بحث في موضوع ( اذا استنار العقل بالعلم انار الدنيا) لفضيلة الشيخ رضا الصعيدي


بحث في موضوع ( اذا استنار العقل بالعلم انار الدنيا)
لفضيلة الشيخ  :رضا الصعيدي

لتحميل البحث  pdf اضغط على الرابط أدناه

استنارة العقل بالعلم وبيان أهم العقبات – الشيخ رضا

العناصر :
كيف كرم الله ورسوله أهل العلم ؟
وكيف تكون استنارة الدنيا تبعا لاستنارة العقل بالعلم؟
وما هي أهم النماذج العلميه التي أنارت الدنيا ؟
وما أهم وأخطر العقبات في طريق طلب العلم ؟
وما الواجب علينا ؟

العلم حياة ونور، والجهل موتٌ وظُلمَة، والشرُّ كلُّه سببه عدمُ الحياة والنور، والخيرُ كلُّه سببه النورُ والحياة؛ فإنَّ النورَ يكشفُ عن حقائق الأشياء، ويبيِّنُ مراتبها، والحياةُ هي المصحِّحةُ لصفات الكمال، المُوجِبةُ لتسديد الأقوال والأعمال.
وكلُّ ما تصرَّف من الحياة فهو خيرٌ كلُّه؛ كالحياء الذي سببه كمالُ حياة القلب، وتصوُّرُه حقيقةَ القبح ونفرتُه منه، وضدُّه الوقاحةُ والفُحش، وسببه موتُ القلب وعدمُ نفرته من القبيح. وكالحَيَا الذي هو المطرُ الذي به حياةُ كلِّ شيء.

قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، كان ميتًا بالجهل فأحياه بالعلم، وجعل له من الإيمان نورًا يمشي به في الناس.

لقد بين القرآن الكريم مكانة من سلكوا طريق العلم واتخذوه سبيلا، فقال الله سبحانه وتعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)المجادلة 11) وقال أيضا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ )الزمر9) كما نزل الله تعالى العلماء بعد ذاته العلية وملائكته في أعظم شهادة وأقدسها، قال سبحانه ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ )آل عمران 18) والعلماء هم من فازوا بالخيرية التي حددها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في قوله من حديث مُعَاوِيَةَ – رضي الله عنه – “مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ “رواه البخاري)، فمن سلك طريقا يبتغى فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ” كما أن العلماء يستغفر لهم من في السماوات ومن في الأرض فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ”، كما يظهر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مقام العالم من العابد فيقول ” وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ” وجاء في الحديث” وَلَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ “رواه البيهقي في شعب الإيـمان) فإن الشيطان قادر على أن يزين للعابد الجاهل عملا باطلا فيوقعه فيه ويضله، وأما العالم الحق يغلب الشيطان بعلمه فيحفظ دينه ودين غيره من الناس ، ومن هذا كله كان موت العلماء أحب إلى الشيطان من موت العباد.. ويحضرني قول الإمام الشافعي رحمه الله:
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم….وعاش قوم وهم في الناس أموات
وما أجمل قول سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه:
ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم …..على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه .. …والجاهـلون لأهل العـلم أعداء
فـفـز بعلم تعش حيـاً به أبــدا…… الناس موتى وأهل العلم أحياء

نماذج أنارت الدنيا :
هناكَ علماءُ باحثونَ إسلاميونَ قدّمُوا بحوثًا عظيمةً ومصنفاتٍ جليلةً في شتّى العلومِ والفنونِ، قامتْ عليهَا الحضارةُ الإسلاميةُ في الشرقِ والغربِ عبرَ العصورِ والقرونِ.

ومِن هؤلاءِ الباحثينَ على سبيلِ المثالِ لا الحصر…
ابنُ سينَا:

يُعَدُّ ابنُ سينَا واحدًا مِن أعظمِ العلماءِ المسلمينَ الذينَ أثرُوا في أوروبَا على الإطلاقِ، فقد كان كثيرَ المعرفةِ في الفيزياءِ والفلسفةِ والرياضياتِ والفلكِ، بالإضافةِ إلى الطبِّ الذي اشتهرَ بهِ بشكلٍ كبيرٍ، ومِن أهمِّ كتبِ ابنِ سينَا (القانونُ في الطبِّ) والذي يُعدُّ المرجعَ الأولَ والأكبرَ في طبِّ الدواءِ، هذا الكتابُ يصفُ أكثرَ مِن 750 وصفةً دوائيةً تُعدُّ الوصفاتِ الأكثرَ أصالةً في هذا العصرِ. وقد كان ابنُ سينَا هو أولُ مَن وصفَ مرضَ التهابِ السحايا، وقدّمَ الكثيرَ مِن المشاركاتِ في علمِ التشريحِ وطبِّ الأطفالِ.

وفي مجالِ الفيزياءِ كانتْ لهُ أبحاثٌ في الزمنِ والجاذبيةِ والضوءِ والفراغِ.

ومنهم: الكندِي (٨٠١- ٨٧٣ م):
والذي يُعدُّ أحدَ أعظمِ ١٢ عقلًا بشريًّا في التاريخِ، ألَّفَ كتابًا مفصلًا للغايةِ، وصفَ فيهِ ٥٠ جهازًا ميكانيكيًّا وآلة، طوّرهَا وقدّمَ رسوماتٍ دقيقةً لهَا، لقد اضطلعَ بدورٍ رئيسِيٍّ في إدخالِ الأرقامِ العربيةِ والصفرِ إلى علمِ الحسابِ، العملُ الذي تابعَهُ علماءُ لاحقون.

ومنهم: جابرُ بنُ حيان (٧٢١- ٨١٥ م):
والذي يُعدُّ أبَ الكيمياءِ، ورائدًا في العديدِ مِن التقنياتِ التي لا تزالُ قيدَ الاستخدامِ اليوم، لقد كان ذَا عقليّةٍ تجريبيّةٍ عظيمةٍ، إذ سعَى لإثباتِ كلِّ شيءٍ مِن خلالِ التجاربِ، وساعدَ على وضعِ المنهجِ العلمِيِّ لاختبارِ الأفكارِ مِن خلالِ التجربةِ والمراقبةِ، وكان أيضًا يكتبُ بأسلوبٍ رفيعٍ يقصدُ منهُ عمدًا أنْ يكونَ بعيدًا عن متناولِ غيرِ المتخصصينَ في ذلكَ الوقتِ.

ومنهم: إسماعيلُ الجزرِي (١١٣٦- ١٢٠٦م):
وهو مهندسٌ وموسوعيٌّ معروفٌ باسمِ أبِ الروبوتاتِ، بنَى روبوتًا على شكلِ رجلٍ، وكذلك ساعاتٍ مختلفةً، بما في ذلك أولُ ساعةٍ محمولةٍ وساعةُ الفيلِ الرائعةُ. قامَ الجزرِي بشرحِ عملِهِ في كتابِ: (الجامعِ بينَ العلمِ والعملِ النافعِ في صناعةِ الحيلِ).

ومنهم: الفرغانِي:
وهو أحدُ العلماءِ المسلمين الذين تميزُوا في علمِ الفلكِ، وله كتابٌ يعتبرُ أكثرَ مِن مشهورٍ في علمِ الفلكِ، وهو كتابُ (جوامعُ علمِ النجومِ والحركاتِ السماويةِ)، هذا الكتابُ يُناقشُ الحركةَ بينَ الأجرامِ السماويةِ في الكونِ وعلمِ النجومِ، وهو الكتابُ الذي تُرجِمَ للاتينيةِ، وكان أهمَّ مرجعٍ للأوروبيينَ في علمِ الفلكِ. وقد قامَ الفرغانِي بحسابِ قطرِ الأرضِ (6500 ميل) ولكن بشكلٍ عامٍّ، فكتابُهُ (جوامعُ علمِ النجومِ) هو أهمُّ إسهامٍ اعتمدتْ عليهِ الحضارةُ الفضائيةُ الأوروبيةُ.

ومنهم: أبو النصرِ الفارابِي:
والذي شاركَ هذا العالمُ في الكثيرِ مِن المجالاتِ، منها العلومُ والفلسفةُ والمنطقُ وعلمُ الاجتماعِ والدواءِ والرياضياتِ، فهو يُعدُّ أحدَ أكثرِ العلماءِ الموسوعيينَ امتيازًا.

ومنهم: أبُو عبدِ اللهِ البتانِي:
يُصنفُ البتانِي واحدًا مِن أعظمِ العلماءِ المسلمينَ في الفلكِ. فقد كانتْ مشاركاتُهُ في علمِ الفلكِ وعلمِ المثلثاتِ ساعدتْ كثيرًا في تطويرِ النظرياتِ الحديثةِ في هذهِ العلومِ، وكان أحدُ أهمِّ اكتشافاتِهِ هو تحديدُهُ للسنةِ الشمسيةِ بـ 365 يوم و 5 ساعات و46 دقيقة و24 ثانية. كما أنَّهُ قامَ بحسابِ نقطةِ الأوجِ الشمسِي منذُ عصرِ بطليموس، كما وضعَ نظرياتٍ لحركةِ الشمسِ وبعضَ القوانينِ للاهتزازاتِ البطيئةِ.

ويقولُ: ليوبولد وايس: لسنَا نبالغُ إذ قلنَا إنّ العصرَ العلميَّ الحديثَ الذي نعيشُ فيهِ، لم يُدشّنْ في مدنِ أوربة، ولكن في المراكزِ الإسلاميةِ في دمشقٍ وبغدادٍ والقاهرةِ وقرطبة، نحن مدينونَ للمسلمينَ بكلِّ محامدِ حضارتِنَا في العلمِ والفنِّ والصناعةِ، وحسبِ المسلمينَ أنّهُم كانُوا مثالًا للكمالِ البشرِي، بينمَا كنَّا مثالًا للهمجيةِ.

هذا قليلٌ مِن كثيرٍ مِن نماذجِ العلماءِ الباحثينَ الإسلاميينَ، وكذلك شهاداتِ الغربيينَ المنصفةِ في هذا الشأنِ.

أهم وأخطر العقبات في طريق طلب العلم :

1-عقبة الجهل والكبر وأخطارهما :
قال تعالى : {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.
الْجَهْلُ أَشَدُّ فَتْكًا مِنَ السَّرَطَانِ بِالْبَدَنِ، وَهُوَ لَوْ عَلِمَ بِجَسَدِهِ عِلَّة مَا صَبِرَ وَلَا لَحْظَةً، وَإِنَّمَا يَبْحَثُ عَنِ الشِّفَاءِ، وَأَمَّا الْجَهْلُ -وَالْجَهْلُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ دَاءٌ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ: ((أَلَا إِنَّ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤُالُ)). وَالْعِيُّ هَاهُنَا: الْجَهْلُ، فَجَعَلَهُ دَاءً، وَجَعَلَ سُؤُالَ أَهْلِ الْعِلْمِ دَوَاءً.

وقتها أنه لما هلك صاحب الشجة، الذي سأل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم حين أصابته شجة في رأسه وكانوا في البرد هل له رخصة في التيمم ؟ ، فقالوا: لا نجد لك رخصة عن الغسل. فاغتسل فمات، فذُكِر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، ألَّا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» لذلك قالنبي صلي الله عليه وسلم ( فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ) أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما..
ولا يخفى على كثير منا قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجلٍ عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكأن العابد استعظم الأمر فقال: لا فقتله فأتم به المائة، ثم ذهب إلي عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دلّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق ….. والقصة مشهورة فأنظر الفرق بين العالم والجاهل .

فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَاهِلٌ وَيَصْبِرُ عَلَى جَهْلِهِ، وَلَا يَطْلُبُ الْعِلْمَ الَّذِي يُصَحِّحُ بِهِ عَقِيدَتَهُ، وَيُصَحِّحُ بِهِ عِبَادَتَهُ، وَيُصَحِّحُ بِهِ مُعَامَلَتَهُ.

ومن أجمل ما قيل في ذلك: الرجـــــــــال أ ربعــــــة:
فرجل يدري ويدري ‏أنه يدري * *‏ * * فذلك عالم فاعرفوه
ورجل يدري ولا ‏يدري أنه يدري * *‏ * * فذلك غافل فأيقظوه
ورجل لا يدري ‏ويدري أنه لا يدري * *‏ * * ‏ فذلك جاهل فعلموه
ورجل لا يدري ولا ‏يدري أنه لا يدري * *‏ * * ‏ فذلك أحمق فاجتنبوه

روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ” إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِإِبْلِيسَ: يَا سَيِّدَنَا مَا لَنَا نَرَاكَ تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَالِمِ مَا لَا تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَابِدِ؟ فَقَالَ: انْطَلِقُوا فَانْطَلَقُوا إِلَى عَابِدٍ قَائِمٍ يُصَلِّي فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَانْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَتَرَوْنَهُ؟ كَفَرَ فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى عَالِمٍ فِي حَلْقَةٍ يُضَاحِكُ أَصْحَابَهُ وَيُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَقَالَ: سَلْ، فَقَالَ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَقُولُ لِذَلِكَ إِذَا أَرَادَ: كُنْ فَيَكُونُ، قَالَ إِبْلِيسُ: أَتَرَوْنَ ذَلِكَ؟ لَا يَعْدُو نَفْسَهُ وَهَذَا-أي العالم- يُفْسِدُ عَلَيَّ عَالَمًا كَثِيرًا ” جامع بيان العلم وفضله ) .

وأقول لا أشك لحظة في فضل الله أن الجاهل اذا طلب العلم فله أجران ، أما الأول فلأنه جاهد نفسه في دفع الجهل ، وأما الثاني فلأنه جاهد نفسه في طلب العلم ، وقد ورد في نحو هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم – في الحالة الأولى – :” ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران”(البخاري).

عن قيس بن كثير قال : قدم رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشق فقال ما أقدمك يا أخي ؟ فقال : حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال : أما جئت لحاجة ؟! قال : لا .
قال : أما قدمت لتجارة ؟! قال : لا .
قال : ما جئت إلا في طلب هذا الحديث .

قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” من سلك طريقا يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ” – أخرجه الترمذي  .

2- اتَّخاذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا :
في الحديث : إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا – الراوي : عبدالله بن عمرو : صحيح الترمذي .

وإنّ مِنْ أخْطَرِ ما تمرّ به الأُمّة اليوم من أزمات، أن يترأّس عليهم جُهّال يَنْسِبُونَ أنفسَهُم أو يُنسَبُون خطأً إلى العلم، وقد نوّه النبيّ  إلى خطَرِ هذه الحالة الزائفة والخادعة؛ ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أنّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

أي: الرجل التافه -الذي لا وزن له من علم ولا عقل ولا فقه ولا فهم- يتحدث في أمور العامّة ويستمع إليه الناس ويأخذون عنه العلم.

يقول ابن القيم في وصف هذه الرؤوس الجَاهِلَة: «لقد جلسوا على باب الجنة يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، كلما قالت أقوالهم: هلموا اسمعوا، قالت أفعالهم: افْرَنْقعوا لا تسمعوا، لو كان حقًا ما يدعون إليه لكانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة هُداة مُرشدون أدلاء»، لكنهم في الحقيقة قطاع طرق، أذلاء وما هم بأجلاء، بئس ما يصنعون: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمْ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} [الجمعة:5].
قال عمر بن الخطاب : (تعلّموا العلم، وتعلّموا له السكينةَ والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمون، وليتواضع لكم من تعلِّمون، ولا تكونوا جبابرة العلماء، ولا يقوم علمكم مع جهلكم) .

وكتب الإمام مالك إلى الرشيد: “إذا علمت علماً فليُرَ عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره وحلمه” .
وقال الإمام الشافعي: “لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلّ النفس وضيق العَيش وخدمة العلماء أفلح”

3-عقبة صاحب السوء :
احرص على اتخاذ صاحب صالح في حاله، كثير الاشتغال بالعلم، جيد الطبع، يعينك على
تحصيل مقاصدك ، ويساعدك على تكميل فوائدك ، وينشطك على زيادة الطلب ، ويخفف عنك الضجر والنصب ، موثوقاً بدينه وأمانته ومكارم أخلاقه ، ويكون ناصحاً لله غير لاعبٍ ولا لاه .” انظر تذكرة السامع لابن جماعة.

وإياك وقرين السوء؛ فإن العرق دساس، والطبيعة نقالة، والطباع سراقة، والناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض، فاحذر معاشرة من كان كذلك فإنه المرض، والدفع أسهل من الرفع .

فالصاحب ساحب فكم من طالب كانت لديه همة عالية ونبوغ في دراسته ولكن فجأة تحول فاصبح من المضيعين و من المتهاونين و اصبح يهمل دروسه و يهمل مذاكرته و يضيع أوقاته فاذا بحثت وجدت ان السبب في ذلك صديق و صاحب سوء

لذا حذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-من أصدقاء السوء
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)) أخرجاه

أي: أن طبعك يسرق من جلسائك وأنت لا تدري. ومن المعلوم المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة، فما الظنّ بالنفوس البشرية، وقد قيل: سمِّيَ الإنسان إنسانًا لأنه يأنس بما يراه خيرًا أو شرًا. قال ابن مسعود : (اعتبروا الرجل بمن يصاحب، فإنما يصاحب الرجل من هو مثله).

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: (قيل: يا رسول الله! أي جلساؤنا خير؟
قال: من ذكركم الله رؤيته وزاد في عملكم منطقة وذكركم في الآخرة عمله) الحديث صحيح.

4-عقبة الذنوب :
قال الشافعي :
شكوت إلي وكيع سوء حفظي ***فأرشدني إلي ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلــــــم نور * ونـــــــور الله لايؤتاه عاصي
فالعلم نور ونور الله تعالى لا يهدى لعاص قال الله تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]
و قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } [الأنفال: 29]
،فذكر هنا أن من اتقى اللّه حصل له الفرقان و الفرقان: وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة.
علي بن خشرم، قال: شكوت إلى وكيع قلة الحفظ، فقال: ” استعن على الحفظ بقلة الذنوب “
قال محمد بن رافع: قيل لسفيان بن عيينة: بم وجدت الحفظ؟ قال: ” بترك المعاصي “
سئل سفيان بن عيينة عن فضل العلم فقال: ألم تسمع قوله حين بدأ به ” فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ” [محمد:19] فأمر بالعمل بعد العلم.
وقد بوَّب الإمام البخاري بابًا فقال: ” باب العلم قبل القول والعمل “، لقوله تعالى: ” فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ” [محمد:19]
5-عقبة النسيان :
جَاءَ في تَرْجمة الإمَامِ أبي إسْحَاق الشِّيرَازيِّ أنَّهُ قَالَ: “كُنتُ أُعيدُ كلَّ قِيَاسٍ أَلفَ مَرَّةٍ، فَإذَا فَرغْتُ منه أَخذْتُ قيَاساً آخَرَ وهَكَذَا، وكُنتُ أُعيدُ كُلَّ درسٍ أَلفَ مَرَّةٍ فإذا كَانَ في المسْأَلةِ بيتٌ يُسْتَشْهدُ به حَفظتُ القَصِيدةَ ” .
وكَانَ أبو إسْحَاق يُعيدُ الدَّرْسَ في بِدَايَتِه مِائَةَ مَرَّةٍ .
وَقَدْ قَالَ ابنُ بَشْكُوَال ( في الصلة 1/146 ) في ترجمة أبي بَكرٍ غَالبِ بنِ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ عَطِيةَ الغرناطي (ت:518) – والدِ ابنِ عَطِيَّة المفَسِّرِ – : ” وَقَرأتُ بخطِّ بعضِ أصْحَابِنَا أنَّه سَمِعَ أبَا بكر بنِ عّطِيَّةَ يَذكُرُ أنَّهُ كَرَّرَ صَحِيحَ البُخَاريِّ سَبعَ مِائةِ مَرَّةٍ ” ا.هـ

وكَانَ الحَسن بنُ ذي النُّونِ أبو المَفَاخِرِ النَّيْسَابُوري ( المنسوبُ للمُعْتَزِلَةِ ) (ت : 545 هـ) يقولُ : الشَّيءُ إذَا لم يُعَدْ سَبعينَ مَرَّةً لا يَسْتَقرُّ . ا.هـ
. وهَذَا عَلَى وَجْهِ التَّقْريبِ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ أنَّهُ: كَانَ يُعيدُ الدَّرْسَ خَمسينَ مرةً
وقَال الذَّهَبيُّ في ترجمة ابن العَجَميِّ (ت: 642هـ ) : “يُقالُ: أَلْقَى ( المُهَذَّبَ ) دُرُوسَاً خمسَاً وعِشْرينَ مَرَّةً ” ا.هـ .

وَقَالَ السَّخَاوي في ترجمة عَبدِ الَّلطيف الكِرمَانيِّ الحَنَفِي : ” وممن أَخَذَ عَنْهُ الزينُ قاسم والشَّمسُ الأمشاطي وحَكى لي عنه أنه سمعه يقول: طَالعت (المحيط ) للبرهاني مائة مرة .” والمحيط البرهاني في الفقه النعماني للإمام المرغيناني في فقه الحنفية .
وجَاءَ عن بكر بنِ محمدِ بن أبي الفَضْلِ الأَنْصَاريِّ : أنَّه رُبما كَانَ في ابتداءِ طَلَبِهِ يُكرِّرُ المسْألةَ أربعَ مائة مَرَّةٍ
وسُئِلَ يوماً عن مسألةٍ غريبةٍ فَقَالَ : كَرَّرتُ هَذهِ المسْألةَ لَيلةً في بُرجٍ من حِصْنِ بُخَارَى أربَعَ مائة مرة .

وُنقِلَ عن ابنِ هِشَامٍ أنَّهُ قَرَأَ الألفِيَّةَ ألفَ مَرَّةٍ .

6-عقبة الانشغال بالدنيا عن العلم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: “يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا: هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَا هُنَا لا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم” رواه الطبراني في الأوسط).

7-عقبة الاغترار بالوقت :
قال ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) ،فعلى المؤمن العاقل أن يجدّ في شكر المنعم على نعمة الوقت وأن يوظفه في كل مفيد نافع،
فطالب العلم لا يعرف الملل ولا الكلل ولا ضياع الوقت ، ولا يتوقف عن الطلب ؛ ولا ينقطع عن التعلم ولا عن العلم في وقت من الأوقات، بل يستمر عليه إلى الممات .. فالعلم بحر لا ساحل له ونهر لا ينقطع . يقول بعض السلف : اطلب العلم من المهد إلى اللحد، أي منذ الطفولة إلى الموت، وكان كثير من السلف يطلبون العلم ويكتبونه، فيدخل أحدهم إلى الأسواق ومعه المحبرة الدواة التي فيها الحبر وسنه كبيرة فيُقال : لا تزال تحمل المحبرة ؟ فيقول : مع المحبرة إلى المقبرة، أي لا نزال نواصل العلم.

8-عقبة الصبر :
قال أهل العلم : ” ومن أعظم ميادين الصبر : الصبر في طلب العلم : فلا سبيل إلى طلب العلم إلا بالصبر ، فالصبر يضئ لطالب العلم طريقه ، وهو زاد لا يستغني عنه ، وخلق كريم لا بد وأن يتحلى به ، صبره على مشقة الترحال إلى الشيوخ وطول المكث عندهم والتأدب معهم ، وصبره على المذاكرة والتحصيل ، وفي قصة موسى والخضر دار هذا الحوار بين نبي الله موسى وبين الخضر عليهما السلام قال تعالى في سورة الكهف :{ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}الكهف ” ..

9-عقبة الأمل والتفاؤل :
كان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين، فجيء بهما إلى قطائع ابن طولون أمير الديار المصرية وقتها ليباعا في أسواق العبيد، جلس كافور وصاحبه يتحدثان، وبدأ كل منهما يسأل الآخر عن أمنيته وطموحه.
قال صاحبه: أتمنى أن أباع لطباخ، لآكل ما أشاء وأشبع بعد جوع .
وقال كافور: أما أنا فأتمنى أن أملك مصر كلها، لأحكم وأنهى، وآمر فأطاع .
وبعد أيام بيع صاحبه لطباخ، وبيع كافور لأحد قادة مصر وما هي إلا أشهر حتى رأى القائد المصري من كافور كفاءة وقوة، فقربه منه، ولما مات مولى كافور قام هو مقامه، واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد، وما زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام والحرمين .
بعدها مر كافور يومًا بصاحبه فرآه عند الطباخ يعمل في جد وقد بدا بحالة سيئة، التفت كافور إلى أتباعه وقال: ” لقد قعدت بهذا همته فكان ما ترون، وطارت بي همتي فصرت كما ترون، ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعنا مصير واحد “.
تحتاج الأمم جميعها إلى أصحاب الهمم والطموح، فهم صناع الحياة وقيادات المستقبل في أي أمة من الأمم في القديم والحديث.

وحتى في موازين الله تعالى في الدنيا والآخرة، فضَّل الله أصحاب الهمم العالية والطموح والمثابرة على غيرهم وإن كانوا مسلمين من أصحاب الحسنى، قال تعالى : { لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا “(النساء : 95).

والإسلام يشجع المسلمين على التفاؤل يرغبهم به , لأنه عنصر نفسي طيب , وهو من ثمرات قوة الإرادة ومن فوائده أنه يشحذ الهمم إلى العمل , ويغذي القلب بالطمأنينة والأمل .
والإسلام ينفر المسلمين من التشاؤم , ويعمل على صرفهم عنه , لأنه عنصر نفسي سيء , يبطء الهمم عن العمل ويشتت القلب بالقلق , ويميت فيه روح الأمل , فيدب إليه اليأس دبيب الداء الساري الخبيث , وهو يدل على ضعف الإرادة.

10-عقبة أسلوب المعلم :
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ.ى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللهِ ، مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي ، قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. (أخرجه أحمد والبُخَارِي )، وانظر أثر هذا الرفق في نفس معاوية بن الحكم السلمي وتأثره بحسن تعليمه صلى الله عليه وسلم.

عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه ، قَالَ :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّ اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلاَ مُتَعَنِّتًا ، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا. أخرجه أحمد ومسلم
قال تعالى : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” [آل عمران: 159].

11-عقبة الحياء :
وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه ، إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد ، قال : فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحَلْقَة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهباً ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه ، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ” .

فلا يمنعه خجله من السؤال: ولذلك قال بعض السلف : ” لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر ” ، يحمله تكبره على أن يعجب بنفسه ويبقى على جهله، وكذلك أيضا يحمله خجله عن ألا يطلب أو يستفيد ممن معه علم فيبقى على جهله.
وعن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ! إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” نعم، إذا رأت الماء” فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وتحتلم المرأة؟ فقال: “تربت يداك. فبم يشبهها ولدها ”

12-عقبة الجهل بقدرة الطالب :
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأباء في تربيتهم للأبناءهي الجهل بما لدى هؤلاء الأبناء من ميول ومواهب وقدرات , فاكتشاف موهبة الطفل منذ البداية يساعد على تنمية تلك الموهبة وتوجيهها التوجبه الأمثل والصحيح , فلقد أكدت دراسة أكاديمية ضرورة الاكتشاف‏ ‏المبكر لموهبة الطفل والعمل على تنميتها بالطرق العلمية الصحيحة حيث أن التدخل‏ ‏المبكر لتنمية هذه المواهب يكون اكثر فاعلية من التدخل المتأخر.‏

وقالت بعض الدراسات التربوية “إذا تم اكتشاف موهبة الطفل مبكرا فسيصبح بالإمكان‏ ‏التعامل معها بغرض تطويرها وتحسينها”.‏ ‏

وأضافت الدراسة، أن هناك ‏ ‏اختلافا بين بعض المفاهيم مثل مفهوم الذكاء والإبداع والموهبة غير أن الأخيرة ‏ ‏تعنى قدرة الطفل المبكرة على أداء فعل معين قبل وصوله إلى درجة عقلية معينة.‏

فهاهو النبي صلى الله عليه وسلم يكتشف شجاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو شاب صغير وحرصه على الجهاد فيوليه قيادة الجيش , كما اكتشف حب زيد بن ثابت للعلم فيطلب منه تعلم اللغات .

فتشجيع الطفل على القراءة والمعرفة والبحث يخلق لديه حب المعرفة والحرص على معرفة كل جديد ونافع , قال ابن القيم رحمه الله في 🙁 روضة المحبين) وهو يتكلم عن عِشْق العلم-: وحدثني أخو شيخنا (يعني أحمد ابن تيمية) عبدُالرحمن ابن تيمية، عن أبيه (عبد الحليم) قال: كان الجَدُّ (أبو البركات) إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأْ في هذا الكتاب وارْفَعْ صوتكم حتى اسمعُ.

وموهبة الطفل وقدراته لا تنمو إلا في جو من الحب والحرية , وتموت تلك المواهب والقدرات إذا عاشت في جو من العسف والقهر والتسلط .
ولقد أوضح ذلك ابن خلدون في مقدمته الرائعة ” من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به الظلم وحمل على الكذب والخبث خوفا من أبساط الأيدي عليه بالقهر وعلمه المكر والخديعة وفسدت فيه معاني الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك ،بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل “.

الواجب علينا :
المسارعة بالعلم قبل وقت الندم :
ان الندم الذي يأكل القلب يوم القيامة ندم الذي أتيح له أن يتعلم فلم يتعلم، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ سورة الملك: 10.. يستحق الإنسان أن يدخل النار إلى أبد الآبدين، وأن يشقى شقاءً لا يوصف، لا لشيء كبير، بل لأنه استنكف عن طلب العلم ..

الدعاء:
عن زيد بن أرقم – رضى الله عنه – ، قَالَ : كَانَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ، يقول :(( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ ، والبُخْلِ والهَرَمِ ، وَعَذابِ القَبْرِ ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ؛ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ ؛ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا )) .
عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سلوا الله علما نافعا، وتعوّذوا بالله من علم لا ينفع”.

تم بحمد البحث بحمد الله

أخوكم الشيخ / رضا الصعيدي

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *