بحث بعنوان ( سيناء أرض الخيرات والبركات )
لفضيلة الشيخ : رضا الصعيدي
لتحميل المبحث pdf اضغط على الرابط أدناه
سيناء أرض الخيرات والبركات
عناصر الموضوع :
ما معنى سيناء ؟
وما قيمتها تاريخيا واقتصاديا ؟
ومن الذي عبرها من الأنبياء ؟
وما أبرز من دفن فيها ؟
وكيف وجد موسى نار الاشراق بلا احراق ؟
وما دلائل قوله تعالى : { يا مُوسَى } { إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ } { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } وكيف كانت بقعة الواد المقدس اقدم البقاع على وجه الارض واطهرها ؟ وما سنة نبي الله موسى فيها ؟ وما الذي أكده خبراء الآثار فيها ؟ وما هي كرامات جبل الطور ؟ ولما رفع الله هذا الجبل فوق اليهود ؟ وكيف يحمي عيسى في أخر الزمان ؟ ولما كان هذا الجبل مقدسا في الأديان الثلاثة ؟ وكيف شهدت هذه المنطقة معجزات العصا واليد البيضاء والشجرة المباركة وعيون موسى والمن والسلوى ؟ وما الواجب علينا تجاه هذه الأرض المباركة ؟
معنى سيناء:
قالوا: وكلمة سيناء-بفتح السين والمد على الراجح-معناها: الحسن باللغة النبطية.
أو معناها: الجبل المليء بالأشجار… وقيل: مأخوذة من السنا بمعنى الارتفاع.
موقع سيناء :
تقعُ سيناءُ عندَ ملتقَى قارتيْ آسيا وإفريقيا، وهذا الموقعُ المتميزُ جعلَهَا مطمعًا للغزاةِ عبرَ العصورِ والقرونِ.
المثلث المقدس:
وتمثل سيناء ضلع (المثلث المقدس) الذي يضم مكة والقدس.. وعن ذلك يقول الله تعالى: ” والتين والزيتون (القدس) وطور سينين ( سيناء) وهذا البلد الأمين (مكة )”…
ذكرها في القرءان :
ذكرت سيناء في القرآن عشرات المرات صراحة باسمها أو ضمنا بذكر ما يشير اليها ، أو بمتعلق من متعلقاتها .
قبر مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ
بل إن في ثراها امرأة عظيمة خلد الله ذكرها روي الحاكم في المستدرك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَمَّا أُسْرِيَ بِي مَرَّتْ بِي رَائِحَةٌ طَيْبَةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ؟ ” فَقَالُوا: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا كَانَتْ تَمْشِطُهَا فَوَقَعَ الْمُشْطُ مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: أَبِي؟ فَقَالَتْ: لَا، بَلْ رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ. فَقَالَتْ: أُخْبِرُ بِذَلِكَ أَبِي، قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَا بِهَا وَبِوَلَدِهَا فَقَالَتْ: لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ. فَقَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَجْمَعُ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فَتَدْفِنُهُ جَمِيعًا. فَقَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. فَأَتَى بِأَوْلَادِهَا فَأَلْقَى وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ وَلَدِهَا وَكَانَ صَبِيًّا مُرْضَعًا، فَقَالَ: اصْبِرِي يَا أُمَّاهُ فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ مَعَ وَلَدِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: هَذَا وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»..
قبر هارون وموسى ومريم أخت هارون :
والراجح أنه بأرض سيناء (قبر موسى) عليه السلام، وبأرضها (قبر النبي هارون) عليه السلام ، وبها قبر مريم (أخت موسى) التي تحدث عنها القرآن..
مر بها العديد من أنبياء الله:
وسيناء مر بها العديد من أنبياء الله سبحانه وتعالى؛ وفي مقدمتهم سيدنا موسى ، حيث نزلت التوراة على سيدنا موسى في الطور وأخاه هارون.
وكذلك إدريس وإبراهيم ولوط وإسماعيل ويعقوب ويوسف وشعيب والأسباط ويوشع بن نون واليأس وارميا ولقمان وعيسى..وأيوب كما سيأتي .
فأبو الانبياء إبراهيم الخليل عليه السلام والذى شق طريقه خلالها هو وزوجته السيدة ساره إلى مصر قادمًا من بلاد الرافدين متجها إلى أرض كنعان بفلسطين؛ حيث اشتد القحط بتلك البلاد وذهب إلى مصر متخذا سيناء طريقًا حيث أقام مدة من الزمن فى مصر وعاد ثانية إلى فلسطين، فعبر سيناء ومعه زوجتية ساره، وهاجر”أم إسماعيل” الأميرة المصرية الأسيرة التى هى من مدينة الفرما من قبيلة أم العرب بشمال سيناء والتى أهداها إليهما فرعون مصر… وفي رواية: (أن العريش سميت نسبة لعريش النبي إبراهيم بها)..
ايوب عليه السلام شفي في ارضها:
تؤكد المصادر ان نبي الله ايوب عليه السلام شفي في ارضها (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) فركض برجله فنبعت عين، فاغتسل منها، فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط، فأذهب الله كل ألم وكل سقم، وعاد إليه شبابه وجماله، أحسن ما كان وأفضل ما كان، ثم ضرب برجله، فنبعت عين أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، فقام صحيحا، وكُسِي حُلة.
ويذكر القرآن الكريم رحلة سيدنا يوسف وهو طفل، كما وطأ أرضها كل من يوسف الصديق كما التقى مع أبيه النبى يعقوب عليهما السلام كما سيأتى .
وإخوة يوسف أسباط بنى إسرائيل مروا عليها ؛ حيث كان فى هذه المنطقة عبورهم وذهابهم ومجيئهم ورواحهم، حيث تم لقاء سيدنا يوسف بأبيه سيدنا يعقوب، فعلى أرضها إلتأم شملهما والتقيا بعد سنوات من العذاب والغربة والحرمان.
وعلى أرض العريش فصلت العير:
ومن أرضها انطلقت رائحة قميص يوسف حتى وصل إلى فلسطين ليشمه يعقوب علية السلام، ويقول قولته المأثورة “إنى لأجد ريح يوسف” وهذا ماجاء في تأويل قوله تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ). يوسف
وفيها عبرت سيدتنا مريم بالسيد المسيح لمصر…
وبأرض سيناء ولدت السيدة هاجر المصرية عليها السلام بالفرما :
وهي زوج النبي إبراهيم وأم النبي إسماعيل وهي أم كل العرب وبفضلها أوصى النبي الصحابة بأهل مصر للذمة والرحم.
وعبر سيناء آلاف الصحابة :
كانوا مع القائد عمرو بن العاص لفتح مصر..
عبرها سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” في الإسراء والمعراج.
شرفت كذلك سيناء في الإسراء والمعراج بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما أخرج النسائي وغيره بسند فيه مقال عن أنس بن مالك رضي الله عنه كما ذكر هذا الحديث أيضاً الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء يقول النبي صلى الله عليه وسلم ((أُتِيتُ بدابةٍ فوقَ الحمارِ ودونَ البغْلٍ، خطُوُها عند منتَهى طرفِها، فركبتُ ومعي جبريلُ عليهِ السلامُ، فسرتُ فقال: انزلْ فصلّ. فصلّيتُ، فقال: أتدري أين صليتَ؟ صليتَ بطيبةَ وإليها المُهاجَر. ثم قال: انزلْ فصلِّ. فصليتُ، فقال: أتدري أين صليتَ؟ صليتَ بطُورِ سيناءَ، حيثُ كلّمَ اللهُ موسى)).
عبور الأبطال :
حيث سطّرَ شهداؤُنَا الأبطالُ التاريخَ بدمائِهم الذكيةِ العطرةِ، ففي السادسِ مِن أكتوبر سنة 1973م كانت معركةُ العبورِ حيثُ عبرتْ قواتُنا المسلحةُ خطَّ بارليفٍ ودمرتْ نقاطَ الدفاعِ الإسرائيليةِ وألحقتْ الهزيمةَ بالقواتِ الصهيونيةِ، وانتصرَ جنودُ الحقِّ على المحتلين الإسرائيليين، وارتفعتْ راياتُ الحقِّ عاليةً خفاقةً وسجلَ التاريخُ هذه البطولاتِ والتضحياتِ لقواتِنا المسلحةِ فضربوا بدمائِهم أروعَ الأمثلةِ في التضحيةِ والفداءِ لدينِهم ووطنِهم وعادتْ إلينَا سيناءُ الحبيبةُ بفضلِ اللهِ أولًا ثمَّ بفضلِ قواتِنَا المسلحةِ.
أرض التجليات والواد المقدس طوى :
فسيناء هي مهد أول الرسالات السماوية (دين موسى)، وهي مهد أول وحي لكتاب نزل من السماء (كتاب التوراة)… ويقول ابن كثير في تفسيره وأهل الأثر: كان الله إذا كلم موسى وجد النور على وجهه أربعين يوماً من آثار ذاك الكلام وذكر
وسيقابل فيها العبد الصالح عند مجمع البحرين .. ومَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: المكانُ الذي فيه يلتقِى البحرُ الأحمرُ بالبحرِ الأبيضِ المتوسطِ، ومجمعهُمَا مكانُ التقائهِمَا في مجمعِ خليجَيْ العقبةِ والسويسِ في البحرِ الأحمرِ، وهذه المنطقةُ كانت مسرحَ تاريخِ بنى إسرائيلَ بعدَ خروجِهِم مِن مصرَ”. (التفسير الوسيط).
وهي التي تجلى الله على أرضها … {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. (الأعراف: 143). وفي مستدرك الحاكم على الصحيحين- عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: في قوله عز وجل { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } قال حماد: هكذا ووضع الإبهام على مفصل الخنصر الأيمن قال: فقال حميد لثابت: تحدث بمثل هذا؟ قال: فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث به وأنا لا أحدث به. قال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم.
هو الجبل الذي شهد مجيء موسى بسبعين رجلًا :
وكانوا من قومه للتوبة عند الطور فأخذتهم الرجفة، قال تعالى: { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } [الأعراف:155].. شهد جبل الطور إعطاء العهد والميثاق على بني إسرائيل .
هو الجبل الذي رفعه الله عز وجل فوق اليهود :
وذلك عندما خانوا العهد ولم يؤمنوا فكان تخويفًا وإرهابًا لهم فآمنوا ثم أعرضوا كعادتهم فقال فيهم عز وجل: “وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ” البقرة ٩٣
هو الجبل الذي شهد الرحمة:
حين أخذتهم الرجفة قال موسى عليه السلام مخاطبًا ربه عز وجل: { قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف]، فكانت الإجابة من قبل الله عز وجل: { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}[الأعراف].
هو الجبل الذي يحمي نبي الله عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين من بطش يأجوج ومأجوج:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ثمَّ يأتي عيسَى قَوْمٌ قد عَصَمَهُمُ الله مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عنْ وُجوهِهِمْ ويُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجاتِهِمْ في الجَنَّةِ، فبينَما هوَ كذلكَ إذْ أَوْحَى الله إلى عيسى: إنَّي قد أَخْرَجتُ عِبادًا لي لا يَدانِ لأَحَدٍ بقتالِهمْ فَحَرِّزْ عِبادِي إلى الطُّورِ”.
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الدَّوْسِيِّ، سَمِعَ رَجُلًا، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: ” إِنَّ الدَّجَّالَ يَبْلُغُ كُلَّ مَنْهَلٍ إِلَّا أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدَ طُورِ سَيْنَاءَ وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى “كتاب الفتن لنعيم بن حماد.
هو الجبل المقدس الذى أقسم الله به :
فهو مِن أعظمِ الجبالِ على وجهِ الأرضِ كافةً، وهو أكثرُ الجبالِ ورودًا في القرآنِ الكريمِ، حيثُ وردَ لفظُ (الطورِ) عشرَ مراتٍ، وسُميتْ باسمهِ سورةُ الطورِ، وقال تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}.(التين: 1-3). وهنا ربطَ بينَ جبلِ الطورِ والكعبةِ البيتِ المعمور، فالطورُ جاءَ قبلَ الكعبةِ وهي البيتُ المعمورُ، وهو نفسُ الترتيبِ في سورةِ التين، ويشيرُ إلى أنّ الطورَ شهدَ نزولَ التوراةِ للنبيِّ موسَى عليه السلامُ، ”وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا” مريم ٥٢، وبعدَ ذلك شهدتْ مكةُ نزولَ القرآنِ على النبيِّ مُحمدٍ ﷺ.
هذا المكان مقدس عند الديانات السماوية الثلاثة :
اليهودية والمسيحية والإسلام جبل الطور كلم الله فيه سيدنا موسى عليه السلام تكليما… انه جبل الشريعة في دير سانت كاترين بسيناء في مصر هو المكان الذي كلّم فيه الله عز وجل نبيه موسى.
ويقع بجانبه جبل سانت كاترين الذي يصل طوله إلى 2629م، والذي يُعتبر أعلى قمة جبلية في مصر، ويُحاط الوادي بسلاسل جبلية من كل ناحية، وفي أسفل الوادي توجد كنيسة العذراء، ويتكون الوادي المقدس من مجموعة من القمم الجبلية.
وهنا لابد من توضيح نقطة وهي أن المنطقة كلها اسمها الطور وليست مقتصرة على الجبل فكما أن الحرم يشمل الكعبة والمنطقة المحيطة به كذلك هذه المنطقة المقدسة فيها الجبل والـوادي وسيدنا موسى نودي من الوادي، والمكان الذي كانت تخرج منه النار داخل الـوادي .[ ِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى] {النَّازعات:16} وهناك آيات أخرى تذكر أن سيدنا موسى كان على جبل الطور.
بها شجرةً مباركةً:
قال اللهُ عزّ وجلّ: { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ }. المؤمنون (20).” { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ } يعني: الزَّيتون { مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } يعني: جبلًا معروفًا، أوَّلُ ما ينبتُ الزَّيتونُ ينبتُ هناكَ { تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ } لأنَّه يتَّخذُ الدُّهنُ مِن الزَّيتونِ { وَصِبْغٍ } إدام { لِلْآكِلِينَ }”. (الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي).
نزل على أرضها أول طعام من السماء إلى الأرض:
أنزلَ اللهُ على موسى وقومِهِ مِن بنِى إسرائيلَ (المنَّ والسلوَى)، يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) سوة طه… طعام المن (فطير بالعسل) كل صباح على قوم موسى، وطعام السلوى (طائر السمان المطهي) كل مساء..
بها عيون موسى عليه السلام:
على أرضِ سيناءَ الحبيبةِ ضربَ موسَى الأحجارَ لتنفجرَ منها ينابيعُ المياهِ (عيونُ موسى) الاحدَى عشر، بعددِ اسباطِ بنى اسرائيلَ، حيثُ عرفَ كلُّ قومٍ مشربَهُ والتي هي موجودةٌ حتى الآن تشهدُ بمعجزةِ الخالقِ عزَّ وجلَّ، قال جلَّ وعلا: (إِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) البقرة(60).
وشهدت أولَ تدريب موسى عليه السلام :
وذلك على معجزة العصا، والذي سيستخدمها فيما بعد مع قومه بني إسرائيل حين يضرب بها الحجر، فتنفجر منه اثنتا عشر عينًا بالماء، ومع سحرة فرعون حين تلقف ما كانوا يأفكون، ومع فرعون ومطاردته مع جنوده لموسى وقومه، فيضرب بها البحر فينفلق كل فرق كالطود العظيم.
القيمه الاقتصاديه :
لو نظرنا إلى الخريطة سنجد مثلث سيناء عقدة تلحم أفريقيا بأسيا ما يجعل لها أهمية خاصة في خريطة التوازنات الدولية والإقليمية منذ فجر التاريخ عبقرية ذلك الموقع الذي يقع في قلب العالم وعلى ناصية العالم القديم بين أسيا وأفريقيا وأوروبا جعل منها مركزا لكل هذه الأحداث الكبرى ومن يملكها فقد تحكم في المنطقة بأكملها..
أما جانب الموارد والأهمية الاقتصادية، منذ القدم وسيناء منجم مصر من الذهب والمعادن النفيسة، وهي حتى الآن المورد الرئيسي للبترول في مصر (ثلث إنتاج مصر) خاصة ساحل خليج السويس، وتحتوى على أكبر مخزون في العالم لعدد كبير من المعادن، فهي تحتوي على النحاس والفوسفات والحديد والفحم والمنجنيز واليورانيوم والكثير من الخامات التي تستخدم في الصناعات مثل الجبس والفحم الحجري والطفلة الكربونية.. كما تشتهر بوجود اجود أنواع الفيروز في العالم الذي اكتشفه المصريون القدماء على ارضها واستخدموه في تزيين المعابد والتماثيل، كما تحتوي على أنواع كثيرة من النباتات النادرة التي تستخدم في العلاجات والأدوية.
وإمكانيات سيناء الاقتصادية لا تتوقف على ثرواتها التعدينية بل أيضا بها 700 كيلو متر شواطئ من أجمل شواطئ العالم والتي تتميز بطقس معتدل ومحميات طبيعية لا مثيل لها في العالم بها العديد من الأسماك والحيوانات والنباتات.
وبها أهم ممر مائي في العالم في سيناء قناة السويس والتي يعبر منها ثلث تجارة العالم سنويا ويجعلها أكبر ميناء مفتوح في العالم.
البوابة الشرقية والأهم والأخطر:
والجميع يعلم أو يجب أن يعلم أنها البوابة الشرقية والأهم والأخطر على حدود مصر كلها تاريخيًا ومستقبلًا وحماية وتأمين سيناء تأمين وحماية حاضر ومستقبل مصر كلها، هذه حقائق الجغرافيا، وخلاصة التاريخ وحضارة مصر كلها مرتبطة بسيناء.
لا يخفى على أحد أيضا الموقع الجغرافي والاستراتيجي الذى تتفرد به سيناء، حيث تقع عند ملتقى بحرين وقارتين، البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
كما تقع عند ملتقى قارتي أسيا وأفريقيا، ولذلك كانت سيناء عبر التاريخ مطمعا ومحط أنظار للأعداء، ولذلك ضحى أبناء وطننا العزيز بكل ما يملكون للمحافظة على سيناء الحبيبة، وكم امتزج ترابها الطاهر بدماء شهدائنا الأبطال في حرب أكتوبر المجيدة، حتى رويت سيناء من دمائهم الزكية الطاهرة، ولذلك فإن سيناء في قلب وعقل وفكر ووجدان كل مصري.
أرض خصبة كثيرة الخير:
في قولِهِ تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} (المؤمنون: 20) ، وفي هذه الآيةِ امتنانٌ ببعضِ ما أنعمَ اللهُ بهِ وتفضلَ به علي العبادِ مِن أراضِي خصبةٍ ينبتُ بها الزروعُ والثمارُ وتجلبُ لهم الخيرَ والرزقَ طوالَ العام، وتميزُ أرضِ سيناءَ عن غيرِهَا، وقولِهِ تعالى: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (التين: 1 – 3).
مع موسى عليه السلام :
سيدنا موسى الآن عائــدٌ ومعه امرأته وأهله في طريقه من مدين إلى مصر، الطريق طويل استغرق منه ثمانية أيام عندما سار به وحده من قبل، حتى وصل إلى حدود مصر واقترب من سيناء، حتى صار على بعد خطوات من جبل الطور.. قال تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى] {طه:9- 10}.
المكان ساكن والنار اشراق بلا احراق :
ونظراً لارتفاع هذه المنطقة أيضاً فقد كانت شديدة البرودة، لذلك ذهب نبي الله موسى طلباً للنار ليستدفئ بها أهله في رحلته الأولى لسيناء “إني آنست ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون”..
أتاها سيدنا موسى فإذا بمفاجأة ..رأى أن النار الموقدة تخرج من شجرة خضراء، هذه النار لا تأكـل الشجرة ولا الشجرة تطفيء ، فاقترب سيدنا موسى أكثر وأكثر من النار فإذا بها ليست نارًا إنما نور يخرج من هذه الشجــرة، { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} {القصص:30} .
موسي يسمع من ينادي عليه من قبل السماء :
وإذا به يسمع اسمه يملأ السماء ويملأ الكون ، قال الشعراوى : ناداه باسمه { يا مُوسَى } [طه: 11] وما دام الأمر كذلك فطَمع الخير فيه موجود، وبدأ موسى يطمئن إلى مصدر النداء، ويأنَسُ به.
ساعة أنْ كلَّمه ربه: { إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ } [طه: 12] أزال ما في نفسه من العجب والدهشة لما رآه وسمعه، وعلم أنها من الله تعالى فاطمأنَّ واستبشر أنْ يرى عجائب أخرى.
وقوله تعالى: { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } [طه: 12] هذا أول أمر، وخَلْعِ النعل للتواضع وإظهار المهابة؛ ولأن المكان مُقدَّس والعلة { إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه: 12] فاخلع نعليك حتى لا تفصل بينك وبين مباشرة ذرات هذا التراب.
الوادي هو مجرى الماء، وسماه الله مقدساً لأنه كان فيه الوحي إلى موسى عليه الصلاة والسلام.
ومعنى{ المقدّس} أي: المبارك المطهّر، و { طوى } اسم الوادي على الأرجح ، وهو بجانب الطور الأيمن بالنسبة للقادم من مدين في شمال الحجاز .
وتعتبر هذه البقعة هى اقدم البقاع على وجه الارض واطهرها وسنة بنبينا موسى عليه السلام عندما نصل الى هذا الوادى نقوم بخلع النعال كما فعل نبى الله موسى عليه السلام..
خبراء الآثار يؤكدون أن كافة الدراسات أكدت أن في هذا الموقع تجلّى الله فأنارعند شجرة العليقة المقدسة – وموقعها حالياً داخل دير سانت كاترين .
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى :
ثم قال الله تعالى : { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ } [طه: 13] أي: للرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، ثم يقول تعالى: { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [طه: 13] هناك فرق حيث قال فاستمع ولم يقل فاسمع … إذن: أنت تسمع كل ما يصل إلى أذنك، فليس لك فيه خيار.
إنما: استمع أنْ تتكلَّف السماع، والمتكلم حُر في أنْ يتكلم أو لا يتكلم.
{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ } [طه: 14] أي: صاحب التكاليف، والمعبود المطاع في الأمر والنهي..
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلا أَنَاْ:
وأوّل هذه التكاليف وقمّتها، والينبوع الذي يصدر عنه كل السلوك الإيماني: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلا أَنَاْ } [طه: 14].
وهذه الجملة دليل على وحدانية الله ، أي لا منازع له ، ولو كان فيها آلهة الا الله لاعترض على جملة { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلا أَنَاْ } [طه: 14].
وقال سبحانه في أية أخرى:{ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }[الإسراء: 42]..
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي:
ولم يذكر عبادة غيرها ، لانها ان صلحت صلح سائر العمل .. { لِذِكْرِي }- [طه: 14] أي: لتذكري؛ لأن دوام ورتابة النعمة قد تُنسيك المنعم.
وقوله تعالى: { أَكَادُ أُخْفِيهَا } [طه: 15] :
كاد: أي: قَرُب مثل: كاد زيد أن يجيء أي: قَرُب لكنه لم يأْتِ بعد.. فالمراد: أقرب أن أخفيها، فلا يعلم أحد موعدها، فإذا ما وقعتْ فقد عرفناها. كما قال تعالى:{ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ }[الأعراف: 187].
اذن هي قريبة جدا ، وظاهرة جدا ، فالنبي أخبرنا بعلاماتها الصغرى والكبرى ، ولم يبق الا وقتها فلو أخبر به لظهرت كلها ..
لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى:
ثم يقول تعالى: { لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } [طه: 15]… وإلا لو لم يكُنْ في الآخرة حساب وجزاء لَكَان الذين أسرفوا على أنفسهم وعربدوا في الوجود أكثر حظاً من المؤمنين الملتزمين بمنهج الله.
فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ:
ثم يقول الحق سبحانه: { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ } ، لكن لماذا يصدُّ الكفار عن الآخرة، والإيمان بها؟ لأنهم يعلمون أنهم سَيُجازون بما عملوا، وهذه مسألة صعبة عليهم، ومن مصلحتهم أن تكون الآخرة كذباً.
وصدق أبو العلاء المعري حين قال:
زَعَمَ المنجَّمُ والطبيبُ كِلاَهُمَا لاَ تُحْشَرُ الأجْسَادُ قُلْتُ إليْكُمَا
إنْ صَحَّ قَولكُمَا فلسْتُ بخَاسِرٍ أَوْ صَحَّ قَوْلِي فَالخسَارُ عليكُمَا
وقوله تعالى: { فَتَرْدَى } [طه: 16] أي: تهلك من الردَى، وهو الهلاك.
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسَى:
وبعد ذلك شرح لنا الحق ـ سبحانه ـ بَدْء إيحائه لرسوله موسى عليه السلام: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسَى }.. موسى ـ عليه السلام ـ يعرف أن الله تعالى هو الذي يسأل، ولا يَخْفَى عليه ما في يده، ولكنه كلام الإيناس؛ لأن الموقف صعب عليه، ويريد ربه أنْ يُطمئنَه ويُؤنِسَه.
يقول له الله: [قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى] {طه:19}الطاعة دليل حب ودليل ثقة [فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى] {طه:20} ..
فهذا العود جاف من الخشب يتحول إلى حيّة.. فهي حيوان مُتحَرِّك، تجري هنا وهناك، وهذا ما سيحتاجه موسى في معركته القادمة.
وهي العصا التي استخدمها موسى في صراعه مع فرعون حين يضرب بها البحر ..
واستخدمها في دعوته لبني إسرائيل حين يضرب بها الحجر فيتفجّر منه الماء.
وقد عالج القرآن هذه القصة في لقطات مختلفة، فمرة يقول عن العصا كأنها ثعبان… ومرة يقول: حيّة. وأخرى يقول: جان؛ لذلك اعترض البعض على هذه الاختلافات، فأيها كانت العصا؟.. الحقيقة أنها صور مختلفة للعصا حينما انقلبتْ، فمن ناحية قتْلتها المميتة هي حية، ومن ناحية ضخامتها ثعبان، ومن ناحية خِفَّة حركتها جان، وكل هذه الخصائص كانت في العصا، وحين تجمع كل هذه اللقطات تعطيك الصورة الكاملة للعصا بعد أنْ صارت حية. فآيات القرآن ـ إذن ـ تتكامل لترسم الصورة المرادة للحق تبارك وتعالى.
ثم يقول الحق سبحانه: { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ }:
وفى القصص قال : [اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ….] {القصص:32} .. وكان سيدنا موسى أسمر اللون، وهنا جاء أمر الله أن يضع يده في جيبه فتخرج بيضاء كأنها القمر من غير سوء، في حين أنه إذا ما كان هناك شخص أسمر ويوجد بقعة بيضاء في يده أو ذراعه فيكون ذلك نتيجة لمرض مثل البَرَص.. وقد شعر سيدنا موسى بالخوف أكثر بعد هاتين المعجزتين، ولكن الله سبحانه الحنان المنان الكريم يقول له [وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ….] {القصص:32} أي ضع يدك على صدرك فتهدأ.
معجزتا العصا واليد:
لابد وأن هناك سؤال يدور في أذهانكم الآن ألا وهو ما علاقة المعجزتين بفرعون؟ وما الهدف من معجزة العصا؟ .. انها مناسبة للعصر الذي عاش فيه ، ففي عصر سيدنا موسى كانوا يشتهرون بالسحر فبعث الله لهم معجزة ربانية تتحدى هذا السحر.
المعجزة الثانية: اليد، لما ترمز؟
اليد البيضاء في تاريخ البشرية رمز السلام: يا فرعون أنا لن ألجأ إلى العنف أريد أن أحرر بني إسرائيل وأرفع الظلم وأنشر التوحيد، لا أريد استخدام العنف والدليل يد بيضاء.. يالعظمة الله في رسائله القوية! ويالمعجزات الله الربانية العظيمة!
واجبُنَا نحوَ سيناءَ المباركةِ.
1 ـ المحافظة والاصطفاف للدفاع عنها والموت في سبيل حمايتها:
إنَّ واجبَنَا نحو مصرَنَا عامةً وسيناءَ خاصةً أنْ نحافظَ عليها وندافعَ عنها ونضحِّي مِن أجلِهَا بكلِّ غالٍ وثمينٍ، وإذا كان آباؤُنَا وأجدادُنَا قد رووا أرضَهَا بدمائِهِم شهداءَ حتى ورثناهَا بعدَهُم، فإنَّها أمانةٌ في أعناقِنَا لا ينبغِي أنْ نفرطَ فيها، أو نخونَهَا، أو نضيعَهَا بأيِّ حالٍ مِن الأحولِ أو صورةٍ مِن الصورِ.
يجبُ علينَا أنْ نحرسَهَا ليلَ نهار، وبُشرَى لِمَن يحرسُهَا أنْ لا تمسَّهُ النارُ، وفي ذلك يقولُ ﷺ: ” عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ” ( الترمذي والطبراني)… إنَّ جيشَنَا العظيمَ في رباطٍ إلى يومِ القيامةِ، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». (البخاري)… وهنيئًا الشهادةَ لكلِّ مَن دافعَ عن عرضِه وأرضِه، فعن سعيدِ بنِ زيدٍ قال ﷺ: “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ” (الترمذي وحسنه).
2ـ تعريف الاجيال بقيمتها ومكانتها الدينية والدنيوية ..
3ـ تعميرها :
مجتمعيا وزراعيا وصناعيا وثقافيا واحتضان أهلها ، فعلينَا أنْ نضحِي بكلِّ غالٍ وثمينٍ في الدفاعِ عن أرضِنَا وعرضِنَا ومقدساتِنَا ومصرَنَا الحبيبةِ.
4- الدعاء :
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل جمعنا هذا جمًعا مرحوًما ،واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوًما. اللهم لا تجعل فينا ولابيننا ولاحولنا شقًيا ولا مطروًدا ولا محروًما.
اللهم لا تجعل لنا في هذا الجْمع المبارك ذنًبا إلا غفرَته، ولا هًما إلا فَّرجَته، ولا مظلوًما إلا نصرَته، ولا طالب علم إلا وفقَته. لكل خير، اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بخير فوِّقه ومن أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه يا رب العالمين.
تم البحث بحمد الله