خطبة بعنوان «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق» لفضيلة الشيخ عادل تونى
19 فبراير، 2025
خطب منبرية

إعداد فضيلة الشيخ : عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
عناصر الخطبة:
١- دعوة الإسلام إلي التيسير ورفع الحرَج .
٢- صور من التيسير في العبادات .
٣-“لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”
٤- النهي عن التشدد والغلو في الدين .
٥- “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى “
***
الخطبة الأولى :
الحَمْدُ لِلهِ الرَّؤوفِ الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ ، الملك الحق المبين . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ، المَبْعُوثُ بِالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ، رحمة للعالمين -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
صلَّى عليه اللهُ ما اتَّسَعَ المَدَى
واشتَاقَت الأروَاحُ للرحمَنِ
نَفسِي فِداكَ وكلُّ أهلِي والوَرَى
الجِذعُ حَنَّ فكيفَ بالإنسانِ؟!
أما بعد إخوة الإيمان والإسلام :
* يقول الله سبحانه وتعالي-:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة 185)
ويقولُ تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الحج: 78].
وعن أَبِي هريرة -رضي الله عنه – أن النَّبيّ ﷺ قَالَ:(إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ) رواه البخاري
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا))(أخرجه البخاري(69)، ومسلم(6) .
وَعَنْ السيدة عَائِشَةَ-رضي الله عنها -، أَنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ))(أخرجه مسلم(1777).
كل هذه النصوص تدل علي أن الإسلامُ دينُ السَّعة والسَّماحة، واليُسر والسُّهولة، والوسَط والاعتِدال.
فربُّ العالَمين الرحيمُ بخلقِه، اللطيفُ بهم شرعَ العبادات مبنيَّةً على السَّماحة، ورفع الحرَج وعدم المشقَّة، وهذا لا يتنافَى مع بعضِ المشقَّة في أداء العبادة، لكنَّها مشقَّةٌ في الاستِطاعة دُون إعناتٍ أو تعجِيزٍ.
يقول الله سبحانه وتعالي : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ويقول تعالي : {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]
والناظرُ في نصوص الشريعة المُتتبِّعُ لأحكامِها ومقاصِدها، لا يَعتَريه رَيبٌ أنها وُضِعَت لمصالِح العباد، وتحقيق الخير لهم، ودفع الضرر ورفع الحرَج عنهم في دينهم ودُنياهم.
يأتي التذكيرُ بهذا الموضوع المُهم في زمنٍ انتشرَ فيه سُوء الفهم للإسلام الحقِّ بين طرَفَي الإفراط والتفريط، والغُلُوِّ والجفاء.
فشريعةُ الإسلام أكمَلُ شريعةٍ وأوفاها، وأحكَمُ ملَّةٍ وأحفاها، ولا مِثالَ سِواها.تُراعِي اليُسرَ والسماحةَ في عنايتِها بالعقيدة السَّمحة، والاعتِدال والوسطيَّة، ومُراعاةِ الضرورات الخَمس والمقاصِد الكُبرى، واهتِمامِها بالمُحكَمات والمُسلَّمات، واليقينيَّات والقطعيَّات، واعتِبار المآلات في تحقيقِ المصالِح وتكثِيرِها، ودرءِ المفاسِدِ وتقلِيلِها، والحرصِ على اجتِماع الكلِمة، ووحدةِ الصُّفوف، دُون مذهبيَّةٍ أو طائفيَّةٍ، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].
***
(٢)- ومن صُور التيسير في العبادات.
– التيسير في الطَّهارة: شرعَ الإسلام المسحَ على الخُفَّين والعِمامة والجَبِيرة،
يقول جَرِير بن عبد الله البَجَلِيّ رضي الله تعالى عنه: (رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بالَ، ثم توضأَ ومسحَ على خُفَّيْهِ) رواه البخاري ومسلم.
وعن المُغيرة بن شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم توضَّأ، فمسحَ بناصِيَتِه، وعلى العمامةِ، وعلى الخفَّينِ ))
وأجازَ التيمُّم إن عُدِمَ الماء،
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
– التيسير في الصلاة.
فقد أجاز الشرع الحنيف الصلاةَ في أي بُقعةٍ مِن الأرض.
قال – صلى الله عليه وسلم -: «وجُعِلَت ليَ الأرضُ مسجِدًا وطَهُورًا»؛ أخرجه البخاري.
وشرعَ قصرَ الصلاةِ في السَّفَر، مع الجمع تقديمًا أو تأخيرًا.
قال اللهُ تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء: 101]
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((صحبتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان لا يَزيدُ في السَّفرِ على ركعتينِ، وأبا بكر وعُمرَ وعثمانَ كذلك، رَضِيَ اللهُ عنهم ))
وعنه رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الله يحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه، كما يُحبُّ أن تُؤتَى عزائمُه ))
مظاهر التيسر في الصيام..
خفف الله سبحانه عن أصحاب الأعذارفي رمضان وأباح لهم الفطر على هذا التفصيل: المسافر والمريض: يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:183-184)
– النسيان في الصيام:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه”( صحيح مسلم ج: 2 ص: 809 باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، حديث 1155.
– من جامع في رمضان:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت! قال: “ما لك؟” قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “هل تجد رقبة تعتقها؟” قال: لا، قال: “فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟” قال: لا، فقال: “فهل تجد سنان ستين مسكيناً؟” قال: لا، قال: فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- فبينا نحن على ذلك أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، – والعرق المكتل – قال: “أين السائل؟” فقال: أنا. قال: “خذ هذا فتصدق به”، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله! فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي! فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: “أطعمه أهلك”.
صحيح البخاري ج: 2 ص: 684باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، حديث 1834)
– جاء في حديث السيدة عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: “أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم”(.صحيح البخاري ج: 2 ص: 679، 22 باب الصائم يصبح جنباً حديث 1825.)
– ومن مظاهر التيسير في الحج:
جواز تقديم بعض أعمال يوم العيد على بعض، فالسُّنة يوم العيد رمي جمرة العقبة أولاً، ثم ذبح الهدي، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، هذا فعل النبي؛ لكن مَن قدم بعض هذه الأشياء على بعض جاز، قال رجل للنبي – صلى الله عليه وسلم -: “زرت قبل أن أرمي؟”، قال: ((لا حرج))، قال: “حلقت قبل أن أذبح؟”، قال: ((لا حرج))، قال: “ذبحت قبل أن أرمي؟”، قال: ((لا حرج))؛ رواه البخاري (1722).
وفي حديث عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه -: فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال: ((افعل ولا حرج))؛ رواه البخاري (1738)، (124) ومسلم (1306)
فالإسلامُ لم يترُك مرحلةً مِن المراحِل التي تمُرُّ بها العبادة إلا وحباها نوعًا من السُّهولة والتيسير، وهكذا في كل العبادات .
***
(٣)- يقول الله سبحانه وتعالي: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، (سورة الأحزاب:21).
فخير هدي هو هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو المزكى من رب العالمين، هو الذي جعله الله للناس قدوة يقتدون بها ، فبهداه نهتدي، وبفعله نقتدي .كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أُسْوةً لِلْعَالَمِ فِي أَخْلاَقِهِ وَسُلُوكِهِ وَاعتِدَالِهِ، وَكَانَ أَهمُّ مَا يُمَيِّزُ سُلُوكَهُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ الرِّفْقَ وَاليُسْرَ .
يقول الشيخ الألباني – رحمه الله تعالى -: “ثم كان – صلى الله عليه وسلم – يقرأ بعد الفاتحة سورة غيرها، وكان يطيلها أحياناً، ويقصرها أحياناً؛ لعارض سفرٍ ، أو مرضٍ أو بكاء صبيٍ”،(صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، صـ102) .
عن أبي قتادة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي؛ فأتجوز في صلاتي؛ كراهية أن أشق على أمه))،(رواه البخاري ، ومسلم ).
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: “ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم من النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف؛ مخافة أن تفتن أمه”,(رواه البخاري)
ويبين – صلى الله عليه وسلم – أن التخفيف – الغير مخل – سببٌ لجذب الناس إلى هذا الدين، وأن الإطالة المفرطة سببٌ للتنفير من هذا الدين، فقد روى البخاري عن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: “قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – في موعظة أشد غضباً من يومئذٍ، فقال: ((أيها الناس إنكم منفرون؛ فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض، والضعيف، وذا الحاجة”
(رواه البخاري برقم (90) ،
ومثله روى مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا أمَّ أحدكم الناسَ فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير، والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء” ، (رواه مسلم برقم (467).
، وليس الإطالة مذمومة على الإطلاق، بل قد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يطيل بما يناسب المقام، فعن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: “كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية”، (رواه البخاري برقم (725)، ومسلم برقم (451).
، ويبين أبو قتادة – رضي الله عنه – ما ظنوه سبباً لتطويل النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصلاة يقول – رضي الله عنه -: ” فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى”سنن أبي داود برقم (800).
وهكذا كان هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلاته، يراعي الظروف، ويعمل الأنسب، فما أجمل الاهتداء بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بسنته.
***
(٤)- هذا وقَدْ حَذَّرَتْ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ من (الغُلُوَّ فِي الدِّينِ)، وَالغُلُوُّ مُجَاوَزَةُ حَدِّ الاعتِدَالِ، وَيَشْمَلُ طَرَفَيِ الإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، وَيَخْتَصُّ غَالِبًا بِطَرَفِ الإِفْرَاطِ ويُجْعَلُ مُقَابِلاً لِلتَّقْصِيرِ، فَالغُلُوُّ نَقِيضُ التَّقْصِيرِ، وَمَعْنَاهُ الخُرُوجُ عَنِ الحَدِّ، وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ), [ المائدة: 77].
فَنَهَى اللهُ تَعَالَى عَنِ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ القَدْرِ المَشْرُوعِ إِلَى مَا لَيْسَ بِمَشْروعٍ، وَيأْتِي الغُلُوُّ غَالِبًا كَمَا أَشَارَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ الأَعْمَى لِسُلُوكِ أَشْخَاصٍ يَدَّعُونَ التَّديُّنَ فَيُبَالِغُونَ فِيهِ فَيَضِلُّونَ ويُضِلُّونَ، لِذَلِكَ أَوصَتْ نُصُوصُ القُرآنِ بِاتِّبَاعِ كَلاَمِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-، قَالَ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَأُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ: ((فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)), [ هود: 112]،
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَأْمُرُ بِالاستِقَامَةِ التِي هِيَ الاعْتِدَالُ، وَيُعَقِّبُ سُبْحَانَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ الطُّغْيَانِ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدِّينِ طُغْيَانٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَالمَطْلُوبُ مِنَ المُسلِمِ هُوَ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم- بِدُونِ غُلُوٍّ وَلاَ مُبَالَغَةٍ وَلاَ تَشْدِيدٍ يُحِيلُ هَذَا الدِّينَ مِنْ يُسْرٍ إِلَى عُسْرٍ.
هَذَا وَقَدْ حَفَلَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ بِشَواهِدَ تدل علي خطورة التشدد والغلو في الدين ، مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: “هَاتِ القُطْ لِي ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَقَطتُّ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الخَذْفِ – أَي حَصَى الرَّمْيِ الصِّغَارُ-، فَلَمَّا وَضَعتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: بِأَمثَالِ هَؤلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهلَكَ مَنْ كَانَ قَبْـلَكُمُ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ “، (إسناده صحيح | التخريج : أخرجه النسائي (3057)، وابن ماجه (3029)، وأحمد (1851) واللفظ له) .
فَأَشَارَ إِلَى الاعتِدَالِ فِي اختِيَارِ حَجْمِ الحَصَى المُجْمُوعَةِ لأَجْـلِ رَمْيِ الجَمَرَاتِ، وَأَنَّ اختِيَارَ الحِجَارَةِ الكَبِيرَةِ هُوَ مِنَ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالتَّشَدُّدِ،
(الغُلُوِّ فِي الدِّينِ ), إخوة الإيمان ، ظَاهِرَةٍ تَشْمَلُ كُلَّ العُصُورِ، حتَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَعُوا فِيهَا؛ فَحَذَّرَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-
ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ ، عن السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – قالت :” كانَ لِرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حَصيرةٌ ، يَبسُطُها بالنَّهارِ ويحتَجِرُها باللَّيلِ فيصلِّي فيها ففَطِنَ لَه النَّاسُ فَصلَّوا بصَلاتِه وبينَه وبينَهمُ الحصيرَةُ فقالَ اكلَفوا منَ العمَلِ ما تُطيقونَ فإنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ لا يَملُّ حتَّى تَملُّوا وإنَّ أحبَّ الأعمالِ إلى اللَّهِ عزَّ وجلَّ أدوَمُهُ ، وإن قَلَّ “
(أخرجه النسائي (762) واللفظ له، وأخرجه البخاري (730، 1970) مفرقاً باختلاف يسير، ومسلم (782) باختلاف يسير)
وَفِي رِوَايَةٍ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” دخَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المسجدَ وحبلٌ ممدودٌ بينَ ساريتَيْنِ فقال: ( ما هذا ؟ ) قالوا: لزينبَ تُصلِّي فإذا كسِلَتْ أو فتَرَتْ أمسكت به قال: ( حُلُّوه ) ثمَّ قال: ( لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَه فإذا كسِل أو فتَرَ فليقعُدْ “, (صحيح ابن حبان )
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” يا عَبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ” .
أخرجه البخاري (5199)، ومسلم (1159)
وفي حديث آخر : “آخَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينَ سَلمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزارَ سَلمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً، فقال: ما شأنُكِ مُتَبَذِّلَةً؟! قالتْ: إنَّ أخاكَ أبا الدَّرداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، قال: فلمَّا جاءَ أبو الدَّرداءِ، قرَّبَ إليه طعامًا، فقال: كُلْ، فإنِّي صائمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتَّى تأكُلْ، قال: فأكَلَ، فلمَّا كان اللَّيلُ، ذهَبَ أبو الدَّرداءِ ليقومَ، فقال له سَلمانُ: نَمْ؛ فنامَ، ثمَّ ذهَبَ يقومُ، فقال له: نَمْ؛ فنامَ، فلمَّا كان عِندَ الصُّبحِ، قال له سَلمانُ: قُمِ الآنَ، فقامَا فصلَّيَا، فقال: إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأَتَيَا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَا ذلكَ، فقال له: صَدَقَ سَلمانُ”
أخرجه البخاري .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألون عن عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قد غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال أحدهم: أمّا أنا فإنّي أصلي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا، فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم فقال: أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟!، أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغِبَ ( أعرض ) عن سنّتي فليس منّي ) رواه البخاري .
فَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنِ السُّنَّةِ هُوَ غُلُوٌّ لاَ يُثُابُ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَعْصِيَةٍ؛ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدِّينِ كَالنَّقْصِ فِيهِ، وَمَنْ يَدَّعِي التَّدَيُّنَ بِغَيْرِ مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ كَمَنْ يَدَّعِي النَّقْصَ فِيهَا، فَقِمَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ وَأَعلَى ثَوابٍ يُمكِنُ أَنْ يُعطَى لأيِّ عَمَلٍ هُوَ مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ ، وَقَدْ أَخْبَرَ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مآلَ مَنْ غَلا فِي دِينِهِ الهَلاَكُ، عَنِ ابنِ مَسْعودٍ – رَضْيَ اللهُ عنه – أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «هَلَكَ المُتنَطِّعونَ» قالها ثلاثًا “. (رواه مسلم).
وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِخَطَرِ (التَّنَطُّعِ فِي الدِّينِ) الذِي هُوَ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ وَالتَّطَرُّفُ فِيهِ، قَالَ العُلَمَاءُ: ((هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ))، أَي: المُتَعَمِّـقُونَ المُغَالُونَ المُجَاوِزُونَ الحُدُودَ فِي أَقوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ.
إخوة الإيمان : إِنَّ الإِسلاَمَ دِينُ يُسْرٍ وَرَحْمَةٍ، جَاءَ لِهِدَايَةِ الإِنْسَانِ وَتَقْوِيمِ سُلُوكِهِ، وَلَمْ يَأْتِ أَيُّ تَكْلِيفٍ شَرعِيٍّ لِتَعْذِيبِ الإِنْسَانِ، فَجَمِيعُ التَّكَالِيفِ إِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَستَطِيعُ الإِنْسَانُ فِعْلَهُ وَالقِيَامَ بِهِ، فَكلُّ مَا نَهَانَا اللهُ عَنْهُ فَفِي إِمْـكَانِنَا أَنْ نَنْتَهِيَ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَيْنَا فَفِي إِمكَانِنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ المَشَقَّةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فِي الدِّينِ ، وَالمَطْلُوبُ مِنَ المُسلِمِ أَنْ يُسَدِّدَ ويُقَارِبَ فِي العَمَلِ وَيَلْتَزِمَ بِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- القائل : فيما روي عَنِ ابْنِ عُمَرَ-رضي الله عنه-، أن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ : ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ))(أخرجه ابن حبان في صحيحه(3568).
وعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَع-رضي الله عنه-، أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ))(أخرجه البخاري(39).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْذَرُوا الغُلُوَّ وَالإِفْرَاطَ فِي مُجَاوَزَةِ المِقْدَارِ المُعْـتَبَرِ شَرعًا، وَانْهَجُوا فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ مَنْهَجًا وَسَطًا سَدِيدًا.
نَسأَلُ اللهَ التَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ فِي العَمَلِ، وَالالتِزَامَ بِهَدْيِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- حتَّى انتِهَاءِ الأَجَلِ.
أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المُسلمين، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفُورُ الرحيم .
********************
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيراً.
أما بعد :
(٥)- يقول الله سبحانه وتعالي : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }سورة (المائدة : ٢ )
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى “أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له
من أفضل الأعمال والقربات إلي الله تعالي وأحبها إليه ، بذل المعروف وإطعام الجائع ومساعدة المحتاجين ، وتفريج كرباتهم ، ابتغاء وجه الله تعالي .
عن عبدالله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِيَ مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا، و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ” أخرجه الطبراني
وعن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء ، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} والآية التي في الحشر : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ” تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره; ” حتى قال : ” ولو بشق تمرة ” قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) أخرجه مسلم في صحيحه .
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصابني الجهد – (أي المشقة من الجوع) – فأرسل إلى نسائه، فلم يجد عندهن شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا رجل يضيفه هذه الليلة يرحمه الله))، فقام رجل مِن الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله، فقال لامرأته: ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخريه شيئًا، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنَوميهم وتعالَي، فأطفِئي السراج، ونطوي بطوننا الليلة، ففعلت، ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((لقد عجب الله عز وجل أو ضحك من فلان وفلانة، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9]))؛ (البخاري، حديث 4889).
يقول النبي ، عليه الصلاة والسلام: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة” رواه ابن حبان [أخرجه الحاكم في المستدرك
ويقول سلمانُ رضي اللهُ عنه: (إنَّ أهلَ المعروفِ في الدنيا هم أهلُ المعروفِ في الآخرةِ، وإنَّ أوَّلَ أهلِ الجنةِ دخولاً أهلُ المعروفِ) صحيح الأدب المفرد (164) .
المرء يُعرف فِي الأَنَامِ بِفِعْلِهِ **
وَخَصَائِل المَرْءِ الكَرِيم كَأَصْلِه
اصْبِر عَلَى حُلْوِ الزَّمَانِ وَمُرّه**
وَاعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ
لا تَسْتَغِيب فَتُسْتَغابُ وَرُ بّمَا**
مَنْ قَال شَيْئاً قِيْلَ فِيْه بِمِثْلِهِ
وَتَجَنَّبِ الفَحْشَاءَ لا تَنْطِقْ بِهَا**
مَا دُمْتَ فِي جِدّ الكَلامِ وَهَزْلِهِ
وَإِذَا الصَّدِيْقُ أَسَى عَلَيْكَ بِجَهْلِهِ**
فَإصْفَح لأَجْلِ الوُدِّ لَيْسَ لأَجْلِهِ
كَمْ عَالمٍ مُتَفَضِّلٍ قَدْ سَبّهُ **
مَنْ لا يُسَاوِي غِرْزَةً فِي نَعْلِهِ
البَحْرُ تَعْلُو فَوْقَهُ جِيَفُ الفَلا **
وَالدُّرّ مَطْمُوْرٌ بِأَسْفَلِ رَمْلِهِ
وَإعْجَبْ لِعُصْفُوْرٍ يُزَاحِمُ بَاشِقاً**
إلاّ لِطَيْشَتِهِ وَخِفّةِ عَقْلِهِ
إِيّاكَ تَجْنِي سُكَّرًا مِنْ حَنْظَلٍ**
فَالشَّيْءُ يَرْجِعُ بِالمَذَاقِ لأَصْلِهِ
فِي الجَوِّ مَكْتُوْبٌ عَلَى صُحُفِ الهَوَى**
مَنْ يَعْمَلِ المَعْرُوْفَ يُجْزَ بِمِثْلِهِ
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ﴿ إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على مُحمدٍ، وعلى آل مُحمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على مُحمدٍ، وعلى آل مُحمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالَمين، إنك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الصحابةِ والتابِعِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معَهم برحمتِك يا أرحم الراحِمِين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائِرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورِنا .
اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلِمات، وألِّف بين قلوبِهم، واهدِهم سُبُل السلام، وجنِّبهم الفواحِشَ والفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَن.اللهم اشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين، اللهم ارحَم موتانا وموتَى المُسلمين، اللهم اجعَل لنا وللمُسلمين مِن كل همٍّ فرَجًا، ومِن كل ضِيقٍ مخرَجًا، ومِن كل بلاءٍ عافِية.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].
فاذكُرُوا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُرُوه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبَر، والله يعلَمُ ما تصنَعُون.