خطبة بعنوان: “الأرض المباركة” لفضيلة الشيخ أحمد ابو اسلام

إعداد فضيلة الشيخ : أحمد أبو اسلام

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

الجمعة 26 من شوال 1446هـ الموافق 25 من أبـــــــريل 2025م

عناصر الخطبة

١)سيناء في القرآن الكريم

٢)سيناء مر بها العديد الأنبياء

٣) ترتبط سيناء بالدين الإسلامي

٤) على أرضها مات الصالحون

المقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..

فإن الخالق لجميع المخلوقات قد فضل بعضها على بعض، واختار منها ما شاء، فخلق الناس واختار منهم الأنبياء، وخلق الأماكن واختار منها المساجد، وخلق الشهور واختار منها رمضان، قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].

سيناء في القرآن الكريم

♦ قال الله عز وجل: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾. المؤمنون (20).

♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ ﴾ يعني: الزَّيتون ﴿ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ﴾ يعني: جبلاً معروفاُ أوَّل ما ينبت الزَّيتون ينبت هناك ﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾ لأنَّه يتَّخذ الدُّهن من الزَّيتون ﴿ وَصِبْغٍ ﴾ إدام ﴿ لِلْآكِلِينَ ﴾.

♦ تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿ وَشَجَرَةً ﴾ أَيْ وأنشأ لَكُمْ شَجَرَةً ﴿ تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ ﴾، وَهِيَ الزَّيْتُونُ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو «سِينَاءَ» بِكَسْرِ السِّينِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ وَفِي سِينِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَطُورِ سِينِينَ ﴾ [التَّينِ: 2] قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ الْبَرَكَةُ، أَيْ: مِنْ جَبَلٍ مُبَارَكٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ الْحُسْنُ، أَيْ مِنَ الْجَبَلِ الْحَسَنِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ بِالنَّبَطِيَّةِ، وَمَعْنَاهُ الْحُسْنُ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ هُوَ بِالْحَبَشِيَّةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ الشَّجَرُ، أَيْ: جَبَلٌ ذُو شَجَرٍ. وَقِيلَ: هُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ الْمُلْتَفَّةُ بِالْأَشْجَارِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كُلُّ جَبَلٍ فِيهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ فَهُوَ سِينًا، وَسِينِينَ بِلُغَةِ النَّبَطِ. وَقِيلَ: هُوَ فَيْعَالُ مِنَ السناء وهو الارتفاع. وقال ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي نُودِيَ مِنْهُ مُوسَى بَيْنَ مِصْرَ وَأَيْلَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَيْنَا اسْمُ حِجَارَةٍ بِعَيْنِهَا أُضِيفَ الْجَبَلُ إِلَيْهَا لِوُجُودِهَا عِنْدَهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ اسم للمكان الَّذِي فِيهِ هَذَا الْجَبَلُ، ﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ ﴾، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَيَعْقُوبُ تُنْبِتُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ، فَمَنْ قَرَأَ تنبت بِفَتْحِ التَّاءِ فَمَعْنَاهُ تَنْبُتُ تُثْمِرُ الدُّهْنَ وَهُوَ الزَّيْتُونُ. وَقِيلَ: تَنْبُتُ وَمَعَهَا الدُّهْنُ، وَمَنْ قَرَأَ بِضَمِّ التَّاءِ، اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ مَعْنَاهُ تُنْبِتُ الدُّهْنَ كَمَا يُقَالُ أَخَذْتُ ثَوْبَهُ وَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: نَبَتَ وَأَنْبَتَ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:

رَأَيْتُ ذَوِي الحَاجَاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ

قَطِينًا لَهُمْ حَتَّى إِذَا أَنْبَتَ البَقْلُ

أَيْ: نَبَتَ، ﴿ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾، الصِّبْغُ وَالصِّبَّاغُ الإدام الذي يلون الخبز إذ غُمِسَ فِيهِ وَيَنْصَبِغُ، وَالْإِدَامُ كُلُّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ سَوَاءٌ يَنْصَبِغُ بِهِ الْخُبْزُ أَوْ لَا يَنْصَبِغُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: جَعَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ أُدْمًا وَدُهْنًا، فَالْأُدُمُ: الزَّيْتُونُ، وَالدُّهْنُ: الزَّيْتُ، وَقَالَ: خَصَّ الطَّوْرُ بِالزَّيْتُونِ لِأَنَّ أَوَّلَ الزيتون نبت بها. ويقال: لأن الزَّيْتُونَ أَوَّلُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي الدنيا بعد الطوفان.

فيقع جبل الطور في سيناء من أرض مصر .

وأكثر المفسرين على أنَّ المقصود بطور سيناء هو جبل الطور بخصوصه، لا كل أرض سيناء.

قال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره (جامع البيان في تأويل القرآن): قوله: {تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} يقول: تخرج من جبل يُنبِت الأشجار. انتهى.

وقال القاضي البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) في تفسير الآية السابقة: ومما أنشأنا لكم به شجرة؛ تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ جبل موسى عليه السلام بين مصر وأيلة. انتهى.

ويحتمل أن يكون المقصود بطور سيناء هو سيناء نفسها، لا خصوص الجبل. قال الزمخشري في تفسيره (الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل): وطور سينين، لا يخلو إما أن يضاف فيه الطور إلى بقعة اسمها سيناء وسينون، وإمّا أن يكون اسمًا للجبل.

♦ سيناء وردت في القرآن الكريم مرتين ؛ صراحة مرة في سورة المؤمنون حيث قال تعالي “وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين” ومرة في سورة التين في قوله تعالي (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ) وفي هذه الآية امتنان ببعض ما أنعم الله به وتفضل به علي العباد من أراضي خصبة ينبت بها الزروع والثمار وتجلب لهم الخير والرزق طوال العام وتميز أرض سيناء عن غيرها.

وهناك مواضع ذكرت فيها سيناء ضمنا في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالي (فلما قضي موسي الأجل وسار بأهله انسا من جانب الطورنار قال لأهله امكثوا إني أنست نارا لعلي أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسي إني أنا الله).

وأوضح أن شاطئ الوادي الأيمن أي جانب الوادي الأيمن والبقعة المباركة هي التي كلم الله سيدنا موسي عليها وهي جبل الطور بسيناء، فيتضح من هذه الآية أن أرض سيناء هي موضع قدم للأنبياء حيث كلم الله سيدنا موسي عليه السلام من فوق جبلها وأمره بأن يمكث في أرضها وسيأتيه الخير من أرضها .

يقول الله سبحانه وتعالى: “وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ” (الأعراف 143)

نحن هنا أمام ظاهرة كونية فريدة الوجود، فسيناء هي الأرض الوحيدة في الكون التي تجلى فيها المولى الكريم لنبيه موسى “عليه السلام” الذي خر صعقًا، ويكفي هذا فخرًا لسيناء ولمصر..

ولكن المولى الكريم يضيف لأرض سيناء ميزة أخرى؛ وهي مناداة سيدنا موسى فيها بقوله سبحانه وتعالى: “وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ * إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى”

وهنا نادى المولى الكريم على نبيه موسى في أرض سيناء – التي تجلى فيها المولى الكريم، وفيها تحدث مع نبيه موسى، ولذلك وصفها المولى سبحانه وتعالى بالوادي المقدس .. وهذان مصدران آخران للفخر؛ حديث المولى الكريم وصفها بالوادي المقدس، ووصفها مرة أخرى بالبقعة المباركة في قوله تعالى “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (القصص30).

ثم أقسم الله تعالى في قوله “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ”، كما قال تعالى “وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ”، المؤمنين

ويقول الله سبحانه وتعالى: “وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا”

سيناء مر بها العديد الأنبياء

وسيناء مر بها العديد من أنبياء الله سبحانه وتعالى؛ حيث تذكر التوراة مسيرة سيدنا إبراهيم خليل الله من الشام لمصر عبر سيناء؛ ويذكر القرآن الكريم رحلة سيدنا يوسف وهو طفل، كما يذكر استقبال يوسف لأبيه يعقوب عند الحدود الشرقية، ولكل ذلك جاء في القرآن الكريم “.. ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ” (يوسف 99) وشهدت العديد من أنبياء بني إسرائيل، وفي مقدمتهم سيدنا موسى، حيث نزلت التوراة على سيدنا موسى في الطور وأخاه هارون، وفيها انبجست اثنتا عشرة عينا لقوم سيدنا موسى، وفيها عبرت سيدتنا مريم بالسيد المسيح لمصر، وعبرها سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” في الإسراء والمعراج.

هذه هي سيناء فهي:

1- الأرض التي تجلى فيها رب الوجود.

2- الأرض التي كلم فيها المولى سيدنا موسى.

3- الأرض التي وصفها الله سبحانه وتعالى بالأرض المقدسة.

4- الأرض التي وصفها الله سبحانه وتعالى بالبقعة المباركة.

5- الأرض التي أقسم الله سبحانه وتعالى فيها (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ).

6- الأرض التي مر بها العديد من الأنبياء من سيدنا إبراهيم إلى سيدنا يوسف وسيدنا يعقوب إلى سيدنا موسى إلى سيدنا المسيح إلى سيدنا محمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام.

هذه مكانة سيناء الأرض المقدسة المباركة أرض الأنبياء عند المولى الكريم وفي الكتب المقدسة، وهذا يكفي لأن نقول سيناء أولًا وثانيًا وثالثًا، وسيناء يجب الاهتمام بها قبل القاهرة، أو أي مكان آخر في مصر، والجميع يعلم أو يجب أن يعلم أنها البوابة الشرقية والأهم والأخطر على حدود مصر كلها تاريخيًا ومستقبلًا وحماية وتأمين سيناء تأمين وحماية حاضر ومستقبل مصر كلها، هذه حقائق الجغرافيا، وخلاصة التاريخ وحضارة مصر كلها مرتبطة بسيناء.. ومن أجل كل ذلك سيناء لابد أن تكون أولا.

ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون)

♦ قال الله عز وجل : ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾.

♦ السورة ورقم الآية: يوسف (94).

♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ ولما فصلت العير ﴾ خرجت من مصر وتحديداً من عريش مصر مُتوجِّهةً إلى كنعان ﴿ قَالَ أَبُوهُمْ ﴾ لمن حضره: ﴿ إني لأجد ريح يوسف ﴾ وذلك أنَّه هاجت الرِّيح فحملت ريح القميص واتَّصلت بيعقوب فوجد ريح الجنَّة فعلم أنَّه ليس في الدُّنيا من ريح الجنَّة إلاَّ ما كان من ذلك القميص ﴿ لولا أن تفندون ﴾ تُسفِّهوني وتُجهِّلوني.

♦ تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ﴾، أَيْ: خَرَجَتْ مِنْ عَرِيشِ مِصْرَ مُتَوَجِّهَةً إِلَى كَنْعَانَ، ﴿ قالَ أَبُوهُمْ ﴾، أَيْ: قَالَ يَعْقُوبُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ، ﴿ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ﴾، رُوِيَ أَنَّ رِيحَ الصَّبَا اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا فِي أَنْ تَأْتِيَ يَعْقُوبَ بِرِيحِ يُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْبَشِيرُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: أصاب يعقوب ريح القميص مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ مَسِيرَةِ ثَمَانِ لَيَالٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ فَرْسَخًا. وَقِيلَ: هَبَّتْ ريح الصبا فَصَفَّقَتِ الْقَمِيصَ فَاحْتَمَلَتْ رِيحَ الْقَمِيصِ إِلَى يَعْقُوبَ فَوَجَدَ رِيحَ الْجَنَّةِ فَعَلِمَ أَنْ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَمِيصِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: إِنِّي لِأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ. ﴿ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾، تُسَفِّهُونِي، وَعَنِ ابْنِ عباس: تجهلون. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تهرِّمون فَتَقُولُونَ: شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ خَرَّفَ وَذَهَبَ عَقْلُهُ. وقيل: تضعفون. وقال أبو عبيدة: تضللون. وأصل الفند: الفساد.

ترتبط سيناء بالدين الإسلامي

♦وترتبط سيناء بالدين الإسلامي أيضًا: بيد أن الارتباط هذه المرة ليس مباشرًا مثلما هو الحال في اليهودية والمسيحية، فقد جاء الفاتحون المسلمون إلى مصر تحت قيادة عمرو بن العاص عن طريق سيناء. ومنذ اللحظة الأولى لقصة الفتح الإسلامي ترددت أسماء أماكن ومواقع على أطراف شبه جزيرة سيناء، أو في داخلها، في سرديات الفتح: فقد كانت رفح والفرما من أوائل الأماكن التي وصلها الفاتحون المسلمون.

كانت أحداث الفتح حربًا ضد البيزنطيين الذين كانوا يحتلون مصر في ذلك الزمان؛ ولهذا ساعد المصريون المسيحيون في الفرما (قرب مكان بورسعيد حاليًا) الجيش المسلم ضد البيزنطيين (الروم) أعداؤهم المذهبيين والسياسيين.

وقد أدى دخول مصر تحت راية الإسلام إلى جعل سيناء ذات أهمية دينية بالإضافة إلى أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية التي نعمت بها طوال عصور تاريخ المنطقة إذ كان لابد من تأمين طرق الحج إلى الحجاز على الطريق البري الذى يمر عبر سيناء، وهو الطريق الذى كان يستخدمه المسلمون في دول المغرب العربي الإسلامي، ومناطق غرب ووسط أفريقيا الإسلامية ( وأهمها دولة مالي المسلمة)؛ إلى جانب موانئ البحر الأحمر الواقعة في سيناء بطبيعة الحال.

وصارت مهمة تأمين طريق الحج البري عبر سيناء من أهم ركائز السلطة لمن يحكم مصر. ويبرز” السلطان الظاهر بيبرس البندقداري” مثالًا واضحًا على هذا؛ فقد أمر بحفر الآبار، وإقامة المنازل والاستراحات للحجاج، ووضع حاميات عسكرية ومراكز للبريد لتأمين رحلة الحج.

ومن ناحية أخرى، كان محمل الحج المصري ( الذى يحمل كسوة الكعبة وما يلحق بها) يخرج من القاهرة وقت الحج في مناسبة اجتماعية دينية مهمة:

فقد كان يدور في أنحاء العاصمة المصرية في استعراض عسكري يقوده واحد من كبار أمراء الدولة (أمير الحج)، ومعه عدد من كبار رجال الدولة، والأطباء من كافة التخصصات، وإمام ومؤذن، وعدد من أرباب الحرف والمهن لخدمة الحجاج في هذه الرحلة الطويلة فوق رمال سيناء

وقد شرفت كذلك سيناء في الإسراء والمعراج بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

كما أخرج النسائي وغيره بسند فيه مقال عن أنس بن مالك رضي الله عنه كما ذكر هذا الحديث أيضاً الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((أُتِيتُ بدابةٍ فوقَ الحمارِ ودونَ البغْلٍ، خطُوُها عند منتَهى طرفِها، فركبتُ ومعي جبريلُ عليهِ السلامُ، فسرتُ فقال: انزلْ فصلّ. فصلّيتُ، فقال:

أتدري أين صليتَ؟ صليتَ بطيبةَ وإليها المُهاجَر. ثم قال: انزلْ فصلِّ. فصليتُ، فقال: أتدري أين صليتَ؟ صليتَ بطُورِ سيناءَ، حيثُ كلّمَ اللهُ موسى)).

على أرضها مات الصالحون

______________________

في كتاب الثقات (ج5 الطبعة الهندية حيدر ءاباد ) بسنده عن الأوزاعي ، عن عبد الله بن محمد قال:

خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا وكان رابطنا يومئذ عريش مصر. قال: فلما انتهيت إلى الساحل فإذا أنا بِبطيحة، وفي البطيحة خيمة، فيها رجل قد ذهب يداه ورجلاه وثقل سمعه وبصره، وماله من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: ” اللهم أوزعني أن أحمدك حمدًا، أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا “.

قال الأوزاعي: قال عبد الله: قلت: والله لآتينَّ هذا الرجل، ولأسألنَّه أنَّى له هذا الكلام !!! ، فهمٌ أم علمٌ أم إلهامٌ أُلهم؟ فأتيتُ الرجل فسلمت عليه، فقلت: سمعتك وأنت تقول: “اللهم أوزعني أن أحمدك حمدًا، أكافئ به شكر نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا” فأي نعمة من نعم الله عليك تحمده عليها ؟ ، وأي فضيلة تفضل بها عليك تشكره عليها ؟.

قال: وما ترى ما صنع ربي؟ والله لو أرسل السماء علي نارًا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فبلعتني، ما ازددت لربي إلا شكرًا، لما أنعم علي من لساني هذا، ولكن يا عبد الله إذ أتيتني، لي إليك حاجة، قد تراني على أي حالة أنا، أنا لست أقدر لنفسي على ضُرٍّ ولا نفع، ولقد كان معي بنيٌّ لي يتعاهدني في وقت صلاتي، فيوضيني، وإذا جعت أطعمني، وإذا عطشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام ، فتحسَّسه لي رحمك الله.

فقلت: واللهِ ما مشى خَلْقٌ في حاجة خلقٍ، كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشي في حاجةِ مثلك.

فمضيت في طلب الغلام ، فما مضيتُ غير بعيد ، حتى صرت بين كثبان من الرمل ، فإذا أنا بالغلام قد افترسه سبع وأكل لحمه، فاسترجعت … وقلت: أنى لي وجه رقيق آتي به الرجل؟ فبينما أنا مقبل نحوه ، إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أتيته سلمت عليه، فرد علي السلام، فقال: ألست بصاحبي؟

قلت: بلى.

قال: ما فعلت في حاجتي؟

فقلت: أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟

قال: بل أيوب النبي.

قلت: هل علمت ما صنع به ربه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟

قال: بلى.

قلت: فكيف وجده؟

قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا.

قلت: لم يرضَ منه ذلك حتى أوحش من أقربائه وأحبابه؟

قال: نعم. قلت: فكيف وجده ربُّه؟

قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا.

قلت: فلم يرض منه بذلك حتى صيَّره عَرَضًا لمار الطريق، هل علمتَ؟ قال: نعم.

قلت: فكيف وجده ربه؟

قال: صابرًا شاكرًا حامدًا، أوجز رحمك الله.

قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدته بين كُثبان الرمل، وقد افترسه سبع فأكل لحمه، فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر.

فقال المبتلى: الحمد لله الذي لم يخلق من ذريتي خلقًا يعصيه، فيعذبه بالنار. ثم استرجع، وشهق شهقة فمات.

فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عظمت مصيبتي، رجل مثل هذا إن تركته أكلته السباع، وإن قعدتُ، لم أقدر على ضر ولا نفع. فسجَّيته بشملةٍ كانت عليه، وقعدت عند رأسه باكيًا، فبينما أنا قاعد إذ تهجم علي أربعة رجال، فقالوا: يا عبد الله، ما حالك؟ وما قصتك؟

فقصصت عليهم قصتي وقصته، فقالوا لي: اكشف لنا عن وجهه، فعسى أن نعرفه. فكشفت عن وجهه، فانكبَّ القوم عليه، يقبلون عينيه مرة، ويديه أخرى، ويقولون: بأبي عينٌ طالما غُضّت عن محارم الله، وبأبي وجسمه طالما كنت ساجدًا والناس نيام.

فقلتُ: من هذا يرحمكم الله؟

فقالوا: هذا أبو قلابة الجرمي، صاحب ابن عباس، لقد كان شديد الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم .

فغسَّلناه وكفنَّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفنَّاه. فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباطي، فلما أن جَنَّ عليَّ الليل، وضعت رأسي، فرأيته فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة، وعليه حُلَّتانِ من حُلَلِ الجنة، وهو يتلو الوحي: “سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار“، فقلتُ: ألست بصاحبي؟

قال: بلى… قلت: أنى لك هذا؟

قال: “إن للهِ درجاتٍ لا تُنَال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، مع خشية الله عز وجل في السرِّ والعلانية“.

قَارَنْتُ مِصْـــرَ بِغَيْــرِهَا , فَتَدَلَّلَــتْ *** وَعَجِـــزْتُ أَنْ أَحْظَىَ لَهَـــا بِمَثِيْــــلِ

هَــذِيْ الْحَضَـرَةُ مُعْجِزَاتٌ فيِ الـوَرَىَ *** عَقـــــِمَ الـــزَّمَانُ بِمِثْلِــــهَا كَبَـــدِيْلِ

رَفَـــــعَ الإِلَــــهُ مَقَامَهــَا , وَأَجَــــــلَّهُ *** فِيْ الذِّكْـــرِ , وَالتَّـوْرَاةِ , وَالإِنْجِيْـلِ

جَـــاؤا بِيُوْسُـفَ مِنْ غَيَـاهِبِ ظُلْمــَةٍ *** أَرْضَ العَـــزِيْزِ , فَكَــــانَ خَيْـرَ نَزِيْـلِ

والنِّيْلُ يَتْبَـــعُ وَحْـــيَ مُنْشِئِ قَطْـرِهِ *** كَالطَّيْــرِ حِيْنَ الوَحْـيِ عَـامَ الفِيْـلِ

فيِ طُــــــوْرِ سَــــــيْنَاءٍ تَجَــــلَّىَ رَبُّــنَا *** فـــوْقَ الكَلِيْـــــمِ , بِــــأَوَّلِ التَّنْـــزِيْلِ

اللهم احفظ مصر عامة وارض سيناء خاصة وسائر بلاد المسلمين

جمع وترتيب الشيخ أحمد أبو اسلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *