الوهابيين وحقوق الانسان

اعداد الاستاذ : سيد حسن

المقال الخامس من سلسلة ( الوهابية فكراً وممارسة )
كتاب للدكتور محمد عوض الخطيب

لقد نشأت الوهابية في منتصف القرن الثامن عشر وقوى الاستعمار تحاول إيجاد مواطىء أقدام على أطراف الجزيرة العربية، وانتهى بها الأمر إلى احتلال بلاد الإسلام، فلم يستفت علماء الوهابية القرآن ولا السنة حول هذا الأمر، كما أنهم لم يحاولوا أن يعرفوا موقف الشرع الحنيف من واجبات الحاكم وحقوقه ومن واجبات المحكومين وحقوقهم.

في مسألة العلاقة مع القوى الكافرة برسالة محمد، وقفت الوهابية مؤيدة صراحة أحياناً وضمناً أحياناً أخرى للإرتماء في أحضان الانكليز، كما قام قادة جيش الأخوان في وجه التبعية للانكليز وأفتى علماء الوهابية بخطأهم وضلالهم وكأن علماء الوهابية صدقوا قادتهم السياسيين عندما كانوا يقولون لهم وبكل بساطة: إن الانكليز أهل كتاب وليس مطلوباً منهم إلا الجزية وهم يدفعونها.

ولقد نسي قادة الوهابية الأمر بقتال الكافرين لا سيما عندما يتحرشون ببلاد المسلمين أو يحتلونها، وذلك للدفاع عن حياض الإسلام. كما تناسوا أمر الله تعالى بعدم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين. أما تفسير ذلك فإنه على ما يبدو قائم في مذكرات المستر ها مقر.

أما على صعيد نظام الحكم، فقد تناسي فقهاء الوهابية ـ إذا صدقنا أنهم يعدون ما يحصل كلما تولى ملك ، مبايعة وحكم شورى، فقد تناسوا واجبات الحاكم تجاه المحكومين بشكل كلي، علماً بأن الإسلام أقر محاسبة الحاكمين والزمهم بالحفاظ على حقوق الناس وحرياتهم عن طريق عدم الزامهم إلا بما ألزمهم الله به .

فعلى الصعيد الأول: رأينا مثلاً أن عمر الذي كان يطوف حول الكعبة، وضايقه طائف فعلاه بالدرة يعود بعد أن بين له الطائف حقه بالطواف عن موقفه ويحاول إقناعه بأن يأخذ الدرة ويضربه تكريساً لحق الناس في محاسبة الحاكم.

وعلى صعيد الحريات والحقوق نجد الإسلام قد أقر بشرعية الجرائم والعقوبات عن طريق تحديده لما يعتبر جرائم دون أي مجال للتوسع والقياس كما جدد العقوبات بشكل حصري لا مزيد عليه.

أما الحريات السياسية فقد احترمها الإسلام إلى أبعد الحدود، فهذا أبو بكر لا يلزم سعد بن عبادة ولا بني هاشم بالمبايعة وهذا علي لا يلزم من تخلف عن بيعته وهو لم يقاتل الخوارج لتكفيرهم إياه واتخاذهم مواقف سياسية معارضة له، بل هو يعلمهم أنه لا يمنعهم مساجد الله ولا الفيء ولا يقاتلهم ما لم يبدأوه بقتال.

 

أما الحريات الأخرى المتعارف عليها فقد حفظها الإسلام ورعاها من حق الانسان بالحياة عن طريق منع ازهاق الأرواح إلا في القتل والفساد في الأرض المحدد بشكل واضح، إلى حق الانسان في أملاكه عن طريق تبيان حدود الله بما لا يدع مجالاً للاستزادة، إلى سلامة الانسان وحرمة المنزل والمراسلات .

فهل درى قادة الوهابية بكل هذا؟
وهل يرون ما يقوم به زعماؤهم، من إباحة أرض الجزيرة العربية للكافرين إلى تحريم الحريات السياسية وغيرها من الحريات عندما تتعارض مع مصلحة الحاكم الشخصية إلى انتزاع الأملاك والاعتداء على الحقوق، إلى التحكم بحركة الحجيج الخ … تطبيقاً لأحكام الإسلام دون ابتداع أو شرك.

إن هذا على ما يبدو، يخرجه «فقهاء» الوهابية عن دائرة صلاحياتهم وهم يفوضون ملوكهم بالتصرف فيه كما يشاؤون. ولعل أطرف ما طلع علينا مفتيهم عبد الله بن باز مؤخراً، وبضغط من حكومته الراضخة للإرادة الأمريكية تلك الفتوى التي تحلل الصلح مع العدو الصهيوني والتعامل معه . فهل في كل هذا شيء من السنة؟ .

وينسحب الموقف الوهابي العام المتميز بالتسرع والسطحية على ممارسة حكامهم للتشريع وقضاتهم للقضاء، فهم يطبقون الأحكام الإسلامية بطريقة جائرة ظالمة مثيرة الاشمئزاز والاستغراب وتعود على الدين الحنيف بأسوأ الأثر ، فقطع الأيدي والأرجل بل وقطع الرؤوس من الأمور السائدة والمتمادية وهي تجري بناء على أحكام قضاة جهلة وبعد تحقيقات يقوم بها شرطة أميون ، كما تصدر التشريعات أحياناً مجانبة للاسلام نصاً وروحاً .

ففي كل يوم جمعة تجري في مدن المملكة المختلفة عمليات تنفيذ العقوبات بمن لا سند له من الأمراء أو من السفارات الهامة بطريقة تدل على وحشية بالغة تسمح لأعداء الإسلام بوصمه بأشنع النعوت .

فقد روی هارولد ديكسون أنه قابل أحد جلادي ابن جلوي في شباط سنة ١٩٢٠ ، وهو الذي كان قد قطع اثنين وعشرين رأساً بشرياً وعشرات من الأيدي.

فأخبره الجلاد أن قطع اليد لا يؤلم ولكن الذي يدفع المعاقب الى الصراخ هو وضع جذع اليد في الدهن المغلي بعد قطعها لمنع النزيف.

أما عن الحصانة التي يتمتع بها الانسان في الجزيرة العربية أمام القضاء الوهابي ، فتكفي للدلالة عليها الحادثة التالية التي نقلها عبد الرحمن ناصر الشمراني عن المميز الوزير المفوض العراقي في السعودية في يومياته بتاريخ ٨ شباط ١٩٥٥ حيث يقول: إن إحدى المحاكم حكمت بقطع يد أحد المتهمين بالسرقة ونفذت الشرطة الحكم. ولكن ما لبث أن تبين أن التباساً قد حصل بين اسم السارق الحقيقي واسم الشخص الذي قطعت يده ، ولكن الأمر كان قد قضي .

والسؤال المطروح في مواضيع إيقاع العقوبات والحدود بالناس هو : هل يجوز لمن يرتكب كل أصناف الكبائر والصغائر ، كما سوف نرى في الصفحات التالية ، أن ينزل العقوبات وينفذ الحدود بالناس؟
وقد بلغت عمليات الإعدام وقطع الأيدي والأرجل حسب تقدير ناصر السعيد مليوناً ونصف المليون ، في طول نجد والحجاز وعسير وعرضها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *