بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد

الدرس الرابع والعشرون ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ )

الحمد لله الذى جعل بيوته فى الأرض المساجد، وأجزل المثوبة لكل راكع وساجد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره علي الدين كله فكان خير منذر وشاهد، اللهم صل وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن أتبع هداهم إلى يوم الدين أما بعد؛ معاشر الصائمين: لقد اختص ربنا تبارك وتعالى المساجد بخصائص عظيمة، وفضائل كثيرة، فهي أحبّ الأماكن والمواضع إليه سبحانه وتعالى، ففيها يُذكرُ اسمه، وفيها يُسبّحُ بحمده؛ قال تعالى:﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(النور:٣٦-٣٨َ)، والمساجد هى بيوت الله تعالى فى الأرض وزورها هم ضيوف الرحمن، ولقد كان بناء المسجد هو أول عمل قام به سيدنا رسول الله ﷺ بعد الهجرة إلى المدينة، بل شارك ﷺ بنفسه فى بناء المسجد فدل ذلك على عظم مكانة بيوت الله عز وجل، ولقد تضافرت الأدلة فى بيان فضائل المساجد من ذلك؛

– الفضيلة الأولى: إضافة المساجد إلى الله عز وجل إضافة تشريف وتكريم وتوحيد؛ قال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾(الجن: ١٨)،
– الفضيلة الثانية: عُمار المساجد هم المؤمنون حقاً؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ﴾(التوبة:١٨)،

– الفضيلة الثالثة: فرح الله عز وجل بقدوم العبد إلى المسجد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجدَ للصلاة والذِّكر، إلا تَبَشْبَشَ اللهُ له، كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم» رواه ابن ماجه وأحمد.
يا مَن له تعنو الوجوهُ وتخشعُ
ولأمره كلُّ الخلائق تخضعُ
أعنو إليك بجبهةٍ لم أَحْنِها
. إلا لوجهك ساجدًا أتضرَّعُ
وإليك أبسط كفَّ ذلٍّ لم تكن
يومًا لغير سؤالِ فضلك تُرفَعُ
أنا مَن علمت، المذنب العاصي الذي
عظُمت خطاياه فجاءك يهرعُ
يا رب عبدُك عند بابك واقفٌ
يدعوك دعوةَ مَن يخاف ويطمعُ
يا ربِّ ما لي غيرُ بابك مفزع
آوي إليه بكلِّ ذلٍّ أخشعُ
ما لي سوى دمعي إليك وسيلةٌ
وضراعتي ولمن سواك سأضرعُ
إن لم أقف بالباب راجي رحمة
فلأي بابٍ غير بابك أقرعُ

– الفضيلة الرابعة: من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً فى الجنة؛ فعن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضى الله عنه أنه قال للنّاس حِينَ بَنَى مَسْجِدَ النبى ﷺ: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا – قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ – يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ» متفق عليه.

– الفضيلة الخامسة: كثرة الخطا إلى المساجد تمحو الخطايا، وترفع الدرجات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «ألا أخبرُكُم بما يَمحو اللَّهُ بِهِ الخطايا، ويرفعُ بِهِ الدَّرجاتِ، إسباغُ الوضوءِ علَى المَكارِهِ، وَكَثرةُ الخُطا إلى المساجِدِ، وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ، فذلِكُمُ الرِّباطُ، فذلِكُمُ الرِّباطُ، فذلِكُمُ الرِّباطُ» رواه مسلم.

– الفضيلة السادسة: البشارة من النبيِّ ﷺ لمَن مشى إلى المسجد؛ فعن بريدة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التامِّ يوم القيامة» روى أبو داود والترمذي بسندٍ حسن.

– الفضيلة السابعة: أجر الخارج إلى صلاة مكتوبة متطهراً كأجر الحاجِّ المُحْرِم؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَن خرج من بيته متطهِّراً إلى صلاة مكتوبة، فأجرُه كأجر الحاجِّ المُحْرِم» رواه أحمد.

– الفضيلة الثامنة: الذاهب إلى المسجد تُكتب آثاره في ميزان حسناته؛ فعن جابرٍ قال: خَلَت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلِمةَ أن ينتقلوا إلى قرب المسجد، فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ، فقال لهم: «بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد؟»، قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، قال:«يا بني سَلِمَةَ، ديارَكم، تُكتَبْ آثارُكم، ديارَكم، تُكتب آثاركم» رواه مسلم..

– الفضيلة التاسعة: إعداد الله تعالى ضيافة خاصة في الجنة للذاهب إلى المسجد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ قال:«مَن غَدَا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجنة نُزلًا كلما غدا أو راح» متفق عليه.

والنُّزُل: هو المكان الذي يهيَّأ للضيف عند نزولِه.

– الفضيلة العاشرة: الخارج إلى الصلاة ضامن على الله تعالى؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه أنَّ رسول الله ﷺ قال: «ثلاثةٌ كلهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجلٌ خَرَجَ غازيًا في سبيل الله، فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفَّاه فيدخله الجنَّة، أو يرده بما نال من أجرٍ وغنيمة، ورجلٌ راح إلى المسجد، فهو ضامنٌ على الله حتى يتوفَّاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجرٍ وغنيمة، ورجلٌ دخل بيته بسلامٍ، فهو ضامنٌ على الله عز وجل» رواه أبو دواد.

فيا عباد الله: إن كنا قد علمنا ما للمساجد من فضل ومكانة، فلابد وأن نلتزم بآداب الزيارة لبيوت الله عز وجل قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾(الاعراف: ٣١)، فالله سبحانه وتعالى يؤكد على النظافة والتجمل، ووعد بالأجر والثواب لمن عُني بها، لذلك كانت المساجد أولى الأماكن بهذه النظافة؛ فعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ: «عُرضتْ عليَّ أجورُ أمتي حتى الْقَذاةُ يخرجُها الرجلُ منَ المسجدِ» رواه السيوطى.

– ولهذا ينبغي ان تبقى بيوت الله نظيفة تفوح منها الروائح الزكية التي تساعد على ارتيادها للصلاة فيها، وأداء الشعائر، ويستحب لبس الثياب الحسنة واستعمال السواك عند الذهاب إلى المسجد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» رواه البخاري ومسلم.

– وبعض الناس يأتي إلى المسجد بثياب قد تكون متسخة وبها روائح كريهة تؤذي المصلين والسبب يعود إلى الكسل، فيتكاسل عن تغييرها، بينما لو أراد أن يزور أحداً من الناس لاستعد لذلك، فرب العالمين أولى بالتجمل؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾(الحج:٣٢)، وعن محمد بن يحيى بن حبان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ، أَوْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ، أَنْ يَتَّخِذ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» رواه أبو دواد.

– ولقد ورد النهي عن حضور المساجد لمن أكل الثوم أو البصل ونحوهما؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:«مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» رواه البخاري.

– ومن الآداب التبكير إلى المساجد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ»رواه البخاري ومسلم.
– وصلاة ركعتين عند دخول المسجد، وهما تحية المسجد؛ فعن أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» رواه البخاري ومسلم.

ويستحب الإكثار في المسجد من ذكر الله تعالى، بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وغيرها من الأذكار، وكذلك الإكثار من قراءة القرآن، ومن المستحب فيه قراءة حديث رسول الله ﷺ وعلم الفقه، وسائر العلوم الشرعية؛ فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ»، وفي رواية أخرى:«إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ»رواه البخاري.
– ويجب اجتناب اللغو واللغط، والخوض في أعراض الناس، وكثرة الحديث في أمور الدنيا مما يُولد قسوة القلوب، ويبعد عن الله عز وجل، وكذلك ورد النهي عن البيع والشراء وإنشاد الضالة في المسجد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺقال:
«مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهاَ اللَّه عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا» رواه مسلم.

– وعنه أن النبي ﷺ قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّه تِجَارَتَكَ» رواه الترمذي.

وأود أن أوجه رسالة إلى بعض إخواني من الذين لا نراهم في المساجد إلا فى هذا الشهر الكريم شهر رمضان؛ لقد من الله عليكم بدخول بيوته والصلاة فيها فداوموا على ذلك لأن رب رمضان رب سائر الأزمان واعزموا على التوبة الصادقة فلا تتركوا الصلاة وعمارة بيوت الله أبداً.

عباد الله: اتقوا الله وحافظوا على بيوت الله عز وجل وخذوا زينتكم عندها، وعظموا حرمات بيوت الله، وعلموا أبنائكم آداب المساجد، وكيفية الحفاظ على نظافتها وصيانتها، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً