هم أعدّوا لنا ما استطاعوا من قوّة


بقلم فضيلة الشيخ : أحمد السيد السعيد

(واعظ عام، وعضو لجنة التحكيم والمصالحات بالأزهر الشريف)

 

أعدّوا وأحكموا، ونفثوا سمّهم في ترياق الحضارة، ثم ادّعوا الزُّهد في السلاح!

شدّوا الوثاق على معاصمنا، ولبسوا قناع الرُّقيِّ وهم يكتبون وصيّتنا بالدم!

بنوا مصانع الموت، وسفكوا بها ماء الحياة، أقاموا منظومات الدمار، وسمّوها دفاعًا، وها هم يتقدّمون بخُطى الحديد والنار، لا ليبنوا عالمًا، بل لينهشوا ما تبقّى من كرامةٍ في صدور الأحرار.

يقرأون علينا آياتنا، ويجتهدون في تطبيقها على طريقتهم:

“وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة…”

لكنهم أعدّوها لا ليصدّوا عدوانًا، بل ليبسطوا سلطانهم على من قالوا “ربنا الله”،

ليزرعوا الخوف، ويصنعوا الدمار، ويُرهبوا قلوب قومٍ مؤمنين.

وفي قلب مخططهم، في لبّ أطماعهم، في سويداء أهدافهم… مصر.

أجل، مصر الكنانة، التي ما استكانت، ولا باعت نفسها على مذبح الهيمنة.

يعلمون يقينًا أن لا خلاص لهم من عار الفشل إلا إن انكسرت مصر.

فمصر ليست دولة كغيرها… إنها فكرة، عقيدة، مقام، وتاريخ ممتدّ في جذور العروبة كامتداد النيل في الأرض المباركة.

هم لا يريدون لمصر أن تنهض، ولا لجيشها أن يبقى، ولا لرايتها أن ترفرف في سماء العزة.

كل صاروخ ينفجر في أطراف الأمة، هو رسالة مشفّرة: “انتظرونا في قلبكِ يا مصر”.

كل اضطرابٍ يُصدّر، وكل فوضى تُدار، إنما تُدار بعينٍ تنظر إلى القاهرة، وبيدٍ تعبث بأمنها إن استطاعت.

لكنهم، وهم الذين أعدّوا ما استطاعوا من قوة، نسوا أن مصر لا تُؤخذ غدرًا، وأن جيشها إذا نهض؛ اهتزّت له الأرض تحت أقدام الطغاة، وأن شعبها إذا غضب؛ خمدت نار المؤامرات في مهدها.

نعم، أعدّوا، وجاءونا بكل ما في جُعبتهم من بأس، ولكنهم جهلوا أن هذه الأمة، إن نامت، لا تموت، وإن ضعفت، لا تفنى.

وأننا حين نعود، لا نعود بشعارٍ مفرغ، بل بقوةٍ من معدن آخر… قوة الإيمان، والعقل، والوحدة، والعزم الصادق.

فليراهنوا ما شاءوا، وليكذبوا كما شاءوا… فالمعركة طويلة، ومصر لم تقل كلمتها بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *