تحول بعض الاحتفالات بالموالد إلى فلكور شعبى !
16 مايو، 2025
منهج الصوفية

بقلم خادم التصوف د. : أحمد شتيه
تصيبني الحسرة عندما أرى الناس يتهكمون عندما تعلن مناسبة احتفال بمولد أحد الصالحين .
إنني أسأل نفسي : كيف انحرف الخلق الذين يقولون إنهم يحبون الصالحين بمناسبة يفترض أنها تبعث روح الهمة وتجدد معنى القدوة إلى هذا الشكل من العبث الداعي إلى هذا المستوى الضخم من الانتقاد ؟
كنت بدمنهور أنتظر سيارة تقلني إلى مدينة ( دسوق ) لأحضر احتفالا بشيخ عصره السيد إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه، فسمعت من قريب صوت امرأة ريفية اللهجة أظنها أتت من محافظة أخرى تهاتف شخصا بصوت مرتفع تقول له : هل أنت متأكد أنها الرجبية ؟
تقصد احتفال المولد الرجبي لسيدي إبراهيم الدسوقي، كررت هذا السؤال عليه قرابة المرات الخمسة، فتهكم قوم جالسون على مقربة منها قائلين : عودي إلى ديارك يا حاجة .
لم أشك لحظة في حب هذه المرأة للصالحين ولا في فطرتها السليمة التي دفعتها لسفر طويل مع كبر سنها وقلة ذات يدها، ولكنني توقفت عند أولئك المتهكمين عليها
وسألت نفسي عن كلامهم هذا : ما سببه ؟
وما دوافعه ؟
وهل إلى هذا الحد غاب معنى القدوة وحب الصالحين ؟
ومع تلك الأسئلة التي تدافعت في خاطري سألت نفسي السؤال الكبير :
هل لنا دور في غياب معنى التعلق بالأولياء ؟
هل نحن من دفعنا الناس إلى هذا الرفض لمعنى أمرت به شريعة الله حيث قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) وقال ربنا أيضا في الحديث القدسي ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ) .
كان من الممكن أن أقول ببساطة : إن هذا ضعف علم أو فرط جهل أو رعونة، ولكنني – بكل صدق – واجهت نفسي بحقيقة مرة، فنحن فعلا من تسبب في حدوث ذلك بشكل كبير وبأشكال عدة .
إن عوام الصوفية ومن وافقهم على أفعالهم هم من انحرفوا بذكريات الصالحين – التي هي من أيام الله – انحرفوا بها من تعظيم معنى القدوة وإذكاء أثرها في النفوس إلى مستوى متدن أدى إلى تحول المعنى من معنى شريف إلى مناسبات ارتبطت شرطيا في أذهان الناس بأمور مقيتة نفسيا وشرعيا .
لقد تحول جانب كبير من ذكريات أيام السادة الصالحين إلى ( فلكلور ) شعبي، حيث يأتي المداحون يقفون على المسارح ومعهم من المعازف والفرق الموسيقية الشيء الكثير، ليقف تحت أقدامهم أقوام يتمايلون ويتراقصون على كلمات المداحين، ليأتي المصورون والمفسبكون واليوتيورز ويسلطون الضوء على هذه الحفلات ويقولون : إن هذا هو التصوف، وتالله ما هذا من التصوف في شيء قط .
إنني أذكر يوما اعترض فيه أحد أفاضل أساتذة الأزهر على الخدمات التي تقام حول مساجد الصالحين منكرا ما يحدث فيها من مخالفات ولم أستطع أن أرد عليه ما قاله لأنه تكلم عن واقع صادم حقيقي .
إن هذه الأماكن التي كانت فكرتها في مبدأ أمرها تقوم على خدمة الضيوف تحولت إلى أوكار يشرب فيها الدخان ويحدث فيها اختلاط بين الرجال والنساء فأين نحن ؟ ومن نحن ؟ هل هذا تصوف ؟ هل هذا دين ؟
كل ذلك فضلا عن الثقافة الجمعية لدى المصريين أن هذا يوم للتنزه والخروجات وركوب المراجيح وغير ذلك من الأنشطة الترويحية، فبالله عليكم أيها العقلاء هل هذا هو ما أراده الله منا في شأن عباده الربانيين الذين أفنوا حياتهم في عبادته ودلالة الخلق عليه ؟
إن ذكريات السادة العلماء والصلحاء والسادة آل البيت لا تقام إلا من أجل معنى واحد هو معنى ( القدوة )، وحينما سُنت هذه المناسبات سُنت من أجل إعلاء الهمم وإذكاء الأخلاق وحض الخلق على التشبه بهم فإن التشبه بالرجال فلاح .
إن مثل هذه المناسبات لا تقوم ولا تصح في المقام الأول إلا بعقد مجالس يكون الكلام فيها عن صفات عباد الله الصالحين، وكيف يصلون إلى تلك الرتب السنية ؟ وما يجب علينا في باب الاقتداء بهم، وسرد قصصهم في المجاهدات وأخذ النفس بالشدة وتهذيبهم نفوسهم وفق منهج الله، وبيان عباراتهم وإرشاداتهم لطلابهم ولعموم المسلمين .
هذا هو الشكل الشرعي الوحيد المعين على تحقق المقصد من ذكرياتهم رضي الله عنهم .
فإن زدنا فلتكن مجالس الذكر الشرعي المنضبطة المراعية حدود الله داخل المساجد وخارجها، مع تنحي النساء تماما عن مخالطة الرجال، والأخذ على أيدي المخالفين .
أما تلك (الخِدمات) التي تَحُف تلك الأماكن فلست أقبل إلا مكانا يقدِّم ضيافة أو مكانا يقدم علما وإرشادا، ويكون سبيلا للتزاور المحمود في الله من أجل أن يعم النفع العلمي والسلوكي، فلتكن تلك الخدمات ملتقيات للعلماء والصلحاء يرشدون فيها طلابهم ومريديهم إلى السلوك الأقوم وكيفية القرب من الله تعالى على النهج السليم، وقد زرت أماكن مباركة تنتهج هذا النهج لكنها بنسبة 1% وسط زخم ما يسمى ب( الخدمات ) .
إن هذا الملف ملف يصيب النفس بالضيق، لكنها كلمة حق رغبت أن أثبتها ابتغاء مرضاة الله وأداء لواجب التناصح بين المسلمين .
يتبع إن شاء الله