خطبة بعنوان ( الْأَرْضِ الْمُبَارَكَة) لفضيلة الشيخ ياسر عبدالبديع

خطبة بعنوان ( الْأَرْضِ الْمُبَارَكَة)
لفضيلة الشيخ : ياسر عبدالبديع

بتاريخ / 26 شوال 1446 هجرية – 25 أبريل 2025 م

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا : وبعد

العُنْصُرُ الْأَوَّل : سَيْنَاء فِي الْقُرْانِ الْكَرِيم :

لَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَرِيحَةٌ فِي بَعْضِ الْايَاتِ الْقُرْانِيَّةِ مِنْهَا …

قَالَ تَعَالَى : }وَالِتَيَن وَالِزِيّۡتُؤْن (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَةٰذَا الۡبَلَد الۡأَمِين (3){ ] التِّين[ .

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سَيْنَاء وَشَجَر الزَّيْتُون بِهَا فَقَالَ تَعَالَى: {وَشَجَرِهٗ تخۡرج مِنْ طُورِ

سِيّۡنَاء تِنْۢبِتّ بالَدَّهۡن وَصَبّۡغٖ لِلْۡاكِلِين (20)}]الْمُؤْمِنُون[ .

مَعْنَى الْايَةِ: ( وَشَجَرِه ) أَيْ : وَأَنْشَأْنَا لَكُمْ شَجَرَةٌ ( تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ) وَهِيَ الزَّيْتُونُ ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَبُو عَمْرٍو ” سَيْنَاء ” بِكَسْر السِّين .

وَقَرَأ الْاخَرُون بِفَتْحِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ وَفِي ” سِينِين ” فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :

” وَطُور سِينِين “

قَالَ مُجَاهِدٌ : مَعْنَاهُ الْبَرَكَةِ ، أَيْ : مِنْ جَبَلٍ مُبَارَك

وَذَكَرْت ضِمْنًا فِي أَكْثَرِ مِنْ ايَةٍ مِنْهَا …

قَالَ تَعَالَى: }وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا اتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) { ]الْبَقَرَةِ[.

وَقَالَ تَعَالَى :}وَإِذْۡ أَخَذَۡنَا مَيْثٰقكمۡ وَرَفَعَۡنَا فَوۡقكم الِطُور خُذُوا مَا ءَاتِيۡنَٰكَمْ بِقُوَّة (93){ ] الْبَقَرَةِ[

قَالَ تَعَالَى: }وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهْم الِطُور بِمِيثٰقَهْمۡ (154) { ]النِّسَاءِ[.

قَالَ تَعَالَى: }وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا(52){ ]مَرْيَمَ[.

قَالَ تَعَالَى: }وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ (80){ ]طَه[.

قَالَ تَعَالَى: }فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ أنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا (29){ ]الْقَصَصَ[.

قَالَ تَعَالَى: }وَالِطُور (1) وَكَتٰب مَسُّۡطَوْرٍٖ (2){ ]الطُّور[.

لِذَلِك لِأَهَمِّيَّتِهَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَبَّر حَجْمُهَا وَتَارِيخِهَا ، تَكْثُر حَوْلَهَا
الْمُؤَامَرَات وَالْمَوَّاجِهًات ،فَسَيَناء سَدُّ وَحَدّ، وَفَاصِل وَمَانِع وَعَقِبُهُ فِي وُجُوهِ
الْأَعْدَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا، سَيْنَاء تَارِيخ وَحَضَارَة ، وَجَمَال ، وَجَلَال، وَمُقَدَّسَات. سَيْنَاء لَيْسَتْ مُجَرَّدَ اسْم جُغْرَافِيّ لِمِسَاحَة مِنْ الْأَرْضِ نَعْرِفُهَا بِحُدُودِهَا وَمِسَاحَتِهَا وَتُضَاريسها وَمَنْاخَهَا وَمَوَارِدَهَا الطَّبِيعِيَّة وَسُكَّانِهَا، مِثْل مَنَاطِق كَثِيرَةٌ هُنَا وَهُنَاكَ عَلَى اتِّسَاعِ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ حَيَّةً مِنْ التَّارِيخِ وَالْأُسْطُورَة وَقِصَصٌ الْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ. فَهَذِهِ الْأَرْضُ السَّاحِرَة الْبَاهِرَة الَّتِي تُشَكِّلُ مَا يَقْرُبُ مِنْ سِتَّةِ بِالْمِائَةِ مِنْ إِجْمَالِيِّ مِسَاحَة مِصْر، تَرْتَبِط بِالتَّارِيخ أَكْثَرَ مِمَّا تَنْتَمِي إِلَى الْجُغْرَافِيَا؛ تَحْكِي كُلُّ قِطْعَةٍ فِيهَا قَصَصًا وَسَرَدِيَات تَتَعَلَّقُ بِمَصَائِر الْبَشَرِ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ انَات الزَّمَنِ الَّذِي يَمْضِي لِتَدُوس عَجَّلْتَه فَوْق السِّنِين وَالْقُرُون؛ تُحْكَى عَنْ الْأُسْطُورَة وَالتَّارِيخ، وَالدَّيْن وَالْحَرْب وَالْبُطُولِه، وَالْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيد، وَحَيَاة النَّاس وَمَشَاعِرِهِمْ وَمَتَاعبهم؛ أَكْثَرُ مِمَّا تَهْتَمُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِهِا مِنْ مَعَادِنِ، وَأَحْجَار كَرِيمَة، بِتَرْول وَغَازٍ وَفَحْم …. سَيْنَاء كُلُّ هَذَا وَأَكْثَرُ, وَنَذْكُرُ بَعْضَ أَهَمِّيَّتِهَا وَمَكَانَتَهَا فِي النِّقَاط التَّالِيَة ..

أَرْض شُهُود الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ وَحِوَار اللَّهِ مَعَ نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامِ:

أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ لِسَيِّناء فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ فِيهِ تَعْظِيمٌ وَتَشْرِيف لَهَا وَمَا يَزِيدُهَا تَشْرِيفًا أَكْثَرَ إنْ اللَّهُ كَلَّم سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ فَفِيهَا “جَبَلَ الطُّورِ” فَمِنْ بَيْنِ جِبَال الْكُرْه الْأَرْضِيَّة يَنْفَرِدُ مِنْ بَيْنِهَا جَبَلَ الطُّورِ لِيَشْهَد الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ

وَأَوَّل حِوَار دَارٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَنَبِيُّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّم الِلَّه مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا (164) } ]النِّسَاء[.

فَمَنْطقه الْوَحْيُ الْمُبَارَكِ فِي جَبَلٍ الطُّور هِيَ الْبُقْعَةُ الْمُبَارَكَةَ قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ أنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ اُمْكُثُوا إنِّي انَسْتُ نَارًا لَعَلِّي اتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ إنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(30){ ]الْقَصَص[.

وَهُنَاك قَرَّبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ،فَكَانَ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ تَعَالَى : {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)}مَرْيَم
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَاجَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ جَبَلِ الطُّور الْمَعْرُوف بِسَيْناء.

أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ مُبَارَكَة :

وَصَفَهَا اللَّهُ بِالْبُقْعَة الْمُبَارَكَة فَقَالَ تَعَالَى :} فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي
الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ {.
وَفِي مَوْضِعٍ اخَرَ يَصِفَهَا رَبُّ الْعِزَّةِ جَلَّ وَعَلَا بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ أَيْ الَّذِي تَقَدَّس .
قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)}طَه.

شَهِدَتْ نُزُول الأَلْوَاح عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ :

قَالَ تَعَالَى:{ ووٰعَدُّۡنَا مُوسَىٰ ثلٰثين لِيۡلَهُٗ وَأْتۡمِمّۡنٰهَا بِعَشۡر فَتَمَّ مَئِقٰت رَبِّهۦ أَرۡبِعَيْن لِيۡلَهُٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ ةٰرَوْن اخَۡلَفَّۡنِي فِي قَوّۡمِي وَأَصْۡلَحّۡ وَلَا تَتَّبِعْۡ سَبِيلَ الۡمفۡسَدَّيْن (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمَيِّقٰتَنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبُّ أَرِنِي أَنْظُرْۡ إلَىۡكۚ قَالَ لَنْ تَرَىَٰنِي وَلَٰكِنَّ انَظَرَۡ إلَى الۡجَبَلٍ فَإِنْ اسۡتُقِرّ مَكَانَهۥ فَسَوّۡف تَرَىَٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْۡجَبَل جَعَلَهۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سَبَّۡحٰنَك تُبْۡت إلَىۡك وَأَنَا۠ أَوَّلُ الۡموۡمَنِين (143) قَالَ يَٰمُوسَىٰ إِنِّي اصۡطُفَىۡتَكُ عَلَى الِنَاس بِرَسٰلِٰتِي وَبِكُلّٰمِي فَخُذْۡ مَا ءَاتِيۡتَكُ وَكُنْ مِنْ الشٰكُرَّيْن (144) وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي الِۡأَلْۡوَأَحّ مِنْ كُلِّ شَيْۡءٖ موۡعِظْهُٗ وَتُفّۡصِيلٗا لِكُلِّ شَيْۡءٖ فَخُذْۡهَا بِقُوَّة وَاۡمَرّۡ قَوّۡمَك يَاۡخُذُوا بَاحۡسِنُّهَاۚ سَأُورِيكُمْۡ دَارَ الۡفٰسَقَىن
(145)}الْأَعْرَافُ

أَقَام سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَوْرِ سَيْنَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا صَائِمًا، قَائِمًا، مُنَاجِيًا رَبِّه، وَبَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ التَّوْرَاةِ وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: }(أَنَّا أُنْزِلَۡنَا الِتَوۡرِيِّٰة فِيهَا هَدّٗي وَنُورٞۚ (44){ ] الْمَائِدَةِ[ .
وَكَانَ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى أَلْوَاحِ مِنْ زَبَرْجَدٍ أَخْضَرَ مِنْ أَلْوَاحِ الْجَنَّةِ، وَفِيهَا أَحْكَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، الَّتِي تُنَظِّمُ أُمُور الْبَشَر دِينِهِمْ، وَدُنْيَاهُمْ.

شَهِدَتْ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ الَّتِي أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل:

شَهِد جَبَلَ الطُّورِ إعْطَاءُ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَفِيهِ رَفْعُ اللَّه جَبَلَ الطُّورِ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ فَسَجَدُوا لِلَّهِ تَعَالَى رُعْبًا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَى الْجَبَلِ الْمَرْفُوع فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ، وَفِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الرَّهِيب أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَصِفُ ذَلِكَ الْحَدَثِ قَالَ تَعَالَى: }وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ
كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا اتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(171){ ]الْأَعْرَاف[

قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى :

أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُقْسَمُ إلَّا بِالْعَظِيم لِأَنَّ الْعَظِيمَ لَا يُقْسَمُ إلَّا بِالْعَظِيم فَهَذِهِ الْأَمَاكِنُ لَهَا مِنْ الْمَكَانَةِ الْعَظِيمَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ تَعَالَى: }وَالِتَيَن وَالِزِيّۡتُؤْن (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَةٰذَا الۡبَلَد الۡأَمِين (3){ ] التِّين[ وَطُورِ سِنِينَ هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ جَبَلٌ الطُّورُ فِي سَيْنَاء.

