تأملات في كتاب الله !

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالرحمن رضوان
إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف

بما أننا في شهر القرآن، فلقد كان لزاما ألا يمر رمضان حتى نعطي كتاب الله طرفا من الحديث.

إن كتاب الله زاخر بأسرار وعجائب لا تنقضي أبدا ، ولقد كان من أوجه إعجاز القرآن وجه النظم- كما قال شيخ البلاغيين عبدالقاهر الجرجاني- بمعنى: وضع كل كلمة في مكانها المناسب، حتى تكشف عن المعنى المراد، بحيث لا تستطيع أي كلمة أخرى أن تحل محلها

وإليك الآن ومضتان من ومضات القرآن:

✍️الومضة الأولى : جميعنا- والحمد لله – يقرأ سورة الفاتحة كل يوم على الأقل سبع عشرة مرة، هذا خلاف حظ كل منا من النوافل، المهم ، نقرأ جميعا هذي الآية:” اهدنا الصراط المستقيم “.

ووراءها لا أقول سر عظيم، بل كنز ونعمة عظيمة من نعم الله علينا.

وإليك البيان: الفعل يهدي قد يتعدى بحرف جر، نحو: يهدي إلى الصراط ، مثل قوله تعالى في سورة الشورى: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، وقد يتعدى بنفسه دون حرف جر ، نحو هذه الآية: اهدنا الصراط المستقيم ” وهناك فارق كبير بين التركبيين في المعنى .

معنى تهدي إلى: بمعنى يدلك على بداية الطريق ويعرفك أوله، ثم يتركك تكمل وحدك بعد أن هُديت، وهذي مهمة رسول الله، كما قال الله: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وأيضا قال الله له: لست عليهم بمصيطر، وقال أيضا: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد.

أما قوله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم ، فهو بمعنى: يظل معك في طريقك حتى تكمله للنهاية، وهذا من فضل الله علينا، فلا شك أن الله هو الهادي الذي يرشدك ويدلك الطريق حتى نهايته، لذلك نقول قبلها: إياك نعبد وإياك نستعين.

الفكرة المستفادة من هذه الومضة، فهي حينما تؤدي أي طاعة أو أي عبادة فاعلم يقينا أنها ليست بإرادتك أو قوتك، وإنما هي محض فضل وتوفيق من الله الذي هداك الصراط المستقيم، فثمة ملايين حول العالم يتخبطون، ويتهيون في ظلام دامس، ولا يعرفون أصلا ما الإسلام ولا ما الصلاة .

الومضة الثانية : نقرأ قوله تعالى في سورة هود على لسان شيخ الرسل نوح مخاطبا ولده: يا بني اركب معنا، وهذه الآية عجيبة في مبناها ومعناها .

أما من ناحية المبنى، فلأن لغة العرب لها في مثل هذا التركيب وجهان: الإدغام، والإظهار، والتركيبان نزل بهما القرآن، وبهما قرأ جمهور القراء على اختلاف بينهم .
تهمنا رواية الإمام حفص التي يعرفها الجميع، فلقد قرأها الإمام حفص بإدغام الباء في الميم .

وهذا الوجه بليغ جدا جدا من وجهين :

الوجه الأول: الإدغام أقصر من الإظهار في المسافة الزمانية للنطق، وهذا القصر في المسافة الزمانية للنطق والذي يصوره الإدغام يناسب الموقف الذي قيلت فيه، فالموقف موقف خوف ورعب وهلع وفزع، موقف الطوفان والسفينة يستدعي هذا الإدغام، ويستدعي هذه السرعة في الكلام والنطق .

الوجه الثاني: لا يخفى على من له أقل حظ من علم التجويد، أن الإدغام هنا فيه غنة، وهذه الغنة تصور موقف الأب المكلوم الخائف المشفق على ولده، ولن يصور هذا الموقف إلا الإدغام .

الفكرة المستفادة من هذه الومضة، تظل عاطفة الحب من الأب والأم لأبنائهم كما هي ولا تتغير أبدا، يحبون مهما تغيرت الأفهام، ومهما تغيرت الأفكار، يحبون حبا بلا مقابل، حبا يخلو من المصلحة .

فاللهم اهدنا الصراط المستقيم ، وبارك لنا في آبائنا وأمهاتنا وكل من له حق علينا ، وارزقنا جميعا فهم كتابك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *