خطبة بعنوان ( إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه ) لفضيلة الشيخ ياسر عبدالبديع

خطبة بعنوان ( إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه )
لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع

بتاريخ 11 من ذى القعدة 1446 هجرية 9 من مايو 2025 م

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ

إنْ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ اتَاهُ القرآن فغير معناه

العُنْصُرُ الْأَوَّلِ : فَضْلٌ الْقُرْانَ وَأَهْلُهُ

فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْانِ وَتِلَاوَتِهِ عِبَادَةٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ مِثْلِهَا مِثْلَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ مِنْ الذَّكَرِ يُؤَجِّر الْقَارِئُ عَلَى قَرَأَتْهُ لَهُ، وَلِذَلِكَ حَثَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَدَلَّنَا عَلَى عَظِيمِ أُجْرَة.

وَكَثْرَة الْقِرَاءَة لِلْقُرْان تَوَلَّدَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ الَّذِي يَسْتَمْتِع بِقِرَاءَتِه لَذَّة بِتِلَاوَتِه، وَرَاحَة نَفْسِيَّة وَاطْمِئْنَان فِي الْقَلْبِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ امَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرَّعْد: 28]. وَبِتَكْرَار الْقِرَاءَة بِتَلَذُّذ فَإِنَّ الْقَارِئَ سَوْف يُحَاوِلُ أَنْ يُفْهَمَ مَا يَقْرَأُ مِنْ الْقُرْانِ بِوَعْيٍ وَبَصِيرَةٍ.. فَإِذَا فَهِمَ مَا يَقْرَؤُهُ بِوَعْيٍ وَبَصِيرَةٍ فَإِنَّه لَأَشُكّ سَوْفَ يَدْخُلُ إلَى مِحْرَابٍ التَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ، وَيَبْدَأ بِالتَّدَبُّر لِايَاتِ اللَّهِ فِي الْقُرْانِ وَعِنْدَهَا يَكُونَ عَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا عَنْ عِلْمٍ وَوَعَى وَبَصِيرَة.
أَمَّا الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَلَا يَتَلَذَّذُ بِتِلَاوَتِهِ وَلَا يُحَاوِلُ أَنْ يُفْهَمَ مُرَادِ اللَّهِ مِنْ الْايَاتِ الَّتِي يَقْرَأْهَا، فَهُوَ مِثْلُ الَّذِي يَقْرَأُ فِي جَرِيدَةِ أَوْ قَصَّةٍ، وَلِذَلِكَ قَدْ لَا يَصِلُ إلَى مَرْحَلَةِ التَّدَبُّرَ وَالتَّفَكُّرَ.. وَلِذَلِكَ كَانَ لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِقَارِئِ الْقُرْانِ مِنْ الْجَوَائِز الْعَظِيمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ.

وَقَدْ قِيلَ فَهْمِ الْقُرْانِ وَتَدَبُّرُه:
(إنْ فُهِمَ الْقُرْانِ وَتَدَبُّرِهِ مَوَاهِبُ مِنْ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ يُعْطِيهَا لِمَنْ صَدَّقَ فِي طَلَبِهَا وَسَلَك الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهَا بِجَدٍّ وَاجْتِهَادٍ أَمَّا الْمُتَّكِئِ عَلَى أَرِيكَتِهِ الْمُشْتَغِل بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَيُرِيد فَهْمِ الْقُرْانِ فَهَيْهَات هَيْهَات وَلَوْ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِي).

أَنْ الْقُرْانَ الْكَرِيمَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى قَلْبِ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُعْجِزَتِه الْخَالِدَة: وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ رُوِيَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقُرْانِ أَنَّهُ: “كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ. مِنْ تَرِكَةِ مَنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ. وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلٌ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذَّكَرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إذْ سَمِعْتُهُ حَتَّى قَالُوا: ﴿… إِنَّا سَمِعْنَا قُرْانًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَامَنَّا بِهِ ﴾ [الْجِنُّ: 1-2]، مِنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أَجْرٌ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدْلٌ وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هَدْيُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم”

وَبِمَا أَنِّي قَدْ سَمِعْت عَنْ هَذَا الْأَثَرِ كَثِيرًا، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى نِسْبَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِذَلِكَ فُضِّلَتْ الْقَوْلُ: فِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ.. إلَخْ، فَالْمَعْنَى الْعَامّ لِهَذَا الأَثَرِ يَصْدُقُ عَلَى الْقُرْانِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ الْقُرْانِ الْكَرِيمِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَعْدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ أَلَمْ * ذَلِكَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ هَدْيٌ لِلْمُتَّقِين ﴾ [الْبَقَرَةِ: 1-2]. وَقَالَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: ﴿ إنْ هَذَا الْقُرْانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاء: 9]..

وَبَيَّنَ لَنَا اللَّهَ أَنْ الْقُرْانَ هُوَ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هَدْيٌ اللَّهَ يَهْدِي بِهِ مِنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزُّمَر: 23].

وَبِمَا أَنَّ الْقُرْانَ هُوَ مُعْجِزَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَالِدَة وَالْبَاقِيَة وَالْخَاتِمَة فَهُوَ مَحْفُوظٌ بُوعِدَ مِنْ اللَّهِ بِحِفْظِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَنَا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الْحَجْرِ: 9]، وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ حَرْفٌ أَوْ يَزِيدُ فِيهِ حَرْفُ مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى الْانَ، وَمَنْ قَالَ إنْ الْقُرْان نَاقِصٌ أَوْ مُحَرَّفٌ فَقَدْ كَذَبَ بِهَذِهِ الْايَةِ، وَمِنْهُمْ الشِّيعَة الرَّوَافِض الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ. وَقَدْ شَدَّدَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ عَلَى إبْقَاءِ رَسْم كَلِمَات الْمُصْحَفِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ بَعْضُ الْكَلِمَاتِ يُخَالِف رَسْمِهَا الرَّسْم الْإِمْلَائِيّ لِتِلْك الْكَلِمَاتِ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْانَ وَعَلَّمَهُ”. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مِثْلَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ” وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “الْمَاهِرَ بِالْقُرْانِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ”

وَرُوِيَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إنْ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ”، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مِنْ هَمٍّ؟ قَالَ:”هُمْ أَهْلُ الْقُرْانِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُه”

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْانِ؟ قَالَ: “مَنْ إذَا سَمِعَتْ قِرَاءَتِه رَأَيْت أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ”

تَتَنَزَّل الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِتِلَاوَة الْقُرْان:
رَوَى مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتِ مَنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدِهِ”

رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِى صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ اتَاهُ اللَّهُ الْقُرْانَ فَهُوَ يَتْلُوهُ انَاءَ اللَّيْلِ وَانَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ اتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ انَاءَ اللَّيْلِ وَانَاءَ النَّهَارِ”

وَقَدْ حَثَّنَا الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِالْتِزَامِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْانِ وَحِفْظِهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِى صَحِيحَيْهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”إنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْانِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ” أَيْ الْمَشْدُودَة بِالْعِقَالِ، وَعَاهَد عَلَيْهَا أَيْ تَرَدَّدَ عَلَيْهَا وَرَاقَبَهُا.

عَظِيمٌ أَجْر الْقُرْانِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْاخِرَةِ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْانِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْت تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اخَرَ ايَةٍ تَقْرَؤُهَا” رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”الْقُرْانَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، مِنْ جَعْلِهِ إمَامِه قَادَهُ إلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَه سَاقَهُ إلَى النَّارِ” الْمَاحِل: الْمُجَادِل لِصَاحِبِهِ لِمَا يَتْبَعُ مَا فِيهِ.

الْحَافِظُ لِلْقُرْان الْمُحَقِّق لِأَحْكَامِه يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ فِي الْجَنَّةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أَنْ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلِمَهُ وَنَشْرِه وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةٍ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ”

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ؛ إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عَلِمَ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدِ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” وَمَنْ مُظَاهِر وَدَلَائِل الصَّلَاحِ فِي الْوَلَدِ طَاعَتِهِ لِلَّهِ وَقِرَاءَتُه لِلْقُرْانِ الْكَرِيمِ وَأَعْمَالِه الصَّالِحَة الْأُخْرَى.

وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ” (الْبَطَلَةُ وَهُمْ السَّحَرَةُ). قَالَ (الرَّاوِي) ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: “تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَالِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ.. أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَأَنَّ الْقُرْانَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ القُرْانُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْانَ.. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةٍ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودِ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذَا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًاِ” وَمَعْنَى هَذَا: أَيْ مُسْرِعًا فِي قِرَاءَتِهِ الْقُرْان. وَيُسَمَّى أَيْضًا حَدْرًا عِنْد الْقُرَّاء.

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مِثْلَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَاَلَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا”

وَفِي رِوَايَةٍ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: “مِثْلَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ رَيْحَانَة رِيحُهَا طَيِّبٌ وَلَا طَعْمٌ لَهَا، وَمَثَلُ الَّذِي يَعْمَلُ بِالْقُرْانِ وَلَا يَقْرَؤُهُ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْقُرْانَ وَيُعَلِّمُه كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا خَبِيث وَرِيحُهَا خَبِيث”
وَالْقُرْانُ الْكَرِيمُ كِتَابُ الْإِسْلَامُ الْخَالِد، وَمُعْجِزَتُه الْكُبْرَى، وَهِدَايَة لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، قَالَ تَعَالَى: {الرّ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (إبْرَاهِيمَ:1) مِنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أَجْرٌ، وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هَدْيُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. فِيهِ تَقْوِيمُ لِلسُّلُوك، وَتَنْظِيم لِلْحَيَاةِ، مِنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا، وَمِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَطَلَبَ الْهَدْيِ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا.

وَتِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ إلَى رَبِّهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (فَاطِر:29) وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتِ مَنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رَوَاهُ مُسْلِم.

وَالْقُرْان مَأْدُبَةُ اللَّهِ لِعِبَادِهِ، وَرَحْمَةً مِنْهُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: “أَلَمْ” حَرْفٌ، وَلَكِنْ “أَلِفٌ” حَرْفٌ، و”لِأُمّ” حَرْف، و”مِيم” حَرْف).

وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْانِ وَرَغَّبَ فِيهَا، فَقَالَ: (تَعْلَمُوا الْقُرْانَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَافِعًا لِأَصْحَابِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَالَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، وَعَلَيْكُمْ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) رَوَاه مُسْلِمٍ.

وَبِشْرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِئُ الْقُرْانِ بِأَنَّهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ فَقَال: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْانِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَيَتَعتع فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ اخَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْانِ: اقْرَأْ وَارْقَ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اخَرَ ايَةٍ تَقْرَؤُهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٍ.

وَكَانَ مِنْ وَصِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ عَامَّة وَلِحِفْظِه كِتَابِه خَاصَّة تَعَاهُدِ الْقُرْانِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ وَمُسْتَمِرّ، فَقَال:(تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْانَ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عَقْلِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ تَأَمَّلْت -أَخِي الْكَرِيمِ- فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْانَ) لَأَدْرَكَتْ عِظَمِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَلَعَلِمَتْ أَهَمِّيَّة الْمُحَافَظَةِ عَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَمُرَاجَعَتُه، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ، لِتَكُونَ مِنْ سُعَدَاء الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ.

وَقَدْ جَاءَ فِي السَّنَةِ اسْتِحْبَاب خَتْمِ الْقُرْانِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمُسْلِمِ مِنْ نَفْسِهِ نَشَاطًا فَلْيُخْتَمْ كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصُ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، كَيْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَنْ تَدَبُّرِ وَتَفَكَّر، وَكِيلًا يَحْمِلُ النَّفْسَ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَالًا تَحْتَمِل، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَأْ الْقُرْانَ فِي شَهْرِ، قُلْت: أَجِدُ قُوَّةً، حَتَّى قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعِ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ الْكِبَرُ: (فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهُ).

وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْلُهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ الُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمَعْنَى “أَثْبَتُوه” كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ لَازَمُوه، وَدَاومُوا عَلَيْهِ.

فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ -أَخِي الْكَرِيمِ- وَلَا تَكُنْ مِنْ الَّذِينَ يَهْجُرُون كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا يَذْكُرُونَه إلَّا فِي مَوَاسِمِ مُعَيَّنَة، وَلْتَحرص كُلُّ الْحِرْص وَأَنْتَ تَتْلُو كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ تَسْتَحْضِر نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنْ تَكُونَ عَلَى حَالِهِ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْوَقَار، لِأَنَّك تَتْلُو كِتَابِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ كَانَ مِنْ وَصِيَّةِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِوَلَدِهِ قَوْلُهُ لَهُ: (اقْرَأْ الْقُرْانَ وَكَأَنَّه عَلَيْك أَنْزَل).

وَأَخِيرًا يَا أَيُّهَا الْابَاءُ وَيَا أَيُّهَا الْأُمَّهَات وَيَا أَيُّهَا الْمَرْبُون، اسْتَوْصُوا بِالْأَجِيال خَيْرًا، نُشِيوها عَلَى حُبِّ كِتَابَ رَبِّهَا، عَلَّمُوهَا الْعَيْشِ فِي رِحَابِهِ، وَالِاغْتِرَافُ مِنْ مَعِينِهِ الَّذِي لَا يَنْضَبُ، فَالْخَيْر كُلِّ الْخَيْرِ فِيهِ، وَتَعَاهَدُوا مَا أَوْدَعَ اللَّهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَمَانَاتِ، بِتَرْبِيَتِهَا تَرْبِيَة قُرْانِيَّة، كَيْ تَسْعَدُوا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْاخِرَةِ، فَمَا هَانَتْ أُمَّةِ الْإِسْلامِ إِلَّا بِهَجْرِهَا لِكِتَاب رَبِّهَا وَبُعْدِهَا عَنْهُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْقُرْانَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُور صُدُورَنَا، وَحَبِّبْ أَبْنَاءَنَا تِلَاوَتُه وَحِفْظِه وَالتَّمَسُّكُ بِهِ، وَاجْعَلْه نُورًا عَلَى دَرْبِ حَيَاتِهِمْ، أَمِين

