شكر النعم
17 مارس، 2025
منبر الدعاة

بقلم الشيخ : حامد عمر
الحديث موصول عن شكر الله سبحانه وتعالى :
وَلِذَلِكَ كَانَتْ شَخْصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الشَّخْصِيَّةَ الْمِثَالِيَّةَ في الشُّكْرِ وَالحَمْدِ، وَلِهَذَا قَالَ ﷺ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي، لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَباً، قُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْماً وَأَجُوعُ يَوْماً، -وَقَالَ: ثَلَاثاً أَوْ نَحْوَ هَذَا-، فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ»(7).
وَكَذَلِكَ رَغَّبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ في الحَمْدِ، كَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَدَّثَهُمْ: «أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَالَ: يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، فَعَضَّلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا، فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَا: يَا رَبَّنَا! إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لَا نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا، قَالَ اللَّهُ – وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ -: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالَا: يَا رَبِّ إِنَّهُ قَدْ قَالَ: يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَلِعَظِيمِ سُلْطَانِكَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزِيَهُ بِهَا»(8).
وَأَمَّا شُكْرُ الأَرْكَانِ: فَهُوَ العَمَلُ للهِ تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى مُشِيراً إِلَى أَنَّ الشُّكْرَ هُوَ العَمَلُ: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾[سبأ:13]. وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَمَلِيّاً حِينَ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلُ، كَمَا رَوَتِ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَنْفَطِرَ قَدَمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً»(9).
وَأَمَّا شُكْرُ الجَنَانِ: فَهُوَ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ بِكَ أَو بِأَحَدٍ مِنَ العِبَادِ هِيَ مِنَ اللهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾[النحل:53]، فَلَا تَحْجُبْكَ رُؤْيَةُ النِّعَمِ عَنْ رُؤْيَةِ الْمُنْعِمِ. وَقَدْ نَبَّهَ الرَّسُولُ ﷺ إِلَى هَذِهِ الحَقِيقَةِ حَيْثُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ»(10).
وفي الآثَارِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: (يَا رَبِّ خَلَقْتَ آدَمَ بِيَدِكَ، وَنَفَخْتَ فِيهِ مِنْ رُوحِكِ، وَأَسْجَدْتَ لَهُ مَلَائِكَتَكَ، وَعَلَّمْتَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، فَكَيْفَ أَطَاقَ شُكْرَكَ؟ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي، فَكَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِذَلِكَ شُكْراً)(11).
وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى أَنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ وَفَّقَهُ لِشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (يَا رَبِّ كَيْفَ أَشْكُرُكَ وَشُكْرِي نِعْمَةٌ عَلَيَّ مِنْ عِنْدِكَ تَسْتَوْجِبُ بِهَا شُكْراً؟ قَالَ: الآنَ شَكَرْتَنِي يَا دَاوُدُ) اللهم اجعلنا من الشاكرين