التصوف بين نور الإسلام وأوهام المنتسبين إليه
24 نوفمبر، 2024
منهج الصوفية
بقلم / د. أحمد سليمان أبوشعيشع – عضو هيئة التدريس بجامعة كفر الشيخ
وخادم الساحة المنهلية
التصوف، في جوهره النقي، هو طريق يسعى إلى تزكية النفس، والإحسان في العبادة، والقرب من الله تعالى. ولكن حينما يُخلط التصوف بفعل المنتسبين إليه من البدع أو المظاهر الزائفة، يصبح التمييز بين التصوف الحقيقي والتصوف المزيَّف ضرورة ملحّة.
معنى التصوف في الإسلام
التصوف المستنير ينبع من القرآن الكريم والسنة النبوية، ويرتكز على الإحسان الذي عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.” (رواه البخاري ومسلم). التصوف الصحيح يدعو إلى الإخلاص في العبادة، والابتعاد عن حب الدنيا وزخارفها. يقول الله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: 9]
أي أن الفلاح الحقيقي هو في تزكية النفس وتطهيرها من الشهوات والهوى.
خطورة الانحراف عن التصوف الحقيقي
من المؤسف أن هناك من يسيء إلى التصوف بفعل المظاهر التي تُغرق في الجهل أو الانحراف. فبدلاً من أن يكون التصوف وسيلة للتقرب من الله، أصبح عند البعض وسيلة للرياء أو استقطاب المريدين على حساب الدين. يقول الإمام الجنيد البغدادي، أحد أعمدة التصوف المعتدل: “طريقنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن، ولم يكتب الحديث، ولم يتفقه في الدين، فلا يُقتدى به.”
وقد بيَّن الله تعالى خطورة اتباع الهوى والجهل في الدين بقوله:
﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]
فلا يجوز للمسلم أن يتبع أي طريق إلا إذا كان متسقًا مع الكتاب والسنة.
الإسلام والتصوف: الفرق بين الأصل والفروع
كما أن الإسلام لا يُختزل في تصرفات المسلمين، فإن التصوف لا يُختزل في سلوك بعض المنتسبين إليه. التصوف هو أداة للوصول إلى الله، وليس هدفًا في ذاته. إذا كان بعض المنتسبين إلى التصوف قد وقعوا في الكبائر أو الغلو، فإن ذلك لا يعني أن التصوف في ذاته خاطئ، بل يعني أن هناك انحرافًا في التطبيق.
قال الحسن البصري رحمه الله: “ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال، ولا بإضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك.”
وهذا هو التصوف الحقيقي الذي ينقي القلب ويهذب النفس.
العودة إلى التصوف النقي
إن التصوف الصحيح هو الذي يعيد المسلم إلى جوهر الإسلام. يقول الله تعالى:
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [الذاريات: 50]
وهذا الفرار إلى الله يكون بالابتعاد عن البدع والمظاهر الفارغة، والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ختامًا، يجب أن ندرك أن التصوف ليس طريقًا للجدل أو الزيف، بل هو منهج حياة يهدف إلى تحقيق الإخلاص والسمو الروحي. وعلينا أن نفرّق بين نور التصوف الإسلامي وأوهام المنتسبين إليه، فكما قال الإمام الشافعي: “إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.”