أيُّها السادةُ :ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن مواجهة القرآن والسنة للشبهات الفكرية وغيرها التي انتشرت بين شبابِنا وشباتِنا بسبب مواقعِ التواصلِ الاجتماعي ولا حول ولا قوةَ إلا بالله، وخاصةً من الواجبِ على الدعاةِ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها أن يحذروا الناسَ من تلكم الشبهاتِ وتلكم الفتن التي انتشرت كالنارِ في الهشيمِ، وخاصة والقرآنُ هو الْكِتَابُ الْمُبِينُ، وَالْحِصْنُ الْحَصِينُ، وَالْحِرْزُ الْمَكِينُ مِنَ الْأَبَالِسَةِ وَالشَّيَاطِينِ، فِيهِ عَجَائِبُ لَا تَنْقَضِي، لَا يَمَلُّ مِنْهُ قَارِئُوهُ، وَلَا يَسْأَمُ مِنْهُ سَامِعُوهُ، هو حبلُ اللهِ المتينُ ونورهُ المبينُ وهو الذكرُ الحكيمُ وهو الصراطُ المستقيمُ وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ ولا تلتبسُ به الألسنةُ ولا يشبعُ منه العلماءُ وهو الذي مَن قالَ به صدق، ومَن حكمَ به عدل، ومَن عملَ به أُجر، ومَن دعي إليه هدي إلي صراطٍ مستقيمٍ.قالَ جلَّ وعلا((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ((العنكبوت51)).وخاصةً والقرآنُ الكريمُ بمناهجِه المختلفةِ وأدلتِه القويةِ وبراهينِه الساطعةِ، له دورٌ كبيرٌ في الردِّ على الطاغين في دينِه وشريعتِه، والمفترين على نبيِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلم، بالبراهين الواضحة، والحجج البالغة، والأدلة القوية للردِّ على الشبهات وإبطالها، وللهِ درُّ القائلِ
لك معجزاتٌ باهراتٌ جمةٌ*** وأجلهَا القرآنُ خيرُ مؤيدِي
ما حُرفتْ أو غُيرتْ كلماتُه*** شُلّتْ يدُ الجانِي وشاهَ المعتدِي
وكيف لا ؟ والله ُ جل وعلا حَمِدَ نفسَه على إنزالِ هذا الكتابِ العظيم ِ، فقال جلّ في عُلاه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا} [الكهف: 1].
واللهُ إنَّما يَحْمَد نفسَه على أمرٍ مهمٍّ عظيمٍ، وعلى إفضالٍ كبيرٍ تفضّل به على هذه البشريَّة، إنَّه إنزالُ هذا القرآن على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، بل عظَّم نفسَه وقدَّسها حيثُ أنْزَلَ هذا القرآنَ، قال جل وعلا {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1.
وكيف لا ؟ والله ُ جل وعلا حثَّ على تدبُّرهِ وتفهُّمِهِ والنّظرِ في معانيهِ، فإنَّه إنّما أُنزِل مِن أجلِ ذلك، كي يكون هذا وسيلةً إلى العملِ به، ولم يُنزَّل من أجل افتتاحِ الحفلاتِ والمناسباتِ ، أو أن يُعلَّق على الجدرانِ، إنّما أُنزِل ليكون منهجاً ودستورًا في هذه الحياة؛ يُطبَّق ويسيرُ النّاسُ على ضوئهِ، قال جل وعلا {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمّد: 24.وأخبرَ أنَّه إنَّما أنْزله لهذا المعنىقال جل وعلا : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص: 29)لذا جعلَ اللهُ نزولَ القرآنِ علي الأمةِ المحمديةِ نعمةً لا تحصَي ومنةً عظمَي، قالَ ربُّنَا: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)}، وقال جل وعلا: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) } قال ابنُ عباسٍ: فضلُ اللهِ :الإسلام ،وَرَحْمَتُهُ :أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ” فالحمدُ للهِ علي نعمةِ الإسلامِ وكفَي بها نعمة، والحمدُ للهِ علي نعمةِ القرآنِ وكفَي بها نعمة،
وكيف لا ؟ وخَيْرُ النَّاسِ فِي الدُنْيَا أَهْلُ الْقُرْآن، تلَاوتُه كلُّها خَيْرٌ، وَلَا تَأْتِي إِلَّا بِالخَيْرٍ و { الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ فَلَهُ أَجْرَانِ“، مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَة، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. والقرآنُ الكريمُ كتابُ رحمةٍ للعالمين، قال جلّ وعلا(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57.لذا قال أحدُ السلفِ: اطلبْ قلبَكَ في ثلاثةِ مواطنٍ عندَ سماعِ القرآنِ، وعندَ مجالسةِ الصالحين، وفي أوقاتِ الخلوةِ، فإنْ لم تجدْهُ فسل اللهَ أنْ يمنَّ عليك بقلبٍ فإنَّه لا قلبَ لك .لذا قال عثمانُ رضي اللهُ عنه: واللهِ لو طهرتْ قلوبُنَا ما شبعنَا مِن كلامِ ربِّنَا))
وكيف لا ؟ والقرآنُ سبيلُ النجاةِ في الدنيا وسبيلُ النجاةِ في الآخرةِ، ونسيانُ القرآنِ سببٌ مِن أسبابِ العمَي عمَي القلوبِ، كما قال ربُّنَا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) }، قال ابنُ عباسٍ -رضي اللهُ عنه-: “ذِكْرُ اللهِ -تعالى- هنا هو القرآنُ تَكَفَّلَ اللهُ -تعالى- لمن أخذَ بالقرآنِ ألّا يَضِلَّ في الدنيا ولا يَشقى في الآخِرَة، ثم قرأ: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه:123]”. وكراهةُ القرآنِ تُؤدِّي إلى إحباطِ ثوابِ الأعمالِ، كما قال ربُّنا: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) }، فالقرآنُ سبيلُ النجاةِ في الدنيا وسبيلُ النجاةِ في الآخرةِ.
و اسمعْ إلي هذه البشارةِ أيُّها الأبُّ الفاضلُ وأنتِ أيّتُها الأمُّ الكريمةُ مِن سيدِ البشريةِ صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا ” ، فهنيئًا لكم أيُّها الأولياءُ هذه البشارةَ مِن الذي لا ينطقُ عن الهوىَ صلى الله عليه وسلم ، فاتقِ اللهَ حيثما كنت، وراقبْ ربَّك ليلًا نهارًا، واعلم أنّ اللهَ مطلعٌ عليكَ ويراكَ، واعلمْ أنّ اللهَ يعلمُ السرَّ وأخفَي. واعلمْ أنّ أولادَكَ أمانةٌ في رقبتِكَ ستسألُ عنهم يومَ القيامةِ. واجعلْ لنفسِكَ وردًا قرآنيًّا بالليلِ والنهارِ يضمنُ لك السعادةَ في الدنيا والآخرةِ.قالَ جلّ وعلا (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)[الزخرف:44] هذا القرآنُ ذِكْرٌ يعني رِفعَةٌ وعِزٌّ شامِخٌ لك ولقومِك، (وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) سوف تُسألونَ عن القرآنِ هل فَهِمتُموهُ هل تَلَوتُموه؟! هل طَبَّقتُموه، هل حَكَّمتُموه، هل تَدَبَّرتُم في آياتهِ ودلائِلِه. فاحرصْ علي أنْ تكونَ مِن أهلِ القرآنِ أو علي أنْ تجعلَ ولدَك مِن أهلِ القرآنِ لتنعمَ في الدنيا ولتسعدَ في الآخرةِ، أسالُ اللهَ أنْ يجعلنِي وإياكُم مِن أهلِ القرآنِ إنّه وليُّ ذلك والقادرُ عليهحفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.