
بقلم فضيلة الشيخ : مخلف العلي القادري الحذيفي
خادم الطريقة القادرية البريفكانية العلية
سلسلة دروس أمراض السالكين في الطريق إلى الله تعالى لخادم الطريقة القادرية مخلف العلي القادري
عنوان الدرس: تخبط السالك في رحلة البحث عن الشيخ (الجزء الأول)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً وفقهاً وإخلاصاً في الدين، أما بعد:
مقدمة
أحبتي وإخوتي الكرام : استكمالاً لما تحدثنا عنه في الدرس الماضي حول أمراض السالكين، نبدأ اليوم ببيان أول هذه الأمراض، ألا وهو: “تخبط السالك في رحلة البحث عن المرشد”. فهذا المرض يعدّ من أولى العقبات التي تواجه السالك في بداية سيره إلى الله تعالى.
أهمية المرشد في الطريق إلى الله
أيها السالك : اعلم أن وجود الشيخ المرشد هو أحد ضرورات السلوك إلى الله، وقد أشرنا إلى ذلك في دروس سابقة، حيث أكدنا أهمية وجود الدليل في هذه الرحلة الروحية. ولمن أراد التوسع في هذا الموضوع، يمكنه الرجوع إلى محاضراتنا السابقة، أو التواصل معنا للحصول عليها.
لقد سمعنا وقرأنا عن قصص السالكين في العصور الماضية، حيث كان بعضهم يقضي سنين طويلة في البحث عن الشيخ حتى يوفقه الله للقائه. أما في عصرنا الحالي، فإننا نرى اختلافاً كبيراً بين السالكين قديماً وحديثاً، حيث صار التخبط والتشتت والضياع من أبرز سمات الباحثين عن المرشد، وذلك نتيجة لمجموعة من العلل والأمراض التي طرأت على طريق السلوك.
علل وأمراض السالكين في رحلة البحث عن الشيخ
بعد بحث عميق ومتابعة مستمرة، حصرنا أهم هذه العلل في عشر نقاط رئيسية، وهي كما يلي:
1. الاعتقاد الخاطئ بأن الوصول إلى الله متوقف على صحبة الشيخ، وجعلها فرضاً لازماً.
2. الانشغال بالمنامات والرؤى أثناء البحث عن الشيخ، وتقديمها على أصول الطريق.
3. التعلق بالبشارات وأقوال بعض مدّعي المشيخة، الذين يوهمون السالكين بامتلاكهم مقامات روحية عالية.
4. الاعتقاد بأن لكل سالك شيخاً معيناً مقدراً له منذ الأزل، وهو يبحث عنه حتى يجده.
5. البحث عن القطب أو الغوث باعتباره الوحيد القادر على إرشاده في الطريق.
6. فساد الاعتقاد بالشيخ المرشد والمغالاة في ذلك، مع الجهل بشروطه وصفاته.
7. البحث عن شيخ يتوافق مع ميول المريد ورغباته، دون اعتبار للمنهج السليم.
8. الجهل بقواعد وأصول الطريق إلى الله.
9. التعصب لطريقة معينة، والبحث عن شيخ ينتمي حصراً إليها.
10. التنقل من شيخ إلى آخر، معتقداً أن العيب فيهم وليس في نفسه.
هذه هي العلل العشر التي تعيق السالك في رحلته، وسنقوم بشرح كل واحدة منها مع بيان علاجها، حتى يتمكن السالك من تجاوز هذه العقبات.
أولاً: الاعتقاد بأن الصحبة مع الشيخ فرض لازم لا وصول بدونه
أيها السالك : لقد أكدنا في دروسنا السابقة على أهمية اتخاذ الشيخ المرشد في الطريق إلى الله، ولكن يجب التنبيه إلى أن عدم وجود شيخ لا يعني أن العبد لن يصل إلى الله، فهذه الفكرة خاطئة وتؤدي إلى تعطيل السير الروحي للكثير من المسلمين.
في تاريخ الإسلام ، نجد العديد من العلماء والأولياء الذين لم يرتبطوا بطريقة معينة أو بشيخ محدد، بل اكتفوا باتباع الكتاب والسنة، وأداء الفرائض، والاقتداء بالسلف الصالح. نعم، اتخاذ الشيخ أمر مستحب وله فضل كبير، لكنه ليس شرطاً لازماً للوصول إلى الله.
قال شيخنا وسيدنا عبيد الله القادري الحسيني قدس سره عندما سُئل: “هل اتخاذ الشيخ فرض؟”
فأجاب: “يخطئ من يظن أنه فرض، بل هو مستحب وله فضل عظيم، لكنه ليس ضرورة مطلقة. ومع ذلك، فإننا نخشى على السالك بدون شيخ أن تزلّ قدمه أو أن يتعرض لمكائد النفس والشيطان.”
ثانياً: الانشغال بالمنامات والرؤى أثناء البحث عن الشيخ
أيها السالك : احذر من التعلق بالمنامات والأحلام أثناء بحثك عن الشيخ، فهذا قد يؤدي إلى ضياع سنوات طويلة في البحث عن إشارات غيبية قد تكون مجرد وساوس نفسية أو اختبارات روحية.
هناك من السالكين من يرفض أي مرشد حتى يرى مناماً يؤكد له اختياره، بل إن بعضهم قد يترك شيخاً كاملاً مكتملاً بسبب حلم رآه يخالف توقعاته. والصواب أن يعتمد السالك على قواعد الشرع وصفات الشيخ المعتبرة، لا على المنامات التي قد تكون ابتلاءً وفتنة.
قال الإمام الشاذلي رحمه الله: “من اعتمد على مناماته في سيره ضلّ، ومن اعتمد على الشرع وصل.”
ثالثاً: التعلق بالبشارات وأقوال مدّعي المشيخة
أيها السالك : لقد انتشر في هذا الزمن كثير ممن يدّعون المشيخة، ويوهمون السالكين بأنهم مختارون من قبل الأولياء، أو أن لهم مقامات عليا، فيسعون إلى كسب الأتباع بالتلاعب بالعواطف والوعود الكاذبة.
اعلم أن الأولياء الصادقين لا يحتاجون إلى الترويج لأنفسهم، بل يُعرفون بسيرتهم وعلمهم وأخلاقهم، وليس بكلام مزخرف أو ادعاءات غيبية لا برهان عليها. لذا، احرص على التحقق من كل من يدعي المشيخة، واطلب منه الدليل، فالدين يقوم على البينات الواضحة لا على المزاعم الفارغة.
قال الإمام الجنيد رحمه الله: “طريق القوم مبني على العلم والعمل، فمن ادّعى مقاماً بلا دليل، فقد نصب نفسه للمهالك.”
رابعاً: الاعتقاد بأن لكل سالك شيخاً مقدراً منذ الأزل
أيها السالك : هذه العقيدة ليس عليها دليل شرعي أو سلوكي، بل هي من الظنون التي قد تعطل سيرك وتجعلك في حالة انتظار دائم. الواجب على السالك أن يبحث عن الشيخ الذي تتوفر فيه الصفات الشرعية، فإن وجده فليلزم، وإلا فليجتهد في السير على وفق الكتاب والسنة حتى ييسر الله له مرشداً صالحاً.
قال الإمام الغزالي: “ليس العبرة بمن تصحب، ولكن العبرة بما تعمل، فالسير إلى الله يحتاج إلى صدق وإخلاص قبل أي شيء آخر.”
ختاماً
أيها الأحبة : هذه بعض الأمراض التي تصيب السالكين في رحلتهم نحو الله، وسنواصل بإذن الله شرح بقية العلل في الدروس القادمة.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الهداية، وأن يجعلنا من السائرين في طريقه بنور البصيرة.