خطبة بعنوان ( إنَّ ما أتخوف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه )
لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع
بتاريخ 11 من ذى القعدة 1446 هجرية 9 من مايو 2025 م
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ
إنْ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ اتَاهُ القرآن فغير معناه
العُنْصُرُ الْأَوَّلِ : فَضْلٌ الْقُرْانَ وَأَهْلُهُ
فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْانِ وَتِلَاوَتِهِ عِبَادَةٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ مِثْلِهَا مِثْلَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ مِنْ الذَّكَرِ يُؤَجِّر الْقَارِئُ عَلَى قَرَأَتْهُ لَهُ، وَلِذَلِكَ حَثَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَدَلَّنَا عَلَى عَظِيمِ أُجْرَة.
وَكَثْرَة الْقِرَاءَة لِلْقُرْان تَوَلَّدَ عِنْدَ الْمُسْلَمِ الَّذِي يَسْتَمْتِع بِقِرَاءَتِه لَذَّة بِتِلَاوَتِه، وَرَاحَة نَفْسِيَّة وَاطْمِئْنَان فِي الْقَلْبِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ امَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرَّعْد: 28]. وَبِتَكْرَار الْقِرَاءَة بِتَلَذُّذ فَإِنَّ الْقَارِئَ سَوْف يُحَاوِلُ أَنْ يُفْهَمَ مَا يَقْرَأُ مِنْ الْقُرْانِ بِوَعْيٍ وَبَصِيرَةٍ.. فَإِذَا فَهِمَ مَا يَقْرَؤُهُ بِوَعْيٍ وَبَصِيرَةٍ فَإِنَّه لَأَشُكّ سَوْفَ يَدْخُلُ إلَى مِحْرَابٍ التَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ، وَيَبْدَأ بِالتَّدَبُّر لِايَاتِ اللَّهِ فِي الْقُرْانِ وَعِنْدَهَا يَكُونَ عَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا عَنْ عِلْمٍ وَوَعَى وَبَصِيرَة.
أَمَّا الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَلَا يَتَلَذَّذُ بِتِلَاوَتِهِ وَلَا يُحَاوِلُ أَنْ يُفْهَمَ مُرَادِ اللَّهِ مِنْ الْايَاتِ الَّتِي يَقْرَأْهَا، فَهُوَ مِثْلُ الَّذِي يَقْرَأُ فِي جَرِيدَةِ أَوْ قَصَّةٍ، وَلِذَلِكَ قَدْ لَا يَصِلُ إلَى مَرْحَلَةِ التَّدَبُّرَ وَالتَّفَكُّرَ.. وَلِذَلِكَ كَانَ لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِقَارِئِ الْقُرْانِ مِنْ الْجَوَائِز الْعَظِيمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ.
وَقَدْ قِيلَ فَهْمِ الْقُرْانِ وَتَدَبُّرُه:
(إنْ فُهِمَ الْقُرْانِ وَتَدَبُّرِهِ مَوَاهِبُ مِنْ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ يُعْطِيهَا لِمَنْ صَدَّقَ فِي طَلَبِهَا وَسَلَك الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهَا بِجَدٍّ وَاجْتِهَادٍ أَمَّا الْمُتَّكِئِ عَلَى أَرِيكَتِهِ الْمُشْتَغِل بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَيُرِيد فَهْمِ الْقُرْانِ فَهَيْهَات هَيْهَات وَلَوْ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِي).
أَنْ الْقُرْانَ الْكَرِيمَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى قَلْبِ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُعْجِزَتِه الْخَالِدَة: وَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ رُوِيَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْقُرْانِ أَنَّهُ: “كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ. مِنْ تَرِكَةِ مَنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ. وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلٌ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذَّكَرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلُقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إذْ سَمِعْتُهُ حَتَّى قَالُوا: ﴿… إِنَّا سَمِعْنَا قُرْانًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَامَنَّا بِهِ ﴾ [الْجِنُّ: 1-2]، مِنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أَجْرٌ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدْلٌ وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هَدْيُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم”
وَبِمَا أَنِّي قَدْ سَمِعْت عَنْ هَذَا الْأَثَرِ كَثِيرًا، وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى نِسْبَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِذَلِكَ فُضِّلَتْ الْقَوْلُ: فِي الْأَثَرِ عَنْ عَلِيٍّ.. إلَخْ، فَالْمَعْنَى الْعَامّ لِهَذَا الأَثَرِ يَصْدُقُ عَلَى الْقُرْانِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ الْقُرْانِ الْكَرِيمِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، بَعْدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿ أَلَمْ * ذَلِكَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ هَدْيٌ لِلْمُتَّقِين ﴾ [الْبَقَرَةِ: 1-2]. وَقَالَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ: ﴿ إنْ هَذَا الْقُرْانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الْإِسْرَاء: 9]..
وَبَيَّنَ لَنَا اللَّهَ أَنْ الْقُرْانَ هُوَ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هَدْيٌ اللَّهَ يَهْدِي بِهِ مِنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزُّمَر: 23].
وَبِمَا أَنَّ الْقُرْانَ هُوَ مُعْجِزَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَالِدَة وَالْبَاقِيَة وَالْخَاتِمَة فَهُوَ مَحْفُوظٌ بُوعِدَ مِنْ اللَّهِ بِحِفْظِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَنَا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الْحَجْرِ: 9]، وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ حَرْفٌ أَوْ يَزِيدُ فِيهِ حَرْفُ مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى الْانَ، وَمَنْ قَالَ إنْ الْقُرْان نَاقِصٌ أَوْ مُحَرَّفٌ فَقَدْ كَذَبَ بِهَذِهِ الْايَةِ، وَمِنْهُمْ الشِّيعَة الرَّوَافِض الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ. وَقَدْ شَدَّدَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ عَلَى إبْقَاءِ رَسْم كَلِمَات الْمُصْحَفِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ بَعْضُ الْكَلِمَاتِ يُخَالِف رَسْمِهَا الرَّسْم الْإِمْلَائِيّ لِتِلْك الْكَلِمَاتِ فِي الْعُصُورِ الْمُتَأَخِّرَةِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْانَ وَعَلَّمَهُ”. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مِثْلَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ” وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “الْمَاهِرَ بِالْقُرْانِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ”
وَرُوِيَ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إنْ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ”، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مِنْ هَمٍّ؟ قَالَ:”هُمْ أَهْلُ الْقُرْانِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُه”
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْانِ؟ قَالَ: “مَنْ إذَا سَمِعَتْ قِرَاءَتِه رَأَيْت أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ”
تَتَنَزَّل الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِتِلَاوَة الْقُرْان:
رَوَى مُسْلِمٌ فِى صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتِ مَنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدِهِ”
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِى صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ اتَاهُ اللَّهُ الْقُرْانَ فَهُوَ يَتْلُوهُ انَاءَ اللَّيْلِ وَانَاءَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ اتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ انَاءَ اللَّيْلِ وَانَاءَ النَّهَارِ”
وَقَدْ حَثَّنَا الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الِالْتِزَامِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْانِ وَحِفْظِهِ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِى صَحِيحَيْهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”إنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْانِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ” أَيْ الْمَشْدُودَة بِالْعِقَالِ، وَعَاهَد عَلَيْهَا أَيْ تَرَدَّدَ عَلَيْهَا وَرَاقَبَهُا.
عَظِيمٌ أَجْر الْقُرْانِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَفِي الْاخِرَةِ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْانِ: اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْت تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اخَرَ ايَةٍ تَقْرَؤُهَا” رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”الْقُرْانَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، مِنْ جَعْلِهِ إمَامِه قَادَهُ إلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَه سَاقَهُ إلَى النَّارِ” الْمَاحِل: الْمُجَادِل لِصَاحِبِهِ لِمَا يَتْبَعُ مَا فِيهِ.
الْحَافِظُ لِلْقُرْان الْمُحَقِّق لِأَحْكَامِه يُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ فِي الْجَنَّةِ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “أَنْ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلِمَهُ وَنَشْرِه وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةٍ أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ”
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ؛ إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عَلِمَ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدِ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ” وَمَنْ مُظَاهِر وَدَلَائِل الصَّلَاحِ فِي الْوَلَدِ طَاعَتِهِ لِلَّهِ وَقِرَاءَتُه لِلْقُرْانِ الْكَرِيمِ وَأَعْمَالِه الصَّالِحَة الْأُخْرَى.
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ” (الْبَطَلَةُ وَهُمْ السَّحَرَةُ). قَالَ (الرَّاوِي) ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: “تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَالِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ.. أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَأَنَّ الْقُرْانَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ القُرْانُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْانَ.. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةٍ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودِ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذَا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًاِ” وَمَعْنَى هَذَا: أَيْ مُسْرِعًا فِي قِرَاءَتِهِ الْقُرْان. وَيُسَمَّى أَيْضًا حَدْرًا عِنْد الْقُرَّاء.
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مِثْلَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَالْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَاَلَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْانَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا”
وَفِي رِوَايَةٍ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: “مِثْلَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ رَيْحَانَة رِيحُهَا طَيِّبٌ وَلَا طَعْمٌ لَهَا، وَمَثَلُ الَّذِي يَعْمَلُ بِالْقُرْانِ وَلَا يَقْرَؤُهُ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ الْقُرْانَ وَيُعَلِّمُه كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا خَبِيث وَرِيحُهَا خَبِيث”
وَالْقُرْانُ الْكَرِيمُ كِتَابُ الْإِسْلَامُ الْخَالِد، وَمُعْجِزَتُه الْكُبْرَى، وَهِدَايَة لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، قَالَ تَعَالَى: {الرّ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (إبْرَاهِيمَ:1) مِنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أَجْرٌ، وَمَنْ دَعَا إلَيْهِ هَدْيُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. فِيهِ تَقْوِيمُ لِلسُّلُوك، وَتَنْظِيم لِلْحَيَاةِ، مِنْ اسْتَمْسَكَ بِهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا، وَمِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَطَلَبَ الْهَدْيِ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا.
وَتِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ إلَى رَبِّهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (فَاطِر:29) وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتِ مَنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) رَوَاهُ مُسْلِم.
وَالْقُرْان مَأْدُبَةُ اللَّهِ لِعِبَادِهِ، وَرَحْمَةً مِنْهُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: “أَلَمْ” حَرْفٌ، وَلَكِنْ “أَلِفٌ” حَرْفٌ، و”لِأُمّ” حَرْف، و”مِيم” حَرْف).
وَقَدْ حَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْانِ وَرَغَّبَ فِيهَا، فَقَالَ: (تَعْلَمُوا الْقُرْانَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَافِعًا لِأَصْحَابِهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَالَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، وَعَلَيْكُمْ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ) رَوَاه مُسْلِمٍ.
وَبِشْرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِئُ الْقُرْانِ بِأَنَّهُ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ فَقَال: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْانِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْانَ وَيَتَعتع فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ اخَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْانِ: اقْرَأْ وَارْقَ، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اخَرَ ايَةٍ تَقْرَؤُهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٍ.
وَكَانَ مِنْ وَصِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ عَامَّة وَلِحِفْظِه كِتَابِه خَاصَّة تَعَاهُدِ الْقُرْانِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ وَمُسْتَمِرّ، فَقَال:(تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْانَ، فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عَقْلِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلَوْ تَأَمَّلْت -أَخِي الْكَرِيمِ- فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْانَ) لَأَدْرَكَتْ عِظَمِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَلَعَلِمَتْ أَهَمِّيَّة الْمُحَافَظَةِ عَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَمُرَاجَعَتُه، وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ، لِتَكُونَ مِنْ سُعَدَاء الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي السَّنَةِ اسْتِحْبَاب خَتْمِ الْقُرْانِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، إلَّا أَنْ يَجِدَ الْمُسْلِمِ مِنْ نَفْسِهِ نَشَاطًا فَلْيُخْتَمْ كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصُ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، كَيْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَنْ تَدَبُّرِ وَتَفَكَّر، وَكِيلًا يَحْمِلُ النَّفْسَ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَالًا تَحْتَمِل، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اقْرَأْ الْقُرْانَ فِي شَهْرِ، قُلْت: أَجِدُ قُوَّةً، حَتَّى قَالَ: فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعِ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ الْكِبَرُ: (فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهُ).
وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْلُهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ الُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَمَعْنَى “أَثْبَتُوه” كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ لَازَمُوه، وَدَاومُوا عَلَيْهِ.
فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ -أَخِي الْكَرِيمِ- وَلَا تَكُنْ مِنْ الَّذِينَ يَهْجُرُون كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا يَذْكُرُونَه إلَّا فِي مَوَاسِمِ مُعَيَّنَة، وَلْتَحرص كُلُّ الْحِرْص وَأَنْتَ تَتْلُو كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ تَسْتَحْضِر نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنْ تَكُونَ عَلَى حَالِهِ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْوَقَار، لِأَنَّك تَتْلُو كِتَابِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ كَانَ مِنْ وَصِيَّةِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِوَلَدِهِ قَوْلُهُ لَهُ: (اقْرَأْ الْقُرْانَ وَكَأَنَّه عَلَيْك أَنْزَل).
وَأَخِيرًا يَا أَيُّهَا الْابَاءُ وَيَا أَيُّهَا الْأُمَّهَات وَيَا أَيُّهَا الْمَرْبُون، اسْتَوْصُوا بِالْأَجِيال خَيْرًا، نُشِيوها عَلَى حُبِّ كِتَابَ رَبِّهَا، عَلَّمُوهَا الْعَيْشِ فِي رِحَابِهِ، وَالِاغْتِرَافُ مِنْ مَعِينِهِ الَّذِي لَا يَنْضَبُ، فَالْخَيْر كُلِّ الْخَيْرِ فِيهِ، وَتَعَاهَدُوا مَا أَوْدَعَ اللَّهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِنْ الْأَمَانَاتِ، بِتَرْبِيَتِهَا تَرْبِيَة قُرْانِيَّة، كَيْ تَسْعَدُوا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْاخِرَةِ، فَمَا هَانَتْ أُمَّةِ الْإِسْلامِ إِلَّا بِهَجْرِهَا لِكِتَاب رَبِّهَا وَبُعْدِهَا عَنْهُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْقُرْانَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا، وَنُور صُدُورَنَا، وَحَبِّبْ أَبْنَاءَنَا تِلَاوَتُه وَحِفْظِه وَالتَّمَسُّكُ بِهِ، وَاجْعَلْه نُورًا عَلَى دَرْبِ حَيَاتِهِمْ، أَمِين
العُنْصُرُ الثَّانِي : بَعْضَ الشُّبُهَات الْمُفْتَرَاة وَالرَّدَّ عَلَيْهَا