العُنْصُرُ الثَّانِي : بَعْضَ الشُّبُهَات الْمُفْتَرَاة وَالرَّدَّ عَلَيْهَا

فَإِنْ مِنْ أَشَدِّ الْعَمَى وَأَبْعَد الضَّلَالِ أَنْ يَتَعَامي الشَّخْصُ عَنْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةً لِلْقُرْانِ، وَإِنْ اللَّهَ أَمَرَ بِالْأَخْذِ بِكُلِّ مَا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ أَوْ نَهَى أَوْ بَيَانٌ، قَالَ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {النَّحْلِ:44}.

وَقَالَ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النُّور:63}.

وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {الشُّورَى:52}، وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا اتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا {الْحَشْر:7}.

وَفِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ: إلَّا أَنِّي أُوتِيَتْ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، إلَّا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْانِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيّ.

وَفِي هَذَا التَّحْذِير أَعْظَم رَدٌّ لِمَا يَزْعُمُهُ مِنْ يُسَمُّون بِالْقُرْانَيَيْن وَأَشْبَاهِهِمْ، فَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَجْمَلَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَبَيَانِه لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي مَوَاقِيتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَبَيَانُه لِأَنَّصبه الزَّكَاةُ وَوَقْتُهَا، وَكَذَلِكَ صِفَةُ الْحَجِّ.

قَالَ جَابِرٌ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي صِفَةِ الْحَجِّ: وَرَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْانُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ فَمَا عَمِلَ بِهِ عَمِلْنَا. فَفِيهِ غَايَةُ الْبَيَانِ لِأَهَمِّيَّة السَّنَةُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. رَوَاه الْبُخَارِيُّ.

أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْمِين فَهُوَ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ مِنْ الْقُرْانِ وَهُوَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَعَمَلًا، وَأَمِين مَعْنَاهَا اسْتَجِبْ، فَيُسَنُّ بَعْدَ الدُّعَاءِ الَّذِي خَتَمْت بِهِ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ إنْ يَقُولَ الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ امِينَ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ دُعَاءَنَا..

وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَخْذِ الْإِمَامِ زَكَّاهُ النَّاسِ فَإِنْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا {التَّوْبَةِ:103}، قَالَ الْإِمَامُ الْجَصَّاصُ فِي أَحْكَامِ الْقُرْانِ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً… يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَخْذَ الصَّدَقَاتِ إلَى الْإِمَامِ. ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَأْخُذُ الزَّكَاةَ لِيُوَصِّلَهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْايَةِ الَّتِي بُيِّنَتْ مَصَارِفُ الزَّكَاةِ، وَهَذَا الْمُعْتَرِضُ أَخْطَأَ مَنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: ظَنُّهُ أَنَّ أَخْذَ الْإِمَامِ لِلزَّكَاةِ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْقُرْانُ. وَالثَّانِي: ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ هُوَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ السُّنَّةَ الْعَمَلِيَّة الْمُسْتَفِيضَة دَالَّةٌ عَلَى أَخْذِ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ لِجَمْع الزَّكَاةِ.

أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقُرْانَ لَمْ يُقِرَّ هَذِهِ الشَّهَادَةُ شَهَادَةً إلَّا الَةٌ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهَلْ اهْتَمَّ القُرْانُ بِشَيْءٍ مِثْلَ مَا اهْتَمَّ بِتَقْرِير هَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ، مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ {مُحَمَّدٌ:19}، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مِلْكٌ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ يَحْيَى وَيُمِيتُ فَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {الْأَعْرَاف:158}إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْايَاتِ.. فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالِاعْتِرَاض أَنَّ الْمَرْءَ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ يُنْكِرُ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ فَهَذَا كُفْرٌ صُرَاحٌ، وَهَاتَان الشَّهَادَتَان هُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ الْقَائِلِ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.. فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْلِمًا لِرَبِّ الْعَامِلَيْنِ وَهُوَ لَا يُقَرُّ بِالشَّهَادَتَيْن، لَكِنْ إنْ عَبَّرَ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فَقَدْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَكْفِي لِدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ أَمْ لَا، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَقِيتُ كَافِرًا فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ وَقَالَ: أَسْلَمْت لِلَّهِ أَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْتُلْهُ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِ مَنْ قَالَ أَسْلَمْت لِلَّهِ وَلَمْ يَزِدْ لِأَعْلَى ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْكَفِّ -أَيْ فِي الْكَفِّ عَنْهُ فَقَطْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ- عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.

وَأَيْضًا بَعْضُ الشُّبُهَاتِ الَّتِي يَلْعَبُ عَلَيْهَا بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ وَالمُسْتَشْرِقِين عَلَى ضِعَافِ الْإِيمَانِ وَمَنْ بِهِ جَهْلٌ وَعَدَم وَعَى وَفُهِمَ مِنْهَا
قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى “ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ , ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” , كَيْف يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْ ذَنْبٍ الشِّرْك؟

وَالرَّدَّ عَلَيْهَا

فَنِيَبغي إنْ يَعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى كُلِّهِ حَقُّ وَصُدِّق، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَضَادَّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا {النِّسَاءِ: 82} وَقَالَ تَعَالَى: وَأَنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {فُصِّلَتْ: 41-42}. وَقَالَ تَعَالَى: الرّ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {هُود: 1} وَمَا يَنْقَدِحُ فِي أَذْهَانِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ وُجُودِ اخْتِلَافٌ فِي الْقُرْانِ أَوْ تَضَادّ إنَّمَا مَرَدَة إلَى الْجَهْلِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَلَّمَا يَقَعُ هَذَا لِطَالِب عَلَمٌ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ لِيَرْفَع الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلِئَلَّا يَصِيرَ أُلْعُوبَة بِيَدِ الشَّيْطَانِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَلَرُبَّمَا شَكَّكَه فِي كِتَابِ رَبِّه فَيَضِلّ بَعْدَ الْهُدَى وَالْعِيَاذ بِاَللَّه.

الشِّرْكِ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي يَمُوتُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ. قَالَ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرِكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النِّسَاءِ: 48}، وَأَمَّا مَنْ تَابَ مِنْ الشِّرْكِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَيَعْفُو عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا {الزُّمَر: 53}، وَقَدْ كَانَ كَثِيرَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مُشْرِكِين وَلَمَّا أَسْلَمُوا وَتَابُوا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الشِّرْكِ صَارُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَعْظَمُهَا مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ.

وَاَلَّذِينَ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ عَبْدِهِ الْعِجْل تَابُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوسَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ إلَى اللَّهِ وَجَعَلَ تَوْبَتَهُمْ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَفَعَلُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ {الْبَقَرَةِ: 54} قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَفَعَلتم فَتَابَ عَلَيْكُمْ.

وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الَّذِينَ عَبْدُوا الْعِجْلَ لَمَّا سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ {الْأَعْرَاف: 149}
وَأَيْضًا مِمَّا زَعَمُوه فَقَالُوا

قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ” ثُمَّ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا عِيسَى ” تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك ” هُنَا اللَّه يُقِرَّ أَنَّ لَهُ نَفْسًا وَفِي الْايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ كُلُّ نَفْسٍ سَتَمُوت.مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ الْايَةَ الْأُولَى ذُكِرَتْ كَلِمَة “نَفْسٌ” أَيْ نَكِرَةً وَلَيْسَ مَعْرِفَةُ وَبِالتَّالِي لَا تُسْتَثْنَى أَيْ نَفْسِ مَنْ الْمَوْتِ مَا دَامَ اسْمُهَا “نَفْس”.

وَنَرُدّ عَلَيْهِمْ
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ. أَيْ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ فَنَفْس اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرَ دَاخِلَةٍ أَصْلًا فِي هَذَا الْعُمُومِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَلَفْظُهُ: (كُلُّ) تُضَافُ إلَى الشَّيْءِ وَيُرَادُ بِهِ عُمُومُ مَا يُنَاسِبُهُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مِلْكِهِ سَبَأ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. أَيْ مِمَّا يُعْطَاهُ الْمُلُوكُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ وَإِلَّا فَهِيَ لَا تَمْلِكُ مَا أَتَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ لَمْ يَنْتَهُوا عِنْدَ هَذَا التَّطَاوُلِ وَالجَهْلِ وَعَدَمُ الْفَهْمِ وَالْوَعْي فَزَعَمُوا أَيْضًا

قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الْهُدْهُد ” إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ …”الْايَةَ ,, وَالزَّعْم هُنَا يَقُولُونَ إِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ الْايَةَ السَّابِقَةَ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ وَلَكِنْ هَلْ نُقِلَتْ إلَيْنَا عَبَّر الْوَحْيِ كَمَا قَالَهَا الْهُدْهُد تَمَامًا, إِذَا كَانَ الْجَوَابُ نَعَمْ فَإِنَّنَا نَتَعَبَّدْ بِكَلَام الْهُدْهُدَ أَمْ بِكَلَامِ اللَّهِ؟ وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِعْجَاز اللَّفْظِيّ لِلْقُرْان يَكُونُ مِنْ نُطْقِ الْهُدْهُد . وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ أَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ لَيْسَ كَلَامُ الْهُدْهُد لِأَنَّهُ لَا أُصَدِّقُ مِنْ اللَّه .

