بين الزواج والثياب

بقلم فضيلة الشيخ : أبو بكر الجندي

 

في آيات الصيام شبه القرآن الكريم العلاقة الزوجية بعلاقة الإنسان بملابسه، فقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ}[البقرة: 187]، ويظهر وجه التشبيه القرآني بين الزواج والثياب في النقاط التالية:

ـ أن الإنسان لا يستغني عن ثيابه ولا عن ملابسه، وكذلك الرجل لا يستغني عن زوجة، والزوجة لا تستغني عن زوجها، ولو في ليالي الصيام؛ ولهذا عظم الإسلام شأن الأرملة التي فقدت زوجها أو مات بعالها بجبر خاطرها والإحسان إليها، فقال صلى الله عليه وسلم: “السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالمُجَاهِدِ في سَبيلِ اللهِ”، أوقَالَ: “كالقَائِمِ الَّذِي لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ الَّذِي لاَ يُفْطِرُ”

ـ أن الثياب تستر عورة الرجل والمرأه، وكذلك الزواج يستر الزوجين من انكشاف العورة للحرام.

ـ أن الثياب تحمي الإنسان من الحر ومن البرد، وكذلك الزواج يحمي الزوجين من الوقوع في المحرمات؛ ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ـ أي القدرة على الزواج ـ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج”؛ ولهذه الحماية سمى الشرع الزوج مُحْصَناً، والزوجة مُحْصَنةً.

ـ أن الثياب زينة في نفسها، فالإنسان يتزين بملابسه، وكذلك الرجل زينة للمرأة والمرأة زينه للرجل، وكل منهما يكمل نقص الآخر واحتياجاته.

– الإنسان يختار ثوبه المناسب بعناية في التصميم واللون والنوع، وكذلك الإنسان ينبغي أن يختار شريك الحياة المناسب له بعناية في الدين والفكر والشخصية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار الزوجة الصالحة: “تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”، وفي اختيار الزوج الصالح: “إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”.

ـ أن الثياب تتسخ وتحتاج إلى التغيير والتنظيف والكَي، وكذلك العلاقة الزوجية يصيبها الفتور والملل، حتى تصبح الحياة روتينية، لا لون لها ولا طعم، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرا ما يُجَدِّدُ روح المودة والرحمة مع زوجاته، ممتثلا قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء:19]، وهذه بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة رضي الله عنها لانعاش الحياة وتنشيطها:

ـ كان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله بنفسه، ويرقع ثوبه ويحلب شاته، ولا يأنف من ذلك، ويقول: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”.

ـ يأكل من الموضع الذي أكلت منه عائشة، ويشرب من موضع شربها ويضع فمه الشريف على موضع فمها من الإناء.

ـ يسابق السيدة عائشة في العدو والجري فتسبقه تارة ويسبقها تارة أخرى.

ـ يستمع لها ويصغي لحديثها إذا تحدثت ولا يمل حديثها ولا يتثائب مهما طال كما في قصة أبي زرع وحديث عائشة الطويل.

وأخيرا إذا فهمنا هذه الإشارة الربانية، وتدبرنا هذا التشبيه القرآني بين الزواج والثياب، وتعامل الزوجان مع بعضهما برقي وتقدير، كما يتعامل الإنسان مع ثيابه، سادت في بيوتنا المحبة والمودة والرحمة والسعادة والسرور.

اترك تعليقاً