عاشوراء وأخوة الأنبياء

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

أمر الله تعالى بالتذكير بأيام الله؛ للإفادة منها، فقال تعالى، {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}[إبراهيم: 5]، ومن أيام الله: يوم الفصل بين موسى وفرعون، حيث قال تعالى عن التقاء أهل الحق وأهل الباطل: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ(64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ(65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}[الشعراء: 61 – 66].

وهذه النجاة هي نعمة من الله على كل البشر؛ لأن كل نعمة على الإنسان هي نعمة على أخيه الإنسان، ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشعر نعم الله على نفسه وعلى غيره، ويردد في كل صباح ومساء دعاء الشكر، ويقول: “اللهم ما أصبح ‌بي ‌من ‌نعمة أو ‌بأحد ‌من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر”، وهذه هي الروح النبوية الراقية التي تؤكد على توطيد علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وتحث على محبة الخير للغير من دون حسد أو بغضاء، ويؤكد يوسف عليه السلام هذا المعنى، ويقول عن اتباعه لملة الأنبياء ونجاته من براثن الشرك: {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}[يوسف: 38].

وتظهر هذه الروح الصافية جليةً من خلال علاقة الأنبياء ببعضهم، والتي تقوم على المودة والمحبة والأخوة، خاصة بين النبيين الكريمين: محمد وموسى عليهما السلام، فحينما قدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة، وجدهم يصومون يوم عاشوراء فسألهم عن سبب صيامهم، فقالوا: هذا يوم عظيم، يوم ‌نجى ‌الله ‌فيه ‌موسى، وأغرق آل فرعون، فصامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ شكرا لله على نجاة أخيه موسى عليه السلام، وحَثَّ على صيامه، وقال في فضل صيامه: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”.

وموسى عليه السلام نفسُه يبادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفس الروح الأخوية، فحينما مر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بموسى عليه السلام في رحلة المعراج رحب موسى به ترحيباً حاراً، وقال: “مرحبا بالنبي الصالح ‌والأخ ‌الصالح”، ولما فرضت الصلاة على الأمة المحمدية وكانت خمسين صلاة نصح موسى أخاه محمداً مراراً: “ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف”، حتى خُفِّفت الصلاة ببركة موسى إلى خمس صلوات، فليت أتباع الرسل يستغلون العلاقة الروحية بين الأنبياء جميعاً، لتطوير العلاقات البشرية، وتجديد الخطاب الإنساني ونبذ خطاب الكراهية العدواني الخبيث الذي يقوم على إشعال الفتن والبغضاء {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}[المائدة: 91]؛ ليحقق إبليس حُلْمه من القتل وسفك الدماء التي هي من عمل الشيطان، حتى في القتل الخطأ غير المقصود، فحينما قتل موسى عليه السلام رجلاً خطأً تبرأ من خطئه وقال: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}[القصص: 15]، فالعدو الحقيقي ليس الإنسان، وإنما هو ذات الشيطان.