إعداد فضيلة الشيخ : عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
عناصر الخطبة :
١- إدراك شهر رمضان المبارك نعمة عظيمة .
٢- ” يا باغيَ الخيرِ أقبل “.
٣- ” و يا باغي الشر أقْصِرْ “.
٤- ادع الله تعالي ، و سله العون والتوفيق لطاعته، والثبات عليها .
الخطبة الأولي :
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
(١)- يقول الله تعالي : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة 185 .
كان النبي -صلى الله عليه وسلم – يبشر أصحابه بمقدم شهر رمضان المبارك ،ويبين لهم خصائصه وفضائله ، ويَحثَّهم على الجد والاجتهاد فيه، بطاعة الله تعالى ،والتقرب إليه بما يرضيه ، ففي مسند الإمام أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ».
من نعم الله تعالى على عبده المسلم، أن يبلغه إدراك شهر رمضان المبارك ، شهر البركات والخيرات، وشهر الصيام والقيام، وشهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، وشهر الجود والكرم والبذل والإحسان.
يحدثنا الصحابي الجليلُ، أحدُ العشرة الكرام المبشرين بالجنة، طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- بهذا الخبر فيقول: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلانِ مِنْ بَلِيٍّ(قبيلة بلي)، فَكَانَ إِسْلامُهُمَا جَمِيعًا وَاحِدًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ فَاسْتُشْهِدَ، وَعَاشَ الآخَرُ سَنَةً حَتَّى صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ، فَرَأَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ خَارِجًا خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ آخِرَهُمَا ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى طَلْحَةَ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْنِ لَكَ. فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ وَعَجِبُوا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، وَاسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَخَلَ هَذَا الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ بِسَنَةٍ؟”. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: “وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا فِي الْمَسْجِدِ فِي السَنَةِ؟”. قَالُوا: بَلَى. قَالَ: “فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ!” رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان.
وعن أبو بكرة نفيع بن الحارث : “أنَّ رجلًا قالَ : يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ خيرٌ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ ، وحَسنَ عملُهُ ، قالَ : فأيُّ النَّاسِ شرٌّ ؟ قالَ : مَن طالَ عمرُهُ وساءَ عملُهُ ” صحيح الترمذي
وقد كان السلف الصالح -رضوان الله عليهم – يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم.
وكان يحي بن كثير – رحمه الله – يقول : ( اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي مِنْ رَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِي، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا).
(٢)- شهر رمضان المبارك فرصة وغيمة ينبغي علي العاقل أن يغتنمها ولا يضيعها ، عن أبي هريرة قال: قال النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- : ” إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدتِ الشياطينُ ومَرَدة الجن، وغُلِّقتْ أبوابُ النَّارِ فلم يفتح منها بابٌ، وفُتِّحتْ أبواب الجنة فلم يغلق منها بابٌ، ومناد ينادي: يا باغيَ الخيرِ أقبل، ويا باغي الشر أقْصِرْ ولله عتقاء من النَّار، وذلك كل ليلة ” رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك وغيرهم .
– ” يا باغيَ الخيرِ أقبل “
– أقبل بالتسليم لأوامر الشرع .
فالأصل في المسلم,أن يمتثل الأمر ويجتنب النهي ولو لم تظهر له الحكمة منهما، ففرض الله عز وجل على عباده المؤمنين صيام شهرٍ في العام وهو شهر رمضان فقال الله تعالي :{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة: 185]
وعلَّق الشرع الصيام في رمضان برؤية الهلال كما جاء في الأحاديث الصحيحة، ثم بيَّن الله سبحانه أن الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات يبدأ من الفجر إلى غروب الشمس فقال تعالي: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]
كلُّ هذا وغيرُه يُربي عند المسلم الانقيادَ والتسليمَ لأمر الله تعالي ورسوله – صلى الله عليه وسلم –
– أقبل على تقوى الله عز وجل
وهذه هي أعظم الغايات التي شرع من أجلها الصيام.
قال الله تعالي :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183]
ففي هذه الآية إشارة إلى حكمة من حكم الصيام، وهي تحقيق تقوى الله؛ فإن النفس إذا تَرَكتْ ما هو مباح في الأصل وهو الأكل والشرب امتثالاً لأمر الله في نهار رمضان كان ذلك داعياً لترك المحرمات ، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)(رواه البخاري (1903)
وقد هيأ الله لنا هذا الشهر بإضعاف كيد الشيطان وشرِّه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ”(رواه البخاري (3277) واللفظ له ومسلم (1079) قال ابن كثير- رحمه الله- :”لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِلْبَدَنِ وَتَضْيِيقٌ لِمَسَالِكِ الشَّيْطَانِ”.(تفسير ابن كثير (1/ 364)
– أقبل على مراقبة الله جل وعلا
ويظهر هذا المعنى جلياً في عبادة الصوم التي هي سرٌّ بين العبد وربه جل وعلا،
وتدبر هذا الحديث فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:{ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي,لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ}(رواه البخاري (7492) ومسلم (1151) واللفظ له .
قال ابن بطال:قوله: ( فإنه لي وأنا أجزى به) ، فالصيام وجميع الأعمال لله، لكن لما كانت الأعمال الظاهرة يشرك فيها الشيطان بالرياء وغيره، وكان الصيام لا يطلع عليه أحد إلا الله، فيثيبه عليه على قدر خلوصه لوجهه، جاز أن يضيفه تعالى إلى نفسه. قال الطبري: ألا ترى قوله في الحديث: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى)(شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 9 )
– أقبل على الجود والكرم وسخاء النفس
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ما، قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”(رواه البخاري (6) واللفظ له ومسلم (2308)
قال ابن رجب :وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه.
ومنها إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم فينال المعين لهم مثل أجرهم كما أن من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله فقط غزا وفي حديث زيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم – قال: “من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء”
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن في الجنة غرفا الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها من ظهورها قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام”
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ” مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ” صحيح مسلم 2 / 713 رقم: 1028.
هذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث.
أقصر واجتنب الكذب والغيبة والسب في كل وقت، وفي رمضان آكد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه))؛ [أخرجه البخاري].
أقصر عن الرفث والصخب، و الرد على من جهل عليك.
عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-،قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:{ قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ }(رواه البخاري (1904) واللفظ له ومسلم (1151)
قال أبو هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:إذا كنت صائمًا، فلا تساب ولا تجهل، فإن جهل عليك فقل: إنى صائم.(شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 8 )
ففي هذا الحديث إرشادٌ للصَّائِمِ إذا سابَّه أحدٌ أو قَاتله أن لا يُقابِلهُ بالمثْلِ لِئَلا يزدادَ السِّبابُ والقِتَالُ، وأن لا يَضْعُف أمامه بالسكوت، بل يخبره بأنه صائم إشارة إلى أنه لن يقابله بالمثل احتراماً للصوم لا عجزا عن الأخذ بالثأر، وحينئذ ينقطع السباب والقتال: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }
احفظ الجوارح عن المعاصي والآثام .
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
عن جابر رضي الله عنه قال: «إذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُك وَبَصَرُك وَلِسَانُك عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَآثِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، ولْيَكُنْ عَلَيْك وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صِيَامِكَ سَوَاءً» المصنف لابن أبي شيبة(8973).
– قال الله تعالى: {(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)} [ النور/ من الآية 31] .
وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ» . [رواه مسلم (2702)] .
ومن كرمه سبحانه على خلقه ورحمته بهم إذا رجع إليه العبد تائبا نادما فتح له بابه وقبل منه توبته وغفر له ، فإنه سبحانه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات، قال تعالى :(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) ( الشورى: 25)
وعن أبي مُوسى عَبْدِاللَّهِ بنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ، رضِي الله عنه، عن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِن الله تَعَالَى يبْسُطُ يدهُ بِاللَّيْلِ ليتُوب مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مغْرِبِها رواه مسلم.
وينادي المذنبين المخطئين المسرفين، ” قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” . [الزمر:53)،
وينادي وهو الغني عن عباده: كما في مسند أحمد : (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَا عَبْدِى مَا عَبَدْتَنِى وَرَجَوْتَنِى فَإِنِّى غَافِرٌ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَيَا عَبْدِى إِنْ لَقِيتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً مَا لَمْ تُشْرِكْ بِى لَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » ،
إنه الرب الرحيم الرحمن الذي كتب في كتاب عنده: كما في البخاري((عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِى سَبَقَتْ غَضَبِى »،
– طهر قلبك واصلح ما بينك وبين اخوانك المسلمين من خصام وشحناء ، لأن الخصام والشحناء سبب من أسباب حجب مغفرة الله تعالي عن عباده .
روى مسلم عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللهُ عز وجل فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، ارْكُوا هَذَيْنِ[10] حَتَّى يَصْطَلِحَا»[11].رواه مسلم (6711).ح
والخصام والهجران سبب من أسباب دخول النار.، روى أبو داود، بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ»[12صحيح: رواه أبو داود (4916 )،].
وروى مسلم عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ »[13رواه مسلم (6697).].
فَعَلَى المسلم أَنْ يُهَيِّئَ نفسَه، وأنْ يَعُدَّ الْعُدَّةَ لِلدُّخُولِ على هذا الْمَوْسِمِ مِنْ مَوَاسِمِ الطاعاتِ؛ فَإِنَّ الدُّخُولَ فيه ليس كالخُرُوجِ منه، كما أَخْبَرَ الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وسَلَّمَ- في الحديثِ الصحيحِ ، عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر، فلما رقى الدرجة الأولى قال: “آمين”. ثم رقى الثانية، فقال : “آمين”.. ثم رقى الثالثة: فقال: “آمين”. فقالوا : يا رسول الله! سمعناك تقول: “آمين” ثلاث مرات؟ قال: “لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل صلى الله عليه وسلم، فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له. فقلت: آمين. ثم قال: شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. فقلت: آمين. ثم قال : شقي عبد ذكرتَ عنه ولم يصل عليك. فقلت: آمين” صحيح الأدب للبخاري
فمن أعظم الخسران، وأكبر الحرمان ،أن يدرك المرء هذا الشهر الكريم المبارك، فلا تغفر له فيه ذنوبه، ولا تحط فيه خطاياه؛ لكثرة إسرافه وعدم توبته، وتركه الإقبال على الله عزّ وجل في هذا الشهر الكريم المبارك .
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
أخي المسلم ، ادع الله سبحانه وتعالي ، وسله العون والتوفيق لطاعته والثبات عليها ، فإن الله سبحانه قد أثنى على الراسخين في العلم أنهم يسألون ربهم الثبات على الهداية: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}(آل عمران:8)،
وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يكثر في دعاءه أن يقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) رواه الترمذي برقم (2140)
وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد))رواه أحمد (17155) ، وابن حبان في صحيحه برقم (935).
وأوصى عليه الصلاة والسلام معاذ بن جبل رضي الله عنه بأن يدعو بعد كل صلاة أن يعينه ربه على ذكره وشكره فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك، والله إني لأحبك))، فقال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك))،رواه أبو داود برقم (1522)، وأحمد برقم (22179)،
وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يدعو : ((رب أعنِّي ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ..))، رواه أبو داود برقم (1510)، والترمذي برقم (3551)
فالتوفيق والعون من الله وحده ،
وقد أحسن من قال:
إذا لم يكن عون من الله للفتى **
فأول ما يجني عليه اجتهاده
فاللهم أعنِّا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك،
اللَّهُمَّ سَلِّمْنِا لرَمَضَانَ، وَسَلِّمْ رَمَضَانَ لِنا، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّا مُتَقَبَّلًا . اللهم أعنا علي صيامه وقيامه وتلاوة القرآن ، علي الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.
اللهم احفظ مصر واهلها من كل مكروه وسوء اللهم أجعل بلدنا مصر أمنا أمانا سخاء رخاء
وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .