النفس البشرية
25 فبراير، 2025
منبر الدعاة

بقلم الكاتب والداعية الاسلامى
الاستاذ الدكتور : رمضان البيه
ما هي النفس البشرية ، وما أصلها ، وما مكن سر الأضداد الموجودة فيها، ومن أين اكتسبتها ، وهل هي نفس واحدة متعددة الأوصاف في الإنسان ، أم هي مجموعة أنفس مركبة فيه .
هذه هي الأسئلة التي سأحاول الإجابة عليها من خلال هذا المقال ، ولنبدأ بقوله تعالى ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها،قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “صدق الله العظيم
أولاً :نعرف النفس البشرية : هي جوهر ذات الإنسان وهي عين مجلى الأنا ومحلها في الإنسان ، وهي المخاطبة من الله عز وجل والممدوحة في القرآن والمذمومة أيضا، فهي الأمارة بالسوء ، وهي اللوامة والمطمئنة ، والراضية والمرضية ، وهي التي أودع الله تعالى فيها القابلية للسمو والتدني قابلة للارتقاء إلى مصاف الملائكة ، وفي نفس الوقت والقدرة قابلة للانحطاط تحت درجة البهائم والأنعام ، يقول تعالى وصفا لذلك ” كالأنعام بل هم أضل سبيلا ”
وسبحان الله حين خلقها سبحانه وقبل أن يركبها في الإنسان غمسها في حياض الربوبية وهي محل تجلياته تعالى الجامعة للأسماء والصفات المنسوبة إليه سبحانه ، والجامعة للأضداد ، فهو الرافع والخافض ، وهو المعز والمذل ، وهو الرحمن والجبار ، وهو الرحيم والمنتقم وهو العاطي والمانع ، فخرجت معبأة بالأنا والأضداد ، ولذا هي محل الأغيار، معبأة بالكبرياء والتعالي والعظمة التي اكتسبتها من صبغة الربوبية التي صبغت بها ، وعندما خلقها سبحانه وقبل أن يسكنها في آدم عليه السلام أوقفها سبحانه وتعالى بين يديه ، وخاطبها بقوله من أنتي ومن أنا ، فقالت بلسان الكبرياء والتعالي ” أنت أنت وأنا أنا ” ونازعته عزوجل في حضرة الربوبية .
فأمر سبحانه بإدخالها في النار ومكثت فيها ما شاء الله أن تمكث وأخرجها وأوقفها بين يديه عزوجل وكرر عليها نفس السؤال من أنتي ومن أنا فأجابت بنفس الإجابة ، قالت بكبرياء ” أنت أنت وأنا أنا “
فأدخلها في نار أشد من النار الأولى وتركها ما شاء أن يتركها ثم أخرجها وسألها نفس السؤال فأجابت بكبر أشد بنفس الإجابة فأدخلها النار للمرة الثالثة وكانت أشد ،وأخرجها وسألها نفس السؤال فأجابت بنفس الإجابة ، فمنعها عزوجل شهوتها وكسر هواها، فانكسرت وشعرت بالضعف والذل والمسكنة فانكسرت وأذعنت ، فأوقفها بين يديه عزوج ، وسألها نفس السؤال، فأجابت بخضوع وذل وقالت ” أنت ربي سبحانك ورب كل شئ وأنا عبدتك ”
هذه هي قصة النفس ومنها نعرف أن نجاتها وخضوعها لله تعالى يأتي على أثر مجاهدتها وكسر شهوتها ومخالفة هواها وإقامتها في ميادين العبودية
وأعتقد أن هذا الحوار الذي كان بينها وبين خالقها عزوجل ما كان إلا لنعلم أن علاج كبرياء النفس وتعاليها وإدخالها في حظيرة العبودية يكمن في كسر شهوتها ومخالفة هواها ، هذا والنفس البشريه في كل إنسان نفس واحدة لها عدة أوصاف بحسب حالها ، وما هي عليه من حال
فإن كانت تميل الى الشهوات ومتبعة لهواها وتميل إلى المعصية ، تأمر صاحبها بالسوء فهي نفس أمارة بالسوء وهي المشار إليها في قوله عزوجل ” روما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي”
واذا تعافت قليلا وظهر فيها التأنيب والمعاتبة عند الوقوع في المعصية واستيقظ فيها الضمير الإنساني ،فهي نفس لوامة وهي نفس عظيمة وذلك لأن الله تعالى العظيم أقسم بها ، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم ،حيث قال سبحانه ” لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة”
هذا واذا ارتقت وتذكت وتخلصت من العلائق والأغيار وسمت عن الأهوال والشهوات ودخلت في دائرة الأنوار ،فهي نفس مطمئنة وهي النفس المخاطبة من الله والممنوحة إذن الدخول في حظيرة العبوديه وهي التي حظت بشرف العبودية والانتساب إليه عزوجل والمؤهلة لخلع الرضى والرضوان من الله ، حيث يقول تعالى ” ياأيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي”
وأعتقد أن الجنة المشار إليها ليست جنة التنعيم بل هي جنة الأنس بالله عزوجل ، ويؤكد ذلك قوله تعالى ” ولمن خاف مقام ربه جنتان “
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من ذكاها، وأعنا على أنفسنا وخلصنا من ميل طبعها وهواها .