معجزات الإسلام الكونية الباقية [الركائز الأساسیة للعدالة البیئیة2]

بقلم الدكتور: حاتم عبدالمنعم أحمد أستاذ علم الاجتماع البيئى كلیة البییة جامعة عین شمس

المقال العاشر من سلسلة معجزات الإسلام الباقية إستكمال العناصر الخاصة بالركائز الأساسیة للعدالة البیئیة :

2- المساواة الإنسانیة :

قال تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا } [سورة النساء – الآیة: 1].

فھذه الآیة الكریمة تؤكد أن كل الناس من جمیع الشعوب، والأماكن، والقبائل، أصلھا واحد وبالتالي فكل المواطنین متساوون في الأصل والنسب

ثم یقول المولى سبحانه وتعالى في آیة أخرى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ } [سورة الحجرات – الآیة: 13].

وھذه الآیة تؤكد مرة أخرى على المساواة، وأن الناس كلھم سواء لا فضل لأحد على غیره إلا بالتقوى، وإذا كانت المساواة الإنسانیة على مستوى البشریة جمعاء في كل زمان ومكان، منذ آدم إلى نھایة الكون، وفي أنحاء الدنیا فھذا یمتد بالطبع إلى فكرة المساواة داخل الأوطان، أو داخل كل قطر أو وطن، وھذا یعني أن كل مواطن له نفس الحقوق، بغض النظر عن دینه أو جنسه أو موطن إقامته أو غیرھا، فالمساواة حق إنساني شرعه المولى ویتحقق ذلك من خلال الآتي:

‌أ. إرساء ھیاكل ونظم المؤسسات العادلة داخل كل دولة من خلال توفیر تعلیم جید لجمیع المواطنین، بدون تمیز، وكذلك مؤسسات الصحة والعلاج والترفیه والریاضة والثقافة وغیرھا، ولكن إذا كانت مؤسسات التعلیم مثلاً ضعیفة فھذا یعني عدم العدالة، لأن الفرد الغني سیحصل على تعلیم أفضل من الفقیر في المدارس الخاصة وھكذا بقیة الخدمات.

‌ب. تمكین كل مواطن من الحصول على كل حقوقه، وفي الفرص المختلفة من عمل وترقیات وتعلیم وخلافه بدرجة متكافئة، ولا تعني العدالة ھنا المساواة في النتائج والمخرجات فالمھم توفیر الفرص بشكل متساوي بصرف النظر عن النتائج.

‌ج. مؤسسات السلطة المضادة أو الموازیة، مثل سلطة النقابات، وسلطة منظمات حقوق الإنسان وغیرھا من مؤسسات المجتمع المدني، لھا دور مھم في تحقیق التوازن بین القوى المختلفة في المجتمع، لتحقیق العدالة والارتقاء بقدرات أفراد المجتمع وخاصة من الفقراء والمحرومین والمفلسین، لأن الفقر یرجع لحد كبیر إلى حرمان الفقیر عن قدرته على التعلم أو الكسب أو خلافه .

‌د. المساواة في الواجبات بدون أي تمیز سواء كان لون أو جنس أو دین أو خلافه، مثال الواجب في حمایة الوطن أو الضرائب أو خلافه من واجبات یتساوى فیھا الجمیع، لأن المساواة لیست بالحقوق فقط ولكنھا تستكمل بالواجبات، ولا یمكن فصلھا عن بعضھا بعضاً.

3 – حق طبیعي وبیئي :

إن كل دولة لدیھا موارد طبیعیة حباھا ﷲ بھا لیس للمواطن دخل في وجودھا، فمثلاً مصر بھا بترول وغاز طبیعي وذھب وغیرھا من موارد طبیعیة، كما أن قناة السویس، والآثار، والمناخ، وغیرھا من عوامل تجذب السیاح وتدر ملیارات، حتى تحویلات المصریین في الخارج لیست نتاج جھد المواطنین داخل مصر، فكل ھذه الموارد حق طبیعي لكل إنسان یعیش على ھذه الأرض وبالتالي فعند تقسیم ھذه الموارد على سكان ھذه الأرض، یكون حسب الحاجة، كل مواطن حسب حاجته فالفقیر أولى تماماً مثل رب الأسرة یوزع دخله على أبنائه كل حسب حاجته ، فإن كان ھناك ابن مریض یأخذ أكثر من اخیه السلیم في المصروفات والتكالیف، وھكذا المجتمع المسلم فجاء بالصحیحین عن النعمان بن بشیر عن النبي – صلى ﷲ علیه وسلم – قال: {مثل المؤمنین في توادھم وتراحمھم وتعاطفھم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر الجسد بالحمى والسھر} ، ومن ثم لكل مواطن ولد على أرض الوطن حق في موارده الطبیعیة، وھو ما یسمیه البعض في دول البترول بحقھ في الزیت أو محفظة البترول

ولا ننسى المبدأ الأساسي بأن المال ھو مال ﷲ، فالله ھو الرزاق قال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [سورة الرعد26].

قال تعالى: { وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ لَّا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[سورةالعنكبوت – الآیة: 60]

 قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [سورة: فاطر – الآیة: 3].

قال تعالى: { وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ }[سورة الأنعام – الآیة: 151].

قال تعالى: (وَإنِْ خِفْتُمْ عَیْلَةً فَسَوْفَ یُغْنِیكُمُ َّ ﷲُ مِن فَضْله إنِ شَاءَ) [سورة: التوبة – الآیة: 28]

وھذه الآیات تؤكد أن رزق الغني والفقیر من ﷲ وبالتالي فلا یجوز أن یذل لاسترزاق رقاب الناس لأن رزق الجمیع بید ﷲ وحده، ولا یملك أحد أن یقطع رزق انسان، ولا یصح أن نضیق في الرزق على أي إنسان ونحرمه من إشباع احتیاجاته الأساسیة، وھذا لا ینفي الأسباب والعمل ولكنه یقوي قلب الفقیر، ویجعلھ یواجه من یظن أن بیده رزقه بكل قوة وشجاعة، فلا یقعده شعور الخوف عن المطالبة بحقھ وعن الاعتزاز بنفسه ، قال تعالى: (إنِ یَنصُرْكُمُ َّ ﷲُ فَلَا غَالبَِ لَكُمْ وَإنِ یَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي یَنصُرُكُم ِّ منْ بَعْدِهِ) [سورة آل عمران – الآیة: 160]، فالله سبحانھ وتعالى یرزق الإنسان والطیر والنبات فلماذا تضیق على الفقیر أو نسعى لإذلاله قال تعالى: { منْ كان يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ العزة جَمِيعًا } [سورة فاطر – الآیة: 10]

قال تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [سورة المنافقون – الآیة: 8]

ولذلك فالإسلام یحث الفقراء على السعي للحصول على حقوقھم في الأرض ولاینتظروھا فقط في ملكوت السماوات تحت أي ضغط حیث یقول المولى تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [سورة: النساء – الآیة: 97].

4- حق مجتمعي :
إن للمجتمع مصلحة علیا لا بد وأن تنتھي عندھا حریة الأفراد الشخصیة، لأن في ھذا مصلحة للفرد والمجتمع والأمة معاً، لأنھ إذا تركنا الفرد لغرائزه وشھواته وفقاً لمایدعى بالحریة المطلقة في الفكر الحدیث سیترتب على ذلك فساد متزاید فحریة الفرد مرتبطة بمصلحة الجماعة وحقوق المجتمع كثیر ومتعددة منھا ما یلي:

‌أ.إن توفیر میزانیة مناسبة للتعلیم، ورفع مستوى المدرسین مھنیاً ومادیاً حق مجتمعي، بدونه لن نحصل على تعلیم جید لأبنائنا وھذا حق مجتمعي.
‌ب.إن توفیر میزانیة مناسبة للصحة والعلاج، ورفع مستوى الأطباء والممرضین وبقیة الفریق الطبي مھنیاً ومادیاً حق مجتمعي بدونھ لن نحصل على علاج وتأمین صحي جید.

‌ج.إن توفیر حریة الإعلام بقوانین تیسر عملھ، وتحمیه وتیسر له الحصول على المعلومات، ولا تعاقبه على الرأي، حق مجتمعي بضمان حیاة دیمقراطیة سلیمة.
‌د.إن إستقلال القضاء والفصل بین السلطات حق مجتمعي لضمان محاكمات سلیمة وحق كل مواطن في قضاء عادل.

‌ه.إن القضاء على الفقر وإشباع الحاجات الأساسیة للفقراء، والحد من إسراف الأغنیاءضرورة لإزالة الحقد الطبقي بین طبقات المجتمع، مما یمھد للتنمیة والتقدم، لأن إنتشار الفقر یساعد على إنتشار السرقة والفساد والرذیلة، وكل ذلك حقوق مجتمعیة،

وكل ما سبق لیست فقط حقوق اجتماعیة بل إنھا جمیعاً تدخل ضمنیاً في العدالة البیئیة بمفھومھا الشامل.وھذا الحق المجتمعي تؤكد علیھ فكرة العقد الاجتماعي لجاك رسو Rousseau. والذي یرى أن قیام الحیاة الاجتماعیة في أي مجتمع یحتاج إلى تعاون بین جمیع أفراد،المجتمع وھذا یستلزم أن یتنازل الإنسان عن جزء من مصلحته الشخصیة او الذاتیة، من أجل صالح المجتمع، وذلك یرجع من وجھة نظر روسو إلى أن الحیاة الفطریة للإنسان تتسم بالحریة الكاملة والمساواة والسعادة، ولكن مع نمو السكان وتطورات الحیاة اتجھت أكثر نحو التعقید وظھور الملكیة الخاصة وتفاوت الثروة، مما أدى لزیادة لحدة التوترات الاجتماعیة، وعدم الاستقرار، وضعف الأمن، من أجل كل ما سبق ظھرت الحاجة إلى عقد اجتماعي  والعقد الاجتماعي ببساطة من وجھة نظر المؤلف أن یتنازل كل فرد عن جزء من مصلحتھ أو حریته الشخصیة، في مقابل الجماعة وتحقیق الأمن والاستقرار للجمیع،ومثال لذلك حركة السیر والمرور، فقدیماً كانت ھناك حریة فردیة في السیر بدون قیود أو تنظیم، وكذلك حتى الآن في المجتمعات البدائیة مثل القرى والصحراء، ولكن مع تعقد

الحیاة، أصبح ھناك ضرورة لقواعد وتنظیم المرور والإشارات، وھنا قیود على حركة وحریة كل فرد في حریة الحركة والسیر، من أجل مصلحة وحمایة الجمیع، وھذا ینطبق تماماً على فكرة العدالة البیئیة فھي تضع قواعد وقیود لمصلحة الجمیع، والإسلام یكره إن تزداد الفوارق بین طبقات المجتمع المسلم، بحیث تعیش جماعة في ترف، وأخرى في شظف، لأن ھذا یؤدي للفساد والبعد عن ﷲ والدین، فالفقیر قد یضطر إما إلى السرقة والإنحراف، وإما إلى الذل وبیع الشرف والكرامة، وھذا یتنافي مع الإسلام )ولھذا یقول سیدنا علي رضي ﷲ عنھ لو أن الفقر رجلاً لقتلتھ ولذلك فالامة مسئولة عن حمایة الضعفاء ورعایة مصالحھم، بل وعلیھا أن تقاتل عند اللزوم لحمایة ھؤلاء الضعفاء، فیقول المولى عز وجل:
{ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا } [سورة: النساء – الآیة: 75].

وھذا ھو التفسیر الصحیح الذي ینطبق على منھج الإسلام، الذي یجعل الأمة متكافلة فیما بینھا، وواجبھا دفع المنكر وتغیره جھد طاقتھا، ولذلك یقول أبو بكر رضي ﷲ عنه سمعت رسول ﷲ (صلى ﷲ علیه وسلم یقول: {إن الناس إذا رأوا الظالم فلم یأخذوا على یده أوشك أن یعمھم ﷲ تعالى بعقاب “وسمعته مرة (صلى ﷲ علیھ وسلم) یقول: ما من قوم یعمل فیھم بالمعاصي، ثم یقدرون على أن یغیروا فلم یغیروا إلا یوشك أن یعمھم ﷲ بعقاب.

ولذلك یؤكد الشیخ الغزالي أنه لا یجوز أن یكون ھناك إنسان من غیر دخل یكفل له المستوى المناسب للمعیشة، حیث یقول الرسول ھذا أیما أھل عرصة “أرض” أصبح فیھم أمرؤ جائعاً فقد برئت منه زمة ﷲ تبارك وتعالى وفي ذلك أفتى ابن حزم بانھ إذا مات إنسان من الجوع في بلد یعتبر أھل ھذه البلد جمیعاً قتلة ویجب أخذ دیة القتیل منھم والدولة مسئولة عن فقرائھا ومعوزیھا، وأن تعطیھم بما فیه الكفایة من أموال الزكاة، ولھا أن تفرض ما تشاء على القادرین بلا قید أو شرط وفي ختام الحدیث عن الحق المجتمعي ھناك ضرورة اقتصادیة مجتمعیة للعدالة البیئیة، لأن اكتناز المال في جانب أقلیة وإنتشار الفقر للأغلبیة یؤدي إلى كساد اقتصادي، وخسارة مالیة للأغنیاء قبل الفقراء، ومن ھنا أھمیة إعادة التوازن النسبي بین الطبقات، والأخذ من الأغنیاء لمصلحة الفقراء، لأن ذلك سوف یؤدي إلى رواج اقتصادي حیث أن ضخ المال للفقراء، یؤدي لزیادة الشراء من السلع والخدمات، وعادة ما یستفید الأغنیاءوالمجتمع من ھذا الرواج الاقتصادي ولذلك فالعدالة لمصلحة الغني والفقیر معاً.

5- التكافل الاجتماعي :
العدالة البیئیة بمفھومھا الشامل تقتضي التكافل الاجتماعي بین جمیع أفراد المجتمع، بدایة من الأسرة إلى العائلة فالمجتمع، عدالة شاملة للأبعاد الاجتماعیة، والاقتصادیة، والطبیعیة وبین الأجیال وبعضھا بعضاً والتعاون بین جمیع الأفراد واجب
لمصلحة المجتمع، ویقول تعالى:  { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ  } المائدة – الآیة: 2].
ویقول الرسول (صلى ﷲ علیھ وسلم) مثل المؤمنین في توادھم وتراحمھم،وتعاطفھم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى لھ سائر الجسد بالسھر والحمى
وھذا جوھر العدالة، لأن الإنسان الضعیف أو الفقیر في أي مجتمع سینعكس سلبیاً على المجتمع كله، وعلى الغني قبل الفقیر أن یفھم ذلك، فالمجتمع كلھ مثل الجسد الواحدولذلك یؤكد الرسول (صلى ﷲ علیه وسلم) (المؤمن للمؤمن كالبنیان یشد بعضه بعضاً} وھذه فلسفة العدالة البیئیة التي یجب أن یعیھا جمیع أفراد المجتمع وفي ضوء ذلك یمكن إیجاز أبعاد التكافل الاجتماعي في الآتي:

أ- التكافل الأسري :
قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } [سورة: لقمان – الآیة: 14].
قال تعالى:  { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا (23) وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا } سورة: الإسراء – الآیات: 23 – 24].
فالأب مسول عن أسرتھ وبعد ذلك یكبر الأبن ویصبح مسئول عن أبیه فیقول الرسول صلى ﷲ علیه وسلم أنت ومالك لأبیك .
وھذا التكافل الأسري متبادل كما نرى، فالإنسان یبدأ في طفولته تحت مسئولیة أبیه، ثم یكبر ویأتي الدور علیه، لیتحمل مسئولیة الأب، وبالطبع الأم، والمسئولیة لیست معنویة.فقط، بل مادیة أیضاً عند الحاجة، حتى أسلوب الحدیث یعكس تكافل أسري شامل للحیاة المعنویة قبل المادیة، وإذا نشأ الأطفال في ظل ھذا التكافل الأسري فمن الطبیعي بعد ذلك.أن یتحملوا مسئولیتھم في التكافل الاجتماعي الشامل وفي العدالة البیئیة بوجھ عام.

ب – التكافل العائلي :
ویمتد التكافل الاجتماعي من الأسرة الصغیرة إلى العائلة الكبیرة، ونظام المیراث الإسلامي یراعي حقوق العائلة بعد الأسرة، حیث یمتد للعم والعمة والخال، وغیر ذلك یمتد نظام المیراث لمراعاة العدالة الاجتماعیة بین الأجیال، بالإضافة إلى انھ وسیلة من.وسائل تفتیت الثروة لئلا یكون دولة بین الأغنیاء منكم وللحد من الفوارق بین الطبقات.
قال تعالى:  { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [سورة: النساء -ایة: 8].
فنظام المیراث یفعل العدالة الاجتماعیة بین الأجیال، ثم بین المواطنین من خلال تفتیت الثروة، والإحسان لذوي القربى والیتامى والمساكین، ویمتد التكافل إلى الجیران، فیوصي الإسلام بالجار، فیقول الرسول صلى ﷲ علیھ وسلم) وﷲ لا یؤمن من بات شبعاناً وجاره جائع وھو یعلم ج – التكافل المجتمعي :
یمتد التكافل من الأسرة إلى العائلة ثم إلى المجتمع والدولة بوجھ عام، لأن التكافل الأسري والعائلي بدون التكافل المجتمعي لا یستطیعان وحدھما تحقیق نھضة وتقدم المجتمع، لأنھ لا یمكن تقسیم المجتمع إلى جذر أو عائلات، فالرسول (صلى ﷲ علیھ وسلم) یقول {مثل القائم على حدود ﷲ والواقع فیھا كمثل قوم استھموا في سفینة فأصاب بعضھم أعلاھا وبعضھم أسفلھا، فكان الذین في أسفلھا إذا استقوا مروا على من فوقھم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصیبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوھم وما أرادوا ھلكوا، وإن أخذوا على أیدیھم نجوا ونجواجمیعاً}(البخاري والترمذي

6- العدالة البیئیة حق وواجب معاً :
إن الحقوق والواجبات وجھان للعدالة البیئیة، لأن الحقوق والواجبات بوجھ عام مرتبطان ببعضھما البعض، فالثمن في البیع مثلاً یمثل من ناحیة المشتري واجب یجب أداؤه، ولكنھ یمثل من ناحیة البائع حقاً قائماً لھ أن یتقاضاه، ویستمد ھذا الحق قوته من عاملین ھامین: العامل الأول: الحق یكون وراءه مطالب به دائماً ولا یتركه للضیاع، وھنا یقول عمر بن الخطاب – أمیر المؤمنین – رضي ﷲ عنھ “من حق الجعان أن یصرخ مطالباً بحقه
العامل الثاني: الواجب فھو واجب الدولة أو النظام وولي الأمر أو الرئیس، ولذلك فالعدالة البیئیة لا تتحقق بالمحبة كما یدعي البعض، لأنھا لیست إحساناً فالإحسان واجب ممدوح أو مشكور، ولكنھ لیس حق، ولكن العدالة البیئیة حق للفقراء، وواجب ومن ھنا.یوجب على الأغنیاء حقاً معلوماً في أموالھم ، وھي في حقیقتھا مال ﷲ الذي أتاھم إیاھا واستخلفھم فیھا ومن ھنا فالعدالة البیئیة تقوم على أساس أنھا حق وواجب معاً وكلاھما یكمل الأخر، فواجب  الدولة أن تحقق العدالة البیئیة، ، وھذا الحق لیس لضمان حقوق الفقراء فحسب، لا بل  الشعب كله، لأن في إشباع الحاجات الأساسیة للفقراء ضمان للحد من الجریمة والمرض والإنحراف والفساد، مما ینعكس بشكل واضح على الأمان والضمان الاجتماعي للمجتمع كله، وھنا
على الغني قبل الفقیر المطالبة بحقھ في العدالة البیئیة، لأن الغني لدیھ المال والأعمال والتجارة وغیرھا من ممتلكات یخشى علیھا لو انعدم الأمن والأمان، في حالة غیاب العدالة البیئیة، ومن ھنا أھمیة الربط بین الحقوق والواجبات، ومن ثم فغیاب العدالة البیئیة تعني غیاب الوعي الشعبي عن المطالبة بحقھ،
أیضاً في الوقت نفسه ، فالمسؤولیة مشتركة مرتبطة، ومن ھنا فالعدالة حق مجتمعي.وحق طبیعي وبیئي یجسد المساواة الإنسانیة، ویعكس التكافل الاجتماعي وكل ذلك یمثل صفة من صفات المولى واسم من أسمائھ وامر من أوامره فھذه ھي ركائز العدالة البیئیة بمفھومھا الشامل والمتكامل.
ویرى الكاتب  أن غیاب مفھوم العدالة البیئیة كحق وواجب معاً ھو من الأسباب الرئیسیة لغیاب العدالة البیئیة،