خطبة بعنوان ( استقبال شهر رمضان بين الأمل والخوف والرجاء ) لفضيلة الشيخ ثروت سويف

كتبها فضيلة الشيخ : ثروت سويف
امام وخطيب بالأوقاف المصرية

اقرا في هذه الخطبة

كيف نستقبل رمضان والتهنئة به ؟
رجاء المغفرة في رمضان والعتق من النيران .
خوف العقاب لمن فرط في رمضان .

الخطبة الاولي

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، جعل الأرض قرارًا وأحاطها بسبع سماوات، جعل فيها أنهارًا وفجاجًا وجبالًا راسيات، أخرج منها نبات كل شيء وقدر فيها الأقوات، أنزل الغيث مباركًا والفلك بالخير في البحر جاريات، سخر الشمس والقمر دائبين والنجوم بالليل بازغات، خلق الحياة ليبلونا وكتب علينا الممات، نحمَده تبارك وتعالى حمدًا يليق بجلال الذات وكمال الصفات، ونعوذ بنور وجهه الكريم من السيئات والهفوات، ونسأله من نوره نورًا ننجو به من العثرات وحالك الظلمات.

وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش رفيع الدرجات، المنزه الذات عن الاختصاص بالجهات خضعت لسلطان قهره كل الموجودات، سميع بصير تستوي في كمال سمعه الأصوات، ولا تختلف عليه اللغات، ولا تحجب رؤيته الظلمات، عليٌّ كبير لا تضره المعاصي ولا تنفعه الطاعات.

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المعصوم من كل الشهوات، المبرأ من الهوى والمنزه عن النزغات والخطرات

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على أكمل المخلوقات، عدد ما في الكون من معلومات، ومداد ما خطه القلم من كلمات، ما دامت الكواكب في أفلاكها والنجوم سابحات

أما بعد:

فإن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كسود فلا يقود إلى قرب الرحمن وروح الجنان مع كونه بعيد الأرجاء ثقيل الأعباء مجفوفا بمكاره القلوب ومشاق الجوارح والأعضاء إلا أزمة الرجاء ولا يصد عن نار الجحيم والعذاب الأليم مع كونه محفوفا بلطائف الشهوات وعجائب اللذات إلا سياط التخويف وسطوات التعنيف والصوم لله تقوى رجاء التخفيف قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].

اولا : استقبال رمضان بين الأمل والتهنئة بقدوم الشهر.

عباد الله: سوف نستقبل شهرا كريما وموسما رابحا عظيما لمن وفقه الله فيه للعمل الصالح، فإذا استقبلتم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، فليكن املكم وعملكم ونيتكم ان تتضاعف فيه الحسنات وان تمحي فيه السيئات، انه شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، جعل الله صيام نهاره فريضة من أركان إسلامكم، وقيام ليله تطوعا لتكميل فرائضكم، من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن أتى فيه بعمرة كان كمن أتى بحجة، فيه تفتح أبواب الجنة، وتكثر الطاعات من أهل الإيمان، وتغلق أبواب النار، فتقل المعاصي من أهل الإيمان وتغل الشياطين، فلا يخلصون إلى أهل الإيمان بمثل ما يخلصون إليهم في غيره فاحسنوا العمل ولا تفقدوا الأمل

ايها المؤمنون ها هو هلال رمضان قد قرب وحلَّ، ووجه سعدِهِ قد طلَّ، رمضان اوشك ان يهلَّ هلاله، وان تخيّم ظلاله، وان يهَيْمَنَ جلاله، وان يسَطَع جماله، لقد قرب ان يظلّنا موسم كريم الفضائل، عظيم الهبات والنَّوَائل، جليل الفوائد والمكارم. أيام وليالي رمضان نفحاتُ الخير ونسائم الرحمة والرضوان، فما ألذّها من أيام معطّرةٍ بالذكر والطاعة، وما أجملها من ليالٍ منوّرةٍ بابتهالات الراغبين وحنين التائبين ورجاء الراجين وخوف المذنبين وأمل الطامعين في مغفرة من رب العالمين .

فاستبشروا بهلاله روى الترمذي عن طلحة بن عبيد الله : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رأى الهلال قال اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله . قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب

شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ …من ألف شهر فُضّلت تفضيلا

طوبى لعبدٍ صح فيه صيامه …ودعا المهيمن بكرة وأصيلا

وبليله قد قام يختم ورده …متبتلا لإلهه تبتيلا

ايها الراجون رحمة الله أصحاب الأمل في بلوغ الشهر ان رمضان هو المنحةُ الربّانية والهبةُ الإلهية، ولقد أظلنا شهر كريم وموسم عظيم فأحسنوا الظن بالله واحسنوا العمل في رمضان والزموا الصيام والقران قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].

رمضان خمسة أحرف فالراء رضوان الله والميم مغفرة الله للعاصين والضاد ضمان الله الجنة للصائمين والألف ألفة الله لمن هم للقرآن قارئين والنون نوال الله للقائمين

وقيل جبريل أمان أهل السماء ومحمد أمان أهل الأرض ورمضان أمان لأمته وسمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها مأخوذ من الرمضاء وهو شدة الحر..

التهنئة بقدوم رمضان

رمضان شهر، عظيم شهر مبارك يفرح به المسلمون، وكان النبي ﷺ وأصحابه يفرحون به، وكان النبي ﷺ يبشر أصحابه بذلك، فإذا فرح به المسلمون واستبشروا به وهنأ بعضهم بعضاً في ذلك فلا حرج في ذلك، كما فعله السلف الصالح؛ لأنه شهر عظيم ومبارك، يفرح به لما فيه من تكفير السيئات وحط الخطايا والمسابقة إلى الخيرات في أعمال صالحات أخرى.

لقد كان الرسولُ صلي الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم رمضان وإتيانه، في الحديث الذي رواه الطبراني ورواته ثقات من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أقبل شهر رمضان يقول بأبي هو وأمي: (أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ويباهي بكم ملائكته، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل)

وعن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله : ((قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يُفْتَحُ فيه أبوابُ الجنة، ويُغْلقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرها فقد حُرِمْ)) رواه أحمدُ والنسائيُ وصحّحه الألباني. قال العلماء هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بدخول الشهر، فالشقي من حُرِم فيه رحمة الله

ثانيا : فضل شهر رمضان ورجاء المغفرة فيه والعتق من النيران :

إنه شهر رمضان، من صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، من أتى فيه بعمرة كان في الأجر كمن حج، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي قال: ((قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، والصوم جنة)) (يعني وقاية من الإثم والنار) فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)).

أما فرحه عند فطر فيفرح بنعمتين: نعمة الله عليه بالصيام، ونعمته عليه بإباحة الأكل والشراب والنكاح، وأما فرحة عند لقاء ربه فيفرح بما يجده من النعيم المقيم في دار السلام.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ “: الترمذي وقال «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»

فرجاءنا دخول الجنه والعتق من النيران جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)).

وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).

ورجاءنا ان يكون حجابا لنا من سخط الله وغضبه ففي الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) [متفق عليه].

إن شهرًا بهذه الصفات وتلك الفضائل والمكرمات لحَريّ بالاهْتِبَال والاهتمام، فهل هيّأت نفسك ـ أخي المسلم ـ لاستقباله وروَّضْتَها على اغتنامه؟!

فلا أوحش الله منك يا شهر الصيام، ولا أوحش منك يا شهر التراحم، يا شهر المودة والتواصل، يا شهر العتق من النار

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يبق منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)) [الترمذي والنسائي والحاكم]

فهذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يستعد لرمضان فأنار المساجد بالقناديل، فكان أول من أدخل إنارة المساجد، وأول من جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان، فأنارها بالأنوار وبتلاوة القرآن، حتى دعا له الإمام علي -رضي الله عنه –بسبب ذلك.

فعن أبى إسحاق الهمداني قال : خرج على بن أبى طالب في أول ليلة من رمضان والقناديل تزهر وكتاب الله يتلى في المساجد، فقال:” نور الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله بالقرآن”

حافظو علي الصلوات فيه

حكى أن رجلا دخل مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم – على حين كان الناس يخرجون منه، فتسائل الرجل: لماذا يخرج الناس قبل أن أصلى؟ فقال له أحد المصلين: قد أقيمت صلاة الجماعة وفرغنا منها، فقال: لقد جئت متأخرا!!! عند ذلك انطلقت من الرجل آهة تمزقت منها روحه، وحملت رائحة من دم قلبه، فقال له رجل: يا أخي هون عليك، هب لي تلك الآهة وصلاتي لك، فقال وهبتها لك وقبلت الصلاة، فلما جاء الليل قال له هاتف في الرؤيا: لقد اشتريت جوهر الحياة وشفاء الروح، فبحرقة هذه الآهة، وبصدق هذا الندم، قبلت صلاة الناس كافة.

لا تضيعوا قيام رمضان ولقد رغّب النبي في قيام هذا الشهر وتتأكد صلاة القيام في رمضان حيث ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهاهو رمضان على الأبواب فحري بالمؤمن بعد سماع هذا الحديث أن لا يتخلف عن صلاة التراويح في شهر رمضان بكامله.