سَيْنَاء أَرْض الْخَيْر وَالنَّمَاء:

جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا سِرًّا وَبَرَكَة اقْتِصَادِيَّة يُمْكِنُ أَنْ نَلْمَحها مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :

}وَلَقَدْۡ خَلَقۡنَا فَوۡقكمۡ سَبَّۡع طَرَائِق وَمَا كُنَّا عَنْ الۡخَلّۡق غٰفَلَئِنْ (17) وَأَنْزَلۡنَا مِنْ الَسَمَاء مَاءۢ بِقَدْر فَاسۡكُنّٰةِ فِي الۡأَرۡضۖ وَأَنَا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهۦ لقٰدُرُون (18) فَأَنْشَأَۡنَا لَكُمْ بِهِۦ جُنّٰت مِنْ نَخِيل واعٍۡنٰب لَكُمْۡ فِيهَا فَوٰكُهْ كَثِيرَةٌٞ وَمِنْۡهَا تَاۡكَلَوْن (19){ ] الْمُؤْمِنُون[.

فَهُنَا يَتَحَدَّث اللَّهُ تَعَالَى عَنْ خُلُقِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْبَشَر وَإِنْزَالَ الْمَاءِ مِنْ السَّمَاءِ وَجَنَّات النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ ، وَبَعْدَهَا يَقُولُ تَعَالَى : ” وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْاكِلِينَ”. أَيْ جَعَلَ شَجَرَةِ الزَّيْتُونِ الَّتِي تَنْبُتُ فِي جَبَلٍ الطُّورُ

فِي الْوَادِي الْمُقَدَّسُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخَلْقِ شَأْن النِّعَمِ الَّتِي سَبَقَتْهَا فِي الْايَاتِ

وَجَعَلَ نِعْمَةً هَذِهِ الشَّجَرَةِ مُسْتَمِرَّة مُتَجَدِّدَة شَأْن الْمَطَر وَالْجَنَّات وَالْبَسَاتِين وَالسَّمَاوَات السَّبْع وَجَاء التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فَقَال : ” وَشَجَرَةً تَخْرُجُ ” ” تَنْبُت بِالدُّهْن ” .

وَأَنَّ هَذَا الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ مُسْتَمَدٌّ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي الْمُقَدَّسُ الَّذِي شَهِدَ وَحْدَهُ كَلَامِ اللَّهِ
تَعَالَى لِأَحَدٍ الأَنْبِيَاءِ ، وَإِنَّ هَذَا الْخَيْرِ وَضَعَهُ اللَّهُ لِكِفَايَة الْبَشَرِيَّة .

تَفَجُّرٍ فِيهَا عُيُونُ الْمَاءِ وَنُزُولُ الْمَنّ وَالسَّلْوَى:
فِي أَرْضِ سَيْنَاء ضَرْبُ مُوسَى الْأَحْجَار لِتَنَفجر مِنْهَا يَنَابِيع الْمِيَاه (عُيُون مُوسَى) الْإِحْدَى عَشَرَ بِعَدَدِ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَيْثُ عُرِفَ كُلُّ قَوْمٍ مَشْرُبَة وَاَلَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ حَتَّى الْانَ تَشْهَدُ بِمُعْجِزَة الْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ .

قَالَ تَعَالَى }وَقَطَعَۡنٰهُمْ اثۡنَتَيۡ عِشْۡرَه أُسّۡبَاطَا أُمَمٗاۚ وَاوۡحَيّۡنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إذْ اسۡتَسْۡقِيٰة قَوّۡمَهْۥ أَنْ اضۡرَبّ بِعَصَاك الۡحَجَرۖ فانۢبِجَسَتْۡ مِنْۡهُ اثۡنَتَأ عِشْۡرَه عَيْۡنُٗاۖ قَدْۡ عُلِمَ كُلُّ أُنَاس مِشّۡرَبِّهِمْۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلِيُّۡهُمْ الۡغُمّٰم وَأَنْزَلۡنَا عَلِيُّۡهُمْ الِۡمَنْ والَسَلۡوَىٰۖ كُلُوا مِنْ طِيبِٰت مَا رَزَقَۡنٰكَمْۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنَّ كَانُوا أَنْفُسَهُمْۡ ئِظۡلِمُؤَن (160) الْأَعْرَاف

وَعَلَى أَرْضِ سَيْنَاء أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى وَقَوْمَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَلَكِنْ تُجْبَرُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَعَصَوْا مُوسَى فَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ التِّيه بَيْنَ الْجِبَالِ وَفِي أَوْدِيَة سَيْنَاء أَرْبَعِينَ عَامًا جَزَاءُ مَا اقْتَرَفُوه كُفْرًا وَعِصْيَانًا ، وَكَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْمَذَلَّة وَالْمَسْكَنَةَ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :}قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ(26) { ]الْمَائِدَة[

العُنْصُرُ الثَّانِي: أَنْبِيَاءِ اللَّهِ عَلَى أَرْضٍ سَيْنَاء:

لَقَدْ شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْضٌ سَيْنَاء فَجَعَلَهَا مُعَبِّرًا لِلْأَنْبِيَاء (إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَيَعْقُوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَعِيسَى وَأُمِّه الْبَتُولِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ..)

أَبُو الْأَنْبِيَاءِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَام :

فَأَبُو الْأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاَلَّذِي شَقَّ طَرِيقَهُ خِلَالِهَا هُوَ وَزَوْجَتُهُ

السَّيِّدَة سَارَة إلَى مِصْرَ قَادِمًا مِنْ بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ مُتَّجَهًا إلَى أَرْضِ كَنْعَانَ بِفِلَسْطِينَ حَيْثُ اشْتَدَّ الْقَحْط بِتِلْكَ الْبِلَادِ وَذَهَبَ إلَى مِصْرَ مُتَّخِذًا سَيْنَاء طَرِيقًا حَيْثُ أَقَامَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَنِ فِي مِصْرٍ وَعَاد ثَانِيَةً إلَى فِلَسْطِينَ ، عَبَّر سَيْنَاء وَمَعَه زَوْجَتَيْه سَارَة وَهَاجَر “أُمُّ إسْمَاعِيلَ” الأَمِيرَة الْمِصْرِيَّة الأَسِيرَة الَّتِي هِيَ مِنْ مَدِينِهِ الْفَرَمَا

مِنْ قَبِيلَةٍ أُمِّ الْعَرَبِ بِشَمَال سَيْنَاء وَاَلَّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِمَا فِرْعَوْن مِصْر .

نَبِيَّ اللَّهِ يَعْقُوبَ وَسَيِّدُنَا يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ

كَمَا وَطَّأ أَرْضِهَا كُلٍّ مِنْ سَيِّدِنَا يُوسُفَ الصِّدِّيقَ وَأَبِيه سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ

وَأَخَوَاتِه أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَيْثُ كَانَ فِي هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ عُبُورُهُم وَذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ

وَرَوَاحِهَمْ ، حَيْثُ تَمَّ لِقَاء سَيِّدِنَا يُوسُفَ بِأَبِيه سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ ، فَعَلَى أَرْضِهَا التَّامّ شَمِلَهُمَا وَالْتَقَيَا بَعْدَ سَنَوَاتٍ مِنْ الْعَذَابِ وَالْغُرْبَة وَالْحِرْمَان .

وَعَلَى أَرْضِ الْعَرِيش فَصَلَتِ الْعِيرُ وَمَنْ أَرْضِهَا انْطَلَقْت رَائِحَة قَمِيصِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتّ وَصَلَ إلَى فِلَسْطِينَ لِيَشُمَّه يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَقُول قَوْلَتَه الْمَأْثُورَة إِنِّي لَأَجِدُ رَائِحَة يُوسُفَ وَهَذَا مَا جَاءَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:

}وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ { . ]يُوسُفَ[

وَتَفْسِيرُهَا أَنَّهُ لَمَّا فَصَّلَتْ عِير أَيْ عِنْدَمَا وَصَلَتْ قَافِلَة بَنِي يَعْقُوبَ إلَى مَدِينَةٍ الْعَرِيش قَادِمةٌ مِن عِنْدِ يُوسُفَ بِمِصْرَ مُتَوَجِّهَةٌ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ عَبَّر سَيْنَاء وَكَان قَمِيصِ يُوسُفَ بِحَوَزَتِهَا فَرَاحَتْ رَوَائِحِ الْجَنَّةِ فِي الدُّنْيَا وَاتَّصَلَتْ بِيَعْقُوب، فَوَجَدَ رِيحَ الْجَنَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَمِيصَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ “إِنِّي لَأَجِدُ” أَيْ أَشُمّ رَائِحَة يُوسُف .

لَقَدِ انْطَلَقَتِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ مِنْ أَرْضِ الْعَرِيشِ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ حَيْثُ كَانَ يُقِيمُ نَبِيَّ اللَّهِ يَعْقُوب .

سَيِّدِنَا مُوسَى الْكَلِيم عَلَيْه السَّلَام :

لَجَأَ إلَيْهَا سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَ لِقَاؤُه مَعَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ،حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِتَلَقِّي رِسَالَتِه لِلْإِنْسَانِيَّة فِي تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي بِأَرْكها اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، حَيْثُ تَجَلَّتْ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَعِنْدَمَا عَاد سَيِّدِنَا مُوسَى ثَانِيَة بِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَرَبًا مِنْ فِرْعَوْنَ ، سَارُوا مُتَّجَهين إلَى سَيْنَاء ، حَيْثُ وَجَدُوا الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ فِي مُوَاجَهَتِهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ لَحِقَهُمْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ ، فَحَدَث الْمُعْجِزَةِ عَلَى أَرْضِهَا حِينَمَا أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى أَنَّ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ لِيَجِد الطَّرِيقَ أَمَامَهُ يَابِسًا مُمَهَّدًا لَهُ وَمَنْ

مَعَهُ ثُمَّ يَعُودُ الْبَحْر مَرَّةً أُخْرَى إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى فَيَغْرَق فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ وَيَنْجُو

مُوسَى وَقَوْمَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ ، حَيْثُ حَدَثَتْ الْمُعْجِزَات الْإِلَهِيَّة .

وَمَنْ شَطْأَنها انْطَلِقْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلِقَاء الْعَبْدُ الصَّالِحُ سَيِّدِنَا الْخَضِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاَلَّذِي عِلْمِه مَالَمْ يُحِطْ بِهِ خَبَرًا ، وَهَذَا مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلّ :

}وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَااِبرح حَتَّى ٰأَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوَامضي حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61){ ]الْكَهْف[

السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ وَابْنَهَا سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:

جَاءَ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَوْلُودًا بِمُعْجِزَة رَبَّانِيَّة مِنْ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ فِي بَيْتِ لَحْمِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ الَّتِي كَانَتْ انَذَاك تَحْتَ حُكْمِ الْإِمْبِرَاطُورِيَّة الرُّومَانِيَّة.
وَقَدْ اضْطَرَّتْ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ لِلْهَرَب بِطِفْلها مِنْ بَطْش الرُّومَان، وَوِشَايَة الْيَهُودِ إلَى مِصْرَ؛ وَكَانَتْ رَحْلِه الْهُرُوب إلَى مِصْرَ عَبَّر سَيْنَاء.
وَجَاءَ الْفَتْحُ الْإِسْلَامِيّ لِمِصْر تَحْتَ قِيَادَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ طَرِيقِ سَيْنَاء، وَمُنْذ اللَّحْظَةُ الْأُولَى لِقِصَّة الْفَتْح الْإِسْلَامِيّ تَرَدَّدَتْ أَسْمَاء أَمَاكِن وَمَوَاقِع عَلَى أَطْرَافِ شِبْهِ جَزِيرَةِ سَيْنَاءُ، أَوْ فِي دَاخِلِهَا، فِي سَرْدِيات الْفَتْحِ: فَقَدْ كَانَتْ رَفَح وَإِلَّفَرَمَا مِنْ أَوَائِلِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي وَصَلَهَا الْفَاتِحُون الْمُسْلِمُون.
حَيْث يُسَجِّل التَّارِيخُ أَنَّهُ مُنْذُ أَكْثَرَ مُنْذُ أَرْبَعَةِ عَشْرَ قَرْنًا مِنَ الزَّمَانِ , وَأَكْثَر بِقَلِيل شَهِدَتْ سَيْنَاء إقَامَة أَوَّلُ صَلَاةٍ لِعِيدِ الْأَضْحَى الْمُبَارَكِ عَلَى أَرْضٍ مِصْر وَذَلِك حِينَمَا دَخَلَ عَمْرٌو بْنِ الْعَاصِ بِجَيْشِه الظَّافِر أَرْض سَيْنَاء الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي بِأَرْكها اللَّهُ تَعَالَى ،وَاَلَّتِي نَالَتْ قُدْسِيَّة اسْتِقْبَالِ كُلٍّ الرِّسَالَات عَلَى أَرْضِهَا .

لِذَلِك الْأَطْمَاع الْيَهُودِيَّةِ فِي سَيْنَاء وَاضِحَة وَجَلِيُّه
لِأَنَّ شِبْهَ جَزِيرَة سَيْنَاء تَحْتَوِي عَلَى أَقْدَس مُقَدَّسَات الْيَهُود، فَمِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ نُودِي مُوسَى وَعَلَيْه تَلَقِّي الأَلْوَاح، وَبِهَا صَخْرَة الْعَهْد، وَسَيْنَاء هِيَ أَرْضُ التِّيه، مَا يُجْعَلُ أَطْمَاع الْيَهُود تَحُوم فِي فَلَكِهَا، وَقَدْ تُرَبِّي أَبْنَاؤُهُمْ عَلَى عَقِيدَةِ إنَّ جَزِيرَةَ سَيْنَاء هِيَ قَلْبُ مَمْلَكَتِهِمْ الْمَوْعُودَة.

وَمَا فِلَسْطِين إلَّا جُزْءًا صَغِيرًا مِنْ تِلْكَ الْمَمْلَكَة الَّتِي تُضَمُّ سَيْنَاء وَفِلَسْطِين وَشَرِق الأُرْدُنّ وَقِسْمًا مِنْ سُورِيَّة وَالْعِرَاق حَتَّى الرَّافِدَيْن.
وَأَمَّا عَنْ أَطْمَاع الْيَهُودِ فِي سَيْنَاء وَاَلَّتِي يَرْبِطُونَهَا بِالمُعْتَقَدَات الْيَهُودِيَّة وَالتَّارِيخ الْإِسْرَائِيلِيّ فَيَرَى بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّ قَصَص التُّلْمُود وَنَبَّوات الْأَقْدَمِين وَاسْطَوْرَه الشِّعْبُ الْمُخْتَارِ لَيْسَتْ فِي الْوَاقِعِ إلَّا وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ التَّعْبِئَة وَالْإِقْنَاع يَسْتَخْدِمَهَا الْقَادَة وَالْمَوْجُهون الصَّهَايِنَة لِدَفْع الشَّبَاب الْيَهُودِيّ نَحْوِ هَذِهِ الْأَهْدَاف التَّوَسُّعِيِه الِاسْتِعْمَارِيَّة، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَمَثَّلَ فِي الْوَاقِعِ أَمْرًا مُهِمًّا فَالتَّوَسُّع الِاسْتِعْمَارِيّ يَعْتَمِدُ عَلَى النُّفُوذِ من غير حُجَّة.

العُنْصُرُ الثَّالِث : وَأَجَبْنَا نَحْو سَيْنَاء والقدس

لَا بُدَّ أَنْ نَعْرِفَ حَقِيقَة إِنَّ
أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً وَحَسَدًا لأَهْلِ الإِيمَانِ هُمُ الْيَهُودُ

عَلَى مَدَى الزَّمَانِ، قَالَ تَعَالَى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ امَنُوا الْيَهُودَ وَاَلَّذِينَ

أَشْرَكُوا(82)} [الْمَائِدَة].

وَقَالَ تَعَالَى: }وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(109){ [الْبَقَرَةِ] .

وَمَنْ شِدَّة الْعَدَاء أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ لَكِنَّهُمْ لَا يَتْبَعُونَهُ، فَهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) حَقٍّ، وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوهُ، وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ (ﷺ) وَوَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ نَظَرَ إلَيْهِ الْيَهُود فَعَرَفُوه، وَأَكْنوا لَهُ الْعَدَاوَةَ كَمَا رَوَتْ ذَلِكَ أَمْ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بْنِ أَخْطَبَ زَوْجَة نَبِيِّنَا (ﷺ) فَإِنَّهَا ذُكِرَتْ إِنْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ أَحَد زُعَمَاء يَهُودَ لِمَا قَدَّمَ النَّبِيُّ (ﷺ) الْمَدِينَة رَاه فَعُرِفَ أَنَّهُ نَبِيٌّ مِمَّا قَرَأَ عَنْهُ فِي التَّوْرَاةِ، تَقُول صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :أَنَّ أَبَاهَا وَعَمِّهَا الْتَقَيَا بَعْدَ أَنْ رَأَيَا النَّبِيَّ (ﷺ) ، فَقَالَ عَمُّهَا لِأَبِيهَا: أَهُوَ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ أَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ أَوْ بِنَعْتِه ، قَالَ: فَمَا فِي صَدْرِكَ لَهُ؟، قَالَ: عَدَاوَتُهُ مَا بَقِيَتْ”، وَهَذَا مِصْدَاقُ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا: } فَلَمَّا

جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِۦۚ فَلَعۡنُهْ الِلَّهِ عَلَيَّ الۡكٰفَرِين (89) الْبَقَرَةُ
فَلَا بُدَّ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الْأَوْطَانَ مِنْ أَغْلَى الْأَشْيَاء لَدَى الْإِنْسَانِ لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مَسْئُولِيَّة تُجَاه وَطَنِهِ فِي الدِّفَاعِ عَنْه وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى امِنَةَ وَاسْتِقْرَارِه وَلِكَيْ نُودِي الْوَاجِب نَحْوُ الْوَطَنِ عَلَيْنَا بِالْاتِي ..

الْمَعْرِفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لِمَفْهُوم الْوَطَن :

إنَّ حُدُودَ الْوَطَن الَّتِي تَلْزَمُ التَّضْحِيَةِ فِي سَبِيلِ حُرِّيَّتِه وَخَيَّرَه، لَا تَقْتَصِرُ عَلَى حُدُودِ قِطْعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُولَدُ عَلَيْهَا الْمَرْءُ؛ بَلْ إنْ الْوَطَن يَشْمَلُ الْقُطْرَ الْخَاصِّ أَوَّلًا، ثُمَّ يَمْتَدُّ إلَى الْأَقْطَارِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْأُخْرَى الْمُرْتَبِطَة بِالْعَقِيدَة ، فَوَطِني مِصْرَ وَسَيْنَاء ، وَكَذَلِك فِلَسْطِين وَالْقُدْس ،وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْعُرُوبَة وَالْإِسْلَام.

إِصْلَاحِ النَّفْسِ وَالْمُجْتَمَع :

إِصْلَاحِ النَّفْسِ وَالْمُجْتَمَعِ ، فَالنَّصْر وَالتَّمْكِينُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُعْطِيهِ إلَّا لِلْمُؤْمِنِين الصَّادِقِينَ كَمَا وَهَبَه لأَصْحَابِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ تَعَالَى }فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6){ ]الْإِسْرَاء[ .

وَقَالَ تَعَالَى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7){ ]مُحَمَّد[

فَلَابُدَّ مِنْ إحْيَاءِ الْأَيْمَانِ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَلْقُوه الرُّوحِيَّة لَا بَدِيلَ لَهَا فِي الْمَعَارِكِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِل .

فَهْمِ طَبِيعَةِ الْمَعْرَكَة بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوَّنَا :

أَنَّ الْمَعْرَكَةَ بَيْنَنَا بَيْن عَدُوَّنَا مَعْرَكَة عَقِيدَة ،فَعَدَونا يُحَارِبُنَا بِالْعَقِيدَة فَلَا بُدَّ أَنْ نُحَارِبُهْ بِالْعَقِيدَة، وَأَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنُون، فَنَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ

مُوَالَاةِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَدَمُ الْأَمَانِ لَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى }وَلَا تَوّۡمَنُّوا إلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينِكُمْۡ

(73){ ] ال عِمْرَانَ[

وَبَيْنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ مَنْ صِفَات جِيل النَّصْر وَالْغَلَبَة أَنَّه يُوَالُون اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ تَعَالَى } يٰأَيُّهَا الَّذِين ءامنوا مِنْ يَرۡتد مِنْكُمْۡ عَنْ دَيْنِهِۦ فَسَوّۡف يَاۡتِي الِلَّه بِقَوْۡم يُحِبُّهُمْۡ وَيُحِبُّونَهُۥ أَذِلَّةٍ عَلَى الۡموۡمَنِين أَعِزَّةٍ عَلَى الۡكٰفَرِين يجٰهُدُون فِي سَبِيلِ الِلَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْۡمَهْ لَائِمۚ ذَٰلَك فُضّۡل الِلَّه يوۡتِيهَ مَنْ يَشَاءُۚ وَالِلَّهِ وَٰسع عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الِلَّهِ وَرَسُولِهِۥ والَّذِين ءامنوا الَّذِينَ يُقِيمُون الِصَلَوٰهُ وَيُؤْۡتُؤْن الِزَكَوٰهُ وَهُمْۡ رٰكَعُون (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ الِلَّهِ وَرَسُولِهِۥ والَّذِين ءامنوا فَإِنْ حَزَّۡبِ الِلَّهِ هُمْ الۡغٰلَبُونٍ (56){ ] الْمَائِدَة[
وَعَلَيْنَا أَنْ نَعْلِي مِنْ شَأْنِ أَوْطَانِنَا وَإِنْ نَعْمَلُ عَلَى نَهْضَتِه اقْتِصَادِيًّا ، وَسِيَاسِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا فِي جَمِيعِ الْمَجَالَاتِ ، بِأَنْ نَشَجَع مُنْتَجَات أَوْطَانِنَا الْإِسْلَامِيَّة وَالْعَرَبِيَّة ، وَإِنْ نُقَاطِع مُنْتَجَات عَدُوَّنَا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْتَوَيَات ، فَهَذَا مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْنَا تُجَاه الْأَوْطَان.

وَحْدَه الصَّفِّ وَعَدَمُ التَّنَازُع :

قَالَ تَعَالَى :}وَلَا تِنْٰزَعُوا فَتَفْۡشِلْوٍا وَتَذْۡهَبْ رِيحُكُمْۡۖ واصۡبَرُّواۚ إنَّ الِلَّهِ مَعَ الِصّٰبَرِئْن
(46){ ]الْأَنْفَال[

وَلَا شَكَّ أَنَّ تَوْحِيدَ الصُّفُوف وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ هُمَا الدِّعَامَة الوَطِيدَة لِبَقَاء الْأَمَة ، وَدَوَام دَوْلَتها ، وَنَجَاح رِسَالَتَهَا ، وَلَئِنْ كَانَتْ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ هِي عِنْوَان الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ تَوْحِيد الْكَلِمَةَ هِيَ سِرُّ الْبَقَاءِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَالْإِبْقَاء عَلَيْهِ ،

فَأَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نَكُون صَفًّا وَاحِدًا ، وَنَهَانَا عَنْ التَّفَرُّقِ فَفِيه الشَّقَاء وَالْهَزِيمَة فَقَالَ تَعَالَى: }وَاعِۡتَصُمْوا بِحَبٍّۡل الِلَّه جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواۚ واذۡكَرُّوا نَعۡمِتّ الِلَّهِ عَلَيَّۡكَمْۡ إِذْۡ كُنْتُمْۡ أُعْۡدَاءٗ فَأَلَّف بِيۡن قُلُوبِكُمْۡ فَأَصۡبُحّۡتَمّ بِنَعۡمُتَّهۦ أَخٍۡوَٰنٗا وَكُنْتُمْۡ عَلَىٰ شَفَا حُفّۡرَة مِنْ الِنَار فَأَنْقَذَكُمْ مِنْۡهَاۗ كذٰلَك يُبَيِّنْ الِلَّه لَكُمْۡ ءَايٰتهۦ لَعَلَّكُمْۡ تهۡتَدُونَ (103) وَلّۡتَكُنْ مِنْكُمْۡ أُمَّةٌٞ يَدِۡعَوْنٍ إِلَى الۡخَيْۡر وَيَاۡمَرْوَن بِالۡمَعۡرَؤُف وَيْنۡهُوۡن عَنْ الۡمُنْكِرۚ وَأَوَّلٰيَك هُمْ الۡمفۡلُحُون (104) وَلَا تَكُونُوا كالَّذِين تَفَرَّقُوا واخۡتَلِفُوا مِنْۢ بِعْۡد مَا جَاءَهُمْ الۡبَيْنٰتۚ وَأَوَّلٰيَك لَهُمْۡ عَذَابٌ عَظِيمٌٞ (105){ ]ال عِمْرَان[

قَتَل الْهَزِيمَة النَّفْسِيَّة وَبَثّ رَوْح الْأَمَل وَالتَّفَاؤُل :

الْأَمَلِ هُوَ انْشِرَاح النَّفْسِ فِي وَقْتِ الضِّيق وَالأَزَمَات؛ بِحَيْث يَنْتَظِر الْمَرْء الْفَرْج وَالْيُسْر لِمَا أَصَابَهُ، وَالْأَمَل يَدْفَعُ الْإِنْسَانَ إِلَى إنْجَازُ مَا فَشُلّ فـيَه مِنْ قِبَلِ، وَلَا يَمَلُّ حَتَّى يَنْجَحَ فِي تَحْقِيقُهُ.

أَنَّ أَخْطَر أَلْوَان الْهَزِيمَة , أَنْ تَمْتَلِئَ الْقُلُوب بِالْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَإِنْ تَتَفَرَّغ الْقُلُوبِ مِنْ الْأَمَلِ فِي وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْيَأْس وَنَدَّد بِاليَائِسِين فَقَالَ تَعَالَى }وَلَا تَائۡـسَوِّا مِنْ رَوّۡح الِلَّهِۖ أَنَّهُۥ لَا يَأَيّۡـس مِنْ رَوّۡح الِلَّهِ إلَّا الِۡقَوّۡم الۡكٰفَرَوَن (87){ ] يُوسُف[ .

وَوَعَد بِالنَّصْر لِلْمُؤْمِنِينَ فِي أَكْثَرِ مِنْ ايَةٍ فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ فَقَالَ تَعَالَى } وَلَقَدْۡ

سَبَقَتْۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الِۡمَرَّۡسُلَيْن (171) أَنَّهُمْۡ لَهُمْ الۡمَنْصُورُون (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا

لَهُمْ الۡغٰلَبُونٍ (173){ ] الصَّافَّات[

وَقَالَ تَعَالَى } كَتَبَ الِلَّه لَاغۡلَبَن أَنَا۠ وَرُسُلِيۚ إِنَّ الِلَّهِ قَوِيٌّ عَزِيزٌٞ (21){ ] الْمُجَادَلَة[

وَقَالَ تَعَالَى }لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِين كَفَرُوا فِي الۡبَلْٰد (196) مِتّٰعٞ قَلِيلٌٞ ثُمَّ مَاۡوِيّٰهُمْۡ جَهَنَّمۖ وَبِيۡس الۡمِهَاد (197){ ] ال عِمْرَان[

فَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي أَمْسِ الْحَاجَةِ إلَى أَنْ نَعِيش الْحَيَاة وَكُلُّنَا أَمَلٌ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ حَتَّى فِي أَحْلَكِ الظُّرُوفِ وَاشْتِدَاد الْكَرْب وَالْأَزْمَة وَاَللَّهُ تَعَالَى : }حَتَّى إذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يَرِدُ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110){ [يُوسُف

لِذَا يَنْبَغِي أَنْ نَقِفَ صَفًّا وَاحِدًا فِي وَجْهِ أَيِّ مُحْتَل غَاصِبٌ يُرِيدُ أَنْ يَنْهَب ثَرَوَاتِنَا وَخَيْرَاتٍنَا وَيَحْتَلّ بِلَادِنَا مَهْمَا كُلِّفْنَا ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ وَمَالِ وَأَيّ تَضْحِيَات، فَاَللَّه يَشْتَرِيَ مِنْ النَّفْسِ وَالْمَالِ مُقَابِل جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ فَقَالَ تَعَالَى }أَنَّ الِلَّهِ اشۡتَرَىٰ مِنْ الۡموۡمَنِين أَنْفُسِهِمْۡ وَأُمّۡوَٰلَهُمْ بِأَنْ لَهُمْ الۡجُنَّةۚ يقٰتَلَوَّنَ فِي سَبِيلِ الِلَّه فُيُقۡتَلَوَّن وَيُقۡتَلَوَّنَۖ وَعۡدَا عَلِيَّۡةَ حَقّٗا فِي الِتَوۡرِيِّٰة وَالِۡإِنْجِيل وَالِۡقَرّۡءَأَنْۚ وَمَنْۡ أَوْۡفِيٰ بِعْهُۡدَهۦ مَنْ الِلَّهِۚ فاسۡتُبْۡشَرَوْا بِبَيّۡعَكَم الِذِي بَائِعۡتَمَّ بِهِۦۚ وذٰلَك هُوَ الۡفَوۡز الۡعَظِيم (111){ ]التَّوْبَة[

فَالْمَوْتُ مِنْ أَجْلِ الدِّفَاعِ عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَرْض شَهَادَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَنْ أَبِي الْأَعْوَرِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ بْنِ عَمْرٍو بْنِ نُفَيْلٍ، أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) يَقُولُ: }مَنْ قَتَلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَتَلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَتَلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ{.]رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح[.
وَعَلَيْنَا وَنَحْنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ لَا نَنْسَى قَضِيَّتِنَا وَقَضِيَّةُ كُلٍّ مُسْلِمٍ وَهِيَ أَرْضٌ فِلَسْطِين وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
فَإِنَّ مَنْ وَاجِب الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ إنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ؛ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [الِ عِمْرَانَ: 103]، وَيَقُولُ تَعَالَى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الْأَنْفَال: 46].

مَهْمَا كَانَتْ الْخِلَافَات بَيْنَ الْأُمَّةِ، وَمَهْمَا كَانَتْ النِّزَاعَات بَيْنَ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إنْ تَتَّحِدُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، وَإِنْ تَجْتَمِع عَلَيْهَا، وَإِنْ تَكُونُ فِيهَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَكُونُ فِيهَا عَصَبَةٌ مُتَمَسِّكَة لَا تَتَنَازَل وَلَا تُقْبَلُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَنْصَاف الْحُلُولِ، وَلَا تَعْتَرِفْ بِأَيّ سَلَّطَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَّا سَلَّطَه الْإِسْلَامِ وَلَا تُقْبَلُ بِغَيْرِ هَذَا أَبَدًا.

وَأَمَّا الِاعْتِرَافُ بِسَلَطه الْيَهُودُ أَوْ تَسْلِيمَهُمْ جُزْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ؛ فَإِنَّهُ خِيَانَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْأَمَةِ أَنْ تَرْضَى بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْضَى بِسِيَاسَة الْأَمْرِ الْوَاقِعِ وَفَرَضَهُ عَلَى الْأَرْضِ؛ فَالْبَاطِل يَبْقَى بَاطِلًا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، وَالْمُحْتَل يَبْقَى مُحْتَلًّا وَلَوْ امْتَدَّتْ الْأَعْوَامِ. وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَأْتِيَ يَوْمًا وَنِعْلِمْهُمْ بِأَنْ مُحَمَّدًا مَأْمُات وَمَا خَلَّفَ بَنَات وَلَكِنَّهُ خَلَّفَ رِجَالًا تَحْتَرِق قُلُوبِهِمْ شَوْقًا لِلشَّهَادَة

الدُّعَاءِ

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ

وَأَقُمْ الصَّلَاةُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *