خطبة بعنوان ( سيناء الأرض المقدسة والبقعة المباركة ) للدكتور محمد جاد قحيف

خطبة بعنوان ( سيناء الأرض المقدسة والبقعة المباركة )
للدكتور محمد جاد قحيف

الحمد لله الذي خلق الخلق فأبدعه ، وسن الدين وشرعه ، وقدر الرزق ووسعه ، لا معز لمن وضعه ، ولا مذل لمن رفعه ، وأشهد أن لا إله إلا هو ولا شريك معه .
اللهم لا خوف إلا منك ،ولا فقر إلا إليك ، ولا ذل إلا لك، ولا اعتماد إلا عليك ، ولا انقياد إلا لحكمك وآوامرك ونواهيك .. وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة، ونصح الأمة ، وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعلينا معهم اللهم آمين ، وبعد :

فإننا نعايش هذه الأيام مرحلة عصيبة في واقعنا من جنون الأعداء ، قتل وحرق وسفك للدماء بلا ذنب ولا جريرة ، وبلدنا مصر ليست بمعزل عن الأحداث ، بل هي مستهدفة وفق مخططات خبيثة قريبة أو بعيدة المدى ، وأطماع توسعية من النيل إلى الفرات من قبل الأفاعي والأعداء ، قتلة الأنبياء ، و خصوم الأبرياء والشهداء ..

وإن أرض سيناء في مقدمة هذه الأطماع ، لاسيما لمكانتها في اعتقادهم ، ولقربها من مستواطناتهم ، لذا وجب التنبيه لهذا الخطر ، وبيان أهميتها ومكانتها ، وقدسيتها ورفعتها عندنا؛ لنستيقظ من غفلتنا ، ولنصحوا من غفوتنا ..
وعلى ضمير الأمة العربية والإسلامية ، أن يستيقظ وأن يكون عنده رؤية موحدة على مستوى الأحداث الجارية فإن لم نستيقظ الآن فمتى تصحو الضمائر وتتألم القلوب ؟!!..

استيقظوا وخُذُوا منَ الأَحداث * عظة تُنِيرُ قلوبكم وتبصر رُومانَ في جَبروتِها وغُرورِهَا * رضخت لمنْ حَمَلوا الضياءَ وحرروا …

ويشتمل المقال على العناصر التالية:

العنصر الأول :منزلة أرض سيناء المباركة في الإسلام

وهذه المنزلة تحمل سمات الشرف لهذه الأرض المباركة

١-كثرة ذكرها في القرآن الكريم ..
لقد تشرفت سيناء هذه البقعة المباركة بأن ذكرت في القرآن الكريم بالتصريح والتلميح ، بالإشارة والعبارة..
وردت في القرآن الكريم مرتين ؛ صراحة مرة في سورة المؤمنون .
قال تعالي: “وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ.(20)
يقول تعالى ذكره: وأنشأنا لكم أيضا شجرة تخرج من طور سيناء ، وشجرة منصوبة عطفا على الجنات ويعني بها: شجرة الزيتون.
وقوله: ( تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) يقول: تخرج من جبل ينبت الأشجار .
(تفسير القرطبي).

﴿وصبغ للآكلين﴾ عطف على الدهن أي إدام يصبغ اللقمة بغمسها فيه وهو الزيت.
وأنشأنا لكم به شجرة الزيتون التي تخرج حول جبل طور “سيناء”، يعصر منها الزيت، فيدَّهن ويؤتدم به .(موقع المعاني والتفسير الميسر).

{شَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} أي أصلها من هذا المكان فى سيناء وقوله تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المقصود بها: شجرة الزيتون، وهي شجرة لا تكلف الإنسان عناء كثيرا في زراعتها ،كما أنها تنبت سريعا ، وتنمو في البيئات الصحراوية ..

والمرة الثانية في سورة التين في قوله تعالى:(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).

وفي هذه الآيات امتنان ببعض ما أنعم الله به وتفضل به علي العباد من أراضي خصبة ينبت بها الزروع والنخيل والثمار ، وتجلب لهم الخير والرزق طوال العام وتميز أرض سيناء عن غيرها ..

كما ذكرت في القرآن الكريم كثيرا بالإشارة ، وهو تلميح أقرب للتصريح؛ حيث وردت كلمة الطور كثيرا، نحو أكثر من عشر مرات ، وكلها تتحدث عن جبل الطور في سيناء، الذي ينفرد من بين جبال الأرض بالقدسية حيث شهد الوحي الإلهي بالتوراة للنبي موسى عليه السلام، وشهد النور الإلهي ، وقد أقسم الله تعالى به ، وسمى في القرآن الكريم سورة كاملة بإسم الطور ، وهذا مما يعطي أهمية كبيرة لأرض سيناء المباركة .

منها قوله تعالى: { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } [مريم :52]
وقوله تعالى:(فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ..).القصص/٢٩.

ثم يأتي التحديد بموضع معين في الجبل، وذلك في اللقاء الذي حدث عنده فيقول تعالى لبني إسرائيل: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ) طه

وجانب الطور الأيمن منطقة في جبل الطور كان فيها أول وحي وحوار دار بين نبي الله موسى عليه السلام مع ربه سبحانه وتعالى ..
كما أشار القرآن الكريم إلى اللقاء الذي رفع فيه الله الجبل فوق بني إسرائيل”كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ”، وأخذ عليهم فيه العهد والميثاق ،

كما جاء في قوله جل جلاله:( وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

والتوصيف اللغوي لكلمة “مجمع البحرين” المذكور بسورة “الكهف” في القرآن الكريم لا ينطبق جغرافياً على أي مكان في العالم إلا في رأس محمد، وهي مجمع خليجي العقبة والسويس في بحر واحد هو البحر الأحمر .

٢- أنها البقعة الوحيدة في العالم التي شهدت تجلى الخالق رب العزة سبحانه وتعالى ، ومنع سيدنا موسى من مشاهدة التجلي للطبيعة البشرية الضعيفة، التي لا تتحمل رؤية الرحمن سبحانه وتعالى، فاكتفي برؤية آثار تجلي الرحمن وأنواره عن رؤيته حقيقة ..

قال تعالى:﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.الأعراف (143).

٣-أنها وصفت بأنها البقعة المباركة قال تعالى:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }..[القصص:30].
وهي منطقة تلقي نبي الله موسى عليه السلام للوحي وتعاليم التوراة وأحكامها..

٤-ومن بركات هذه الأرض أن ترابها يحمل آثار أقدام أنبياء الله ورسله وبين كثبانها أماكن مقدسة تحمل لنا حكايات مباركة ..

فعلى أرض سيناء سار أنبياء الله: إدريس وإبراهيم ولوط وإسماعيل ويعقوب ويوسف وشعيب والأسباط وموسى وهارون ويوشع بن نون واليأس وأرميا ولقمان وعيسى..

وبأرض سيناء مرت السيدة سارة مع زوجها سيدنا إبراهيم عليه السلام ، والسيدة هاجر المصرية عليها السلام، وهي زوج النبي إبراهيم وأم النبي إسماعيل وهي أم كل العرب ، وبفضلها أوصى النبي الصحابة بأهل مصر للذمة والرحم ..

وعلى أرض سيناء المباركة استقبل سيدنا يوسف أبيه يعقوب- عليهما السلام عند الحدود الشرقية ، وقوله لأبويه وأهله: (وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ).
ويذكر القرآن الكريم أيضاً رحلة يوسف وهو طفل اشترته قافلة وسارت به إلى مصر ..

لقد كانت أرض سيناء مسرحًا لقصة موسى- عليه السلام، أيضاً ولقد تفرد سيدنا موسى عليه السلام بخصوصية الحوار مع رب العزة- جل وعلا.
يقول تعالى: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) .النساء/ 164.

لقد جلجل كلام الرحمن جل في علاه في أرض مصر فقط دون أي منطقة أخرى في العالم ..
لقد كانت أرض سيناء المباركة مسرحا لنبي الله موسى عليه السلام بداية من نزول الوحى عليه في سيناء وجبل الطور، مروراً بلقائه بقومه ، وصراعه مع فرعون ، إلى خروجه بقومه إلى سيناء ، ومشاكله مع قومه فيها، حيث ظل بها الى أن مات..

ونبينا صلى الله عليه وسلم
في رحلة الإسراء والمعراج

قال قال جبريل عليه السلام أتدري اين صليت قال أين قال : صليتَ بطُورِ سيناءَ ، حيثُ كلّمَ اللهُ موسى . (الدر المنثور السيوطي).
ولا نكون مبالغين إذا قلنا أن أرض سيناء كانت مسرحا كبيرا للأنبياء في هذه “الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ”.

العنصر الثاني : سيناء محور الصراعات السياسية والعسكرية على مر الزمان ..
تعد شبه جزيرة سيناء، الملقبة بأرض الفيروز، واحدة من الوجهات الجغرافية الفريدة والمثيرة. تقع في الجزء الشمالي الشرقي من جمهورية مصر العربية، وتشكل الجزء الوحيد من البلاد الذي ينتمي جغرافياً إلى قارة آسيا ؛ لذلك تعد البوابة الرئيسية لمصر وأفريقيا والرابط بين القارتين أو بريا بين مصر وبلاد الشام .
تتميز بشكلها المثلثي ومساحتها البالغة نحو 60088 كيلومتراً مربعاً، ما يمثل نحو 6% من مساحة مصر بأكملها.

يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الغرب خليج السويس وقناة السويس، ومن الشرق دولة فلسطين بما في ذلك قطاع غزة ، وخليج العقبة، ومن الجنوب البحر الأحمر . ويكيبيديا .

وتسمى أيضا أرض الفيروز الأحجار الفيروزية ، والمياه الفيروزية الصافية ، وأرض الأحجار والمناجم ، وآبار البترول الكبرى وغيرها من البركات والكنوز ..
وهذا يعنى أن تلك الجبال غنية بالأحجار والمواد الخام المعدنية…

ولا يمكن ونحن نتحدث عن المناجم والأحجار أن نتغافل جبل أبومسعود المعروف أنه الجبل الغنى بالمنجنيز والذهب، يجاوره جبل الحديد القريب من بلدة قديمة اسمها النواميس(بوابة الأهرام)..

وفي الحديث عن سيناء يتبادر إلى الذهن مزيج من الجمال الطبيعي الخلاب، والتاريخ العريق ، فهي تعد واحدة من أهم المناطق السياحية في البلاد ، ووجهةً للكثير من الزوار من مختلف أنحاء العالم.

وتضم سيناء أيضاً شواطئ ساحرة، وسلاسل جبال على سواحل البحر الأحمر .
وبفضل موقعها الاستراتيجي، تشكل سيناء حلقة الوصل التي تربط بين قارتي إفريقيا وآسيا.

وعند الحديث عن سيناء،
وتلك القوة الاستراتيجية لسيناء جعلتها محوراً للتحالفات والصراعات العسكرية على مر العصور ..

ونظراً لأن الطريق البري الخارجي الخطير إلى مصر كان يمر أساساً عبر بلاد الشام، أصبحت سيناء نقطة حرجة بين الضلعين الشامي والمصري ، اللذين يشكلان وحدة استراتيجية واحدة. وأصبحت سيناء طريق الحرب الرئيسية بوصفها ممراً برياً، وجسراً استراتيجياً يعبر عليه الجيوش عبر التاريخ مراراً وتكراراً .
إن الشريط الشمالي من سيناء والمدخل الشرقي هو بوابة مصر الأولى والكبرى ، وحولها يدور أغلب تاريخ مصر العسكري، بحيث تحتاج إلى وقفة خاصة . (سيناء د/ جمال حمدان).

وبغير مبالغة فسيناء أيضاً مدخل قارة برمتها مثل ما هي مدخل مصر (السابق).
فعلى مر العصور، شهدت سيناء وجود الكثير من الحضارات والقوى العسكرية، بمن في ذلك الفراعنة المصريون والبابليون واليونانيون والرومان والعرب والعثمانيون.
وعلى الرغم من قلة عدد السكان والفقر المائي والزراعي، إلا أنها من أكثر المناطق تعرضاً للهجمات العسكرية على مر العصور.