احرصوا علي صلاة القيام وهى التراويح إحدى عشر ركعة أو ثلاثة عشر ركعة ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشر ركعة)).

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ، وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ حَتَّى ذَهَبَ يَنْتَظِرُ اللَّيْلَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ»، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ بِنَا حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الشَّهْرِ، فَقَامَ بِنَا فِي الثَّالِثَةِ، وَجَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ، فَقَامَ بِنَا حَتَّى تَخَوَّفْنَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ قُلْتُ: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: «السَّحُورُ» صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان

فقوموا مع الإمام حتى ينصرف من الوتر، وإذا قمتم من آخر الليل وأحببتم الصلاة فصلوا ركعتين بدون وتر لأن الوتر لا يعاد مرة ثانية.

اغتنموا شهر رمضان بكثرة العبادة والصلاة والقراءة والإحسان إلى الخلق بالمال والبدن والعفو عنهم، واستكثروا فيه من أربع خصال: اثنتان ترضون بهما ربكم، واثنتان لا غنى لكم عنهما فأما اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكم عنهما فتسألون الله الجنة وتستعيذون به من النار.

رمضان شهر القران

فاكثروا من مدارسة كتاب الله رجاء المغفرة والشفاعه لان الصيام والقران يشفعان للعبد يوم القيامة روى أحمد في مسنده بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو عن النبي (( الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان ))

إخوتي إن خير ما نستغل به شهر الصوم قراءة القرآن وتدبره فيامن أهمل القرآن طول عمره، جاءك رمضان فرصة لك في العودة إلى كتاب الله فكيف ترجوا ممن أهملته الشفاعة .

علينا الاهتمام بالقرآن حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا، هذا ما نراه ولله الحمد في الخيّرين من الناس في الإقبال على القرآن في هذا الشهر

ولقد كان اهتمام سلف الأمة بالقرآن في رمضان كبير، انظروا مثلا إلى قدوتنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه الذي يروي عنه ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين فيقول: ((كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)). فدلنا هذا الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان والإجتماع على ذلك ودلنا أيضا على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في رمضان.

اخوتي ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ

كان الامام مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراء القرآن وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في رمضان فإذا طلعت الشمس نامت “

وكان الشافعي يقرا القران في رمضان ستين ختمه ختمة بالليل وختمة بالنهار

احرص علي ان يكون رمضان في ميزانك حتي ترتفع به درجتك الم تسمع ماقاله الحبيب المحبوب فيما اخرج البيهقي عن طلحة بن عبيد الله التيمي : أن رجلين من بلى قدما على رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان إسلامهما معا وكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي قال طلحة بينا أنا عند باب الجنة في النوم إذ أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي مات الآخر منهما ثم رجع فأذن للذي استشهد ثم رجع إلي فقال ارجع فإنه لم يأن لك فأصبح طلحة فحدث الناس فعجبوا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من أي ذلك تعجبون قالوا يا رسول الله هذا الذي كان أشد الرجلين اجتهادا فاستشهد في سبيل الله فدخل الآخر الجنة قبله قال أليس قد مكث هذا بعده سنة وأدرك رمضان فصامه قالوا بلى قال وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة قالوا بلى قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض تابعه محمد بن عمرو عن أبي سلمة [ سنن البيهقي الكبرى ]

ان العطش في سبيل الله ري يوم القيامة روي البيهقي عن أبي بردة عن أبي موسى : أنهم كانوا في لجة البحر إذا سمعوا مناديا ينادي يا أهل السفينة ألا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه قال : قلت : بلى قال : فإنه من عطش نفسه لله عز و جل في الدنيا في يوم حار كان على الله أن يرويه يوم القيامة قال : فكان أبو موسى لا نكاد نلقاه إلا صائما في يوم حار [ شعب الإيمان – البيهقي ]

وفي صحيح البخاري عن النبي أنه قال: ((إن في الجنة بابا يقال له: الريان يدخل منه الصائمون لا يدخله غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق ولم يفتح لغيرهم)).

شهر النفقة والتكافل

فرمضان شهر الجود شهر الإحسان شهر البر شهر النفقة شهر التكافل والتعاون ( أنفق ولا تخش من ذى العرش إقلالاً ) ( أنفق ينفق عليك ) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة يقول فى الحديث القدسى:” يا آدم أنفق عليك” (رواه البخارى ومسلم)

لو أنفقت تولى الإنفاق عليك من لم تنفد خزائنه، أنفق ينفق عليك {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) سورة آل عمران.

وهو شهر المواساة والصدقات، فقد سئل رسول الله : (( أي الصدقة أفضل، فقال: صدقة في رمضان ) أخرجه الترمذي في سننه

وهو شهر إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما روى عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ قال: قال نَبِىُّ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «مَنَ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا في أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا»

فما بالك من بمن فطر فيه صائما فاحرصوا علي دعم الفقراء

عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (من فطر صائما كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء)

وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل.

ان الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمته كله، فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهره للصائم من اللغو والرفث.

ثالثا : عليكم بالخوف من لقاء الله وعدم التفريط في لحظة واحدة من الشهر الكريم

ولقد جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم بين الخوف والرجاء في حديث واحد

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَ: أَرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَخَافُ ذُنُوبِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلَّا أَعْطَاهُ اللهُ الَّذِي يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» أخرجه ابن ماجه

وشدد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي ضرورة حفظ الصيام مما يخدشه أو يفسده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)). البخاري

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: ((إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء)). شعب الإيمان

ويل للمفطرين عمدا في رمضان الا يخافون غضب ربهم وقد جعل الصوم سرا بينه وبينهم

يذكر عن أبي هريرة رفعه ( من أفطر يوما من رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه ) . وبه قال ابن مسعود . وقال سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد يقضي يوما مكانه (البخاري)

الا يخاف من يترك الصيام غير عذر من عذاب الجبار في حر النار يوم العطش الاكبر

عن أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا لي : اصعد فقلت : إني لا أطيقه فقالا : إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا هذا عوى أهل النار ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم (المستدرك) هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه

اسمعوا أقوال أهل العلم: أجمع علماء المسلمين على أن من أفطر رمضان عمدًا كان شرًا عند الله من الزاني وشارب الخمر. يقول الإمام ابن حزم رحمه الله: “ذنبان لم أجد أعظم منهما بعد الشرك بالله: رجل أخر الصلاة حتى خرج وقتها، ورجل أفطر يومًا عامدًا في رمضان”.

تزود للذي لا بد منه…فإن الموت ميقات العباد

أترضى أن تكون رفيق قوم…لهم زاد وأنت بغير زاد

رأى مجوسي ابنه يأكل في رمضان بحضرة المسلمين فضربه وقال لم لم تحفظ حرمة المسلمين في رمضان فمات في ذلك الأسبوع فرآه عالم البلد في النوم وهو في الجنة فقال ألست كنت مجوسيا قال بلى ولكن لما حضرت وفاتي أدركني الله بالإسلام لاحترامي شهر رمضان…

اياك ان يؤتى يوم القيامة بك والملائكة يضربونك فيتعلق العبد بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول ما ذنبه فيقولون أدرك شهر رمضان فعصى الله تعالى فيه فيريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع فيه فيقال يا محمد أن خصمه رمضان فيقول النبي صلى الله عليه وسلم أنا بريء ممن خصمه رمضان…

ان من لم يغتنم رمضان خوفا ومغفرة مبعد عن رحمة الله روي البيهقي عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” احْضُرُوا الْمِنْبَرَ ” فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: ” آمِينَ “، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: ” آمِينَ “، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: ” آمِينَ “، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ قَالَ: فَقُلْنَا له يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ قَالَ: ” إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامِ عَرْضَ لِي فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَقُلْتُ: آمِينَ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ – أَظُنُّهُ قَالَ – فَقُلْتُ: آمِينَ “

اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات. أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة، وبراهين عظمته القاهرة، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله، واغترف من بحر جوده وأفضاله.

وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات، شهادة تقود قائلها إلى الجنات، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، والمبعوث إلى كافة البريات، بالآيات المعجزات، والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات. صلى الله عليه، وعلى آله الأئمة الهداة، وأصحابه الفضلاء الثقات، وعلى أتباعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

معاشر المؤمنين: إن البركات تتنزل في هذا الشهر الكريم. فهل من راغب؟ والرحمات تتنزل في هذا الشهر فهل من تائب؟ هذه أنهار الخير وبحاره تتدفق في ليالي هذا الشهر الكريم فأين الجادون؟ هل من مشمر للطاعة، باذل لمهر الحور العين. ليالٍ تمر وتمضي كلمح البصر، ويذهب الجهد والتعب وتبقى حلاوة الطاعة. فهذا الثمن يا خاطب الحور، ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر. صيام وقيام وصدقة وتلاوة قرآن ومجالس ذكر وغير ذلك من أعمال البر والطاعة. والثمن الجنة إن شاء الله.

وصلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56].

وقال : ((من صلى علىّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًاْ))( أخرجه مسلم في صحيحه)

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىَّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *