إعداد فضيلة الشيخ : أحمد أبو اسلام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
عناصر الخطبة
١)الدين أصل السعادة
٢) الدين أصل الحياة الطيبة
٣)في العمل التطوعي سعادة
الدين أصل السعادة
الواجب على كل مسلم أن يطيع الله تعالى فيما يأمره به وأن يترك ما ينهاه عنه، لأن هذا هو مقتضى العبودية لله وحده، والمسلم الكامل يتلقى جميع أوامر الله بالتسليم والإذعان، قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور:51}.
وليس في دين الله عسر ولا حرج البتة، بل دين الله كله يسر ورحمة والحمد لله، بل السعادة كل السعادة والراحة وقرة العين ولذة النفس وطمأنينة القلب لا تنال إلا في التقرب إلى الله تعالى والاجتهاد في طاعته .
لكن من يتمسك بهذا الدين لا يجب أن يكون له شكل معين يميزه عن باقي المسلمين فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يميزون أنفسهم عن الناس بشيء، وإنما كانوا جزءًا من مجتمعهم يعيشون معه الأفراح والأتراح، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم مخالطاً للناس يداعبهم ويضحك معهم، وينشد معهم الأناشيد ثبت ذلك كله في السنة.
وكان صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة الحسنة أنظف الناس ثياباً وأطيبهم ريحا، يقول أنس رضي الله عنه، خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.. فما رأيت أنظف منه ثياباً ولا أطيب ريحا.
فهذه هي تعاليم الإسلام ونبينا صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، يقول الله تعالى:وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]. ويقول تعالى:يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31].
فهذا الدين ملائم لفطرة الإنسان يلبي كل رغباته المادية والروحية، ولا يكلف العبد فوق طاقته وَانْظُروا إِلَى حَالِ هَذَا الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ الَّذِي تَمَنَّى أَنْ يَقْبَلَ الرِّفْقَ النَّبَوِيَّ فِي العِبَادَةِ، وَنَدِمَ أَنْ حَمَّلَ نَفْسَهُ فَوْقَ طَاقَتِهَا، يَقُولُ سَيِّدُنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بن العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟» فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجَكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإَنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإِنَّ لَكَ بِكُلَّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، قَال عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَشَدَّدْتُ؛ فَشُدَّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ نَبِيَّ الله دَاوُدَ -عليه السلام-وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ» قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيَّ الله دَاوُدَ -عليه السلام-؟ قَالَ: «نِصْفَ الدَّهْرِ»، ثُمَّ تَأَمَّلُوا أَيُّهَا الكِرَامُ إِلَى هَذِهِ الكَلِمَةِ الَّتِي تُكْتَبُ بِمَاءِ العُيُونِ: «فَكَانَ عَبْدُ الله يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم»! فَالرِّفْقَ الرِّفْقَ عِبَادَ اللهِ!
وَيَدخُلُ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَسْجِدَ فَيَرَى حَبْلًا مَمْدُودًا بَيْنَ سَاريَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: لِزَيْنَبَ، تُصلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: «حُلُّوه» ثُمَّ قَالَ: «لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ»( رواه البخاري) ، فَالرِّفْقَ الرِّفْقَ عِبَادَ اللهِ!
وفي صحيح مسلم عن حنظلة بن ربعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
فهذا التوازن الذي يضع كل شيء في محله ويعطي كل ذي حق حقه، لا يوجد إلا في دين الله الذي لم يحرف ولم يبدل.. وهو دين الإسلام.
فالذي يسعد الناس في هذه الحياة وبعد الممات هو التوازن الطبيعي الذي فطر الله عليه الناس، وإعطاء كل ذي حق حقه بحيث لا يطغى جانب على جانب.
والذي يجعل المسلم يسعد بعبادة ربه هو الإيمان العميق والحب لله ولرسوله ودينه، فبذلك يطمئن قلبه ويسعد بعبادته.
:الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ*الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد: 28-29].
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ويقول: جعلت قرة عيني في الصلاة. ويقول: أرحنا بها يا بلال.
وكان الصحابي يذهب إلى أخيه ليحدثه عن الإيمان فيقول له :اجلس بنا نؤمن ساعة.. لأنه يجد السعادة والمتعة في العبادة والحديث عن الدين.
وأخطر شيء على قلب المسلم هو البعد عن الله وكثرة المعاصي ومخالطة أهل الغفلة، وطول الأمل.
الدين أصل الحياة الطيبة
الحياة الطيبة مطلب عظيم وغاية نبيلة بل هي مطلب كل الناس وغايتهم التي عنها يبحثون وخلفها يركضون وفي سبيلها يضحون ويبذلون، فما من إنسان في هذه الحياة إلا وتراه يسعى ويكدح ويضني نفسه ويجهدها كل ذلك بحثًا عن الحياة الطيبة ، وللناس في كل زمان أفهام حول هذه الحياة الطيبة وهم تبعًا لذلك أصناف فمنهم من يرى الحياة الطيبة في كثرة المال وسعة الرزق ومنهم من يراها في الولد أو في المنصب أو في الجاه .
لكن الله تعالى – ومن أصدق من الله حديثًا – قد حدد لنا مفهوم الحياة الطيبة وسبيلها في كتابه الكريم فقال : ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ” [النحل:97].
حياة طيبة في الدنيا وهي قوله تعالى: فلنحيينه حياة طيبة.
وحياة طيبة في الآخرة وهي معنى قوله تعالى: ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون.
فهذه الحياة الطيبة أساسها وقوامها على أمرين اثنين أمرين عظيمين جليلين يسيرين على من يسرهما الله عليه:
الأمر الأول: الإيمان بالله تبارك وتعالى.
والأمر الثاني: عمل الصالحات وفق ما شرعه الله تبارك وتعالى وما جاء عن رسوله.
والحياة الطيبة هنا كما قال المفسرون هي السعادة ، وقيل توفيق الله العبد إلى الطاعات ، وقيل الرزق الحلال، وقيل القناعة ،وقيل هي انشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى ولو كان الإنسان في أشد بؤس، فإنه مطمئن القلب منشرح الصدر، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ” رواه مسلم .
وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هي الجنة، وقاله الحسن، وقال: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة. تفسير الطبري ج15 ص 353.
ولله در من قال :
يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته * * * أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها * * * فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
وقد يظن بعض الناس أن الحياة الطيبة في كثرة الأموال والأولاد والتفاخر بالمناصب والرتب ؛ ولذا فهو يحاول الحصول على هذه الأشياء بما شُرع وبما لم يُشرع .
إن السعادة أن تعيش * * * لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل * * * قضية الكون العتيد
هذي العقيدة للسعيد *** هي الأساس هي العمود
من عاش يحملها ويهتف* * * باسمها فهو السعيد
قال عليه السلام :” إن روح القدس نفث في روعي ، أنه ليس من نفس تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته “. (رواه الطبراني في صحيحه) .
فالحياة الطيبة هي التي يحقق المرء فيها السعادة الحقيقية والتي يمثلها قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَه الدُّنْيَابِحَذَافِيرِهَا”(أخرجه البخاري في الأدب المفرد)
وما السعادةُ في الدنيا لذي أمل * * * إنَّ السعيدَ الذي ينجو من النارِ
ولكي يحقق المسلم الحياة الطيبة لا بد له من أن يحقق هذه الشروط وهي:
أولا : الإيمان واليقين وحسن التوكل على الله :
قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (2-3) سورة الطلاق.
فالإيمان واليقين وحسن التوكل على الله هم أس الحياة الطيبة .
قال احد الصالحين :والله أنا في سعادة لو علمها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف!.
وكان هارون الرشيد الخليفة في ( الرقة ) ،فاجتمع عليه الناس ، فدخل ابن المبارك العالم الزاهد العابد ، فسمع به الناس فهرعوا إليه وتركوا الخليفة في نفر بسيط ، واجتمعت الأمة على ابن المبارك ، فقالت امرأة هارون ، وهي تنظر من القصر : ( هذا والله الملك ، ولا ملك هارون الذي يجمع الناس بالسوط والسيف ) .
وقد قيل للحسن البصري –رحمة الله – ما سر زهدك في الدنيا ،فقال أربعة أشياء :
– علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي.
– وعلمت أن عملي لا يقوم به سواي فاشتغلت به وحدي .
– وعلمت أن الله مطلع علىّ فاستحييت أن يراني على معصية .
– وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربى .
الحياة الطيبة في الجنة ( قصة)
وقال رجاء بن حيوة ، لما كان عمر بن عبد العزيز والياً على المدينة قال لي : يا رجاء اذهب واشتر لي ثوباً ، فاشتريت له ثوباً جيداً ثمنه خمسمائة درهم ولما أتيته به ولمسه بيده قال : هو جيد لولا أنه رخيص الثمن ! قال رجاء : وبعد سنوات صار عمر أميراً للمؤمنين ، فقال لي يا رجاء اذهب واشتر لي ثوباً فاشتريت له ثوباً متواضعاً ثمنه خمسة دراهم ، ولما أتيته به ولمسه بيده فاجأني بقوله : هو جيد لولا أنه غالى الثمن ، تعجبت كيف يكون الثوب الذي اشتريته له في المدينة من سنوات بخمسمائة درهم رخيص الثمن ، والثوب الذي اشتريته الآن بخمسة دراهم غالى الثمن !! قال رجاء فتأثرت بذلك فبكيت فقال ما يبكيك ؟ قلت له : موقفك ، وكلامك ، فقال لي : يا رجاء إن لي نفساً تواقة ، كلما حققت شيئاً تاقت إلى ما بعده ، يا رجاء : تاقت نفسي إلى ابنة عمى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها ، ثم تاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها ، والآن تاقت نفسي إلى الجنة وأرجو أن أكون من أهلها !! .
وذكر ( الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/141) أنه اجتمع في الحِجر عبد الله ، ومصعب، وعروة – بنو الزبير – وابن عمر، فقال ابن عمر: تمنوا، فقال ابن الزبير: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال أبو الزناد: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له .
وللحياة الطيبة أسباب وشروط أخرى منها :
* الصلاة من أعظم الأسباب لتحقيق الحياة الطيبة، تشرح الصدرَ، وتُذهب ضيقه، وتُرسل في القلب نبضاتِ الطمأنينة والراحة، فلا يزال العبد كأنَّه في سجنٍ وضيق حتى يدخل فيها، فيستريح بها لا منها. تمدّ العبدَ بقوةٍ إيمانية، تعينه على مهماتِ الحياة ومصائبها، بها تزول الهمومُ والغموم والأحزان، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَـاشِعِينَ}[البقرة:45]. وكان-صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. أخرجه البخاري.
* ومن أهمّ أسباب الحياة الطيبة – كذلك – دوامُ الذكر، فالذكر طمأنينة للقلب، أمانٌ للنفس، حفظٌ لها من الشرور. والقلبُ الممتلئ بذكر الله قلبٌ قويّ، لا يخاف غيرَ الله، ولا يخشى أحدًا إلا الله؛ لأنه يستشعر دائمًا معيةَ الله ونصرتَه، فهو سبحانه القائل في الحديث القدسي: (أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرّكت بي شفتاه)) أخرجه أحمد.
* من أسباب الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة هدايةُ الله للعبد إلى التوبة والاستغفار كلما أصاب ذنبًا أو همَّ بمعصية، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مّنَ الشَّيْطَـانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[الأعراف:201.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “وأيُّ حياةٍ أطيبُ من حياة مَن اجتمعت همومُه كلها وصارت همًّا واحداً في مرضاة الله تعالى، ولم يتشعَّب قلبه، بل أقبلَ على الله، واجتمَعت إرادتُه وأفكاره على الله-تعالى-، فصار ذكرُه لمحبوبه الأعلى وحبُّه والشوق إلى لقائه والأنس بقربه هو المستوليَ عليه، وعليه تدور همومُه وإرادته وقصودُه بكل خطوات قلبه، فإن سكت سكتَ لله، وإن نطقَ نطقَ بالله، وإن سمِع فبِه يسمَع، وإن أبصر فبه يُبصِر، وبه يبطِش، وبه يمشي، وبه يتحرَّك، وبه يسكن، وبه يحيى، وبه يموت، وبه يُبعث” انتهى كلامه رحمه الله.
فالرجلُ الموفقُ السعيد من نظر في هذه الحياة وعرف حقها وقدرها فهي والله حياةُ طيبة طالما حاز فيها المرء قلباً صالحاً نقياً من الشوائب، ولساناً طيباً يتقول به الكلام الطيب ،وجوارح يسخرها في كل ما ينفع به نفسه وغيره.
في العمل التطوعي وقضاء حوائج سعادة
إن المتطوع في أثناء قيامه بعمله التطوعي يجد مشاعرَ من الرضا عن النفس، والراحة النفسية بما قدَّمه من مساعدة للآخرين، وهذه السعادة والطمأنينة هي مطلب جميع البشر؛ فهم يبحثون عن كل ما يزيل عنهم الغم والهم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أتحب أن يلين قلبك، وتُدرِك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطْعِمْه من طعامك يَلِنْ قلبُك، وتُدرِك حاجتك»؛ (صحيح الجامع).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: “إن في قضاء حوائج الناس لذَّة لا يعرفها إلا من جرَّبها، فافعل الخير مهما استصغرتَه؛ فإنك لا تدري أي حسنة تدخلك الجنة”. يقول أحد المتطوعين: أدركتُ أنَّ السعادة تكمن في ابتسامة الأيتام، ودعاء الفقراء، وإسعاد المحتاجين، ومسح دموع البائسين، ومؤازرة من يحتاج إلى المعاونة والمناصرة ممن لا ترجو منهم شيئًا، وأنَّ لقضاء حوائج الناس لذَّة لا يعرفها إلا مَنْ جرَّبها، وأن المعروفَ أبقى الأعمال أثرًا، وأكثرها نبلًا، وأحمدها عاقبة.