هل صح حديث: “صوموا تصحوا”؟

بقلم . د :  إبراهيم المرشدي الأزهري
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والمدرس جامعة نور مبارك بكازاخستان

 

لا يزال أكثر أئمة الحديث والفقه يروون هذا الحديث ولا يتعقبونه بشيء، إذ الحديث جاء مسندًا في غير كتاب من كتب السنة الشريفة، وقد حسنه أكثر أئمة الحديث، وضعَّفه بعض المحدثين، وبالغ بعضهم فحكم عليه بالوضع، وبعضهم يصرح بتضعيف إسناده وتصحيح معناه، وإن كان الكل يتفق على صحة معناه.

وسوف نتناول الحديث وسنده في نقاط محددة:

أولًا: لفظ الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْزُوا تَغْنَمُوا، وَصُومُوا تَصِحُّوا، وَسَافِرُوا تَغْنَمُوا».

ثانيًا: معنى الحديث: قوله: «وصوموا تصحوا» أي: تُشفوا من الأمراض وتسلموا من الآفات، وذلك لأنَّ قلة الطعام مُذهبة للأسقام، كما أنَّ كثرة الأكل مجلبة للعلل والأمراض.

وقد كُتبت عدة كتب في أوجه الإعجاز الطبي في الصيام منها كتاب: الصيام في ضوء الإعجاز العلمي للدكتور علي فؤاد مخيمر. وكتب الدكتور حامد عطية الإعجاز الطبي في صيام شهر رمضان.

وللدكتور محمد غسان: إعجاز الصوم .

وأصدرت مجلة رابطة العالم الإسلامي: الصيام أحدث الدراسات العلمية وجاهزة نوبل. وغيرها كثير.

ثالثًا: رواة الحديث: رواه ابن المقرئ في جزء من حديثه (1)، والحاكم أبي عبد الله عن الحافظ أبي عروبة في “جزء أبي عروبة الحراني” برقم (45)، والطبراني في “الأوسط” (8312)، وأبي نعيم في “الطب” (113)، والقضاعي في “مسند الشهاب” (623)، والماوردي في “الأمثال والحكم” (صـ 123)، وغيرهم.

ورواه الإمام أبو بكر ابن المقرئ في “جزء من حديثه” وهو أول حديث أسنده، وسنده حسن، ليس فيه متهم ولا ضعيف، فقد رواه الإمام ابن المقرئ عن الإمام الحافظ أبي عروبة الحراني، وهو عن إسحاق بن زيد الخطابي: وثَّقه ابن حبان، وعدَّه الذهبي في “الثقات”، وهو عن محمد بن سليمان بن أبي داود المعروف ببومة، وهو إمام ثقه، وثقه أبو داود الحراني وابن حبان، وقال النسائي: لا بأس به، وهو عن زهير بن محمد التميمي العنبري وهو إمام لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، روى له الجماعة، ووثقه يحيى وأحمد وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وهو عن سهيل بن أبي صالح وهو ثقة، عن أبيه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه. فهذا إسناد حسن ليس فيه متهم ولا كذاب.

رابعًا: حكم علماء الحديث:

ضعفه بعضهم : كالعراقي والصغاني

وحسَّنَه : جمهور أهل الحديث

وإليك شيئًا من أقوالهم: قال الحافظ المنذري في “الترغيب والترهيب” (1450): “رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرُوَاته ثِقَات”، وقال الحافظ الدمياطي في “المتجر الرابح” (683): “رواه الطبراني ورجال إسناده ثقات”، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد” (5070): “رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات”، وذكره السيوطي في “الجامع الصغير” (5060) وعزاه إلى ابن السني وأبي نعيم في الطب عن أبي هريرة ورمز له السيوطي بالحسن، ووافق على ذلك جماعة ذكروا تحسينه عمن سبق من العلماء.

إشكال: هذا السند السابق لا إشكال فيه إلا من جهة زهير بن محمد، حيث نقم بعضهم رواية الشاميين عنه، وقالوا: منكرة، وهنا روى عنه محمد بن سليمان الحرَّاني وهو شامي، ولأجل هذا ضعفه بعضهم، وهذه علة من ضعَّف الحديث.
وفي الجواب عن ذلك نقول: لم ينفرد زهير بن محمد به، بل تابعه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الرَّدَّادِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، وعن عبد الله بن دينار، والرداد ضعيف، ومن المقرر عند المحدثين أنه لا يلزم أن يكون المتابع مساويًا في المرتبة للأصل وإن كان دونه يصلح للمتابعة.

ثم استنكار بعض المحدثين لبعض مرويات زهير بن محمد من طريق الشوام ليس على عمومه، خاصة إذا روى عنه ثقة مأمون كمحمد بن سليمان، ولا يلزم أن كل ما جاء عن البصريين صحيح كما نصوا في ظاهر عباراتهم، بل مدار الأمر على ثبوت ذلك على وجه الصحة عنه، وقد قيّد ابن أبي حاتم ذلك بكونه يحدث من حفظه أم من كتاب، اللهم إلا في حالة واحدة وهي أن يختلط في آخره فتُميَّز روايته قبل الاختلاط عن بعده، وقد جاء في كتاب ابن الجارود: “روى عنه الوليد، وعمرو بن أبي سلمة مناكير”، ولا يصح أن يكون هذا الحديث من منكراته، وقد صحح الإمام الحاكم رواية عمرو بن أبي سلمة والوليد بن مسلم عن زهير ووافقه الذهبي في مواضع، وهذا يدلك على أن الضابط في ذلك ليس مجرد أنه من الشوام، بل العبرة وجود ما صح وثبت من طريق الثقات.

فقد زالت نكارة هذ الحديث بأن زهير بن محمد لم ينفرد بروايته في كتب السنة، ولا تفرد به محمد بن سليمان، بل رواه غير واحد وإن كانت طرقها ضعيفة إلا أنها تشهد له بعدم تفرده، فقد رُوِيَ الحديث من طريق سيدنا ابن عباس وفيه: نهشل بن سعيد لا يُحتج به، ومن طريق سيدنا ابن عمر، وفيه: محمد بن عبد الرحمن الرداد وهو ضعيف، ومن طريق سيدنا علي بن أبي طالب وفيه: حُسَيْن بن عبد الله بن ضميرَة، متروك الحديث، ومن طريق أبي الدرداء، بسند منقطع، وأورده بلاغًا الإمام الربيع بن حبيب بن عمر الأزدي البصري المتوفى 170هـ في “الجامع الصحيح من مسنده”، وما اورده صحيح عنده سواء كان موصولًا أو غير موصول، وكل هذه تعتبر متابعات للحديث.

حتى روى الخطيب في “البخلاء” (صـ 91): “عن أبي مُحَمَّد عبد المحسن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن غالب الصوري أنه أنشد:
وأخ مسه نزولي بقرح … مثلما مسني من الجوع قرح
بت ضيفًا له كما حكم الدهر … وفي حكمه على الحر قبح
فابتدأني يقول وهو من السكرة … بالهم طافح ليس يصحو
لم تغربت قلت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ … والقول منه نُصحٌ ونُجح
سافروا تغنموا فقال وقد قال … تمام الحديث صوموا تصحوا”.

ومن حسَّنه كالحافظ المنذري، والحافظ الدمياطي، والإمام الهيثمي، والحافظ السيوطي، وعلي ابن البهاء الحنبلي، والساعاتي، وغيرهم بهذه الاعتبارات لا شك أنه الأصح والأوفق، والله تعالى أعلى وأعلم.

كتبه. د : إبراهيم شعبان المرشدي الأزهري

اترك تعليقاً