تعرضت مصر لغزو الهكسوس الذين احتلوها من عام 1660 إلى 1580 قبل الميلاد. وبدأت حركات التحرر الفرعونية التي قادها حكام الدولة القديمة “طيبة” لطرد الهكسوس وتطهير أرض مصر من وجودهم في شمال سيناء بقيادة جيش أحمس الأول.
وفي صدر العصر الإسلامي فُتحت سيناء في زمان سيدنا عمر بن الخطاب ، وبقيادة سيدنا عمر بن العاص رضي الله عنهما، وذلك لنشر الإسلام في مصر والمنطقة الغربية.
وطلب سيدنا عمرو بن العاص من الخليفة سيدنا عمر رضي الله عنهما مددا لفتح مصر لما أبطأ عليه الفتح؛ كما في كنز العمال وغيره. قال عمر رضي الله عنه: إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم مقام الألف.
(كنز العمال).
ومن هؤلاء الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد..
(إسلام ويب).

وفي العصر المملوكي كانت سيناء طريقاً للمماليك المصريين لاستعادة الإمبراطورية المصرية في فلسطين ، وسوريا في القرن الثالث عشر .

وأيضاً طريقاً للعثمانيين إلى مصر، وبعد احتلال نابليون بونابرت مصر عام 1798، تغيرت وضعية سيناء بشكل كبير ؛ حيث أصبحت شبه الجزيرة منقسمة بين الأراضي العثمانية في الشرق والحكم الفرنسي في مصر.
وفي العصر الحديث كان احتلال إسرائيل لسيناء
مرتين: الأولى في عام ١٩٥٦م.

والثانية في عام ١٩٦٧م، واستمر الاحتلال الإسرائيلي حتى نصر أكتوبر عام ١٩٧٣م ، و توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩م، وانسحاب القوات الإسرائيلية من أرض سيناء المباركة ..

العنصر الثالث :الصلة والترابط بين الأراضي المقدسة ..
تمثل سيناء أحد أهم الأراضي المقدسة بعد مكة والمدينة والقدس الشريف، بل أحد أطراف الثلاثي المقدس الذي صرح به قوله تعالى:(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ ).

وأشار إليه القرآن الكريم وتحديدا في قوله جل شأنه ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ..﴾. المسجد الحرام والمسجد الأقصى وجبل الطور المقدس ..

قال جل جلاله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا﴾.الإسراء ٢/١.

يا إخوة الإسلام يجب علينا ألا ننسى أصل القضية المشتعلة الآن على أحر من الجمر ، قضية المقاومة من أجل شرف مسجد الأقصى ، وهو أولى القبلتين، وثالث المسجدين الحرمين الشريفين في مشارق الأرض ومغاربها، ومدينة القدس هي قلب فلسطين النابض، ومسرى الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، ولا تنازل عن القدس ولا عن أي شبر في هذه الأرض لأي سبب كان، فإن أي تنازل عنها يؤدي إلى التنازل عن مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وبقية المقدسات. ولا تنازل أيضا عن أي شبر أو موضع قدم في سيناء لتصفية القضية لصالح اليهود ، ثم التفرغ لتحقيق أطماعهم التوسعية من النيل إلى الفرات ، وهذا لا يكون أبدا إن شاء الله ..

وإن ما يجري في بيت المقدس وفلسطين المحتلة اليوم من حرب إبادة جماعية لهو امتحان شديد لأمة الإسلام؛ تلك الأمة المعطاءة، التي تجود ولا تبخل، وهي اليوم تعيش مفترق طرق خطير يحيط بها وبقدسها ، وأجزاء محتلة من ديارها، وقد عجزت في هذه الآونة عن إيجاد آلية منصفة قوية متزنة تعيد الحق إلى نصابه، وترد المغتصب إلى صوابه.

ومع ذلك نقول: إن أمة النبي محمد ﷺ ، أمة الإسلام تمرض لكن لن تموت ، أمة العزة، لن تعجز بإذن الله أن تجد لنفسها – بتوفيق الله وعونه – مخرجاً من أزمتها ، وأن ما أُخذ بالقوة فلن يرجع إلا بالقوة.

إن تاريخ القدس له سجل شريف ناصع، افتتحه معنوياً النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم بحادثة الإسراء والمعراج،فكانت أول الوجود المحمدي ليلة الإسراء، ثم افتتحه مادياً الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم حرره الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فمن يحوز شرف الانضمام إلى هذه القائمة الشريفة؟
وحتماً فإنه لن يحوز ذلك من يطلب الرضا والمودة من ألد أعداء الأمة الإسلامية..
أو يسارع لكسب مودة الصهيانة.
وصدق القائل:
خير الكلام ما قل ودل وحال القدس أمر جلل
طال البكاء وقل العمل وطول البكاء شر العلل
فهلا رأيتم دماء الشباب وهلا رأيتم دماء الطفل
وهلا سمعتم صراخ النساء وهلا رأيتم نداء الجبل يقول يا قوم قد نفدت حجاري فهلا هجرتم أرض الكسل ..
لا أسألكم دماء تسيل ولا سلما لشعب مذل
لكني أسألكم جهادا بنية فذلك والله خير العمل ..
فالدعاء والمقاطعة والدعم المادي المعنوي فرض عين على أمة الإسلام والمسلمين ، في هذه الأيام ..نسأل الله لأهل فلسطين العون والنصر ..

وفي الختام
هذه مكانة سيناء الأرض المقدسة المباركة أرض الأنبياء عند المولى الكريم وفي القرآن الكريم ؛ لذا يجب عمران ارض سيناء المباركة ، والاهتمام بها قبل أي مكان آخر في مصر، اتمنى أن يعمرها ملايين وأن تستصلح فيها الأراضي ، وتبنى فيها المصانع ، وأن نحميها بدمائنا من طمع الصهاينة وأعوانهم ..
هذه هي سيناء فهي:
١- الأرض التي كلم الله فيها سيدنا موسى تكليما
٢- الأرض التي تجلى فيها رب العزة ونوره الإلهي ، وظهر ذلك عيانا للجبل العظيم فصار دكا ، وخر موسى صعقا.
٣- الأرض التي وصفها الله سبحانه وتعالى بالأرض المقدسة والبقعة المباركة.
وبأرض سيناء نزل أول طعام من السماء إلى الأرض
وهو طعام المن (فطير بالعسل) كل صباح على قوم موسى
وطعام السلوى (طائر السمان المطهي) كل مساء
وعند سيناء وقعت معجزة عبور الماء وغرق فرعون
وبها (الجبل المقدس) الذي تردد ذكره في القرآن الكريم كما سبق البيان.. (بوابة الأهرام).
ووأرض سيناء المباركة هي البوابة الشرقية والأهم والأخطر على حدود مصر كلها ، في العصور الماضية واللاحقة..
إن حماية وتأمين سيناء تأمين وحماية حاضر ومستقبل مصر كلها، هذه حقائق الجغرافيا، وخلاصة التاريخ وحضارة مصر كلها مرتبطة بسيناء.. ومن أجل كل ذلك سيناء لابد أن تكون أولا وآخرا قبل أي مكان آخر في مصر ، فهي مطمع الآن وفيما مضى ، ومستهدفة من قبل أحفاد القردة والخنازير ، ومن هان عليه قتل الأنبياء ، لم يرحم دماء الأطفال والمرضى والشهداء ..
اللهم من أراد مصر بخير فوِّفقه لكل خير ومن أراد مصر بسوء فاجعل كيده في نحره اللهم عليك بالمعتدين المحتلين الغاصبين ، اللهم كن للمستضعفين في فلسطين معينا وظهيرا ونصيرا ، واحفظ مصر وجيشها وأزهرها الشريف ووحدتها وأمنها وشبابها وأهلها من كل سوء يارب العالمين اللهم آمين يارب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *