خطبة بعنوان «والشهداء عند ربهم لهم أجرهم» لفضيلة الشيخ أحمد عزت حسن  

إعداد الشيخ: أحمد عزت حسن

 

خطبة الجمعة ١٤ من رمضان لعام ١٤٤٦هـ. الموافق ١٤ من مارس لعام ٢٠٢٥

الموضوع

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد

إن الحديث حول -الشهادة والشهيد- حديثٌ ذو شجونٌ،

من أجل ذلك نود أن نشير وننوه بشئٍ بسيط إلى هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:

معنى الشهيد

مرتبة الشهداء

أنواع الشهداء

يطلق الشهيد على: “كل من يقتل أثناء حرب مع العدو، سواء أكانت المعركة جهاد طلب أي لفتح البلاد ونشر الإسلام فيها، أم جهاد دفع أي لدفع العدو الذي هاجم بلاد المسلمين”.

مراتب الشهداء

شهداء الآخرة المكرمين بالرحمة والمغفرة بوعد الله تعالى وهم الأحياء عند ربهم لقوله جل وعلا: “ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون” [البقرة : ١٥٤]

وهم المحددون بفعل القتال في سبيل الله لا لغرض في الدنيا لقوله تعالى: “فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا” [النساء : ٧٤]

الشهيد في السنة

وللشهادة فضلٌ عظيم وثوابٌ جزيلٌ لا نستطيع حصرها فنكتفي بالإشارة إلى بعضه فمنها أنه:

١- تُظِلّه الملائكة بأجنحتها.

فعن جابر بن عبد الله يقول لقيني رسول الله ﷺ فقال لي: “يا جابر، ما لي أراك منكسرًا؟ قلت: يا رسول الله، استشهد أبي قتل يوم أحد وترك عيالا ودينًا.

قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك: قلت بلى يا رسول الله. قال: ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه كفاحًا فقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانيةً قال الرب عز وجل إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال وأنزلت هذه الآية ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا” (رواه الترمذي وحسنه).

وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي الله ﷺ قال: “إذا وقف العباد للحساب. جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دمًا، فازدحموا على باب الجنة فقيل: من هؤلاء ؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء مرزوقين” (رواه الطبراني بإسناد حسن).

وذكر السيف في الحديث؛ لأنه السلاح الغالب استعماله في ذلك الوقت، ويلحق به السلاح المستعمل اليوم. فشهداء عصرنا يأتون يوم القيامة، حاملين سلاحهم الذي استعملوه، من بندقية، ومدفع رشاش، ومسدس، وقنبلة، وغيرها.

٢- أمن فتنة القبر

عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي الله ﷺ: “أن رجلا قال يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنةً” (رواه النسائي).

أفاد الحديث: أن الشهيد لا يسأله الملكان في قبره. لأن القصد بسؤالهما، فتنة الميت وامتحانه، والشهيد قد امتحن بأهوال الحرب وفزعاتها، وتعرضه للموت وهو ثابت حتى استشهد فكان ذلك امتحانًا كافيًا في الدلالة على قوة إيمانه، وذلك للشهيد المخلص.

عن عتبة بن عبد السلمي قال: قال رسول الله ﷺ: “القتلى ثلاثة مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل قال النبي ﷺ فيه فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ومؤمن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل قال النبي ﷺ فيه ممصمصة محت ذنوبه وخطاياه إن السيف محاء للخطايا وأدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء، ومنافق جاهد بنفسه وماله فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل فذاك في النار إن السيف لا يمحو النفاق” (سنن الدارمي).

٣- لا يشعر بألم القتل أو خروج الروح، يقول النبى ﷺ: “ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنَ القَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ” (أحمد والترمذي والنسائي وسنده حسن)

٤- يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليقتل عشر مرات لما رأى من فضل الشهادة، قال ﷺ: “ما من أحدٍ يدخل الجنة يُحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شئٍٍ إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة” رواه البخارى

٥- أنه لا يُفتن فى قبره، وقد سُئل عن سر ذلك رسول الله ﷺ فقال: “كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً” رواه النسائي.

 

أفاد الحديث: أن الشهيد لا يسأله الملكان في قبره؛ لأن القصد بسؤالهما، فتنة الميت وامتحانه، والشهيد قد امتحن بأهوال الحرب وفزعاتها، وتعرضه للموت وهو ثابت حتى استشهد فكان ذلك امتحاناً كافياً في الدلالة على قوة إيمانه، وذلك للشهيد المخلص

٦- أنه يشفع فى سبعين من أهله، وفى بعض الرويات كلٌ قد وجبت له النار. يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء.

٧- يُوزن يوم القيامة مداد العلماء بدماء الشهداء.

٨- يخرج من قبره وجرحه يثغب دمًا اللون لون الدم والريح ريح المسك،

٩- وكفى بالشهادة فضلًا أن يتمناها النبى ﷺ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده، وددتُ أنِّي أُقاتلُ في سبيل الله فأُقتلُ ثم أُحيا ثم أُقتلُ، ثم أُحيا ثمَّ أُقتلُ” متفق عليه.

١٠- هو من خير الناس منزلاً ..

١١- يجري عليه عمله حتى يُبعث ..

ففي الترمذي عن النبي -ﷺ- أنه قال: “كلُّ ميتٍ يُختَم على عمله إلا الذي مات مُرابِطًا في سبيل الله؛ فإنَّه يُنمَى له عملُه إلى يوم القيامة، ويأمنُ من فتنة القبر. ثم يُبيِّن الحبيب المصطفى ﷺ أن للشهيد عند الله ستَّ خصال؛ “يُغفَر له عند أول دفعة من دمه، ويرى مكانه في الجنة، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما عليها، ويُزوَّج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويَشفع في سبعين من أهله” رواه أحمد وابن ماجه، عن المقدام بن معدي كرب وصححه الألباني

١٢- يحلّى من حلية الإيمان.

١٣- هو من أُمناء الله في خلقه.

١٤- روحه في جوف طير أخضر يرِد أنهار الجنة ويأوي إلى

١٥- قناديل من ذهب في ظل العرش.

١٦- يأمن من الصعقة.

١٧- يأمن من الفزع الأكبر.

١٨- يُزوج باثنتين وسبعين من الحور العين.

ففى البخاري: “يعطى الشهيد ست خصال؛ عند أول قطرة من دمه تُكفَّر عنه خطاياه، ويرى مقعده من الجنة، ويُزوَّج من الحور العين، ويؤمن من الفزع الأكبر، ومِن عذاب القبر، ثم يقول ﷺ: ويُحلى حلة الإيمان “.

١٩- يلبس تاج الوقار، الياقوته فيه خير من الدنيا وما فيها

٢٠- هو من أول من يدخل الجنة.

٢١- يكلمه الله كفاحًا دون حجاب.

٢٢- يسكن الفردوس الأعلى في خيمة الله تحت العرش

٢٣- لا يفْضله النبيّون إلا بدرجة النبوة.

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه ﷺ قال: “الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته” رواه أبو داود وصحَّحه ابن حبان.

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.

أيها الإخوة المؤمنين رغم أجر الشهادة العظيم فإن هناك

ذنب لا تكفره الشهادة

تقدم في الأحاديث السابقة أن الشهيد يغفر له في أول دفعة من دمه، وأن ذنوبه تكفر باستشهاده. إلا أنه يستثنى منها الدين، للذين كان يقدر على الوفاء به ولم يفعل، وذلك، لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله ﷺ قال: “يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين” رواه مسلم.

وعن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ: “قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال له رسول الله ﷺ نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله ﷺ كيف قلت قال أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي فقال رسول الله ﷺ: نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك” رواه مسلم.

أفاد الحديث: أن جبريل عليه السلام نزل خاصة ليخبر النبي الله ﷺ: أن الدين لا يغفر للشهيد، لأنه حق لآدمي، لم يتنازل عنه، فإن ترك الشهيد ما يقضي منه دينه، أو أوصى بأن يقضى عنه، كما أوصى عبد الله ابنه جابرًا، حين خرج في غزوة أحد، أو قضاه عنه أحد أقاربه، أو بعض المسلمين، فإن الله يغفر له، ولا يعاقب عليه.

أما الدين إذا أخذه المرء في حق واجب، لفاقة أو عسر، ثم مات، ولم يترك له وفاء، فإن الله تعالى لا يحجبه عن الجنة برحمته تعالى، شهيدًا كان أو غيره. لأن على الحاكم فرضًا أن يؤدي عنه في هذه الحالة، لقول رسول الله ﷺ: “أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعلي قضاؤه ومن ترك مالًا فلورثته” رواه البخاري.

فإن لم يؤد عنه السلطان، فإن الله تعالى يقضي عنه، ويرضي خصمه. وأما من استدان في سفه، أو سرف، فمات ولم يوفه أو ترك له وفاء، ولم يوص به، أو قدر على الأداء فلم يوفه، فهذا الذي يحبس به صاحبه عن الجنة، حتى يقع القصاص بالحسنات والسيئات ممن استدانه.

الدعاء

اترك تعليقاً