لوجه الله: انقذوا عقولنا من الفتاوى الضالة

بقلم الكاتب الصحفى : بسيونى الحلوانى
مدير تحرير بجريدة الجمهورية

كان ضروريا أن يصدر قانون تنظيم الفتوى لمواجهة حالة الاضطراب والفوضى في مجال الافتاء والاجتهادات الشرعية.. تلك الحالة المؤسفة التى عانينا منها لسنوات بعد أن اتخذت بعض الفضائيات وبعض الشخصيات التى تتاجر بالدين “الفتوى” وسيلة للإثارة وجذب المشاهدين وإشعال معارك فقهية لا مبرر لها بين العلماء.

العودة إلى الضوابط والقواعد المنظمة لأمور الفتوى، وتحديد الجهات المعنية بتوضيح الأحكام الشرعية للناس بعيدا عن الإثارة وتشويه تعاليم الإسلام، كان ضرورة دينية ووطنية لعدم وضع الناس في حيرة بسبب اجتهادات متضاربة وغير منضبطة لا تلتزم بأبسط القواعد الفقهية.

لذلك وجبت التحية للأزهر المؤسسة الأم- التى تمثل المرجعية الشرعية فى مصر، بل تمثل المرجعية الشرعية للمسلمين فى العالم- على صبرها طوال السنوات الماضية على المتطفلين على الافتاء وهم ليسوا أهلا له، ولم يستجب الأزهر لدعوات الكثيرين بضرورة اتخاذ إجراءات عقابية ضد بعض المنتسبين له الذين خرجوا على فتاوى هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية.. وكان الصبر عليهم ضروريا حتى لا يتهم الأزهر بأنه يمارس “الكهنوت” ضد بعض أساتذته.. لكن فى ظل هذا القانون المتوازن الذى صدر منذ أيام بالتوافق بين الأزهر والافتاء والأوقاف أصبح المنع واجبا، والالتزام بما نص عليه القانون أوجب لحماية عقول المصريين من محترفى الاثارة ونشر الخلاف والاضطراب بين الناس من خلال فتاوى عشوائية وغير منضبطة، قد تقود شبابنا الى ما لا يحمد عقباه.

لقد عشنا حقبة من الزمن كان بعض الشباب يفجر نفسه ويقتل أبرياء ويخرب منشآت استنادا لفتاوى ضالة، وعشنا زمنا كان بعض أتباع الجماعات الضالة يدفعون الشباب الى ممارسة كل صور العنف وتخريب أوطانهم بفتاوى منحرفة.. والأمثلة على ذلك كثيرة ومؤسفة ولا داعى لذكرها هنا لأنها تحيى أوجاعا نريد أن نناساها.

الفتوى تعنى: نقل أحكام الإسلام الصحيحة للناس؛ لتنير لهم طريق الحلال، وتبعدهم عن كل ما هو حرام أو يحمل شبهة حرام.. ولذلك تظل الفتوى أهم وسيلة للتعريف بالإسلام، ونشر تعاليمه الصحيحة، لإبعاد الناس عن طريق الحرام، وضبط عباداتهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم الشخصية بميزان “الحلال والحرام”.

والفتوى لكى تكون منضبطة بضوابط الشرع ينبغى أن تصدر عن علماء متمرسين على الفتوى، يمتلكون السمات الشخصية والعلم الصحيح، كما يمتلكون الوعى بتحديات ومشكلات المجتمع الذى يعيشون فيه، لكى تكون فتاواهم فى مكانها الصحيح، خاصة فى ظل حالة الفوضى فى ساحة الفتوى التى يشهدها عالمنا المعاصر نتيجة تطفل غير المتخصصين على الافتاء، وصدور عشرات الفتاوى التى تفتقد الدقة، وتثير لغطا وجدالا بين الناس.

من هنا تبدو أهمية أن يتصدى علماء الفتوى المؤهلين للافتاء لبيان الأحكام الشرعية للناس، وبيان ما فى الفتاوى العشوائية من أخطاء ومخالفة لأحكام الإسلام الصحيحة، فالبضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة من الأسواق، ونحن نتطلع الى المزيد من الفتاوى المنضبطة من الأزهر والافتاء والعلماء الذين لهم باع طويل فى الافتاء..كما نتطلع الى التعامل بحزم مع كل من يتحايل على القانون ويطاردنا بالمزيد من الفتاوى الشاذة وغير المنضبطة.

وأنا هنا أنبه على ضرورة التزام الزملاء الإعلاميين فى الفضائيات بما نص عليه قانون تنظيم الفتوى لأن البعض بدأ التحايل من الآن على مخالفة والزعم بأن ما يردده على الشاشة من أحكام فقهية غريبة ليس من باب (الفتوى) وإنما هو استعراض لأقوال الفقهاء.. وهذا قمة العبث بعقول المشاهدين وخرق واضح لما نص عليه القانون.

نكن كل احترام وتقدير لدعاة وزارة الأوقاف، ونقر ونعترف بأن هناك خطباء مساجد لديهم ثقافة شرعية واسعة، وهم قادرون على توضيح الأحكام الشرعية للناس.. لكن ليس كل خطيب مسجد يصلح لكي يكون مفتيا، وهذا أمر يجب أن يدركه الطرفان، السائل وخطيب المسجد، فعلى السائل مسؤولية وهي أنه يجب أن يبحث عن الجهة التى تمتلك العالم المؤهل القادر على أن يوضح له حكم الله ورسول فيما يسأل، وعلى المفتي ـ وهو هنا خطيب المسجد أو الداعية ـ مسئولية عظيمة وهي أنه لا ينبغي أن يفتي فيما لم يدرك كل حقائقه، وليس عيبا أن يقول خطيب المسجد “لا أدري” وليس عيبا أن يحيل السائل إلى من هو أعلم منه، لكن الغرور وعدم التواضع والتظاهر بالعلم للأسف يسيطر على البعض ويدفعهم إلى الحديث في أمور شرعية لا يدركون كل حقائقها.

مظاهر الخلل التى عانينا منها فى ساحة الافتاء خلال السنوات الماضية كثيرة، لكن يمكن إيجازها في اللجوء إلى غير المتخصصين وهذه يتحمل مسئوليتها المستفتي الذي يذهب بسؤاله إلى غير المؤهلين للإفتاء، كما يتحمل مسئولية ذلك أيضا وسائل الإعلام من فضائيات وصحف ومواقع إنترنت وغيرها، فالمسئولية هنا مشتركة بين الجماهير التي تقبل على أشخاص بعينهم لكي تسألهم دون أن تتأكد من قدرتهم على ذلك، ووسائل إعلام تبحث عن الإثارة وكل ما يهمها إقبال الناس عليها حتى ولو كان ذلك على حساب الدين، لذلك نرى فضائيات تحرص على الذهاب إلى أشخاص بعينهم لكي تأخذ منهم ما تريد، بصرف النظر عن مدى اتفاقه أو عدم اتفاقه مع الثوابت الشرعية، ولذلك أصبح من الطبيعي- فى ظل استمرار هذا الوضع الشاذ- أن تتداول آراء غريبة في وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت تحت مسمى “فتاوى” وهي في واقع الأمر لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية من قريب أو بعيد.

بقيت كلمة لأدعياء الفتوى الذين يصرون على أن يقولوا للناس( هذا حلال وهذا حرام) دون علم واسع بالحلال والحرام: الإسلام لا يعرف الكهنوت، ولكنه يحترم التخصص، والفتوى والتي هي “بيان الأحكام الشرعية للناس” تحتاج إلى متخصصين مؤهلين لهذا العمل الكبير، ولذلك لا ينبغي أن يلجأ إنسان إلى الى شخص لمعرفة حكم شرعي وهو يعرف أنه غير متخصص، ولا يحمل مؤهلات الفتوى.. كما لا ينبغي أن يتصدى أحد للفتوى اعتمادا على ثقافته ومعلوماته الإسلامية العامة، وعلى الجميع أن يدرك أن كبار علماء الأمة كانوا يتأهبون من الفتوى وكانوا يدركون خطورتها ويحيل بعضهم على بعض خوفا من الوقوع في الخطأ والتسبب في تضليل الناس..فعلينا أن نترك الفتوى في أمور الدين وبيان الأحكام الشرعية لمن هو أهل لذلك حماية لأنفسنا وحماية للآخرين.

اترك تعليقاً