الميراث في الإسلام: فريضة إلهية لا مجال للتأويل الشخصي
20 أبريل، 2025
قضايا شرعية

بقلم الدكتور : فارس أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
في زمن تتكاثر فيه دعاوى التشكيك في الثوابت الشرعية، خرج علينا الدكتور سعد الدين الهلالي بتصريح غريب مفاده أن “الميراث حق وليس فرضًا أو واجبًا”، مستدلًا بقول الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾، مدّعيًا أن “اللام” في “للذكر” تفيد الملكية لا الفرض، وأن هذا يدل – حسب فهمه – على أن الميراث مجرد حق يمكن منحه أو حجبه، لا فريضة مُلزمة.
وهذا التأويل باطل ظاهر، تصطدم به صراحة النصوص المحكمة، ويخالف إجماع الأمة على أن الميراث فريضة إلهية مقطوع بها، لا مجال للاجتهاد في أصلها أو التشكيك في إلزاميتها.
أولًا: النص القطعي في ختام الآية يكذب التأويل قال الله تعالى:
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ… ذَٰلِكَ فَرِيضَةٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 11].
كلمة “فريضة” هنا نص قاطع لا يحتمل التأويل، وهي صيغة توكيد على أن تقسيم التركة وفق ما ورد في الآيات واجب شرعي مُلزم، لا يقبل التعطيل أو التبديل. وهو ما أكدته كتب التفسير قاطبة، مثل تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي وغيرهم، أن هذا التقسيم نزل من الله كتشريع مُحكم لا يجوز مخالفته.
ثانيًا: الميراث تشريعٌ تعبُّدي لا يخضع للأهواء الميراث في الإسلام ليس نظامًا بشريًا قابلًا للتعديل أو التفضيل الشخصي، بل هو تشريع تعبدي جاء من فوق سبع سماوات. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث” [رواه أبو داود والترمذي].
أي أن الله تولّى بنفسه تقسيم الميراث، ليغلق الباب أمام الاجتهادات التي قد تتأثر بالتحيّزات أو العواطف أو المصالح.
ثالثًا: اللعب بالألفاظ لا يغيّر المعاني الادعاء بأن “اللام” تفيد الملكية لا الفرضية مغالطة لغوية لا تصمد أمام النص الكامل، فالآية كلها جاءت في سياق وصية إلهية ملزمة، واللام هنا لا تنفي الفرضية بل تُبين المستحق، لا طبيعة الاستحقاق. ولو كانت كما زعم، فما بال ختام الآية ينص على “فريضة من الله”؟ وهل يمكن لعاقل أن يفصل الكلمة عن سياقها ليبني عليها حكمًا؟
رابعًا: إجماع الأمة على أن الميراث فرض لا خيار فيه اتفق فقهاء الأمة بمذاهبهم الأربعة على أن أحكام المواريث فرائض ملزمة، وأن تغييرها ظلم صريح وعدوان على حدود الله، قال تعالى:
﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء: 14].
خامسًا: خطورة تمييع الأحكام باسم “الحقوق” توصيف الميراث بأنه “حق” غير “واجب” هو باب خطير لنسف أحكام الشريعة، إذ يمكن به تبرير حرمان النساء أو تقديم البعض على البعض، مما يهدم العدل الذي قامت عليه الشريعة. وهذا ما تحذر منه الهيئات العلمية والشرعية المعتبرة.
وأخيرًا: دعوة للعقلاء إننا نناشد من يحترمون العلم والشرع والعقل أن يقفوا في وجه هذه التأويلات العبثية، وأن يتمسكوا بثوابت دينهم، فلا يصح أن نُضيّع المواريث باسم الاجتهاد، ولا أن ننسف القطعيات بدعوى التجديد.
فالميراث كما أنزله الله هو فريضة محكمة، والعبث بها جناية على الشرع والمجتمع، وسبيل إلى الفوضى والظلم.
﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ [الطلاق: 1].