في رؤية سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقظةً ومناماً

إعداد أ : مصطفى خاطر
المقال الرابع والعشرون من سلسلة ( شبهات حول قضايا التصوف ) 

قال الإمام الحافظ جلال الدين الأسيوطي المصري الشافعي فى رسالة ( تنوير الحالك في إمكان رؤية النبي و الملك ) : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد فقد كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبيصلى الله عليه وسلمفي اليقظة وإن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم في العلم بالغوا في إنكار ذلك والتعجب منه وادعوا أنه مستحيل فألفت هذه الكراسة في ذلك وسميتها تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك ونبدأ بالحديث الصحيح الوارد في ذلك : أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ” صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي  “وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة ، وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة .

قال العلماء اختلفوا في معنى قوله فسيراني في اليقظة فقيل معناه فسيراني في القيامة وتعقب بأنه بلا فائدة في هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم ومن لم يره ، وقيل المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون مبشرا له أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته ، وقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعني بعيني رأسه وقيل بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر ابن العربي، وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي انتقاها من البخاري : هذا الحديث يدل على أنه من رآه صلى الله عليه وسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته أو هذا كان في حياته وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية والإتباع لسنته عليه السلام اللفظ يعطى العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف قال وقد وقع من بعض الناس عدم التصديق بعمومه وقال على ما أعطاه عقله وكيف يكون من قد مات يراه الحي في عالم الشاهد .

وقد حقق هذه الرؤية الإمام الغزالى رضى الله عنه فى كتابه ( المنقذ من الضلال ) وقد ذكر بأن الصوفية وهم فى يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم ويقتبسون منهم فوائد

وقد جوز ذلك القاضى أبو بكر بن العربى فى كتابه : ( قانون التأويل ) وقال : رؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن  كرامة وللكافر عقوبة

وقد حقق ذلك أيضًا ابن الحاج فى كتاب ( المدخل  )

ابْنُ سَمْعُونَ الْوَاعِظُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سَمْعُونَ الْوَاعِظُ، أَحَدُ الصلحاء والعلماء، كان يُقَالُ لَهُ النَّاطِقُ بِالْحِكْمَةِ، رَوَى عَنْ أَبِي بكر بن دَاوُدَ وَطَبَقَتِهِ، وَكَانَ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي الْوَعْظِ وَالتَّدْقِيقِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَكَانَتْ لَهُ كَرَامَاتٌ ومكاشفات، كان يوماً يعظ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَحْتَهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْقَوَّاسِ، وَكَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ الْمَشْهُورِينَ، فَنَعَسَ ابْنُ الْقَوَّاسِ فَأَمْسَكَ ابْنُ سَمْعُونَ عَنِ الْوَعْظِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ،
فَحِينَ اسْتَيْقَظَ , قَالَ ابْنُ سَمْعُونَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامِكَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ!
قَالَ: فَلِهَذَا أَمْسَكْتُ عَنِ الْوَعْظِ حَتَّى لَا أُزْعِجَكَ عَمَّا كُنْتَ فِيهِ.
البداية والنهاية ط إحياء التراث (11 370)

 

الإمام القرطبي يقسم بالله أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فيقول (رايته والله في اليقظة))

قال رحمه الله تعالى في كتابه ( المُفْهِم ) لِما أشكل مِن تلخيص كتاب مسلم ج6ص24-25 ما نصه:
… ( قد قررنا أنَّ المدركَ في المنام أمثلةٌ للمرئيات لا نفس المرئيات ، غير أنَّ تلك الأمثلة تارة تكون مطابقةً لحقيقة المرئيِّ ، وقد لا تكون مطابقة . ثمَّ المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدركتَ في النوم ، كما قد ص…حَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: ” أُريتُكِ في سَـرَقَـةٍ مِن حرير ، فإذا هي أنتِ ” ومعناه: أنه رآها في نومه على نحو ما رآها في يقظته .

قلتُ: وقد وقع لي هذا مرات . منها: أني لمَّا وصلتُ إلى تونس قاصداً إلى الحج سمعتُ أخباراً سيِّئة عن البلاد المصرية مِن جهة العدوِّ الذي غلب على دمياط فعزمتُ على المقام بتونس إلى أنْ ينجلي أمر العدو ، فأُريتُ في النوم كأني في مسجد النَّبي صلى الله عليه وسلم وأنا جالسٌ قريباً مِن منبره ، وأُناس يُسلِّمون على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فجاءني بعض من سلَّم عليه ، فانتهرني وقال: قُمْ فسلِّمْ على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقمتُ فشرعتُ في السلام على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فاستيقظت ، وأنا أسلِّم عليه ، فجدَّد الله لي عزماً ويسَّر عليَّ فيما كان قد صعبَ مِن أسبابي ، وأزال عنِّي ما كنتُ أتخوَّفه مِن أمر العدو ، وسافرتُ إلى أنْ وصلت إلى الإسكندرية عن مدة مقدارها ثلاثون يوماً في كتف السلامة ، فوجدتها والديار المصرية على أشدّ خوفٍ ، وأعظم كربٍ ، والعدو قد استفحل أمره ، وعظمت شوكته ، فلم أُكمل في الإسكندرية عشرة أيامٍ حتَّى كسر الله العدو ، ومكَّن منه مِن غير صُنْع أحدٍ من المخلوقين ، بل: بلطف أكرم الأكرمين ، وأرحم الراحمين . ثمَّ: إنَّ الله تعالى كمَّل عليَّ إحسانه وإنعامه ؛ وأوصلني بعد حجِّ بيته إلى قبر نبيه ومسجده ، فرَأَيتـُـهُ وَاللـَّــــهِ فـي اليـقـظــة على النَّحو الذي رأيته في المنام مِن غير زيادة ولا نقصان ). انتهى

إمام جليل كبير فقيه محدِّث شهد له كالحافظ الجهبذ الذهبي ، والحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني وغيرهما .. يقول ( فرَأَيتـُـهُ وَاللـَّــــهِ فـي اليـقـظــة ) يُقْسِمُ الإمام بالله تعالى

فحاشا أنْ نتجرأ ونقول ( كذب الإمام ) نعوذ بالله مِن ذلك ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *