خطبة بعنوان ( أنا نور ونار )
لفضيلة الدكتور : عثمان عبدالحميد الباز
بتاريخ 12 شوال 1446 هـ ، الموافق 11 أبريل 2025 م.
لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط أدناه
ana nar wanor osman albaz
الحمد لله رب العالمين ،كان ولا شيئ سواه ،وأشهد أن لا إله إلا الله ما سأله سائلٌ إلا أعطاه ،وما رجاه راجٍ إلا جبره ومن فضله أنالَه مناه،وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ،الذي طاب مبناهُ ومعناه ،والذي فاض نورُه على نور القمر وبهاه ،به يسعد القلب الحزين وبحبه للروح السعدُ يكون قرين ،وبحبه ينال العبدُ الأمنَ والتمكين ،سئل الضبُّ عنه ميتا فقال هو رسول الله الصادقُ الأمين ،نثرتُ هذه الكلمات بالحب وصغتها في هذه الأبيات من القلب فخرجت من المُحِب للحبيب ،تعبيرا وحبا لكم وطمعا في شفاعتكم يا حبيبي ياسيد السادات .
ماَ أَسْعَدَ الْقَلْبَ الْحَزِينَ بِحُبِّكُمْ الحبُّ يُسعِدُ بائِسًا مَحْزُونًا
والرُّوحُفَازَتْ بِالْحَبِيبِ وُحُبِّهِ أَمْسَى الْفُؤَادُ بُحُبِّهِ مَقْرُونًا
نَشَرَ السَّلَامَ عَلَى الْأَمَاكِنَ كُلَّها وأَفاضَ فِيهَاالأمنَ وَالتَّمْكِينَا
لِلضّبّ مَيْتًاقَالَ مَنْ أَنَا وَمَنْ بِهِ الشِّرْكُ صارَسَجِينًا
فقالَ رسولُ اللهِ للكلِّ ظاهِرٌوتَرَوْهُدومًا صَادِقًا وأمِينًا
تمهيدلا يوجد دينٌ ولا ملةٌ ولا نحلة على وجه الأرض عرفت تقسيم وتنظيم الأنا وتحويلها وتوجيهها إلى المسار الصحيح ،إلا الإسلام ،وذلك لأنه الدين الحق ،الذي أنزله الله غوثا لعباده من الولوج في نار جهنم ،فأغاثهم على يد النبي المنقذ صلى الله عليه وسلم قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ “الأنبياء: 107
﴿أناالله﴾ طريق النجاةتدل كلمة أنا في القرآن الكريم على الخير المطلق والفضل المطلق من الله تعالى فكل ما دلت عليه هذه الكلمة في سياقالدلالة على الذات العلية لهو رسالة رحمة ونعمة من الله تعالى لعباده ،قال تعالى: “نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” [الحجر : 49]
وجاءت بلاغة القرآن الكريم في الآية بارزة وواضحة حيث بدأت الآية بجملة فعلية لتدل على الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم بتجدد المأمور به وهو إعلام العباد بمنطوق ﴿أنا﴾ في الآية ،وجاء فعل الأمر﴿نبئ﴾ خصيصا دون أخبِر أو أعلِم ،لأن النبأ هو الأمر العظيم الغاية في الأهمية ،وجاء التعبير بكلمة عبادي ،للدلالة على رضا الله تعالى عن العباد المطلوب إيصال الخطاب لهم بخلاف العبيد فجاءت في القرآن في معرض الذم بدليل قوله تعالى ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾.
ومن جمال الإعراب فيهامجيئ ﴿أنا﴾ مبتدأ وتعدد له الخبر فالغفور خبر أول و الرحيم خبر ثان لبيان سعة مغفرة الله تعالى ورحمته بعباده الطائعين.
ومثله قوله تعالى تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” [البقرة : 160]
ثم جاء الخطاب للرسول الكريم المكرم الأكرم صلى الله عليه وسلم ببيان الأنا للذات العلية للدلالة على الألوهية والأمر بمقتضياتها ،قال تعالى: “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي“طه : 14
وزهت بلاغة القرآن الكريم في الآية الكريمة ببدايتها بجملة اسمية للدلالة على الدوام والثبوت وعدم الإنقطاع فالله دائما كان ولا زال وسيظل كان وسيكون ،فكانت الجملة الاسمية مناسبة للمقام ،وجاء جمال الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم للدلالة على علو منزلة الكريم الأكرم صلى الله عليه وسلم ،وجاء الأمر العام بعبادته تعالى شاملة كل طاعة وخير ،وتلاها الأمر بإقامة الصلاة التي هي تصحيح وتثبيت العلاقة بين العبد وربه تعالى ،فكان ذكرا للخاص بعد العام تنبيها على أهمية الخاص ومكانته العليا والمتميزة بين العام وشرفها بأنها رأس الذكر لله والعبادة له تعالى .
﴿أنا﴾النور،ومنابع الحبور ثم جاءت الأنا في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لتدل قسمين اثنين الأنا نور في الخير والطاعة وتوجيه الذات إلى ما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،والأنا الأخرى المهلكة التي تؤدي للدمار والهلاك،فمثال الأنا نور ما أعلنه الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى سبيل ربه ،وكذلك كل من سار في هذا الطريق
قال تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ”يوسف : 108
فجاءت الأنا نور للدعوة إلى الله تعالى ونفيا للذات النبوية عن الشرك والبعد العام عن طريق واعتقاد المشركين ،
ومن جمال البيان في القرآن جاء الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم ﴿بقل﴾ فعل أمر مبني على السكون لأنه صحيح الآخر ليدل بيانُ الإعراب على صحة وخيرية المأمور به من الدعوة إلى الله والبعد عن الشرك والمشركين ،وجاء التعبير باسم الإشارة للقريب ليدل على قرب الطريق للداعين المخلصين لله رب العالمين ،وجاء إضافة السبيل للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم للدلالة على ثبوته على الطريق المستقيم وبيانا لشرف هذا الطريق ،وعبر عنه بالسبيل ولم يعبر بالطريق لان السبيل أعم وأشمل من الطريق فالطريق حسي والسبيل حسي ومعنوي.
نماذج لأنا النورفعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم﴿ إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتِمُ النَّبيِّينَ﴾رواه البخاري.
ولابد للإعلان عنها لبيان مكانة النبي صلى الله عليه وسلم بدون تعالي ولا تكبر ولكن تقريرا للحقيقة،قال تعالى على لسانه صلى الله عليه وسلم”لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” الأنعام : 163
“{ لَا شَرِيكَ لَهُ } في العبادة، كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير، وليس هذا الإخلاص لله ابتداعا مني، وبدعا أتيته من تلقاء نفسي، بل { بِذَلِكَ أُمِرْتُ } أمرا حتما، لا أخرج من التبعة إلا بامتثاله { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } من هذه الأمة.”تفسير السعدي.
وأنا، في حيز الإصلاح والخير لا بد منها لترتيب الأولويات كما قال يوسف للعزيز “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” يوسف : 55
وكذلك الانا في حيز جلب الطمأنينة للآخرين فهي نور تنير الطريق والقلوب فحين حدث ماحدث مع إخوة يوسف واخذ يوسف اخاه بالحيلة ،أذهب عنه الروْعَ وطمْأن قلبَه بقوله:“وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” يوسف : 69
وإعلان التوبة على لسان سيدنا موسى عليه السلام إعلانا لكل نفس بإخلاص التوبة لله تعالى﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
والإعلان عن العلم لينتفع به الناس بدون غروركمال سيدنا علي بن ابي طالب سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما في القرآن آية إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت، في سهل أو في جبل، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا ناطقا.
وكذلك قول سيدنا عبد الله بن مسعودوَالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ ما مِن كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَما مِن آيَةٍ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيما أُنْزِلَتْ، ولو أَعْلَمُ أَحَدًا هو أَعْلَمُ بكِتَابِ اللهِ مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإبِلُ، لَرَكِبْتُ إلَيْهِ.رواه مسلم موقوفا.
والإعلان عن الطاعات ليقتدي بها المقتدون فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة﴾رواه مسلم.
وفي حروب الردة وقتال مسيلمةصعب على المسلمين اقتحام الحديقة التي بها مسيلمة واصحابه واستعصت عليهم فقال الصحابة من يبيع نفسه لله ويقتحم حديقة العدو وكانوا يسمونها حديقة الموت فقال البراء بن مالك ﴿انا ﴾فأمر أصحابه أن يحملوه على ترس على أسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة، فاقتحم إليهم وشد عليهم، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة، فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً، وهو رضي الله عنه كان شديد الإقدام حتى قيل: إن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الجيش لا تستعملوا البراء على جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم، وقد اشتهر عنه أن قتل في حروبه مائة نفس من الشجعان مبارزة، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كم ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك”أخرجه الحاكم، وصححه.
﴿أنا﴾الغروروالتكبروالفجوروهنا تأتي الأنا الإبليسية جالبة الهلاك وآية التدمير وسوء المصير ،أنا الغرور جالبة المعاصي والفجور ،جرت من فاق الملائكة في العبادة ليكون قائد الداخلين في النار مجرد كلمة دلت على العصيان ونفي الإيمان كما حكى القرآن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم فتكبر إبليس بالأنا واغتر قال تعالى: “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ”الأعراف : 12
فكانت النتيجة غضب الله والطرد من رحمته وجنته ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الاعراف ١٨
وكانت نتيجة انا التكبر والغرور اللعن في الدنيا والخلود في النار يوم القيامة ،واستعمل نفس الأنا ولكن ليس للكبر هذه المرة ،ولكن لإعلان العار والذل والصغار قال تعالى: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”إبراهيم : 22
وحين تصل الأنا بالعباد لقمة الفجور فينسى نفسه ويعلن أنه الرب الأعلى فقال تعالى عن فرعون﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾.
فكانت النتيجة أن جعله الله عبرة للعالمين واجرى الله الماءَ من فوقه بعدما قال ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾.فكانت نتيجة الأنا نار غرق في الدنيا والخلود في نار جهنم يوم القيامة ،
قال تعالى ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
النمرود بن كنعان وإبراهيم عليه السلامحين يستعمل العبد﴿أنا﴾في تفخيم الذات وينسى طبيعته البشرية التي أساسها الافتقار إلى الله تعالى تجره الأنا لطريق الهلاك والعمى فحين دعا ابراهيم عليه السلام النمرود بن كنعان إلى الله قادته الأنا إلى التكبر وعدم الإيمان فكان الهلاك مصيره ،قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”البقرة : 258
ولما عجز عن محاجة ابراهيم أمر بإحراقه في النار فكانت عناية الله تعالى ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ ابراهيم ٦٩
فكانت النهاية لأنا التكبر والغرور أن جعله الله عبرة للعالمين وآية في المقال والضرب بالنعال.
قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه الثالثة فأبى عليه. وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي.
فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً من البعوض، بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالنعال في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.البداية والنهاية ،ج١.
وفي الختامكلمة﴿أنا﴾ نورٌ يضيئ ووجهٌ وضيئ حين نكون على خطى من قالها من الأنبياء والصالحين والأولياء ،لقد قالها المؤمنون والمتقون والمتوكلون ،إعلانا عن الفقر والذل والمسكنة لربهم ،فرفعهم بها إلى أعلى عليين،وتكون نارا حين تكون بابا للكبر والغرور والكفر والفجور،فخسفهم بها إلى اسفل سافلين،الآن أصبحت بابا إلى النار وغضب الجبار لأنها أصبحت منازعة في أخص خصائص الملك القهار ،لقد جرّت صاحبَها إلى الجحيم ،واستحق أن ينادَى في جهنم﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾.
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين ،كان ولا شيئ سواه ،وأشهد أن لا إله إلا الله ما سأله سائلٌ إلا أعطاه ،وما رجاه راجٍ إلا جبره ومن فضله أنالَه مناه،وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ،الذي طاب مبناهُ ومعناه ،والذي فاض نورُه على نور القمر وبهاه ،به يسعد القلب الحزين وبحبه للروح السعدُ يكون قرين ،وبحبه ينال العبدُ الأمنَ والتمكين ،سئل الضبُّ عنه ميتا فقال هو رسول الله الصادقُ الأمين ،نثرتُ هذه الكلمات بالحب وصغتها في هذه الأبيات من القلب فخرجت من المُحِب للحبيب ،تعبيرا وحبا لكم وطمعا في شفاعتكم يا حبيبي ياسيد السادات .
ماَ أَسْعَدَ الْقَلْبَ الْحَزِينَ بِحُبِّكُمْ الحبُّ يُسعِدُ بائِسًا مَحْزُونًا
والرُّوحُفَازَتْ بِالْحَبِيبِ وُحُبِّهِ أَمْسَى الْفُؤَادُ بُحُبِّهِ مَقْرُونًا
نَشَرَ السَّلَامَ عَلَى الْأَمَاكِنَ كُلَّها وأَفاضَ فِيهَاالأمنَ وَالتَّمْكِينَا
لِلضّبّ مَيْتًاقَالَ مَنْ أَنَا وَمَنْ بِهِ الشِّرْكُ صارَسَجِينًا
فقالَ رسولُ اللهِ للكلِّ ظاهِرٌوتَرَوْهُدومًا صَادِقًا وأمِينًا
تمهيدلا يوجد دينٌ ولا ملةٌ ولا نحلة على وجه الأرض عرفت تقسيم وتنظيم الأنا وتحويلها وتوجيهها إلى المسار الصحيح ،إلا الإسلام ،وذلك لأنه الدين الحق ،الذي أنزله الله غوثا لعباده من الولوج في نار جهنم ،فأغاثهم على يد النبي المنقذ صلى الله عليه وسلم قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ “الأنبياء: 107
﴿أناالله﴾ طريق النجاةتدل كلمة أنا في القرآن الكريم على الخير المطلق والفضل المطلق من الله تعالى فكل ما دلت عليه هذه الكلمة في سياقالدلالة على الذات العلية لهو رسالة رحمة ونعمة من الله تعالى لعباده ،قال تعالى: “نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” [الحجر : 49]
وجاءت بلاغة القرآن الكريم في الآية بارزة وواضحة حيث بدأت الآية بجملة فعلية لتدل على الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم بتجدد المأمور به وهو إعلام العباد بمنطوق ﴿أنا﴾ في الآية ،وجاء فعل الأمر﴿نبئ﴾ خصيصا دون أخبِر أو أعلِم ،لأن النبأ هو الأمر العظيم الغاية في الأهمية ،وجاء التعبير بكلمة عبادي ،للدلالة على رضا الله تعالى عن العباد المطلوب إيصال الخطاب لهم بخلاف العبيد فجاءت في القرآن في معرض الذم بدليل قوله تعالى ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾.
ومن جمال الإعراب فيهامجيئ ﴿أنا﴾ مبتدأ وتعدد له الخبر فالغفور خبر أول و الرحيم خبر ثان لبيان سعة مغفرة الله تعالى ورحمته بعباده الطائعين.
ومثله قوله تعالى تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” [البقرة : 160]
ثم جاء الخطاب للرسول الكريم المكرم الأكرم صلى الله عليه وسلم ببيان الأنا للذات العلية للدلالة على الألوهية والأمر بمقتضياتها ،قال تعالى: “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي“طه : 14
وزهت بلاغة القرآن الكريم في الآية الكريمة ببدايتها بجملة اسمية للدلالة على الدوام والثبوت وعدم الإنقطاع فالله دائما كان ولا زال وسيظل كان وسيكون ،فكانت الجملة الاسمية مناسبة للمقام ،وجاء جمال الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم للدلالة على علو منزلة الكريم الأكرم صلى الله عليه وسلم ،وجاء الأمر العام بعبادته تعالى شاملة كل طاعة وخير ،وتلاها الأمر بإقامة الصلاة التي هي تصحيح وتثبيت العلاقة بين العبد وربه تعالى ،فكان ذكرا للخاص بعد العام تنبيها على أهمية الخاص ومكانته العليا والمتميزة بين العام وشرفها بأنها رأس الذكر لله والعبادة له تعالى .
﴿أنا﴾النور،ومنابع الحبور ثم جاءت الأنا في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لتدل قسمين اثنين الأنا نور في الخير والطاعة وتوجيه الذات إلى ما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،والأنا الأخرى المهلكة التي تؤدي للدمار والهلاك،فمثال الأنا نور ما أعلنه الرسول صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى سبيل ربه ،وكذلك كل من سار في هذا الطريق
قال تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ”يوسف : 108
فجاءت الأنا نور للدعوة إلى الله تعالى ونفيا للذات النبوية عن الشرك والبعد العام عن طريق واعتقاد المشركين ،
ومن جمال البيان في القرآن جاء الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم ﴿بقل﴾ فعل أمر مبني على السكون لأنه صحيح الآخر ليدل بيانُ الإعراب على صحة وخيرية المأمور به من الدعوة إلى الله والبعد عن الشرك والمشركين ،وجاء التعبير باسم الإشارة للقريب ليدل على قرب الطريق للداعين المخلصين لله رب العالمين ،وجاء إضافة السبيل للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم للدلالة على ثبوته على الطريق المستقيم وبيانا لشرف هذا الطريق ،وعبر عنه بالسبيل ولم يعبر بالطريق لان السبيل أعم وأشمل من الطريق فالطريق حسي والسبيل حسي ومعنوي.
نماذج لأنا النورفعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم﴿ إنَّ مَثَلِي ومَثَلَ الأنْبِياءِ مِن قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فأحْسَنَهُ وأَجْمَلَهُ، إلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِن زاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ به، ويَعْجَبُونَ له، ويقولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذِه اللَّبِنَةُ؟ قالَ: فأنا اللَّبِنَةُ، وأنا خاتِمُ النَّبيِّينَ﴾رواه البخاري.
ولابد للإعلان عنها لبيان مكانة النبي صلى الله عليه وسلم بدون تعالي ولا تكبر ولكن تقريرا للحقيقة،قال تعالى على لسانه صلى الله عليه وسلم”لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” الأنعام : 163
“{ لَا شَرِيكَ لَهُ } في العبادة، كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير، وليس هذا الإخلاص لله ابتداعا مني، وبدعا أتيته من تلقاء نفسي، بل { بِذَلِكَ أُمِرْتُ } أمرا حتما، لا أخرج من التبعة إلا بامتثاله { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } من هذه الأمة.”تفسير السعدي.
وأنا، في حيز الإصلاح والخير لا بد منها لترتيب الأولويات كما قال يوسف للعزيز “قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” يوسف : 55
وكذلك الانا في حيز جلب الطمأنينة للآخرين فهي نور تنير الطريق والقلوب فحين حدث ماحدث مع إخوة يوسف واخذ يوسف اخاه بالحيلة ،أذهب عنه الروْعَ وطمْأن قلبَه بقوله:“وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” يوسف : 69
وإعلان التوبة على لسان سيدنا موسى عليه السلام إعلانا لكل نفس بإخلاص التوبة لله تعالى﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
والإعلان عن العلم لينتفع به الناس بدون غروركمال سيدنا علي بن ابي طالب سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما في القرآن آية إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت، في سهل أو في جبل، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا ناطقا.
وكذلك قول سيدنا عبد الله بن مسعودوَالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ ما مِن كِتَابِ اللهِ سُورَةٌ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ نَزَلَتْ، وَما مِن آيَةٍ إلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيما أُنْزِلَتْ، ولو أَعْلَمُ أَحَدًا هو أَعْلَمُ بكِتَابِ اللهِ مِنِّي، تَبْلُغُهُ الإبِلُ، لَرَكِبْتُ إلَيْهِ.رواه مسلم موقوفا.
والإعلان عن الطاعات ليقتدي بها المقتدون فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة﴾رواه مسلم.
وفي حروب الردة وقتال مسيلمةصعب على المسلمين اقتحام الحديقة التي بها مسيلمة واصحابه واستعصت عليهم فقال الصحابة من يبيع نفسه لله ويقتحم حديقة العدو وكانوا يسمونها حديقة الموت فقال البراء بن مالك ﴿انا ﴾فأمر أصحابه أن يحملوه على ترس على أسنة رماحهم، ويلقوه في الحديقة، فاقتحم إليهم وشد عليهم، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة، فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحاً، وهو رضي الله عنه كان شديد الإقدام حتى قيل: إن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الجيش لا تستعملوا البراء على جيش، فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم، وقد اشتهر عنه أن قتل في حروبه مائة نفس من الشجعان مبارزة، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كم ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك”أخرجه الحاكم، وصححه.
﴿أنا﴾الغروروالتكبروالفجوروهنا تأتي الأنا الإبليسية جالبة الهلاك وآية التدمير وسوء المصير ،أنا الغرور جالبة المعاصي والفجور ،جرت من فاق الملائكة في العبادة ليكون قائد الداخلين في النار مجرد كلمة دلت على العصيان ونفي الإيمان كما حكى القرآن أمر الله للملائكة بالسجود لآدم فتكبر إبليس بالأنا واغتر قال تعالى: “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ”الأعراف : 12
فكانت النتيجة غضب الله والطرد من رحمته وجنته ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ الاعراف ١٨
وكانت نتيجة انا التكبر والغرور اللعن في الدنيا والخلود في النار يوم القيامة ،واستعمل نفس الأنا ولكن ليس للكبر هذه المرة ،ولكن لإعلان العار والذل والصغار قال تعالى: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”إبراهيم : 22
وحين تصل الأنا بالعباد لقمة الفجور فينسى نفسه ويعلن أنه الرب الأعلى فقال تعالى عن فرعون﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾.
فكانت النتيجة أن جعله الله عبرة للعالمين واجرى الله الماءَ من فوقه بعدما قال ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾.فكانت نتيجة الأنا نار غرق في الدنيا والخلود في نار جهنم يوم القيامة ،
قال تعالى ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.
النمرود بن كنعان وإبراهيم عليه السلامحين يستعمل العبد﴿أنا﴾في تفخيم الذات وينسى طبيعته البشرية التي أساسها الافتقار إلى الله تعالى تجره الأنا لطريق الهلاك والعمى فحين دعا ابراهيم عليه السلام النمرود بن كنعان إلى الله قادته الأنا إلى التكبر وعدم الإيمان فكان الهلاك مصيره ،قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”البقرة : 258
ولما عجز عن محاجة ابراهيم أمر بإحراقه في النار فكانت عناية الله تعالى ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ ابراهيم ٦٩
فكانت النهاية لأنا التكبر والغرور أن جعله الله عبرة للعالمين وآية في المقال والضرب بالنعال.
قال زيد بن أسلم: وبعث الله إلى ذلك الملك الجبّار ملكاً يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه. ثم دعاه الثانية فأبى عليه. ثم دعاه الثالثة فأبى عليه. وقال: اجمع جموعك وأجمع جموعي.
فجمع النمرود جيشه وجنوده، وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذباباً من البعوض، بحيث لم يروا عين الشمس وسلّطها الله عليهم، فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاماً باديةً، ودخلت واحدةٌ منها في منْخَر الملكِ فمكثت في منخره أربعمائة سنة، عذبه الله تعالى بها فكان يُضْرَبُ رأسُه بالنعال في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.البداية والنهاية ،ج١.
وفي الختام كلمة﴿أنا﴾ نورٌ يضيئ ووجهٌ وضيئ حين نكون على خطى من قالها من الأنبياء والصالحين والأولياء ،لقد قالها المؤمنون والمتقون والمتوكلون ،إعلانا عن الفقر والذل والمسكنة لربهم ،فرفعهم بها إلى أعلى عليين،وتكون نارا حين تكون بابا للكبر والغرور والكفر والفجور،فخسفهم بها إلى اسفل سافلين،الآن أصبحت بابا إلى النار وغضب الجبار لأنها أصبحت منازعة في أخص خصائص الملك القهار ،لقد جرّت صاحبَها إلى الجحيم ،واستحق أن ينادَى في جهنم﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾.
والحمد لله رب العالمين