رحلة البحث عن النور في عالم الأرواح

بقلم الأستاذ: سيدة حسن

 

الغربة الروحية ليست مجرد شعور بالعزلة أو الانفصال عن الناس، بل هي حالة داخلية يعيشها أولئك الذين أدركوا أن أرواحهم لا تتناسب مع التيار السائد في العالم من حولهم. هؤلاء هم الغرباء في فكرهم، في إحساسهم، في بحثهم عن الحقيقة

هؤلاء الغرباء ليسوا قلة، لكنهم متناثرون، يبحثون عن مأوى لفكرهم النقي وسط عالم يميل للسطحية والمصالح.

الغريب روحيًا قد يكون بين الناس لكنه لا يجد نفسه بينهم يفرحون لأمور لا تحرك فيه شيئًا، ويتألم لأشياء لا يرون فيها أي أهمية.

يشعر أنه يرى ما لا يراه الآخرون، ويدرك ما لا يدركونه، وهذا قد يجعله منعزلًا ليس لأنه يريد العزلة، ولكن لأنه لا يجد من يشاركه رؤيته.

الغرباء بين الأنبياء والأولياء والحكماء

كان الأنبياء غرباء بين أقوامهم، دعوا إلى الحق في بيئات كانت ترفضه، ولهذا قال النبي ﷺ: “بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء.”

أهل التصوف والزهد عاشوا هذه الغربة أيضًا، حيث وجدوا أنفسهم في صراع بين روح تتوق للحق، وعالم مشغول بالباطل. يقول الحلاج: “أنا في وطني غريب، وفي غربتي وحيد.”

وكما قال جلال الدين الرومي: “كن غريبا فالغربة طريق إلى القرب.”

الحكماء والمفكرون الذين سبقوا زمانهم، عاشوا الغربة الروحية لأنهم رأوا بعيون البصيرة ما لم يدركه الناس بعد.

وقد رفضهم المجتمع لأنهم لا يسيرون وفق الأعراف السائدة، واتهموا بالمغالاة المثالية الزائدة.

يعيشون بين واقع لا يتناسب مع أرواحهم، وبين حنين دائم إلى حالة من الصفاء والنقاء المفقود في هذا العالم.

الغربة الروحية قد تكون مؤلمة، لكنها في ذاتها علامة على حياة القلب

فيا أيها الغريب، لا تحزن… “طوبى لك”، فغربتك اليوم هي دليل على بقائك على الطريق الصحيح وهي نبوءة قديمة لمن سار على طريق الحق وسط أمواج الباطل العاتية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *