خطبة بعنوان (صدقة الفطر ودورها فى التكافل الاجتماعى ) لفضيلة الشيخ أحمد أبو اسلام

إعداد / الشيخ أحمد أبو اسلام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

 

الإسلام دين التعاطف والمواساة

الإسلام دين التعاطف والمواساة، دين المودة والمحبة، دين الترابط بين الأغنياء والفقراء، دين التكافل الاجتماعي، دين يقع في مسئولية الجائعين على جيرانهم الأغنياء، فلا يدخل الجنة مع السابقين من بات شبعان، وجاره جائع، دين فرض للفقراء حقاً في مال الأغنياء، حيث يقول جل شأنه {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25] وخصت الشريعة الإسلامية أيام العيد بمزيد من توصية القادرين بالضعفاء والمساكين، ففرضت في عيد الفطر زكاة الفطر، وشرعت الأضحية في عيد الأضحى، توسعة على الأهل، وعلى الفقراء والمحتاجين، وإن كانت الشريعة الإسلامية لم تحدد قدراً معيناً من أضحية الغني، وتركت ذلك لأريحيته وسخاء نفسه[فتح المنعم شرح صحيح مسلم].

إن الإسلام يستهدف مجتمعا متكافلا متواصلا متحابا متفاعلا كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وتعين إحداهما الأخرى، كما جاء في الحديث عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».[رواه مسلم ]

ومن هنا شرعت زكاة الفطر

ومن هنا شرعت زكاة الفطر في عيد الفطر، وجعلت حقا للفقير، وقد حددها رسول الله ﷺ وقدرها، كما حدد قدر نصاب الزكاة في الأموال وما يخرج منها. {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].

عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»[رواه البخاري]

فقدرها صاع من القوت، من تمر أو شعير أو غيرهما من الأقوات، وهو ما يعادل “اثنين كيلو ونصف كيلو” تقريبا بالميزان المتعارف عليه في أيامنا، تجب على المرء عن نفسه وعن كل فرد يعوله ، وتجب عليه نفقته صغيرا أو كبيرا، غنيا كان أو فقيرا.

وقت أداء زكاة الفطر

– ويجب أداء زكاة الفطر قبل خروج المسلمين لصلاة العيد ، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الفِطْرِ، أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»[متفق عليه].

– وروى أبو داود بسند حسن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».

– والفطر من رمضان لا يكون إلا بغروب الشمس من ليلة العيد ; ولأن الفطرة جعلت طهرة للصائم بدليل ما روي : أن { النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر طهرة للصائم من الرفث واللغو وطعمة للمساكين } ، وانقضاء الصوم بغروب الشمس ، فإن رزق ولدا أو تزوج امرأة أو اشترى عبدا ودخل عليه الوقت وهم عنده وجبت عليه فطرتهم ، وإن رزق ولدا أو تزوج امرأة أو اشترى العبد بعد دخول الوقت أو ماتوا قبل دخول الوقت لم تجب فطرتهم ، وإن دخل وقت الوجوب وهم عنده ثم ماتوا قبل إمكان الأداء ففيه وجهان ، ( أحدهما ) : تسقط كما تسقط زكاة المال ( والثاني ) : لا تسقط ; لأنها تجب في الذمة فلم تسقط بموت المرأة ، ككفارة الظهار .

– ويجوز تقديم الفطرة من أول شهر رمضان ; لأنها تجب بسببين ، بصوم رمضان والفطر منه ، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمها على الآخر ، كزكاة المال بعد ملك النصاب وقبل الحول ، ولا يجوز تقديمها على شهر رمضان ; لأنه تقديم على السببين ، فهو كإخراج زكاة المال قبل الحول والنصاب .

اغنوهم في هذا اليوم

ـ والمستحب : أن تخرج قبل صلاة العيد ; لما روى ابن عمر : أن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تخرج قبل خروج الناس إلى الصلاة } ولا يجوز تأخيرها عن يومه ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم } ، فإن أخره حتى خرج اليوم ، أثم وعليه القضاء ; لأنه حق مال وجب عليه وتمكن من أدائه ، فلا يسقط عنه بفوات الوقت .

– وبهذه المواساة اليسيرة يتم التكافل الاجتماعي، وتتم الصلة بين أفراد الأمة ويستغني الفقراء عن أجر العمل أيام العيد، ويستغني الفقير عن ذل السؤال ويشارك الأغنياءَ هو وأولاده بهجتهم، ولذا قيل بجواز أدائها نقدا مراعاة للمقصود منها والغاية التي شرعت لأجلها ” اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم” ، وحينئذ يلتقي المسلمون غنيهم وفقيرهم على مائدة البهجة والسرور.[المنهل الحديث في شرح الحديث]

– فقد أثر أن عمر رضى اللَّه عنه تعرضت له امرأة فقيرة وهو في طريقه إلى خيبر وذكرت حاجة لها فأمرها أن تراجعه بالمدينة وأعطاها من أموال الزكاة.

وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميص – أو لبيس – في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي ﷺ بالمدينة».[رواه البخاري ]

ـ قوله: “بعرض ثياب” بغير إضافة على أن قوله “ثياب” إما بدل أو عطف بيان، ويروى بإضافة العرض إلى “ثياب” من قبيل شجر الأراك، والإضافة بيانية.

ـ قوله: “خميص” بالصاد كذا ذكره البخاري فيما قاله عياض وابن قرقول، وقال الداودي والجوهري: ثوب خميس بالسين، ويقال: له أيضا خموس وهو الثوب الذي طوله خمسة أذرع يعني الصغير من الثياب

ـ قوله: “أو لبيس” بفتح اللام وكسر الباء الموحدة بمعنى الملبوس، مثل قتيل ومقتول

ـ قوله: “أهون” خبر مبتدأ محذوف أي: هو أهون، أي أسهل.

قوله: “عليكم” وإنما لم يقل لكم لإرادة معنى تسليط السهولة عليهم.

ويستفاد من هذا الحديث جواز دفع القيم في الزكوات

وهذا الحديث أحد مباني الإسلام التي يقوم عليها مجتمع التراحم والتعاطف والتكاتف، وأن التكافل الاجتماعي في الإسلام لا يدانيه مذهب قديم.. فهو يعطى كل ذي حق حقه، ويشيع روح الحب والتعاطف بين المسلمين ويطهرهم ويزكيهم وينمي مودتهم وأموالهم.[شرح بلوغ المرام]

من أجاز دفع زكاة الفطر قيمة

وإلى جواز دفع القيمة ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المذاهب، حكاه التابعي أبو إسحاق السبيعي عمن أدركهم، وفيهم علي بن أبي طالب والبراء بن عازب وغيرهما، كما أنه قول الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح والخليفة عمر بن عبدالعزيز، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري والبخاري، وعلى ذلك أدلة كثيرة.

وإنني لا أتخيل أن يخرج أكثر من ملياري مسلم حول العالم زكاة فطرهم حبوبا، فمن أين يأتون بها؟ وأين تخزن؟ وكيف توزع، وماذا يفعل الفقراء بها، وكيف نعقد عبادة الأصل فيها اليسر وعدم التعقيد؟

لقد قرأت أن أحد العلماء رأى فقيرا في بلد يتمسك علماؤه بالحبوب ولا يجيزون إخراج القيمة، يحمل أكياسا ثقيلة من الأرز وليس معه مالا يأخذ به سيارة أجرة تصله لبيته، فترك أكياس الأرز في الشارع ومضى إلى حال سبيله، فهل حققنا بذلك مقاصد زكاة الفطر ومعانيها الشرعية، وهل عادت هذه المنهجية بخير على الأغنياء أو الفقراء، وهل قدمت صورة الإسلام الحضارية العالمية على نحو أكمل وأفضل؟

وخلاصة القول أنه يجوز إخراجها نقودا، وهو الأرجح للناس اليوم ، لكونه الأيسر عليهم، والأنفع للفقير، والأسرع في نقلها لأهلها .

ويمكن إيجاز مقاصدها فيما يلي:

ـ التزكية والتطهير: وهو مقصد عام للزكاة عموما وللفطر خصوصا قال تعالى: ﴿خذ من أموٰلهم صدقة ‌تطهرهم وتزكیهم بها﴾ [التوبة: 103]، فالزكاة تطهر نفس المسلم من داء الشح والبخل وتكسر عنده حدة حب المال وكنزه ومنعه عن أصحاب الحاجات.

الجبر والتكميل: كل صائم يقع في صومه من الغيبة والنميمة وفضول الكلام والنظر ما يقع فتأتي صدقة الفطر لتجبر النقص وتكمل الأجر والثواب للصائم وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “طهرة للصائم من الرفث واللغو”، وعن وكيع بن الجراح رحمه الله قال: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة”.

 

فالصدقة تهذب الأخلاق وتزكي النفس وتربي الروح على معاني الأخلاق، إذ فيها تدريب على الجود والكرم وتعويد على البذل والتضحية، وإيثار الآخرين.(التحرير والتنوير)

 

– التكافل والإغناء: من مقاصد الزكاة عموما والفطر خصوصا تكافل المسلمين وتعاونهم ودعم مساندة الأغنياء للفقراء والشعور بحاجاتهم والسعي للتخفيف عنهم، لكن صدقة الفطر وسعت دائرة العطاء والتكافل فلم تشترط في دافعها أن يبلغ حد الغنى المطلوب في دافع الزكاة المفروضة.

ـ الشكر والبذل: فالمسلم حين يدفع زكاة الفطر يشكر الله على نعمة إتمام الصيام والقيام وبلوغ رمضان والتوفيق فيه للطاعات، ويحمد الله على نعمة اليسار والكفاف، ويعود نفسه على شكر النعم بالبذل والعطاء، ويصل الصيام بالزكاة، والطاعة بأختها.

 

ـ فزكاة الفطر عبادة عظيمة بين شعيرتين كبيرتين هما: الصيام والعيد؛ فلها تعلق بالصيام من جهة أن فيها شكراً لله تعالى على الإمهال لإدراك رمضان، وتلك نعمة عظيمة، كما أن فيها شكراً لله تعالى على الهداية والإعانة على إتمام شهر رمضان صياماً وقياماً، وقد أمرنا الله تعالى بشكره على ذلك (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]. وجاء عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه خَطَبَ في آخِرِ رَمَضَانَ على مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فقال: ” أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ ” رواه أبو داود.

الفرح العام بالعيد: شرعت زكاة الفطر لتعم الفرحة بالعيد كل أفراد المجتمع فلا يفرح بها الغني الموسر ويحرم منها الفقير المعدم، فلا بد أن يظهر المعنى الإنساني التراحمي التكافلي في أعياد المسلمين، لهذا شرعت زكاة الفطر في عيد الفطر، والأضحية في عيد الأضحى ورصد الأجر العظيم على الشعيرتين ترغيبا في إدخال السرور على الناس وجبر خواطرهم.

هذا وصل على سيدنا محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *