صفة النبي صلى الله عليه وسلم


بقلم الشيخ : عوض مصطفى

أكمله الله تعالى خُلقًا وخَلقًا وهيئة لتحمل هذه الرسالة العظيمة فكان صلى الله عليه وسلم أكمل البشر خِلقة وخُلقًا.

الحمد لله الذي منّ على من شاء من عباده بصفات الكمال، ورفع بعضهم على بعض درجات ليبلوهم فيما أعطاهم من تلك الخصال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والليالي وسلم تسليمًا. أما بعد:

أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا ما له من الحكم البالغة في شرعه وخلقه وجزائه فله الحكمة البالغة الصادرة عن علم تام ورحمة واسعة. شرع سبحانه الشرائع فأحكمها وخلق المخلوقات فأتقنها ووضع الجزاء على وصف الحكمة والعدل والفضل، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]، وضع الرسالة العظمى في محمد صلى الله عليه وسلم و{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، وضعها فيمن أكمله الله تعالى خُلقًا وخَلقًا وهيئة لتحمل هذه الرسالة العظيمة فكان صلى الله عليه وسلم أكمل البشر خِلقة وخُلقًا.

أكمله الله تعالى خِلقة حيث جاء جسده متكاملاً متناسبًا حسنًا جميلاً فكان صلى الله عليه وسلم ربعة من الرجال؛ ليس بالطويل البائن ولا القصير.
بعيد ما بين المنكبين، ضخم الأعضاء بتناسب رحب الصدر. وكان أحسن الناس وجهًا؛ أزهر اللون مُشربًا بحمرة، مستدير الوجه مع سهولة الخدين. أكحل العينين؛ أدعجهما، أسبق الحواجب في غير قرن بينهما، دقيق الأنف، حسن الفم، مفلج الأسنان، براق الثنايا، كث اللحية حسنها. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: “توفى الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء” (متفق عليه)، إنما كان شمط عند العنفقة، وفي الصدغين والرأس يسيرًا. له شعر رأس يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه كان يسدله ثم عدل إلى تفريقه فكان يفرقه على جانبي الرأس.

هذه صفاته الخَلقية أكمل صفات الرجال بينتها لكم لتكون لكم آية عندما ترونه في النوم؛ لأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على صفته الثابتة عنه فقد رآه حقًا لأن الشيطان لا يتمثل به

أما صفاته الخُلقية فكان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خُلقًا في جميع محاسن الأخلاق ويكفيك دليلاً على هذا شهادة الله له بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، ففي الكرم صلى الله عليه وسلم كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس يعطي عطاء لا تبلغه الملوك؛ سأله رجلٌ مرة فأعطاه غنمًا بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه فقال: “يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر”. قال جابر رضي الله عنه: “ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط فقال: لا” (صحيح مسلم). وعلق به الأعراب يسألونه أن يقسم بينهم في مرجعه من حنين فقال صلى الله عليه وسلم: «فلو كان عددُ هذهِ العِضَاهِ نعمًا» يعني عدد هذه الأشجار إبلاً «لقسمتُهُ بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا»(صحيح البخاري).

وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر على نفسه فيعطي العطاء ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار. أهديت إليه شملة فلبسها وهو محتاج إليها فسأله إياها رجل فأعطاه إياها، فلامَ الناسُ الرجلَ فقالوا كان محتاجًا إليها وقد علمتَ أنه لا يرد سائلاً؛ يعني فكيف تسأله فقال: إنما سألته إياها لتكون كفناً لي.
وكان كرمه صلى الله عليه وسلم كرمًا في محله ينفق المال لله وبالله إما لفقير، أو محتاج، أو في سبيل الله، أو تأليفًا على الإسلام، أو تشريعاً للأمة.
وفي الشجاعة كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأمضاهم عزمًا وإقدامًا. كان الناس يفرون وهو ثابت؛ قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لما التقى المسلمون والكفار يعني في حنين وولى المسلمون مدبرين خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع. وكان يقول حينئذ: «أنا النبي لا كذب، أنا بن عبد المطلب» (متفق عليه).
وقال علي رضي الله عنه: “كنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولقيَ القومُ القومَ، اتَّقَينا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، فما يَكونُ منَّا أحدٌ أدنا مِنَ القومِ منهُ” (مسند أحمد).
وقال أنس رضي الله عنه: “كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناسِ، وأجودَ الناسِ، وأشجعَ الناسِ، ولقد فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذات ليلةٍ، فانطلق الناسُ قبلَ الصوتِ، فاستقبلهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد سبق الناسَ إلى الصوتِ، وهو يقولُ: لم تُراعوا لم تُراعوا. وهو على فرسٍ لأبي طلحةَ عُريٍ ما عليه سرجٌ، في عُنُقِه سيفٌ” (صحيح البخاري).

ومع هذه الشجاعة العظيمة فقد كان لطيفًا رحيمًا فلم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح؛ قال أنس رضي الله عنه: “خدَمتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عَشرَ سنينَ فما قالَ لي: أفٍّ قطُّ، وما قالَ لِشيءٍ صنعتُهُ لمَ صنعتَهُ، ولا لشيءٍ ترَكْتُهُ لمَ ترَكْتَهُ” (صحيح الترمذي). وكان صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم ويضعهم في حجره وربما بال الصبي في حجره فلا يعنف.

وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير، ويعود المرضى في أقصى المدينة، ويقبل عذر المعتذر، وكان يسمع بكاء الصبي وهو يصلي بالناس فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. وكان يحمل ابنة بنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها. وجاء الحسن والحسين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال: «صدَق اللهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] نظَرْتُ إلى هذينِ الصَّبيَّيْنِ يمشيانِ ويعثُرانِ فلَمْ أصبِرْ حتَّى قطَعْتُ حديثي فرفَعْتُهما»

ويقول الإمام الحسين بن علي رضى الله عنهما: “سألت أبي عن مجلس رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف كان يصنع فيه؟” فقال: “كان رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذِكْرٍ.

ولا يوطنُ الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيثُ ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك.

يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسبُ جليسهُ أن أحدًا أكرم عليه منه، مَن جالسه أو فاوضه في حاجةٍ صَابَرَهُ حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يردّهُ إلا بها أو بميسور من القول.

قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا، وصاروا عِنْدَهُ في الحق سواء.

مجلسُه مجلس حِلْم وحياء وصبر وأمانة، لا تُرفع فيه الأصوات ولا تؤبنُ فيه الحُرَم، ولا تُثنى فلتاته.

متعادلين، يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذَا الحاجة، ويرحمون الغريب -أو: يحفظون الغريب-“.

– وسألته عن سيرته في جلسائه؟

فقال: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دائم البشر، سهل الخُلق، لين الجانب، ليس بفظٍّ، ولا غليظٍ، ولا سخَّابٍ، ولا فحَّاشٍ، ولا عيَّابٍ، ولا مشاح.

يتغافل عما لا يشتهيه ولا يؤيس منه راجيه ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاثة: المراء، والإكثار، وما لا يعنيه.

وترك الناس من ثلاثة: كان لا يذم أحدًا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته.

لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم.

يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونه، ويقول: «إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ».

ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه، فيقطعه بنهي أو قيام”.

– قال: فسألته كيف كان سكوته؟

فقال: “كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحِلْم، والحذر، والتدبر، والتفكر.

فأما تدبره: ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس.

وأما تفكره: ففيما يبقى ويفنى.

وجمع له الحِلْم، في الصبر، وكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه.

وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالخير ليُقتدى به، وتركه القبيح ليُنتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما يصلح أمَّته، والقيام بهم، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة”.

فاللهم صلّ وسلم وَبَارِكْ عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

اترك تعليقاً