وَنَرُدّ أَيْضًا
قَوْلُهُ تَعَالَى: إنِّي وَجَدْت امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ {النَّمْل: 23} هَذَا إخْبَارٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْهُدْهُدَ قَالَ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا {النِّسَاءِ: 87} أَيْ لَا أَحَدَ ، وَنَحْن نَتَعَبَّدْ وَنُؤْجَر عِنْدَ قِرَاءَةِ هَذِهِ الْايَةِ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَهَا فَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَلَيْسَ لِأَنَّ الْهُدْهُدَ قَالَهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَنْ غَيْرِ الْهُدْهُد فَأَخْبَرَ عَنْ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ قَالَ: إنْ اللَّهُ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ {إِبْرَاهِيم 22} وَحَكَى اللَّهُ لَنَا أَقْوَالًا كَثِيرَةً عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْن بُطْلَانِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنْ الْمُسْلِمِ إذَا قَرَأَهَا وَتَلَاهَا فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ

العُنْصُرُ الثَّالِث : وَأَجَبْنَا نَحْوَ الْقُرْانِ

وَلَقَدْ ضَرَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) المَثَلَ الرَّائِع فِي التَّأَثُّر بِالْقُرْان وَالتِّجَاوِب مَعَ ايَاتِهِ الْكَرِيمَةِ وَجَاءَتْ الْأَحَادِيث تَدُلُّ عَلَى خُشُوع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأَثُّرِه بِقِرَاءَةِ الْقُرْانِ الْكَرِيمِ وَمَنْ ذَلِكَ:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ (سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ، الْايَةِ: 36) الْايَةِ، وَقَالَ عِيسَى عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ أَنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لـهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الـحَكِيم ﴾ (سُورَةِ الْمَائِدَةِ، الْايَةِ: 118.) الْايَةِ. فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي))، وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ((يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَزَّ وَجَلَّ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ! اذْهَبْ إلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوؤك)) ( مُسْلِم بِرَقْم 202.).

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِايَةِ حَتَّى أَصْبَحَ يُرَدِّدُهَا،وَالْايَةُ: ﴿ إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لـهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الـحَكِيم ﴾ (سُورَةِ الْمَائِدَةِ، الْايَةِ: 118.) (أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ، وَصَحَّحَه البُوصِيرِيِّ فِي مِصْبَاحِ الزُّجَاجَة، وَحَسَّنَه الأَلبَانيّ فِي صَحِيحِ ابْنِ مَاجَهْ.
وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْانُ فَبَكَى لِسَمَاعِه،فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((اقْرَأْ عَلَى الْقُرْانِ))،قَالَ:فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَقْرَأ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ فَقَالَ: ((إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي))، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ((فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي))، فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ النِّسَاءُ حَتَّى إذَا بَلَغَتْ: ﴿ فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ (سُورَةِ النِّسَاءِ الْايَةِ: 41)، [قَالَ لِي: كَفٍّ، – أَوْ أَمْسَكَ – فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ»وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: ((فَقَالَ حَسْبُكَ الْانَ))، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، أَوْ غَمَزَنِى رَجُلٌ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ))مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي حَدِيثِ طَوِيل ذُكِرَتْ فِيهِ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَأَنَّه بَكَى مَرَّاتٍ،قَالَتْ:((فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَاهُ يَبْكِي،قَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟قَالَ:((أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؛لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَى اللَّيْلَةِ ايَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ﴿ إنْ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [سُورَةِ الِ عِمْرَانَ، الْايَةُ 190] الْايَةَ كُلَّهَا(ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، بُرّ ((إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ))، وَقَالَ الأَلبَانيّ فِي سِلْسِلَةٍ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِرَقْم 86: ((وَهَذَا ا سَنَّاد جَيِّد)).).

وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ مُطَرِّفٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَبِصَدْرِه أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ ج2/ ص362(2049)وَفِي لَفْظٍ (كَأَزِيز الرَّحَا مِنْ الْبُكَاء).

وَلَوْ تَأَمَّلْنَا حَالِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) مَعَ الْقُرْانِ الْكَرِيمِ لَوَجَدْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِالْقِرَاءَةِ أَوْ الِاسْتِمَاعِ فَقَطْ، بَلْ قَرَأُوا وَتَدْبَرُوا، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَارْتَبَطَت بِهِ نُفُوسُهُمْ، فَكَانُوا يُطَبِّقُونَه قَوْلًا وَعَمَلًا، يَأْتَمِرُون بِأَوَامِرِه، وَيَبْتَعِدُون عَنْ نَوَاهِيهِ، لِذَلِك بَلَغُوا مَا بَلَّغُوهُ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالرِّفْعَة بِفَضْلِ الْعَمَلِ بِاْلقُرْانِ الْكَرِيم، وَاسْتِجَابَة لِأَوَامِرِه، لَقَدْ حِفْظ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ) سَوْرَةُ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِي سَنَوَاتٍ لَيْس لِبُطْء فِي حِفْظِهِ وَلَكِنْ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْرِصُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ مَعًا، يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىُّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): «كُنَّا إِذَا تَعَلَّمْنَا الْعُشْرِ مِنْ الْقُرْانِ لَمْ نَتَعَلَّمْ الْعَشْرَ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى نَتَعَلَّمَ حَلَالِهَا وَحَرَامِهَا وَأَمْرَهَا وَنَهْيَهَا» [مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاق].

كَانَتْ الْايَةُ تَنْزِلُ فَيَقْرَأَهَا النَّبِيّ فَتَتَحَوَّل فِي الَّتِو وَاللَّحْظَةُ إلَى وَاقِعٍ.. وَكَانَ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ) يَفْقَهُون ايَاتِ الْقُرْانِ الْكَرِيمِ وَيَتَعَائِشُون مَعَهَا وَجَدْنَاهُمْ يُسَارِعُونَ إِلَى طَاعَةِ أَوَامِرِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ فِي الْمَدِينَةِ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَلَمْ تَحْرُمْ بَعْدُ، فَلَمَّا دَخَلَ صَحَابِيّ عَلَيْهِمْ، وَكَوْوس الْخَمْرُ بَيْنَهُمْ نَزَلَتْ ايَاتُ النَّهْيِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَنَادَى مُنَادٍ: ” أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ” وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 90]. فَلَمَّا قَرَأَ الْايَةَ عَلَيْهِمْ تِجَاوبُوا جَمِيعًا مَعَ الْقُرْانِ وَاَللَّهُ مَا أَكْمَلَ صَحَابِيّ جَرْعَة الْخَمْرَ فِي يَدِهِ مَا قَالَ: نُكْمِل هَذِهِ الْجِرَارِ، وَهَذِه الْكُؤُوس وَنَنْتَهِى لَا بَلْ كَانَ مِنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ الْخَمْرِ رَمَاه، وَاَلَّذِي كَانَ فِي فَمِهِ شُرْبُه مَجَّهَا، وَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ خَمْرٌ فِي أَوَانِ أَرَاقَهَا، اسْتِجَابَة لِأَوَامِر الْقُرْانِ الْكَرِيمِ، وَقَام أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَسَكَب انِيَة وَجِرَار الْخَمْر وَسَكْب الصَّحَابَةِ الْخَمْرَ فِي الشَّوَارِعِ حَتَّى سَالَتْ فِي طُرُقَاتِ الْمَدِينَةِ وَامْتَلَأَتْ بِهَا سِكَكِ الْمَدِينَةِ وَقَالُوا انْتَهَيْنَا يَا رَبَّنَا، وَقَالُوا عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ وَاحِدٍ: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [الْبَقَرَة: 285].

وَكَذَلِكَ حِينَ نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنْ اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [الِ عِمْرَانَ: 92] قَامَ سَيِّدُنَا أَبُو الدَّحْدَاحِ إلَى أَجْمَل حَدِيقَة عِنْدَه وَأَحَبُّهَا إلَيْهِ وَتُصَدَّقُ بِهَا، وَمَنْ هُنَا اسْتَطَاع الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) حِفْظ كِتَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ مُجَرَّدُ كَلِمَاتٍ؛ بَلْ كَانَ مَنْهَجًا تَرِبَويا سَلُوكيا إِيمَانِيًّا ظَهَرَ فِي تَعَامُلًاتِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ بَلْ وَمَعَ غَيْرِهِمْ.
وَإِنْ مِنْ وَأَجَبْنَا نَحْوَ الْقُرْانِ أَيْضًا

أَوَّلَ مَا يَنْبَغِي لِلْمُقْرِئ وَالْقَارِئ أَنْ يَقْصِدَا بِذَلِكَ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّيْنُ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دَيْنٌ الْقِيمَة } [الْبَيِّنَةُ: 5] أَيْ الْمِلَّة الْمُسْتَقِيمَة.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَنَّهُ قَالَ: [إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى]، وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَوَصُّلًا إلَى غَرَضِ مَنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا مِنْ مَالِ أَوْ رِيَاسَةٍ أَوْ وَجَاهَةٍ أَوْ ارْتِفَاعُ عَلَى أَقْرَانِهِ أَوْ ثَنَاءٍ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ صَرْفٍ وُجُوهَ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

قَالَ تَعَالَى {مِنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْاخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْاخِرَةِ مِنْ نَصِيبِ } [الشُّورَى: 20].

وَقَالَ تَعَالَى: {مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْاخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 18، 19].

قَالَ قَتَادَةُ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: مِنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَنِيَّتُه وَطَلَبَتْه جَازَاهُ اللَّهُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُفْضِي إلَى الْاخِرَةِ وَلَيْسَ لَهُ حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا جَزَاءً وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْاخِرَةِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مِنْ تَعَلُّمِ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرْضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” يَعْنِي رِيحَهَا.

وَمِثْلُه أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَعَنْ أَنَسٍ و حُذَيْفَة و كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: [مَنْ طَلَبَ الْعِلْمِ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوه النَّاس إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ].
إنْ نَبْذُل النَّصِيحَة لِغَيْرِنَا:

فَإِنَّ (الدَّيْنَ النَّصِيحَةُ) كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ وَصَحّ وَمَنْ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ إكْرَام قَارِئُ الْقُرْانِ، وَطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِرْشَادِهِ إلَى مَصْلَحَتِهِ، وَأَنَّ يُحَرِّضُهُ عَلَى الطَّلَبِ، وَيَذْكُرُ لَهُ فَضِيلَةُ ذَلِكَ، لِيَكُونَ سَبَبًا فِي نَشَاطَه.

التَّدَبُّر وَالْخُشُوعِ:

أَنَّ التَّدَبُّرَ وَهُو التَّفَهُّم وَكَذَا الْخُشُوع هُمَا الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ، وَالْمَطْلُوب الْأَهَمّ، وَبِذَلِك تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ، وَالْأيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ تُحْصَرَ، وَأَشْهَرُ مِنْ أَنَّ تَذَكُّرَ. قَالَ تَعَالَى: {كِتَابُ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص: 29]. (27)

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ مَا تَدَبَّرَه بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ قَرَأْت الْقُرْانَ كُلَّهُ مَا يَرَى لَهُ الْقُرْانُ فِي خَلْقِ وَلَا عَمِلَ.

قَالَ تَعَالَى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النِّسَاءِ: 82].

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-(فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْانَ وَأَمَرَهُمْ بِتَدْبره، لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِيهِ اخْتِلَافًا فِي وَصْفِ وَلَا رَدًّا لَهُ فِي مَعْنَى، وَلَا تَنَاقُضًا وَلَا كَذِبًا.

قَالَ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْانَ أَمْ عَلَى قُلُوبِ أَقْفَالُهَا} [مُحَمَّدٍ: 24]. أَيْ: قَدْ أَغْلَقَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الشَّرِّ وَأَقْفَلْت، فَلَا يَدْخُلُهَا خَيْر أَبَدًا.

إنْ مِنْ حُقُوقِ هَذَا الْكِتَابِ الِاسْتِمْسَاكُ بِهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ نَبِيِّهِ، فَقَالَ تَعَالَى: فَاسْتَمْسَك بِاَلَّذِي أُوحِيَ إلَيْك إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزُّخْرُف: 43]. وَالِاسْتِمْسَاك بِهِ يَكُونُ بِاتِّبَاعِه، بِإِحْلَال حَلَالَه وَتَحْرِيم حَرَامَه وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ وَالتَّحَاكُم إلَيْهِ وَعَدَمِ الْكُفْرِ بِشَيْءٍ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كِتَابُ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذْكُرُونَ } [الْأَعْرَاف: 2، 3]

وَمِنْ الْحُقُوقِ لِهَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ تَعْلِيمِه لِأَجْيَال الْأَمَة، لِأَوْلاَدِنَا وَبَنَاتُنَا وَتَحْفيظهم إيَّاهُ، فَهَذَا الْكِتَابُ ضِمْنَ اللَّهُ حِفْظَهُ بِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: { أَنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الْحَجْرِ: 9]، وَإِنَّمَا يَحْفَظُ الْقُرْانَ بِحِفْظ الْأَمَة وَتَعَاهَدْهُمْ لَهُ، فَكَانَ لِزَامًا عَلَيْنَا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ لِأَبْنَائِنَا جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، فَهُو نِبْرَاس حَيَاتِنَا وَسَبِيل عِزَّنا وَمَنَاط سَعَادَتَنَا.

تَكْرِيم أَهْلِ الْقُرْانِ وَإِجْلَالِهِمْ

عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنْ مَنْ إجْلَالِ اللَّهِ إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْانِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِط).

وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ أَرَادَ الْخَيْرَ كُلَّهُ فَفِي التَّمَسُّك وَالْعَمَلِ بِالْقُرْانِ، وَمَنْ أَرَادَ الشَّرِّ كُلِّهِ فَبِالْإِعْرَاض عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى( فَمَنْ أَتَّبِعُ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبُّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْت بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مِنَ اسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِايَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْاخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} [طَه]

الدُّعَاءِ

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ

وَأَقُمْ الصَّلَاةُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *