذا ذاهب، ويبقى التقوى، ذلك الخلق العظيم، ولباس التقوى ذلك خير، ويجب أن لا تعان البنت المستكبرة بجمالها، فلا يتعجب أهلها من جمالها، ويثنوا عليها بجمالها؛ لئلا تزداد كبرًا وغطرسة، بل يلفت نظر المتكبر إلى عيوبه.

** ومن الناس من يتكبر بأتباعه وأنصاره وعشيرته، ومن هم من يتكبر بعدد موظفي شركته، وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ” سبأ:٣٥
وقد كان علاج شيء من العجب دخل في نفس نبي بكثرة أتباعه، كان علاجًا قويًا، عن صهيب قال كان رسول الله ﷺ يحرك شفتيه أيام حنين، لما كان معه الآلاف المؤلفة، أيام حنين بشيء لم يكن يفعله قبل ذلك، ثم قال النبي ﷺ: إن نبيًا كان فيمن كان قبلكم أعجبته أمته، أي في عددها، أعجبه هذا العدد، فقال: لن يروم هؤلاء شيء أي لن ينالهم شيء وهم بهذا العدد، فأوحى الله إليه أن خيرهم بين إحدى ثلاث قضاء من الله نازل ولابدّ، ما هي الثلاث؟ قال له: إما أن أسلط عليهم عدوًا من غيرهم فيستبيحهم أو الجوع أو الموت، فشاور النبي قومه، قالوا: أما القتل أو الجوع فلا طاقة لنا به، أن يتسلط علينا الأعداء وأن نرى المجاعة لا نطيق ولكن الموت قال رسول الله ﷺ: فمات في ثلاث سبعون ألفًا، قضى الله على سبعين ألف من قوم ذلك النبي في ثلاث فقط، علاج هذه النتيجة، ومن هو؟ نبي كريم من أحب خلق الله إلى الله ، كان ذلك العلاج والقدر، قال ﷺ فأنا أقول الآن: اللهم بك أحاول، وبك أصول، وبك أقاتل أجول أو أصول بك، بحولك وقوتك يا الله، ليس بكثرة جندي ومن معي، وهكذا كانت تلك القصة عبرة، وكان النبي ﷺ يقول: اللهم بك أحول وبك أصول وبك أقاتل.

حديث القرآن الكريم عن الكبر:
لقد وردت في القرآن الكريم آيات كثيرة تذمّ الكبر وتنهى عنه وتحذّر منه، من ذلك: قوله تعالى في: سورة الأعراف “قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ” * وبين تعالى أن المتكبر مصروف عن آيات الله قال تعالى في السورة نفسها: “سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ” أي: يرون أنهم أفضل الخلق، وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم” * وأن الله لا يحبه:
قوله تعالى: سورة النحل “لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ” ** ومصيره الخلود في نار جهنم: قال تعالى: “قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ” الزمر

المتكبرون ومحاربة الرسل عباد الله، ما الذي بعث إبليس على الكبر؟ وما الذي دفعه إلى الكفر؟ “إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ” البقرة: ٣٤ “فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ . إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ” ص:73-
وهكذا كان فرعون وجنوده، “وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ” القصص:39-40، وهكذا قوم ثمود: “قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ” الأعراف:75، وهكذا قوم عاد “فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً” فصلت:15،
وقوم شعيب “قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا”َ الأعراف:٨٨،

وقوم نوح “قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا” نوح:5-7.
وهكذا مشركو العرب قال الله عنهم: “لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا” الفرقان:21، “إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُون” الصافات:35، وهكذا فعل الوليد بن المغيرة، “ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا” المدثر:11-12،
قوافل وراء قوافل، أرباح وراء أرباح، وَبَنِينَ المنة بالذكور عليه وكانت العرب تكره البنات “وبنين شُهُودًا” ليسوا مسافرين لكن عنده حاضرين، وهذا أقر للعين أن يكون الأبناء حول الأب، “وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ” المدثر:15-24.
هكذا يصف القرآن ونبي الإسلام -عليه السلام- أنه ساحر، وهذا سحر، إنها نتيجة الكبر. ولقد كان فرعون -عندما قال أنا ربكم الأعلى- أبغض الخلق إلى الله، وقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين”َ غافر:٦٠.
بينما كان المسيح عبدًا لله “لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ” النساء: ١٧٢
لكن الكفار ماذا قالوا؟ “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا” الفرقان:٦٠،
والنوع الثاني من الكبر: التكبر على الرسل، وعدم الانقياد لهم، ولذلك قال المتكبرون: “فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا” المؤمنون:٤٧،قَالُواْ “إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا” إبراهيم”:١٠

والنوع الثالث من الكبر: التكبر على العباد، فيستعظم نفسه، ويستحقر غيره، ويأبى الانقياد للحق، والتواضع للضعيف، هذا الكبر الذي به الرذائل مجتمعة، هذا الكبر أشدّه وأسوأه التكبر على الله، الذي ينازع الله صفاته فيتكبر، ولا يليق الكبر إلا بالعلي الكبير. ولله المثل الأعلى، لو أن مملوكًا لملك ووصيفًا وخادمًا أخذ تاج الملك، وجلس على كرسي الملك، ونفخ صدره؛ ثم رآه الملك فجأة، فماذا ترُاه به سيفعل؟ إن الذين يستكبرون ينازعون الله صفة الكبر، التي لا تليق إلا له وبه، وبعض الناس يتكبرون، ويعينهم على ذلك الآخرون.

ذم التكبر في السنة النبوية: قول النبي ﷺ: (ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلّ جوّاظ مستكبر)
ويكفي أهل الكبر ذمّاً وإثماً أن إمامهم وقائدهم في ذلك إبليس -لعنه الله- الذي تكبّر على الله ولم يسجد لآدم، وفرعون وقارون وأمثالهم، ومن عمِل عمَل قومٍ حريُّ أن يحشر معهم وأن يعذّب بمثل ما يعذبوا به. ويقول ﷺ: (حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) [البخاري]
ويقول ابن حزم:- لاتقارن بين نفسك وبين ومن هو أكثر عيوبا منها فتستسهل الرذائل، فاستمر في معالجة عيوبك ولا تركن إلى الاخرين ولا تقل أنا أحسن من غيرى ولا تقل أنا أحسن من الأول.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: “كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن، وهو على القضاء -قاضي البلد- فسألته عن مسألة، فغلط فيها فقلت: أصلحك الله، القول في المسألة كذا وكذا، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه، فقال: إذًا أرجع وأنا صاغر، لأن أكون ذنبًا في الحق، أحبّ إليّ من أن أكون رأسًا في الباطل”، هكذا أخلاق المؤمنين.
قال ابن عيينة -رحمه الله-: “من كانت معصيته في الشهوة فأرجو له”، أي أن يتوب “ومن كانت معصيته في الكبر فاخش عليه فإن آدم عصى مشتهيًا” أي بسبب الأكل من الثمرة “فتاب الله عليه فغفر له، وإبليس عصى متكبرًا فلعن”. فالكبر مانع من قبول الحق

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.
أيها الإخوة المؤمنين وأما عن أسباب الكبر وعلاجه فمن ذلك: المال، كما حدث من صاحب الجنيتن”وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا” الكهف :34 وهكذا يظن بعض الناس نفسه أن عنده ما ليس عند البشر وأنه أحسن واحد فيهم، وقد يعينه أولئك، كاختلال الموازين عند الناس، فإنها تعين المتكبرين،
وينبغي علينا أن لا نعين المتكبرين، بل أن ننصحهم، فإن استكانة بعض الناس وذلهم يدفع المتكبرين إلى مزيد من التكبر،

** وبعض الناس يتكبر بالعلم والشهادة، فإذا صار في رتبة عالية من الشهادات الدنيوية نفخ صدره، ولم يعد يعرف من كان يصاحبه، فحاله كحال القائل:
وإني وإن كنت الأخير زمانه لأتٍ بما لم يأتِ به الأوائل
ولما جاء ابن المبارك إلى أحد الزهاد فدخل عليه، فلم يلتفت إليه، ولم يأبه به، وكان ابن المبارك على غناه من المتواضعين، فلما انصرف من عنده، قيل له: هذا أمير المؤمنين في الحديث، عبد الله بن المبارك، فبهت الرجل، وخرج خلفه مسرعًا يعتذر، وقال: يا أبا عبد الرحمن: اعذرني وعظني، قال ابن المبارك، إذا خرجت من منزلك فلا يقع بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك”.

درجات الكبر وأنواعه: أشد أنواع الكبر:
** الكبر على الله تعالى أولاً: الكبر على الله عز وجل، كفرعون وقارون والنمرود بن كنعان، وكذلك من يرد الآن أحكام الشرع كبراً وعناداً وترفعاً، وأيضاً الإلحاد في آيات الله كبر،

ثانياً: الكبر على رسل الله، وما أكثر الذين يتكبرون على الرسل بحجة أن الرسل بشر مثلهم! وبحجة أن الرسل يصيبون ويخطئون! فنقول: إن الرسل أرسلهم الله ليطاعوا بإذنه، فقال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ” النساء: ٦٤،

ثالثاً: الكبر على العباد،
ولذا فاحذر أن ترى نفسك أفضل من أحد، بل لابد أن تشعر أنك أقل من الجميع، واهضم حق نفسك، وتأمل إلى عمر وهو يقول لـحذيفة أمين سر رسول الله ﷺ في المنافقين الذين تخلفوا في غزوة تبوك أو غيرهم، فيبكي ويقول: يا حذيفة ! أستحلفك بالله أسماني رسول الله مع المنافقين أم لا؟ عمر يخشى على نفسه من النفاق، أما نحن فقد أمنا من مكر الله عز وجل،

وهناك من الناس من يتكبر على الخلق بمكانته الاجتماعية: سواء بملكه، أو رئاسته، أو منصبه، فنقول له: اعلم أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وهذه قصة تبين لنا أن الملك لا يساوي شيئاً: فقد أمر ملك من الملوك -وهو هارون الرشيد- خادمه أن يأتي له بكوب من ماء، فلما جاءه الخادم بكوب الماء وشربه ثم سأله أحد جلسائه -وكان حكيماً- ماذا تصنع إن عز الماء فلم تجد شربة ماء؟ قال: أنفق نصف ملكي لأحصل عليها، قال: فإن حبس الله هذه الشربة في بدنك فما أنت صانع؟ قال: أنفق النصف الآخر، قال: فمال هذا الملك الذي لا يساوي شربة ماء؟!

وسائل معالجة الكبر
إذًا من وسائل معالجة الكبر أن ينظر الإنسان فيمن حوله، ويقول: كم من واحد من هؤلاء عند الله أفضل مني؟ ولو كان الإنسان عنده شيء من العبادة، أو العمل للدين فيقول لنفسه محاسبًا: وما يدريني أن لدي من العجب ما أفسد عملي عند الله؟ وأن لدي من الكبر ما ذهب بالأجر والثواب، وما يدريني أن هذا العاصي ربما يكون عنده من الأسف والندم والتوبة والأوبة والانكسار بين يدي الله ما يغفر الله به ذنبه؟ ويعذبني أنا!
ينبغي على المسلم أن يعرف قدره، وينظر مما خلق، من نطفة من ماء مهين، فلا يتكبر على خلق الله

جزاء المتكبر:
فليحرص كل منا أن يكون متواضعًا في معاملته للناس، ولا يتكبر على أحد مهما بلـغ منـصبه أو مالـه أو جاهه؛ وقال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أكَلَ رجل عند رسول الله ﷺ بشماله، فقال: (كُلْ بيمينك قال الرجل: لا أستطيع، قال الرسول ﷺ: (لا استطعتَ؛ ما منَعَه إلا الكِبْر!)، فما رفعها إلى فِيه.

الدعاء

اترك تعليقاً