دعاء ليلة القدر
27 مارس، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : أبو بكر الجندي
قالت عائشة ـ رضي الله عنهاـ قُلت: يا رسول الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: “قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”.
أرشد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ السيدة عائشة إلى أفضل عبادة في أفضل ليلة ودلها على مخ العبادة وهو الدعاء، خاصة الدعاء بطلب العفو والمغفرة؛ لأن بهما يكون العبد من المُكْرَمين، كما قال مؤمن آل يس ياليت قومي يعلمون: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس: 27]، فَيَصِيح فرحا بمغفرة الله له، وتَلَهَّفَ أن يَعلم قومه ما أصابه من كرامة الله تعالى، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقوم من الليل حتى تَتَشقق قدماه شكراً لله على أن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والعفو أبلغ من المغفرة؛ لأن المغفرة ستر للذنب ووقاية من تبعاته مع بقاءه، أما العفو فهو محو الذنب بالكلية كأن لم يقع.
وحينما يطلب المتَهَجِّدون العفو يطلبونه من رب عظيم اسمه العفو الغفور الكريم الذي يحب العفو والمغفرة، كما قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
وطلب العفو والمغفرة دعاء يحبه الله تعالى إذا أذنب المذنب، ويحبه أيضاً بعد أداء الطاعة؛ وذلك لما يشوب الطاعة من الخلل والتقصير؛ لأنه العفو الكريم عز وجل الذي يحب أن يَقِي عباده شر ذنوبهم، وأن يعطي أهل العبادة ثواب العبادة كاملا؛ ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستغفر الله ثلاثا في ختام الصلاة، وفي ختام الحج يحث الشرع على الاستغفار، فيقول تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: 199]، وفي ختام الصيام الله عز وجل يحب أن يسمع من الصائمين هذا الدعاء: “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”.
وكان المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يردد هذه الدعوات صباح مساء: “اللهم إني أَسأَلك العفو والعافية في ديني ودنياي وأَهلى ومالى”، فهو العفو تبارك وتعالى الذي يحب العفو، ويحب أن يسأل العفو، ويحب من الناس أن يعفو بعضهم عن بعض، ووعد أهل العفو والصفح بالعفو والمغفرة، فقال تعالى: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التغابن: 14]، كما وعد العافين بالأجر العظيم، فقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40].
حتى يتهيأ الناس بعفو ربهم وبعفوهم وصفحهم عن بعضهم للحياة الطيبة من صفاء النفس وانشراح الصدر، وأن يعيشوا جنة الدنيا من المودة والرحمة قبل جنة الآخرة، والتي تخلوا من نار الدنيا (العداوة والبغضاء)، والتي هي نفسيات أهل النار في الآخرة، كما قال تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت: 25].