ليلة القدر فضائل وأحكام

بقلم فضيلة الشيخ / أحمد عزت حسن

أولًا: التعريف بليلة القدْر

يتكوّن مصطلح ليلة القدر من جُزأين؛ فالأوّل هو الليلة، وتُعرَّف بأنّها: الوقت الذي يمتدّ منذ غروب الشمس وحتى طلوع الفجر،
أمّا الثاني فهو القَدر، فالقدر في اللغة: مصدر: فإن القدر في اللغة اسم مصدر من قدر الشيء يقدره تقديراً، وقيل إنه مصدر من قدر يقدر قدراً، عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور.

وقيل: هو كون الشيء مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان،
وقدّر الله هذا الأمر بقدره قدراً: إذ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة.

ثانيًا: سبب تسمية ليلة القدر:

لقد ذكر العلماء عدة أسماء لأسباب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم منها:

١- سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما نقول: فلان ذو قدر عظيم أي: ذو شرف. ومن ذلك: قوله -تعالى-: (وَما قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدرِهِ)؛ فالمقصود هنا بالقَدر: التشريف والتعظيم، وهي ليلة ذات قَدْر بتنزُّل القرآن والملائكة فيها، كما تتنزّل فيها رحمات الله -تعالى- وبركاته،

٢- أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه.
ومعنى القدر: التعظيم أي أنها ليلة ذات قدر، لهذه الخصائص التي اختصت بها، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر.

٣- وقيل: القدر التضييق، ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، والمقصود هنا أنَّ التضييق في هذه الليلة هو إخفاؤها، وعدم تعيينها بوقت مُحدَّد، ولأنَّ الأرض تضيق وتزدحم بالملائكة،

٤- وقيل: القدر بمعنى القدَر – بفتح الدال – وذلك أنه يُقدّر فيها أحكام السنة كما قال تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم)؛ ولأن المقادير تُقدر وتكتب فيها .

٥- ومن معانيه أيضاً أنّ القدَرَ بفتح الدال رديفٌ لمفهوم القضاء؛ أي بمعنى الفصل والحُكم، وقال بعض العلماء في معنى القدْر وسبب تسميتها بذلك: إنَّ الملائكة في هذه الليلة تكتب ما قُدِّرَ من الرزق والآجال من الله -تعالى-، وهذا في قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ . فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ).

والليلة المباركة في هذه الآية هي ليلة القدر. أما في الشرع فهو ما يقدره الله من القضاء ويحكم به من الأمور.

ثالثًا: تعظيم ليلة القدر
يؤمن المسلمون أن الله عظم أمرَ ليلة القدر فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي أن لليلة القدر شأنًا عظيمًا،
* وبين أنها خير من ألف شهر فقال: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي أن العمل الصالح فيها يكون ذا قدر عند الله خيرًا من العمل في ألف شهر،
* ومن حصل له رؤية شيء من علامات ليلة القدر يقظة فقد حصل له رؤيتها،

* ومن اجتهد في القيام والطاعة وصادف تلك الليلة نال من عظيم بركاتها فضل ثواب العبادة تلك الليلة، قال رسول الله ﷺ: “من قامَ ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه” رواه البخاريّ.

ثم قال الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} ويروى عن رسول الله ﷺ أنه قال :”إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كَبْكَبَة (أي جماعة) من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله فينزلون من لَدن غروب الشمس إلى طلوع الفجر” فينزلون بكل أمر قضاه الله في تلك السنة من أرزاق العباد وآجالهم إلى قابل، وليس الأمر كما شاع بين كثير من الناس من أن ليلة النصف من شعبان هي الليلة التي توزع فيها الأرزاق والتي يبين فيها ويفصل من يموت ومن يولد في هذه المدة إلى غير ذلك من التفاصيل من حوادث البشر، بل تلك الليلة هي ليلة القدر

ثم قال الله: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فليلة القدر سلام وخير على أولياء الله وأهل طاعته المؤمنين ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو أذى، وتدوم تلك السلامة حتى مطلع الفجر. عن عائشة قالت :”قلت يا رسول الله إن علمت ليلة ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنّك عفوّ تحب العفوَ فاعفُ عنّي” وكان أكثر دعاء النبي في رمضان وغيره :”ربّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار”.

رابعًا: فضلُ ليلةِ القَدرِ:
أُنزِلَ فيها القُرآنُ: قال تعالى: إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: ١].
يقَدِّرُ اللهُ سبحانه وتعالى فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ: قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان: ٤-٥].

* العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ
قال تعالى: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” [القدر: ٣].
فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ. وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ
* ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ: قال تعالى: “تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ”

خامسًا: يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ
وردَت أحاديث كثيرة تُرغّب المسلم في تحرّي ليلة القدر، وإدراك وقتها، وطلبها، وليلة القدر ليلة ثابتة لا تُرفَع حتى قيام الساعة، ومن الأدلّة على ذلك ما صحّ عن عائشة -رضي الله عنها-، عن النبيّ ﷺ قال: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ)،
وذهب جمهور العلماء إلى أنَّ هذه الليلة تقع في ليالي رمضان، وهذا ما يُسانده الجَمع بين الآيتَين؛ في قوله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وقوله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)،

* ويؤكّد هذا حديث الرسول ﷺ: (التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ)، حيث وضع الحديث النبوي مُحدّداً آخر لليلة القدر بإثبات وقتها بالعَشر الأواخر
فعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبي ﷺ قال: “ومن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه”

* وقيام ليلة القدر يحصل بالصلاة فيها إن كان عدد الركعات قليلاً أو كثيرًا، وإطالة الصلاة بالقراءة أفضل من تكثير السجود مع تقليل القراءة، ومن يسَّر الله له أن يدعو بدعوة في وقت ساعة رؤيتها كان ذلك علامة الإجابة، فكم من أناس سعدوا من حصول مطالبهم التي دعوا الله بها في هذه الليلة

* الاعتكاف:
يُشرَعُ في ليلةِ القَدرِ الاعتكافُ؛ فقد كان رسولُ الله ﷺ يعتَكِفُ في العَشْرِ الأواخِرِ؛ التماسًا لِلَيلةِ القَدْرِ.
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: “من كان اعتكَفَ معي، فلْيعتكِفِ العَشرَ الأواخِرَ، وقد أُريتُ هذه الليلةَ ثم أُنسِيتُها، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ مِن صَبيحَتِها فالتَمِسوها في العَشرِ الأواخِرِ، والتَمِسوها في كُلِّ وِتر”

* الدُّعاء: يُشرَعُ الدُّعاءُ فيها والتقَرُّبُ به إلى اللهِ تبارك وتعالى. لحديث عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي

* العَمَلُ الصَّالِحُ:
قال الله تعالى: “لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” القدر: ٣ قال كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ: أي: العَمَلُ فيها خيرٌ مِنَ العَمَلِ في ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدْرِ؛ ففي تلك الليلةِ يُقسَمُ الخيرُ الكثيرُ الذي لا يُوجَدُ مِثلُه في ألفِ شَهرٍ

سادسًا: ليلة القدر في القرآن والأحاديث النبوية:
ففي البخاري: قال رسول الله ﷺ: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان،
عن عبد الله بن أنيس أنه قال:«يا رسول الله، أخبرني في أي ليلة تبتغى فيها ليلة القدر. فقال: “لولا أن يترك الناس الصلاة إلا تلك الليلة لأخبرتك».

لذا لا ينبغي للمسلم أن لا يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر، لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه، فقد تكون ليلة الحادي العشرين، أو الثالث والعشرين، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين، فإذا قام ليلة السابع والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير، ولم يصب تلك الليلة المباركة. فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله، وفي العشر الأواخر أكثر، وهذا هو هدي النبي ﷺ.

وعليه: فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر وخاصة إذا علمنا أن النبي ﷺ أراد أن يخبر أمته بها ثم أخبرهم أن الله تعالى رفع العلم بها؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، فَتَلاحَى -تنازع وتخاصم- رَجُلانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: (إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ). رواه البخاري

سابعًا: علامات ليلة القدر
تختصّ ليلة القدر بالعديد من العلامات،
لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة.
فأما العلامات المقارنة فذكر منها بعض العلماء:
– قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة. – طمأنينة القلب.
– انشراح الصدر من المسلم.
الرياح تكون فيها ساكنة.

** وأما العلامات اللاحقة فذكر منها
– أن الشمس تطلع في صبيحتها من غير شعاع، وتظهر شبيهةً بالقمر حين يكون بدرًا؛ حيث لا يكون للشمس شُعاع، وتكون مُستوية؛ وذلك لحديث أبي بن كعب في صحيح مسلم أنه قال: أخبرنا رسول الله ﷺ: أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها.” متقق عليه
وروى أحمد من حديث عبادة بن الصامت عن النبي ﷺ أنه قال: “إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعاً، ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح” وكلمة بلجة تُفيد معنى أنّها: ليلة تتّصف بالإشراق، ولا حَرَّ فيها، ولا بَرد.
– ينشرح صدر المؤمن وقلبه في هذه الليلة، ويجد في نفسه نشاطًا إلى العبادة، وعمل الخير.

– يتّصف لَيلها بالاعتدال؛ فقد وصف الرسول ﷺ هذه الليلة في الحديث الذي رواه جابر- رضي الله عنه- عن النبيّ ﷺ أنّه قال: (إني كنتُ أُرِيتُ ليلةَ القَدْرِ ، ثم نُسِّيتُها وهي في العَشْرِ الأَوَاخِرِ من ليلتِها ، وهي ليلةٌ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لا حارَّةٌ ولا باردةٌ).

– تكون السماء فيها صافية ساكنة، ويكون الجوّ فيها معتدلاً؛ غير بارد ولا حارّ، وتخرج الشمس في صباحها من غير شُعاع تُشبه القمر في ليلة البدر؛ لقول النبيّ، عليه الصلاة والسلام: (أنَّهَا تَطْلُعُ يَومَئذٍ، لا شُعَاعَ لَهَا)؛ والشُّعاع هو: الضوء الذي يُرى عند بداية خروجها، ويكون كالحبال، أو القضبان التي تُقبل إلى الشخص الذي ينظر إليها.

– تمتاز بالسكينة والطمأنينة، وراحة القلب، ونشاطه لأداء الطاعة، وتلذُّذه بالعبادة أكثر من الليالي الأخرى؛ وذلك بسبب تنزُّل الملائكة بالسكينة على العباد، قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)،
– وهي ليلة لا يُرمى فيها بنجم؛ لحديث النبيّ -ﷺ-: (ليلةُ القدرِ ليلةٌ بَلْجَةٌ، لَا حارَّةٌ ولَا بَارِدَةٌ، ولَا سَحابَ فِيها، ولَا مَطَرٌ، ولَا ريحٌ، ولَا يُرْمَى فيها بِنَجْمٍ).
– تكون في ليلة من ليالي الوتر في رمضان، في العشر الأواخر منه؛ لحديث النبيّ ﷺ: (وَقَدْ رَأَيْتُ هذِه اللَّيْلَةَ فَأُنْسِيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، في كُلِّ وِتْرٍ).
– ويشعر بها المؤمنون بشعور داخليّ، وذلك بما يُنعم الله عليهم من نشاط في هذه الليلة، علما أنّ أفضل ما يدعو به المسلم في هذه الليلة إن شعر بها هو قول: “اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي”؛ لِما رُوي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنّها سألت النبيّ ﷺ فقالت: (يا رسولَ اللهِ، أرأَيْتَ إنْ علِمْتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ كريمٌ تُحِبُّ العفْوَ، فاعْفُ عنِّي).

● الفائدة من معرفة علامات ليلة القدر
معرفة العلامات الخاصّة بليلة القدر مفيدة للمسلم؛ إذ
– يُسَنُّ له إحياء يوم ليلة القدر كما يُسَنّ له إحياء ليلها بالطاعات، ويُؤدّي المسلم شُكر الله -تعالى- على توفيقه لقيامها،

– كما يشعر المسلم بالمسؤولية إن كان قد قصّر في قيامها.

– وفي معرفة ليلة القدر بشارة خير للمُسلم بمضاعفة الأجر والثواب له؛ فالعبادة فيها قد تساوي عبادة عُمر الإنسان كاملاً، وهذه العلامات دليلٌ على صِدق الرسول ﷺ بوَّب عليه البخاري بقوله: “باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر”.

ثامنًا: وقتُ ليلةِ القَدْرِ
ليلةُ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهي في الأوتارِ أقرَبُ مِنَ الأشفاعِ، وهو مذهبُ الشَّافِعيَّة، والحَنابلة، وقولٌ للمالكيَّة، فعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: “تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ في الوِترِ مِنَ العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ”
وعنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: “التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى”
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رجالًا مِن أصحابِ النبي ﷺ أُرُوا ليلةَ القَدْرِ في المنامِ في السَّبعِ الأواخِرِ، فقال رسولُ الله ﷺ: “أرى رُؤيَاكم قد تواطَأَتْ في السَّبعِ الأواخِرِ، فمن كان مُتَحَرِّيَها فلْيتحَرَّها في السَّبعِ الأواخِرِ”
عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: “رأى رجلٌ أنَّ ليلةَ القَدْرِ ليلةَ سَبعٍ وعشرينَ، فقال النبي ﷺ: أرى رُؤياكم في العَشْرِ الأواخِرِ، فاطلُبوها في الوِترِ منها”

تاسعًا: هل ليلةُ القَدْرِ تتنقَّلُ أم هي ثابتةٌ؟
لا تختَصُّ ليلةُ القَدرِ بليلةٍ مُعَيَّنةٍ في جميعِ الأعوامِ، بل تتنقَّلُ في ليالي العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّة، والحَنابِلة، وقولٌ عند المالكيِّة وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العلم. فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: “كنتُ أجاوِرُ هذه العَشْرَ، ثم قد بدا لي أن أجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخِر، فمن كان اعتَكَفَ معي فلْيَثْبُتْ في مُعتَكَفِه، وقد أُرِيتُ هذه الليلةَ، ثم أُنْسِيتُها، فابتَغُوها في العَشْرِ الأواخِرِ، وابتَغُوها في كلِّ وِترٍ، وقد رأيتُني أسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، فاستهَلَّتِ السَّماءُ في تلك الليلةِ فأمطَرَت، فوَكَف المسجِدُ في مُصَلَّى النبي ﷺ ليلةَ إحدى وعشرينَ، فبَصُرَتْ عيني رسولَ اللهِ ﷺ فنظَرْتُ إليه انصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ ووجهُه ممتلئٌ طينًا وماءً

عاشرًا: بقاءُ ليلةِ القَدْرِ:
ليلةُ القدْرِ موجودةٌ لم تُرفَعْ، وباقيةٌ إلى يومِ القِيامة. عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبي ﷺ قال: “تَحرَّوا لَيلةَ القدْرِ في الوِتْر من العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ” ونقَل الإجماعَ على ذلك: النووي.

حادي عشر: الحِكمة من إخفاء ليلة القدر
اقتضت إرادة الله -تعالى- بأن يجعل وقت ليلة القدر خَفيًّا على العباد، كما أخفى عنهم كثيرًا من الأمور، كساعة الإجابة في يوم الجمعة، ووقت انتهاء أجل الإنسان، ويوم القيامة؛ لحِكَم مُتعدِّدة، إضافة إلى أنّه أخفى ليلة القدر؛ ليكون المسلم مُجتهدًا في عبادته دائمًا في الليالي جميعها،
– وليكونَ حريصًا على إدراكها، والتماسها؛ خوفًا من أن تضيعَ عليه؛ فلو عُيِّنت، فإنّ العبد قد يقتصر بالعبادة على هذه الليلة فقط،

– وليشغلَ المسلم العاقل وقته بما هو مطلوب منه من العبادة طوال الشهر، وخاصّة في العَشر الأواخر منه، ولا ينشغل بالبحث عن موعدها ووقتها.

– ليعظّم المسلم ليالي رمضان جميعها، وعدم الاقتصار على ليلة القَدْر فقط.
– ليتجنّب المسلم الوقوع في المعاصي؛ فإنّ وقوعه في المعصية مع عِلمه بكونها في ليلة القَدر تُوجِب الإثم العظيم، وليس حاله كمَن وقع في الإثم مع عدم عِلمه بأنّها ليلة القَدر.

– ليحصل العبد على ثواب الاجتهاد في إدراكها وطلبها. ليظهر سِرّ الآية التي قال فيها الله -عزّ وجلّ-: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، وأنّ هذه العبادة صدرت من العباد في ليلة مَخفيّة؛ فيعلم الذين في السماوات أنَّ هذه الليلة لو كانت معلومة لاجتهدَ فيها العباد أكثر.

– ولبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها ، وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى والتي قال عنها النبي ﷺ: “مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ” رواه البخاري، ومسلم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله -الإمام البخاري-‏:‏ “باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر”: في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها. [فتح الباري (٤/ ٢٦٠)]، وقال أيضًا: قال العلماء: الحكمة من إخفاء ليلة القدر ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها ، كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة”. رواه أبو داود

● الحذر الحذر من الوقوع في الفخ
كثيرٌ يقوم بتصوير لحظة الشروق اليوم التالي لليلة السابع والعشرين مدعين أن ليلة القدر كانت أمس،فمهلًا يا عبد الله فما لازالت هناك ليلتان أو ثلاث في الشهر قد تكون إحداهن ليلة القدر تنطبق عليها أكثر العلامات فلا تتكاسل، وما يدريك لعلها تكون في الليالي الزوجية!! أليست من ضمن الليالي العشر،
أما القول بأنها في الليالي الوتر فهذا على أحد الأقوال وفي حديثٍ آخر التمسوها في العشر الأواخر من رمضان أي في جميع ليال العشر، وبالتالي فلازالت الفرصة أن تكون فيما بقي من ليال فيجب أن لا نضيع الفرصة

فشمر عن ساعد الجد ولا تكسل فهناك ليلة العتق الأكبر التي يُعتق الله فيها بعدد من أعتق طوال الشهر

وهي آخر ليلة من رمضان كما أخبر الصادق المصدوقﷺ : ” ألم تر أن العمال إذا وفّوا أعمالهم استوفوا أجورهم “

اترك تعليقاً