فضل صيام ستة أيام من شوال
1 أبريل، 2025
منبر الدعاة

بقلم الكاتب والداعية الإسلامى
الدكتور : سيد مندور
جرت مناقشة حول موضوع “صيام الستّة أيام من شوال”، قال العالم في منطقتنا إنه لم يستطع العثور على حديث واحد يقول: إنّ نبينا صام الأيام الستّة من شوال، أضاف أيضاً أنّ “كلّ حديث صحيح وجده فيما يتعلّق بصيام الأيام الستةّ من شوال هناك راوي اسمه سعد بن سعيد وهو شخص ذو ذاكرة ضعيفة، فالإمام البخاري لم يأخذ منه أيّ حديث، والعديد من الأئمة الأوائل مثل الإمام أحمد وابن حجر و النسائي… إلخ انتقدوه، وقالوا إنه ضعيف”، أنا واثق تماما من المواظبة على الصيام في هذه الأيّام، حيث إنّ الحديث ذكره الإمام مسلم وهذا يكفيني، لكن بعض الناس في منطقتي يقولون: إنهم سيتوقفون عن صيام الستّة أيام من شوال على وجه الخصوص لنيّة المذكورة في الأحاديث، فهل كل التصريحات التي قالها العالم في منطقتي صحيحة؟ أتوقّع شرحا واضحاً من شأنه أن يساعد هؤلاء الناس على الاستمرار في صيام الستّة أيام من شوال
فما هي الإجابة على هذا السؤال..
حديث (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه مسلم في صحيحه عن سعد بن سعيد بن قيس. وقد استحب صيام الست من شوال أكثر العلماء. وعدم وجود خبر بصوم النبي صلى الله عليه وسلم لها، لا يدل على أنه لم يصمها، فيحتمل أنه صامها لكن لم ينقل لسبب. وينظر الجواب المطول في بيان درجة راوي الحديث وكلام أهل العلم فيه.
الجواب
موقف علماء الحديث من : سعد بن سعيد بن قيس
لا دليل على نفي صوم النبي صلى الله عليه وسلم لصيام الست من شوال
الحمد لله.
أولا:
موقف علماء الحديث من : سعد بن سعيد بن قيس
روى الإمام مسلم في “الصحيح” (1164) عن سَعْد بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ .
فهذا الحديث من حديث سَعْد بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، وقد ضعّفه بعض أهل العلم، حيث حكموا بضعف حفظه.
قال الترمذي رحمه الله تعالى: “وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ.” انتهى “سنن الترمذي” (3 / 123).
ومن هؤلاء الإمام أحمد، حيث قال رحمه الله تعالى:
“سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري ضعيف الحديث، وعبد ربه بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد جميعا ثقتان.” انتهى من”العلل ومعرفة الرجال” (1 / 513).
ورأى ابن حبان أن ضعفه ووهمه ليس بالفاحش، حيث قال رحمه الله تعالى:
“وكان يخطىء لم يفحش خطأه فلذلك سلكناه مسلك العدول.” انتهى من”الثقات” (6 / 379).
وإلى نحو هذا ذهب ابن عدي، حيث قال رحمه الله تعالى:
“ولسعد بن سعيد أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسا بمقدار ما يرويه.” انتهى من”الكامل” (4 / 389).
وقال ابن أبي حاتم:
“ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: سعد ابن سعيد صالح.
سمعت أبي يقول: سعد بن سعيد الأنصاري مؤدى.
قال أبو محمد: يعني أنه كان لا يحفظ، يؤدى ما سمع.” انتهى من”الجرح والتعديل” (4 / 84).
وأما آخرون، فقبلوا حديثه.
فقد وثقه ابن سعد، فقال رحمه الله تعالى:
“وكان ثقة قليل الحديث دون أخيه.” انتهى. “الطبقات الكبرى – القسم المتمم لتابعي أهل المدينة” (ص 339).
وقد اعتمده مسلم كما نرى في هذا الحديث، وقد ساق له البخاري حديثا مستشهدا به (1482).
وقال الذهبي رحمه الله تعالى:
“سعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى.
حسن الحديث تابعي ضعفه أحمد وابن معين.” انتهى من”المغني” (1 / 254).
ومثل هذا الراوي غايته أنه صدوق لكن يهم، كما لخص حاله الحافظ ابن حجر في “تقريب التهذيب” (ص 231).
وقال الذهبي في “الكاشف” (1 / 428):
“صدوق، قال النسائي: ليس بالقوي.” انتهى.
ومن هذا حاله لا يهدر حديثه كله، بل يقبل من حديثه ما تبيّن منه أنه لم يهم ولم يخطئ فيه.
ومسلم من أئمة علم الحديث؛ فإخراجه لحديث سعد في “الصحيح” هذا دليل على أنه ترجح لديه صحة هذه الرواية.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “سلمنا ضعفه، لكنْ مسلم إنما احتج بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطىء فيه، بقرائن ومتابعات، ولشواهد دلته على ذلك، وإن كان قد عرف خطؤه في غيره، فكون الرجل يخطىء في شيء لا يمنع الاحتجاج به، فيما ظهر أنه لم يخطىء فيه.
وهكذا حكم كثير من الأحاديث التي خرجاها، وفي إسنادها من تكلم فيه من جهة حفظه.” انتهى من”تهذيب السنن” (3 / 1216).
وهذا الحديث قد احتفت به قرائن تدل على حفظ سعد له وعدم وهمه فيه.
فقد أخذه عنه عدد من الحفاظ وقبلوه منه ورووه عنه.
قال ابن عدي رحمه الله تعالى:
” حديث سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب: (من صام رمضان…) فهو مشهور، ومدار هذا الحديث عليه، قد حدّث به عنه: يحيى بن سعيد أخوه، وشعبة والثوري، وابن عيينة وغيرهم من ثقات الناس . انتهى من”الكامل” (4 / 388).
وقال الدارقطني رحمه الله تعالى:
“يرويه جماعة من الثّقات الحفّاظ، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيّوب. منهم: ابن جريج، والثّوريّ، وعمرو بن الحارث، وابن المبارك، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم.” انتهى من”العلل” (6 / 107).
وقال ابو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:
” فكان هذا الحديث مما لم يكن بالقوي في قلوبنا، لما سعد بن سعيد عليه في الرواية عند أهل الحديث، ومن رغبتهم عنه، حتى وجدناه قد أخذه عنه من قد ذكرنا أخذه إياه عنه، من أهل الجلالة في الرواية والثبت فيها؛ فذكرنا حديثه لذلك.” انتهى من “شرح مشكل الاثار” (6 / 121).