لَيْسَتِ الشَّجَاعةُ فِي قُوةِ السِّلاحِ

بقلم الدكتور: أحمد بدوى مازن مدرس الحديث الشريف وعلومه بجامعة الأزهر الشريف 

يقول الشيخ الغزالي رحمه الله (ولَيْسَتِ الشَّجَاعةُ فِي قُوةِ السِّلاحِ وإنِّما هِي فِي قُوةِ الحَقِّ)، أي لا تُقاس شجاعة الجنود بما يمتلكون من أسلحة متطورة حديثة، بقدر ما تُقاس بروح الجندي وقوة عزيمته، ولذلك أمرنا الله عز وجل أن نُعد لأعدائنا ما استطعنا من قوة فقال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)

إنَّ روح الجندي، ومدى إيمانه بالحق، وبالقضية التي يدافع عنها، أهم عوامل النصر والتمكين، فروح الجندي إنما هي قوة في أعماق نفسه، وعزيمة في أفعاله وصدقه، فهو يقدم نفسه، وروحه، وماله، وأهله في سبيل الله، كما قال عز وجل (إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )

إنَّ الروح الإيمانية للجندي ليست مصادفة، وإنما هي نابعة عن إيمان راسخ، وزهد في الدنيا ثابت، فهو يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، يدافع عن دينه ووطنه وأهله، وكم رأينا من طفل صغير يحمل حجرًا، يقف كالأسد الجسور أمام أقوي الأسلحة في الأرض والتي يحملها جندي يقف في هلع وخوف، فصاحب الحق يملك إرادة لاتنكسر، وروحًا لا تهاب الموت؛ لأنه يقاتل في سبيل الحق.

إنَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقاتلون في سبيل الله وهم يُحبون الموت أكثر من حرصهم على الحياة، فما انتصروا بقوة السلاح، ولا بكثرة العدد، وإنما نصرهم الله لصدقهم في دفاعهم عن دين الله، وحبهم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الله تبارك وتعالى عنهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)

وعبر عن ذلك الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه ، فبعد أن قتل (عمرو بن ود) في غزوة الخندق، وسُئل عن طمئنينة نفسه، وسكينته فقال: (عَظَّمتُ الله في عيني فصغر أمامي كل شيء)، وهو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الصحيح (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)

وليست الشجاعة في ساحات القتال فقط، وإنما هي قيمة إنسانية عظيمة، فالشجاعة أن تقف بجانب الضعيف، وأن تواجه الطغيان، وأن تصبر عن الحرام، وأن تكافح في الحياة بقلب لا يعرف الهزيمة والانكسار، وفي الثبات على القيم والأخلاق، فتتجلى الشجاعة في استقلال القرارت عن التبعية، وفي تحمل المسئولية، وفي الترفع عن الدنيا وحظوظ النفس، وفي التوكل على الله عز وجل في جميع أمور الحياة، كما قال تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)

وصل الله على سيدناومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

اترك تعليقاً